تساؤلات 3

تساؤلات 3
ابن الجزيرة/م.قاسم
Wednesday 22-11 -2006
…وعلى الرغم من أنني أشرت إلى اعتبار أن الكتابة موجهة أساسا إلى معتنقي الإسلام(المسلمون ومنهم العرب) فإنها موجهة في الوقت ذاته إلى كل من يريد الحوار مع أفكارها..
الكتابة مسؤولية- كما قلت في مقال سابق- ونشر في مواقع انترنيتية منها موقع(الحوار نت) التونسي. نقتطف منها الفقرة التالية:
((الكتابة مسؤولية لأسباب كثيرة، منها: *- أنك عندما تكتب، فإنك في لحظات القدرة على اختيار أفكارك، والكلمات التي تصلح للتعبير عنها بدقة، *- أنك تنشر هذه الأفكار على ملأ، فيهم الواعي وفيهم الأقل وعيا.. وفيهم – ربما – عديم الوعي، وفيهم المتصيّد، وفيهم المستغِل ..وفيهم ..وفيهم ..الخ.
هؤلاء جميعا، متاح لهم قراءة ما كتبتَ، ونشرتَ..! ولا بد من تأثير من نوع ما – سلبا أو إيجابا- ينعكس على وعي هذا القارئ، وعلى وفقِ ما كتبتَ فإنه سيأخذ منه (الكاتب يساهم في تكوين جوانب في ذات الآخرين “شخصيتهم” أو بعض مواقفهم أو رؤاهم…) فهل نقدر- جميعا- الآن مدى المسؤولية؟
هل ينبغي أن نكتب لننبه إلى ما يجب أن يكون- عبر حوار هادف ،يحمل خصائصه الإيجابية..؟- أم نكتب فقط، لنحارب بأسلوب يحط من شأننا وبالتالي من شأن قضيتنا، و قبل أن يؤثر على الآخرين..؟!)).
ومثل الكتابة، الحديث أيضا، وخاصة الحديث المتلفز(عبر الفضائيات). أي الحديث الذي يبلغ مساحات واسعة وقطاعات كبيرة ..ومن الطبيعي هنا أن المتحدث قد يكون سياسيا أو مثقفا(مع ملاحظة أن السياسي قد يكون مثقفا في مستوى ما، والعكس صحيح).
والحديث الموجه إلى أناس لا يعرفون عنه سوى ما يسمعون منه، أو ما يسمعونه(يشاهدونه) من تقديم المذيع له..غالبا..
وهذا لا يوفر المعرفة به بشكل كاف للحكم على أفكاره ومصداقيتها.. أو ينبغي أن يكون المشاهد(أو القارئ) في مستوى من الوعي يحسن على أساسه، أن يفرق بين الغث والسمين (بين النافع والمضر)..وهنا يمكن أن يُطرح سؤال هام هو:
*-كم هم عدد الناس الذين يتوفر لديهم هذه القدرة على التفريق بين الصحيح والخطأ..بمستواه الصحيح؟
*-كم هم عدد الذين يعرفون ما وراء السطور أو ما بينها- كما يقال- لئلا يقع في فخ التنميق والأحاديث المخادعة..؟
و كنا قد أشرنا إلى أن نسبة الأمية في البلاد الإسلامية (ومنها العربية) تتراوح بين 40 و 70 % – بحسب ظروف كل دولة..- فهذا يعني أن نصف الشعوب الإسلامية( ومنها العربية) يعاني من ضعف الحيلة والعجز عن الفهم المتكامل لما يعرض عليه سواء من السياسيين أو من المثقفين..وهنا تكمن المشكلة ..! مشكلة التأثير على الرأي العام(غالبية الناس) . (ولا نريد الدخول في مسألة تعريف الرأي العام هنا فلنعتمد هذا المعنى الأقرب إلى المعنى الواقعي والبسيط على الفهم).
وهنا لا يمكننا أن نغفل الدور السلبي في التأثير على تكوين الثقافة السياسية و الاجتماعية والأخلاقية.. لدى النساء..وتصيد أصواتهن، أو استثمار اللواتي يقعن في الفخاخ بمختلف طرق الابتزاز السياسي والأخلاقي وغير ذلك..
المشكلة في التأثير هي: أنه عندما يكون من أناس لا يتمتعون بخصائص الموجهين.. والمرشدين.. والمحاضرين..والمخاطبين..الخ .و بمصداقية تستند إلى الكفاءة المعرفية والمنطقية، ولا يتمتعون بالإخلاص للمبادئ التي يعبرون عنها، ويعلنونها – وهذا حال الكثيرين من ساسة ومثقفي هذه الأمة الآن- خاصة أولئك الذين ارتهنوا- عمدا أو غصبا عنهم – لعوامل الضغط وما أكثرها في المجتمعات المتخلفة،من أنظمة لا تراعي فيهم إلاً ولا ذمة.. ولا تفهم من الثقافة، أو الإدارة.. سوى قهر شعوبها ..وعلى رأسهم المثقفين الذين هم في نظر هذه الأنظمة ،من مصادر الخطر على عروشهم، بدلا من النظر إليهم كمصدر للتطور.. والتقدم لشعوبهم.. وأوطانهم.(مؤشر قوي لتقييم المجتمع على انه متخلف..لأن هذه النظرة تحول العلاقة بين المثقف والسياسي إلى صراع يأكل طاقات المجتمع الخلاقة بدلا من استثمارها في بناء قدرات المجتمع وتوفير حاجاته..الخ.).
