تساؤلات … !
ابن الجزيرة/م.قاسم
Monday 06-11 -2006
باستعراض تاريخ السلوك البشري – وعلى أي صعيد- يلفت الانتباه إلى أن الإنسان، كائن متسلق في الأغلب!
كيف؟
لنأخذ من السياسة المثل الأبرز..!
كل من بلغ مرتبة سياسية -علت أو خفضت- هو :
– إما (متكئ) .. وإما (متعاقد ).. وهنا يسمى التعاقد – غالبا- الصفقة، وإما(مرتزق) .. وإما (مستلهم) وهذه الخاصة مشروعة على كل حال…الخ ..
ولعل ضرورات العمل السياسي – بتعقيداتها المعروفة- هي الدافع إلى ذلك كمعطى.. وكضرورة واقعيين..!
هذا في ميدان السياسة..فهل ينبغي أن يكون في ميدان العمل في الثقافة أيضا؟
وهل هذا مبرَّر في السياسة في مستواه الأخلاقي؟
لا أدري..! أو ربما ادري ولكن دون تأكيد مواز.!.
- المشكلة في تكوين العقل البشري، انه يطمح إلى استيعاب جميع شؤون الكون- أو معرفته على الأقل- ولكنه يتعثر أحيانا كثيرة.. مما ينعكس سلبا على مصداقية القدرة لديه، بل ومصداقية النتائج التي يبلغها أيضا أحيانا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمستوى الفلسفي لفعاليته.
- والمشكلة في الحياة الاجتماعية أنها تفرض على العقل( أو على الإنسان ككل) أنماطا معينة من السلوك، بل والتفكير أيضا، بـ(ضغط اجتماعي) لا يمكن رده أحيانا.. وتفرض دروبا لمسير الحياة الشخصية؛ تشكل ما يكاد يشبه الممر الإجباري الوحيد لها..! وهذا الواقع، يقلل من دور القوة الفاعلة، والمميزة في الإنسان، بإضعاف دور الحرية والمرونة لديه.. ( أو القدرة على رؤية واعية و شاملة ومتحررة للأشياء والأمور..!).
- والمشكلة في الجانب السيكولوجي(النفسي) من الحياة أيضا، أنه ناتج تشكيل اجتماعي يكاد أن يرسمه.. بدلا من أن يكوّنه عبر (قابلية التفاعل، وفاعلية القابلية هذه). وإذا لجأنا إلى مدرسة التحليل النفسي التي يمثلها ( فرويد) وتلميذاه (أدلر) و (يونغ)؛ واستعرنا منها فكرتها الأساسية في المؤثرات على الشخصية.. وهي”اللاشعور” باعتباره تلك المنطقة من النفس (السيكولوجية) التي تختزن الرغبات المكبوتة.. فإننا سنفهم الدور القامع الذي يلعبه المجتمع ضد فعاليات النفس، وقد يكون منها، فعاليات عقلية أيضا..!1 وإلى درجة كبيرة، جعلت أحد أبرز علماء الاجتماع (دوركهايم)يعتبر الفرد مجرد مردد، أو مقلد، أو مكرر،( أو جميعها معا) لما يريده المجتمع..
نقدم بهذه المقدمة الفلسفية لكي نعالج موضوعنا الذي وضعنا له عنوانا هو: تساؤل..ثم حددنا فيه موضوعا، البحث في طبيعة التسلق لدى الإنسان(ويسميه البعض بالوصولية). والآن نعيد السؤال ولكن.. عن مشروعية هذا التسلق(الوصولية) وهل يوجد فرق بين حالة تسلق وأخرى من حيث التبرير، ومن حيث المشروعية..؟ فنقول:
إذا كانت طبيعة العمل السياسي – واقعيا- قد تفرض بعض تسلق،بسبب الحاجة إلى خبرة ميدانية لا يوفرها سوى الاحتكاك بآخرين.. فهل يشرِّع ذلك للمثقف أن يعتمد التسلق أسلوبا في الحقل الثقافي أيضا ؟! هل الثقافة تشابه السياسة في طبيعتها، ومن ثم تفترض حالة تسلق لا بد منها؟!
وفي حال كون التسلق حالة تفرضها الضرورة(ضرورة النجاح في العمل) هل يبقى تسلقا بمعناه السلبي؟
والتسلق نفسه، ماذا يعني؟
وفي محاولة للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها مما يتعلق بها..، نقول:
يقول الحديث الشريف((كل شاة بكرعوبها معلقة)) أو ((كل شاة برجلها تناط)) وفي كل الأحوال.. فالمرء مسؤول -مسؤولية فردية- عن سلوكه، ومواقفه، وما ينتج عنهما..
