الربيع العربي
05تشرين22011
محمد قاسم
بعض إفرازات ونتائج مختلفة “1”
محمد قاسم “ابن الجزيرة ”
m.qibnjezire@hotmail.com
اعتاد المتنفذون والمهيمنون– وخاصة في الحالة الصحافية –وهي الحالة الغالبة –للأسف-، كفعالية حيوية في المساهمة في تكوين ثقافة العصر عموما، لاسيما الثقافة الاجتماعية –والسياسية منها طبعا-.
ربما لتطور التكنولوجيا، خاصة في ميدان المواصلات والاتصالات …ونمو الفضول تحت تأثير الإثارة، والتي أصبحت متعمّدة، ومنهجية، فأصبحت سمة أساسية في الإعلام، والإعلام السياسي والدعائي (الإعلاني) بشكل خاص…
اعتاد هؤلاء المتنفذون –والمهيمنون-أن يتّبعوا نهجا إعلاميا بالسمة المشار إليها، بقصد التأثير لأهداف مصلحية مادية، ذات خلفية-وفي مظهر-سياسية في أغلب الحالات…
يبدو لي أن هذا النهج قد أصبح سمة في ثقافة المجتمعات –العربية خاصة-وغلبت السمات والخصال الأخرى التقليدية، والمفترضة، تلك القريبة من الفطرة البشرية –أو من الطبيعة البشرية – إذا رأينا في الفطرة ما قد يحتاج إلى نقاش بشأنه؛ كمعنى ودلالة ومضمون.
إن نتيجة هذا النقاش قد لا تكون مضمونة، ومتفق عليها-لذا سنبقى نستخدم مفهوم ” الطبيعة البشرية” الذي يفيد نوعا من الاشتراك في فهمها؛ وهي ذات طبيعة أقرب إلى الثبات، لذا قيل في المثل الكوردي-بالتأكيد في أمثال الأمم الأخرى شبيه-: “الجبل قد يتغيّر مكانه لكن الطبيعة البشرية تبقى ثابتة “.
كما ووصف الفيلسوف الإغريقي الأشهر أرسطو ذلك في مقولة: “العادة هي طبيعة ثانية”، للدلالة على ثباتها.
يدرك الناس جميعا –سواء عبر وعي ومعرفة، أو عبر حدس نفسي أو عبر كليهما معا-بأن الحياة الاجتماعية – أي العلاقات-لا تستقيم بلا ضوابط تنظمها، وتقوْننها –إن صح التعبير-في شكل أعراف وتقاليد وعادات… والأفضل في شكل قيم أخلاقية ايجابية، وقوانين واضحة المضمون والمفعول والأثر نابعة من وعي وإرادة وطبعا مصلحة الشعوب…!
ويدرك الجميع بأنه ما لم يتم ذلك، فإن فوضى وصراعات عمياء…ستظهر، تحركها الجهالة، والغرائز والميول البدائية…
لذا فقد كان جهد الرسل والأنبياء والحكماء والعقلاء عموما، وتحت أي مسمى…، حثيثا؛ لكي يفهموا أسرار الحياة البشرية، ويستنبطوا من هذا الفهم قِيَما، ومعاييرَ، ومناهج …تعين جميعا على تهدئة نمط الحياة المعاشة، وتنظيمها وفقا لما يوفر الأمن والأمان، وحسن السلوك، وحيوية التفاعل والتعامل-في العلاقات عموما-وفي مختلف تجلياتها، وتكويناتها، ومراميها…الخ.
من هذه الأشياء(والأسرار) قيمة الإنسان.
نستعين بالآية القرآنية الكريمة لتعزيز الفكرة “ولقد كرّمنا بني آدم”. وطبعا المواثيق الدولية التي تشير إلى ذلك.
فمعنى التكريم هنا-فيما أفهم-هو التمييز بين الإنسان وبين الكائنات الأخرى، وتخصيصه بقيمة أعلى. لذا قيل في آية أخرى:
“مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)-سورة المائدة.
النوعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم.
فالبشرية تمثل تكريما لا حدود له تكاد تبلغ درجة –ومعنى-القداسة. يعزز هذا ما ورد في الحديث الشريف:
“…وجاء في رواية أخرى عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار) .
وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الترغيب 2/629.(اسلام اون لاين ف-حديث حرمة دم المسلم).
وجه الحق في القتل طبعا هنا هو-ثبوت التهمة المحددة الموجبة لقتله؛ بعد إجراء محاكمة عادلة ونزيهة -ووفقا لمعايير واضحة-لتقرير مصيره، من حيث استحقاق عقوبة القتل أو غيرها. وهذه المحاكمة –للأسف-قلما تتوفر مذ وجدت السياسة قوة مهيمنة في يد حكام لا يلتزمون بمعايير الحق إلا مضطرين في معظم الحالات… وهذه معضلة بشرية تاريخية ولا تزال، ودفعت البشرية أكلافا باهظة؛ ثمنا لذلك-ولا تزال الحالة مستمرة في الظروف الحاضرة، نتيجة سيادة ثقافة سياسية (غلبت الذاتية والهوى فيها).