وفي هذه الحال.. ما هو الدور الذي ينبغي على المثقف أن يقوم به تجاه أحوال قاسية وإشكالية تجعلهم- أحيانا – في مواجهة السلطات مباشرة، ويدفعون لذلك ضريبة قاسية أيضا..بسبب العقلية التي تدير فكر المسؤولين في هذه البلدان المتخلفة بكل المعنى.. ؟! و يمكن أن نعتبر أن طبيعة تعامل السلطات واحدة من المؤشرات الهامة على مستوى تطور هذه الدولة أو تلك، في المستوى الحضاري على الأقل. ومن الطبيعي أن حسن التعامل –ربما- سيكون الخطوة الأهم في فتح الآفاق أمام تطور حقيقي في الدولة(المجتمع) إذ تزج بالطاقات الثقافية(ومنها العلمية طبعا) في عملية تصحيح المسار، ومن ثم في عملية البناء المتدرج للبلاد- كما حصل في أوروبا والغرب عموما-.
الآن في الغرب وأوروبا خاصة ، يعيش المواطنون محصنين بقوانين تقطع الطريق على الأنظمة لاضطهادهم..وإذا حصل فيكون في أضيق الحدود..وهذا بخلاف ما يجري في البلدان المتخلفة ومنها: (الإسلامية عموما، والعربية الإسلامية خصوصا، إذا قبلت هذه الأنظمة أن تسمى البلاد العربية إسلامية حقا)
ففي هذه البلدان فهم أنظمتي(من الأنظمة) خاص للإسلام.. وكثيرا ما ساهم فيه أناس ليسوا من المسلمين تحت عناوين مختلفة منها القومية مثلا..نجد ذلك في مثال واضح لدى بعض الاتجاهات الحاكمة أو الحزبية أو السياسية عموما..لنأخذ مثلا ميشيل عفلق.وغيره .. الذين ينظرون للإسلام باعتبار الإسلام خاصة عروبية قومية مميزة.. ومفضلة لهم على غيرهم من المسلمين..(فهم نظّروا لدين ليس دينهم أولا..وهم قزّموا معنى الدين الإسلامي الكوني(ألأممي) لصالح مفهوم القومية العربية(العروبية) ثانيا..وهم نصبوا أنفسهم قوادا للبحث في التاريخ الإسلامي وللفكر الإسلامي -وربما للمعتقد الإسلامي أيضا- فصاغوه بما يتلاءم مع نظرتهم الأيديولوجية القومية العرجاء..! ثالثا). ونحن لا نلومهم، فهم يبحثون عن ما يحفظ مصالحهم كأناس غير مسلمين في وسط مسلم، ولكن الغرابة في انسياق العرب المفترض أنهم مسلمون، وراء صيغ كهذه لا تتوافق مع تاريخه القيمة المجتمعية لديهم ..! قال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب: ” نحن قوم أعزنا الله بالإسلام” فماذا جنى أصحاب النظرية العروبية من هذا التنظير..؟ ألم يخسروا الإسلام.. ويخسروا القومية أيضا.. بهذا الفهم المغالط للعلاقة بينهما بتأثيرات من هؤلاء وغيرهم ..؟!.
ولو استعرضنا أحداث التاريخ العربي، نجده الكثير من هذه المغالطات التي أنتجت ثقافة فيها غرابة.. وفيها إبهام.. وفيها تزييف..!
ثقافة أيديولوجية حيكت بتنظيرات سياسية لا سند فاعل لها من الواقعية(الموضوعية) والتي تعطي للأفكار قيمتها وصحة مدلولها(دلالتها).من هذه المغالطات اعتبار كل من تكلم العربية فهو عربي..ومنها كل الأقوام التي شاركت في الفتوحات الإسلامية فهي عربية، وبالتالي فكل أبطال وعلماء ومفكري وشعراء و..و..الذين ينتمون إلى هذه الأقوام فهم عرب أيضا(طارق بن زياد- ابن رشد-الفارابي- ابن خلدون- أبو نواس- أبو العتاهية- بشار بن برد..صلاح الدين- وأولاده من بعده..الخ).وعلى الرغم من أن بعضهم يذكر أصلهم ولكن ذلك لا يشفع لهم أن يفلتوا من قاعدتهم الأيديولوجية “كل من تكلم العربية فهو عربي”..ويا حبذا لو كانوا صادقين في اعتبارهم هذا..! إذ لنمت- حينئذ- في ذهنيتهم فكرة المساواة الإنسانية، بدلا من النظر إلى غير العرب باعتبارهم دائما محل شك في وطنيتهم.. ومتهمون كلما نبضت في عروقهم غيرة العروبة التي هي دوما غطاء لمصالح الحكام والأنظمة بشكل عام.ومن المؤسف أن الشعوب – بحكم التربية المستديمة لهذه الذهنية- منساقون مع هذه النظريات، حتى وإن جاءت على حسابهم أيضا وهو حاصل دوما، مع الأسف الشديد..!
والسؤال دوما: ما هو دور المثقفين في مجرى ومسرى هذه الأفكار والأحداث..؟!
وما هي مسؤوليتهم تجاه النتائج السلبية التي تفرزها سياسات وأيديولوجيات صاغتها الشريحة المثقفة في هذه المجتمعات..؟! وهل يبرر الضغط ألأنظمتي(من الأنظمة) عليهم، أن ينساقوا مع اتجاهات لا تصب في نهاية الأمر..في مصلحة المجتمع الذي ينتمون إليه..؟ ويعتبرون مسؤولين عنه أخلاقيا على الأقل..؟!.
ibneljezire@maktoob.com
………………………………………………………………………………………..
منقول عن موقع الركن الأخضر
http://www.grenc.com/show_article_main.cfm?id=3992