وفي الرؤية السياسية الغربية(الفلسفة السياسية) فإن كل الصياغات التي تعتبر مقبولة اجتماعيا(وسياسيا) هي تلك التي تعتمد على مراعاة الحرية الفردية..ومن ثم المسؤولية الفردية أساسا..!
وفي الآية القرآنية ((فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)) (2). إذاً المسؤولية هنا، فردية..والمقولة القائلة : يولد المرء فردا ويموت فردا..يشترك الجميع فيها(الأديان،علماء الاجتماع، الفلاسفة…الخ). ماذا نريد؟
ببساطة..نريد أن نفهم قضية –ربما- هي أهم ما يتصل بحياة الإنسان، ولكنها غير محسومة في المجتمع العربي- والشرقي أيضا-وربما في العالم.. في مستواه الفلسفي- وهي: * ما هي حقيقة وحدود حقوق الإنسان في حالة كونه فردا (فرديته)..؟ * ما هو مدى مسؤوليته تجاه مجتمعه..؟!
* ما هي الوسيلة الناجعة، والمشروعة في معرفة ذلك ومن ثم تحقيقه..؟! ليس الحل سهلا ،بلا شك، ولكنه ليس مستحيلا أيضا ..وفي الحالتين، فنحن محكومون بأن نعيش أفرادا ضمن مجتمعات– برغبتنا،بإرادتنا-أو بخلاف ذلك..! نحن نعيش واقعا لا مهرب منه إلا إليه، لفهمه.. وحسن التصرف معه، إذا شئنا أن نتجه- كبشر- نحو السعادة..(واقعية الفهم، وفهم الواقع). وعلى الرغم مما في مفهوم السعادة بعد فلسفي يقبل الاختلاف بشأنه.
ولكننا نأخذها بالمعنى الأكثر واقعية وهو(واقعية الفهم، فهم الواقع) كأساس للتصرف(السلوك). ولا نريد أن نخوض في موضوع شديد الاختصاصية،يتطلب زمنا، وجهدا، وأهلية ..(والدراسات حوله كثيرة على كل حال). ولكننا فقط، أحببنا أن نضعه تحت مجهر النظر،عندما سنتناول القضية ،موضوع هذه الدراسة أو البحث(المشكلة هنا أن المصطلحات أيضا تربك فهمنا، ووعينا مما ينعكس سلبا على مواقفنا ورؤانا..! ويساعد على الغموض، كثرة المترادفات التي تتقارب في الدلالة.. ولكنها لا تتطابق فيها، مما يترك فسحة بين الكلمة ومعناها أحيانا..!).
إذا القضية واضحة، من حيث صيغة السؤال على الأقل.. * ما هي الحدود الفاصلة بين (حقيقة وحدود حقوق الفرد) وبين (حقيقة وحدود حقوق المجتمع)..؟!
* وما هو دور الحكام في أداء عملهم كحكام، يديرون شؤون المجتمع الهامة،بل قد يقررون مصائرهم أحيانا..؟! وفي هذه المرحلة من التساؤل: * ما هي العلاقة بين السياسة والثقافة..؟. ودون أن ننسى دور التسلق وشرعيته في ذلك..!
المراجع أمامنا اثنان: العقل والتجربة(ويدخل في سياقهما بصورة إشكالية الوحي أيضا).
* ما دور العقل؟. * ما دور التجربة؟. * ما دور الوحي؟. * كيف نكتشف انسجاما متصورا – من وجهة نظر المتدينين على الأقل- بين معطيات الكون ؟ * كيف ندرك ذلك؟ *هل الإدراك (أو الكشف الأكثر فعالية ) قوة من العقل وحده..؟ أم هو حالة مشتركة بين العقل والتجربة..؟. وفي هذه الحال، أي الدورين اكبر: * دور العقل أم دور التجربة؟ وما هو دور الوحي بينهما؟!.
قد نشتهي تجاوز هذه التساؤلات إلى بحث أقل تعقيدا- وهو ما نتمناه أيضا- ولكن هل نستطيع ذلك؟
* هل نستطيع تجاوز طبيعة العقل ودوره في حياة التجربة – إذا جاز التعبير-؟
* هل نستطيع تجاهل دور التجربة المغنية لدور العقل وفاعليته؟! *هل نستطيع تجاوز،أو تجاهل، دور الوحي أو أثره– على الأقل في الحياة الاجتماعية المشبعة بالحياة الدينية ، فكرا وعاطفة وغيرهما..؟!
