الفكر السياسي بين الحماية و الوصاية
27.09.2003 – 02:16
ابن الجزيرة
المتتبع لأسلوب التفكير في بلدان العالم الثالث (المتخلف) و خاصة تلك التي يحكمها حزب واحد ذو فكر شمولي, من خلال الكتابات أو التلفزة أو غيرها.. يلاحظ أن نبرة واحدة تسِمُ هذا التفكير.
تتجلى هذه النبرة في معزوفة تتكرر باستمرار و هي تولي حماية حقوق الكادحين و المظلومين و.. و.. الخ و هي مفاهيم استوردها من تراث الستالينية أساساً, و استغلت صلتها بالفلسفة الماركسية لتكيفها بحسب ما يجعلها متلائمة مع مصالحها و هي إيجاد التأثيرات و الآليات التي تحجر على المواطنين في أفكارهم أو تصادرها بحجة الزعم السابق و كذلك الاختباء وراء عوامل وهمية ينتجونها و يصدقونها و يطلبون من الآخرين تصديقها, مسخرين جهازاً إعلامياً ضخماً لإبهار أو صعق الفهم و الإدراك لدى الآخرين (المواطنين) و مستغلين أيضاً جهلهم و تفشي الأمية فيهم ليوحوا لهم بما يشاءون و كيف يشاءون, و من لم ينفع لديهم هذا الأسلوب كان الخط الثاني لهم بالمرصاد و هو التخدير و التهديد و التخويف عبر وسائل منظمة و بأساليب مدروسة أيضاً.
و هكذا فإن الزعم بحماية ((مصالح الشعب)) أو ((الطبقة الكادحة)) أو غيره جميعاً ليس سوى أسلوب للوصاية على المواطنين و الحجر على أفكارهم و تجريدهم من القدرة على التفكير و المشاركة ليصبحوا مجرد هاتفين بشعارات تحدد لهم و مصفقين دون دراسة لمَ هذا التصفيق حتى..! فهم يسمعون كلاماً طنانا رنانا عن الحرية و الديمقراطية و تحسين مستوى المعيشة و العدل و المساواة.. الخ و لكنهم ما أن ينصرفوا حتى يصطدموا بما هو مخالف لكل ذلك. و مع ذلك فأنهم يعودون لعلهم هذا إذا طلب منهم ذلك. هل هو اعتياد؟ هل هو خوف؟ هل هو جهل؟ في الواقع: هو جميع ما سبق و غيره أيضاً. بل هو ثقافة عميقة الأثر في نفوس الناس رسختها أجهزة و وسائل عديدة و متقنة لأدائها في هذا الجانب باختراع نظرية المؤامرة. هذه النظرية التي ابتدعها هذه الأنماط من الإدارات الفكرية و السياسية و جعلتها عبر الزمن هاجسا في حياة الناس أو شبحاً يهددون به كلما تحركت فيهم الرغبة في تغيير حياتهم بتغيير أساليبها انسجاماً مع التطور الطبيعي للحياة و لقد بحثت في التاريخ ما استطعت و تابعت الآراء المختلفة فلم أجد المؤامرة سوى تفاوت طبيعي بين الشعوب قد يستغل لمصلحة هذا الشعب أو ذاك أو حتى فئات منه و لكن الجدية و الصحة في الأداء كفيلان بتغيير المعادلة هذه.
كانت أمريكا مستعمَرة (بفتح الميم) و انكلترا مستعمِرة (بكسر الميم) و لأمريكا ذاتها. و لكنها الآن تكاد تكون ملحقة بها. و اليابان و ماليزيا… الخ انتقلت من ضعف إلى تميز نسبة لغيرها
المسألة إذن هي في وجود مناخ صحيح للعمل بوجود إدارة تعتمد آليات حيوية و عادلة و على رأسها ممارسة الحرية و الأسلوب الديمقراطي فهي كفيلة عبر الزمن و من خلال حراك اجتماعي بأبعاده المختلفة أن توصل إلى صيغة صحيحة يصبح الناس فيها جميعاً لهم الحقوق نفسها و عليهم الواجبات نفسها, و ما المواقع سوى محطات يمارس كل من وجد فيها قدرة خاصة في خدمة موطنه و ساكنيه, و يعود مرة أخرى ليرتاح و يحل غيره في مكانه (التداول في السلطة) يخلق شعوراً بالتكافؤ بين الجميع, و تلعب القدرات الخاصة دورها في الإبداع و التحسين و يصبح الأداء الإداري خدمة بدلاً من كونه سلطة متعالية.
و يصبح حق التفكير و التعبير عاماً بدلاً من اقتصاره على المتنفذين و المتملقين (المتسلقين)
و يصبح المناخ السائد منسجماً مع قول القائل:
“هناك فرق بين حشر أنفك في شؤون الآخرين و وضع قلبك في شجونهم”
…………………………………………………………….
منقول عن موقع عامودة كوم
http://www.amude.net/munteda/kure-cezire1.html