مضمون هذه الثقافة السياسية؛ مصلحة المتنفذين-غالبا-وفي أي موقع كانوا، وبشكل خاص، الحكام والمقربون إليهم، أقرباء أو خدما أو متزلفون ومتسلقون-وصوليون-وما أكثرهم بكل ألم وأسف.
لقد امتهن بعض الناس-أفرادا وجماعات مختلفة-باسم الدين أو الطائفة أو القومية أو الوطنية أو غير ذلك… هذا النمط من التفكير، والسلوك، ليعيشوا كالقراد، يمتصون دماء الناس من خلف صلتهم الشوهاء بالحكام، ويفسدون-مع حكامهم في الأرض، متخفين في ظل مفاهيم مؤثرة في سيكولوجية الكثيرين…
والنتائج – للأسف-سلبية، ورهيبة على صعيد الواقع، وتكوين الثقافة الاجتماعية بمعناها الأهم –ومنها السياسة-…!
والأخطر في هؤلاء، إنها جماعات-أيا كانت-تستغل المفاهيم ذات الصلة القريبة إلى نفوس الناس، كالعقائد وبعض القناعات… ليجعلوا منها وسيلة ممزوجة مع المصالح، ويغزلونها ثقافة اجتماعية، تاريخيا.
دعاني إلى هذه الكتابة، مشاهدتي لمنظر الراحل ” معمر القذافي ” المقتول بعد الأسر، وتذكري لمنظر الراحل صدام حسين حين الشنق وما رافق ذلك من تجاوز قيمي. وأشياء شبيهة منها سلوك التعذيب والتجاوز المبالغ فيه في تعامل الأمن والشبيحة السوريين وغيرهم….
وعلى الرغم من أن موقفي من القذافي ومن كل المستبدين من أمثاله واضح، وهو محاكمتهم ومحاسبتهم، ومعاقبتهم بما يستحقون؛ بحسب القيم السائدة في حالات كهذه، وفي سياق الثقافة القانونية والأخلاقية البشرية.
على الرغم من موقفي هذا، إلا أنني أرى أن الالتزام بقيم ضابطة لسلوك الناس في أي مستوى؛ هو أمر ضروري، ومهم؛ أخلاقيا، وقانونيا، وثقافيا، ودينيا، … الخ (مع أن الأخلاق والقانون والدين جزء من الثقافة عموما، ولكن للتوضيح).
إن التشفي –وهي صفة ذميمة تأباها النفوس الحرة – يكاد يغلب في ثقافة الكثيرين بتأثير عوامل مختلفة.
(وربما يبدو في بعض حالاته مقبولا، من الناحية الواقعية، ولكنه أبدا ليس مقبولا أخلاقيا، فضلا عن تأثيراته السلبية جدا في إذكاء الحقد واستمرار الصراعات، والروح الثأرية في النفوس، وتتغلغل في الثقافة الاجتماعية بعمق مدمّر…مع الوضع في الاعتبار احتمال أن القتل بلا محاكمة تحريض من جهات لا ترغب في كشف أسرار عبر المحاكمة لأي سبب. !
لا يختلف اثنان على تشخيص وتوصيف الجرائم التي يرتكبها بعض الحكام بحق شعوبهم-أفرادا وجماعات، وأحيانا الشعب بكليته-ومنهم القذافي وأمثاله ممن استحلّوا كل المقدسات لأنفسهم …بأنها جرائم مغرقة في البشاعة والإيذاء.
ولا يخفى على احد أن المئات والألوف -وربما الملايين-يتعرضون لشتى صنوف المعاناة في ظل أنظمة قمعية مستبدة …تنسى أو تتناسى أن الفلك دوار –كما يقال-“يوم لك ويوم عليك”. . فكان سكرة القوة والانتشاء بما هم فيه؛ يجعلهم ينسون أن الزمن دوار….
ومن الطريف في هذا الباب، أن شعارا كان البعثيون يرددونه في مطلع اغتصابهم الحكم في سوريا والعراق، منذ أكثر من أربعة عقود. تحت عنوان الشرعية الثورية الانقلابية…الخ. هذا الشعار هو: “الدهر دارت دورته، والبعث قامت ثورته”.
لكنهم نسوا أن دورة الدهر لا تزال دائرة ويمكن أن تقوم ثورة غيرهم كما قامت ثورتهم ذات يوم، فصاروا يرددون “إلى الأبد إلى الأبد”…!!