يبدو لنا أن الأمر الأفضل هو في المواجهة- بالبحث- بدلا من الهروب –كما يفعل الكثيرون من المؤثرين في تشكيل الثقافة في المنطقة العربية على مستوى الفكر الديني، أو الفكر السياسي- إذا كان هناك فكر سياسي عربي أصلا-..! حيث يلتفون على الحقيقة، ربما خوفا من أمر ما، أو ربما لجهل بطبيعة الموضوع ومكابرة على الاعتراف بهذا الجهل-خاصة في الشخصية المرتبكة – وربما لإرضاء مصادر إنعام عليهم ..الخ. و ربما –أحيانا- للاستجابة لقوى نفسية واجتماعية غالبة أو قامعة..!
إن الروح القامعة التي لا تزال فاعلة في حياتنا – تكوينا وثقافة وسلوكا..- هي التي تسيطر في مجتمعاتنا الشرقية ، وأكاد أقول مجتمعاتنا المسلمة،بكل أسف..!( والأكثر تخصيصا هنا هو المجتمعات العربية، أو ربما بشكل أدق الاتجاهات العروبية في المجتمعات العربية). وليس مرد الأمر – برأيي- إلى الإسلام كفكر ، بل ربما كعقيدة( وهنا أيضا ليس لأنها خاطئة) ولكن لأنها امتزجت بثقافة – إذا جاز تسميتها كذلك- فهي إلى تكوين نفسي حاكته ظروف طبيعية، أقرب منها إلى فاعلية نسميها ثقافة عادة..(وهنا نحن أمام حالة تخفيف للمسؤولية بسبب هذه الظروف..).
تبقى المشكلة قائمة..لماذا؟
* ما هي العلاقة بين القومية والدين(بين القومية العربية والدين الإسلامي تحديدا..؟).
* ما دور العرب في المزج الخاطئ بين العروبة كمشاعر ومصالح، وبين الدين كرسالة كونية موحى بها من الله إلى (العالمين)..؟
* هل الدين فكر وعقيدة كونيتان، أم هو امتياز قومي عربي، وعلى الآخرين أن يتمسحوا ويتبركوا بكل ما فيهم (فكرا وعقيدة وسلوكا وثقافة..)..؟.
يبدو أننا سنحتاج دوما إلى شروح وتفسيرات لا داعي لها، لولا أن الفكر العروبي قد أوقع الإسلام في هذا الموقع- أو الموقف- الصعب، فكل حديث عن الإسلام أصبح – في رؤيتهم – حديثا عن العروبة، وبالتالي فإن الحديث عن العروبة هو حديث عن جوهر الإسلام ولكن بضوابط يحددها أصحاب هذه النظرية..! أي بضوابط قومية تحدد ما ينبغي من الإسلام لمصلحتها…!(مثال من قال من أدباء الشام..)
هذا المزج خارج منطق الفكر والحياة، لعله من أهم أسباب المشكلة التي يعاني منها المجتمعات الشرقية… ( العربية خاصة). لماذا؟
لأن هذا المزج أفقد الإنسان حرية التفكير.. في كيفية تفاعله مع عقيدة الإسلام، ومع تعاليمه، ولم يراع حالة التفاوت بين الناس(المسلمين) في سوية الفهم، وطبيعة السيكولوجية لديهم.. فكان مطلوبا من الجميع عقيدة في مستوى واحد – مع أن الفهم النظري لهذا الأمر مختلف..! وكان مطلوبا من الجميع سلوكا دينيا في مستوى واحد – مرة أخرى بخلاف الفهم النظري المختلف- - وكان لذلك، مناخ أدى إلى أن يتشبه بعض العلماء بالأنبياء – بدلا من أن يكونوا ورثة لهم- وأصبح التوجيه أوامر… وأصبح هؤلاء متحكمون في واقع الدين بكل مفاهيمه، وأصبح المؤمنون محكومون بما يفتي به هؤلاء، ولا رادع أو ضابط لهم سوى نمط تربيته الأخلاقية، أو مستوى مصداقيتهم الإيمانية ..! بمعنى أن الحالة الفردية(الذاتية) هي الغالبة في التفسير والشروح والفتاوى..!
وأصبحوا في موقع الأنبياء بفهم خاص منهم(فالأنبياء لم يسبوا.. ولم يشتموا..(ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء)(3) ولم يضربوا، ولم يتبنوا الشر لأحد – مسلمين وكفارا- (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون)(4) ولم يقتلوا، ولم يثأروا( اذهبوا فأنتم الطلقاء)(5) ولم يحتفظوا بمال(مات محمد وفي رف شعير ظللنا نأكله أياما)(6) ولم يعتدوا على نسائهم(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)(7)،ولم يؤذوا جيرانهم، ولم يزوجوا بناتهم إجبارا بحجة أنهم أعلم بمصلحتهم، وإن كان يوحى إليهم أيضا،..الخ إنهم كانوا، دوما، يفرقون بين الدين – فكرا وعقيدة- وبين المصالح الدنيوية(أنتم اعلم بشؤون دنياكم مني)..الخ
فقط لاحظت في فكر (بديع الزمان النورسي) (8) وحده هذا التمييز إذ يقول:
((..يجب أن تعلموا أنني مجرد دلال أنادي على بضاعة القرآن ومعجزاتها الموجودة بين يدي الإنسان في كل عصر،إن من أكبر الخطأ اتخاذي مظهرا أو قائدا لعمل هذه الرسالة إذ أن شخصي معرض دائما للتهم والنقد والهجوم والإيذاء، وفي ذلك ما يضعف من قيمة رسالة النور عندما تقرن بي على أنني الموجد لها والمبدع لحقيقتها،لا تربطوا رسالة النور بشخصي الفاني لئلا تضروها بذلك،ولكن اربطوها بمنبعها الأصيل، فهو بعيد عن كل متناول..))
وحده هذا المسلم العبقري- وهو غير عربي – الذي وقعت –لديه- على هذا النمط من التفريق بين الرسالة وبين الذات (فالأغلب هو التماهي بين الشخص وبين الرسالة،(بل بين المجموعة الإثنية العربية). ولعل بعض مظاهر الصوفية يمثل شيئا من هذا “الخضوع المبالغ فيه من المريدين لشيوخهم” مما لا نجد منه في سيرة الأنبياء(9).
وكأن هذا المسلك-ربط الناس بالحكام نفسيا عبر صياغة فلسفة خاصة- قد استهوى السياسيين، فأحسنوا حياكة نمط من الحياة يُستقى منه ليخدم ما يريدونه- والأصح ما يرغبونه – وهذا أكثره في البيئة العربية التي كان ينبغي لها أن تكون مخالفة لها تماما.. بحكم أنهم حملوا الرسالة قبل غيرهم، ولكنهم حملوها ليجعلوا منها أداة حكم عضود لا يزال مستمرا في أسوأ أشكاله..!
1 معلوم أن الإنسان –في أكثر التفسيرات واقعية- مؤلف من جسم وروح(أو جسد ونفس) فأما الجسد فهو مكوّن مادي لا خلاف على طبيعته كثيرا، ولكن الخلاف يكون عادة حول النفس- التي تقابل الجسد- وهي في معناها العام تعني كل القوى المعنوية غير المحسوسة التي يعتقد بأن الجسم يحويها بشكل أو بآخر(العقل،الانفعالات، القوى الحيوية الأخرى..) وعندما يتعلق الحديث بالعقل..فإنه إما: ممثل في القوى النفسية المقابلة للجسد، وإما هو قوة مميزة مقابل القوى غير المميزة كالعاطفة، والغضب، والحب…التي تصنف ضمن الانفعالات ..!
(2) قرآن كريم
(3) حديث شريف
(4) دعاء الرسول لأهل الطائف. بعد إيذائهم له
(5) قاله الرسول بعد فتح مكة لأهلها
(6) روت عائشة ..
(7) حديث شريف
(8) د.محمد سعيد البوطي-كتاب من الفكر والقلب- طبعة خاصة-مكتبة الفارابي- دمشق. ص 265
(9) الحديث عن الصوفية يحتاج إلى بحث مستقل ومطول في محاولة تحليل فكرهم أو سلوكهم ليس هنا ميدانه، فقط أشرنا إلى صيغة العلاقة بين الشيخ ومريديه والتي تتميز بالاستسلام الكلي.مما يقلل من شأن العقل في التفكير والنقد
……………. يتبع …
ibneljezire@maktoob.com
…………………………………………………………………………………………………..
منقول عن رموقع الركن الأخضر
http://www.grenc.com/show_article_main.cfm?id=3817