وظن حكام استمرؤوا الحكم والفردية والاستبداد الحياة، دون أن يفكروا بان الزمن دوار، فكان سقوط صدام وما كان من إعدامه –ولنا في ذلك رأي-وكان مبارك وهو يساق على سرير إلى المحاكمة –ربما تقصّد الحالة هربا من نتائج الحكم، أو استدرارا لشفقة القضاة، وزين العابدين بن علي-تأملوا اسمه ومعناه ومغزاه-بدا كأنه الأكثر ذكاء عندما قرأ المشهد وقال –”الآن فهمتكم” ثم هرب. وعلي عبد الله صالح ونظام الحكم في سوريا. وغيرهم .. وغيرهم.
هؤلاء جميعا يتجاهلون حقيقة دورة الكون –أو الفلك-بل وإرادة الشعب التي تتوافق مع إرادة القدر بلغة الشاعر التونسي ” أبو القاسم الشابي” الذي كان كأنه يتنبأ لشعبه ولو بعد حين:
“إذا الشعب يوما أراد الحياة=فلا بد أن يستجيب القدر
ولا ننسى حديث الرسول (ص): “يد الله مع الجماعة”. وكل السياسيين يكررون –نفاقا في معظمه وتردادا بلا تأمل وتمعن-أهمية الجماهير وقوتها وإرادتها…الخ، بل وحقوقها…خاصة الأيديولوجيون الأكثر ابتذالا في التعامل مع هذه المفاهيم.
ومن غرائب الأمور –وربما غبائها-أن هؤلاء الحكام الذين استُهلكوا في كل شيء فيهم؛ يحاولون أن يتحكموا في الشعوب استنادا إلى دعم خارجي ينكرونه على شعوبهم، وينسون –أو يتناسون-أن القوى الدولية التي ساندتهم، إنما تساندهم فقط من أجل ما يحصلون عليه من فوائد ومصالح من خلف ذلك، وعندما تنتهي فلا مساندة –وحتى في الحالة السورية وموقف روسيا والصين فهي حرب مع نفوذ أمريكا والغرب، -إضافة إلى بعض مصالح، النظام نفسه أدرى بها-وليس دعما للنظام كما يظن أو يتوهم…
ونذكر بمآل شاه إيران” محمد رضا بهلوي” الذي لم تؤْوِه أية دولة في العالم كله، بما فيها أمريكا-وكان يوصف بشرطي أمريكا في الخليج أو الشرق الأوسط-.
ولولا السادات –وربما بتوافق مع أمريكا –لظل ” الشاهنشاه”-أي ملك الملوك-يتنقل من مكان إلى مكان، حتى يلقى حتفه طبيعيا أو برصاصة قاتلة من خصومه السياسيين، أو المنكول بهم في ظل حكمه. في لحظة ما .
قالها ذات يوم صريحا “هنري كيسنجر” وزير خارجية أمريكا الأسبق، للمرحوم القائد مصطفى البارزاني: لا مبادئ في السياسة إنها مصالح فحسب-أو ما في معناه-.
هذا هو مفهوم السياسة عموما وفي الغرب خصوصا.
ولكن السؤال: هل السياسة فوق البشر؟ ام يفترض أن تكون من اجل البشر؟!
………………………………………………………………………………………….
منقول عن موقع ادباء الشام بتصرف
http://www.odabasham.net/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9/32960-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-32960
…………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………..
…………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………..
الربيع العربي بعض إفرازات ونتائج مختلفة (2)
الأربعاء 02 تشرين الثاني 2011
محمد قاسم ” ابن الجزيرة ”
m.qibnjezire@hotmail.com
كان القذافي بين يدي الثوار في حال يرثى لها، وربما استدرّت عطف الحانقين عليه؛ أكثر من تشفّيهم بما يرونه فيه…!
هكذا هي طبيعة الحال البشرية السوية…!
المشاعر تفور – وتنفر – عندما يثيرها منظر غير مستقر في أعماق النفس؛ كجزء طبيعي فيها، أو يصنّف كمنظر مستهجن في عرفهاـ وبمعاييرها الفطرية ،خاصة، و المكتسبة أيضا.
نسي الناس في لحظة، ما فعله القذافي، وهم يرونه في حال مستضعفة بين أيدي جماعة ينهالون عليه ضربا، ويهينونه، وهو في حالة عجز عن الدفاع عن نفسه، والدماء تسيل على وجهه ؛ يتحسسها بارتباك ودهشة ووجل …!
حيال مشهد كهذا؛ يتوقف- أو ينشلّ- عمل التفكير، وينشط عمل المشاعر؛ وهي في مثل هذه الحال تهتاج، وتزداد هيجانا؛ كلما طالت مدة المنظر المثير للشفقة، وقد يتحول التعاطف مع الثوار –هنا- إلى التعاطف مع القذافي، والذي كان قُبيل هذه اللحظات، يوصف بالتوصيفات الموغلة في الذم والقدح وربما الشتائم.
وعلى الرغم من احتمال أن يتذكر البعض -في بعض لحظات- مواقفه المكابرة، والمبالغة في ادعاء البطولة، والقوة، والعظمة المزيفة… وهذا قد يستدعي بعض السخرية، لكن العمق الانفعالي المشاعري سرعان ما ينزلق إلى المشهد المؤثر ،الحاضر.
البشر –مذ وجدوا على وجه البسيطة- يناضلون “ضد الطبيعة” بتعبير الماركسية، وضد كل ما يعيق طموحهم نحو حياة يتمنونها هادئة،هانئة، مرفهة، فيها أمن وأمان واطمئنان، وشعور بالحرية في البحث عن الذات وتحقيقها…
ويبدو أن الخالق –أو الطبيعة –بلغة الدهريين والملحدين…- قد تعمّد أن تكون الطبيعة الكونية، والبشرية، بهذه الصيغة التي تتطلب الكثير من الجهد، والبحث والوعي…!
وكأن هذه الحالة ضرورية لكي تدفع- وتوفر الحافز- نحو البحث في الذات وعنها، وفي الكون، وإيجاد مواءمة بين الذات وتكوينها؛ والكون ومعطياته المختلفة.
أعجبني قول احد “الألمان” في مقابلة تلفزيونية شاهدتها منذ زمن إذ قال: قضيت أربعين عاما أبحث فيها عن ذاتي، وعندما سأله المذيع:وماذا تنوي أن تفعل بعدها؟ قال: سأحاول أن أستقر، فأتزوج، وأنجب أولادا، وأجد عملا، وأحيا حياتي الباقية كما فهمتها ..
ولكن هل يسمح الحكام الذين اعتادوا الاستبداد، والتحكم في رقاب الناس، والتدخل في تفاصيلها، بمثل هذا النمط من الحياة التي يتمناها الإنسان أن يعيشها، ووفق ما فهمه في الحياة حين البحث عن الذات واكتشافها…؟!
في مقابلة على قناة البي سي اللبنانية –وهي مقابلة حصرية في ظرف ينتظر المحاكمة فيه.خلال يومين، يؤكد مدير “موقع ويكيليكس” جوليا أسانج- أن الثقافة الاستخباراتية –السرية- هي مصدر الفساد في العالم، وهي مصدر الظلم والتجبر واستغلال المستضعفين عموما.
ومن المؤسف أن الثقافة الاستخبارية هي المهيمنة في أدبيات حياة الحكام عموما، ويبدو انها قد قضت على الروح الخلاّقة والمبدعة؛ لبحث القضايا المهمة من اجل تحسين حياة البشر –خاصة في البلدان المتخلفة- والعربية منها- ولعل هذا هو سر الربيع العربي ومفرزاته ونتائجه ..
لا يبدو أن تطوير المجتمعات بهذه الخصائص، سيتحقق في المدى المنظور –على الأقل في حياة شعوب الشرق الأوسط، ومنها الشعوب العربية، وتلك المتعايشة معها بحكم ظروف مختلفة، والتي بدا مصطلح الأقليات يهتز ليحل محله مصطلح التكوينات أو المكونات …وقد ابتكر في العراق بعد سقوط الراحل صدام حسين.، ولا ندري بعد فترة ما هو المصطلح المحتمل؟!..
يقال في الفيزياء:”الضغط يولّد الانفجار” وكان الحكام يعرفون هذا، لذا كان النهج المتبع هو أن لا يصل الضغط إلى الانفجار اجتماعيا وسياسيا..غير إن اعتيادهم على الاستبداد، والسلوك اللامبالي بمشاعر ووعي وحقيقة واقع الشعوب ، وإيكال الكثير من مهماتهم التي سئموها إلى أتباعٍ –غالبا هم مرتزقة، ومنتفعون عموما، في مثل هذه الأحوال- ليتفرغوا لبعض ملذات تتزايد جاذبيتها باستمرار.
وكلما مارسوا هذه الملذات؛ اعتادوها اكثر ،وانصرفوا عن المهام- والمسؤوليات- الكبيرة التي يفترض أنهم يحملونها…وقد نبه إلى ذلك الفيلسوف وعالم الاجتماع الأمازيغي –ابن خلدون.
وبناء على هذا التحليل، قسم عمر الدولة إلى أجيال، آخرها تلك التي يستسلم حكامها إلى ملذاتهم، وتضعف قوة الحكم القابضة برقاب الناس- أو إدارتهم- فتصبح جاهزة للسقوط تشبه الثمرة المستوية، والتي تنتظر –وكما يقول :نأمة ” تسقطها.
عندما تسود المصلحة الخاصة وقيمها؛ فإن الرابطة بين الحكام وأتباعهم تضعف، وتخضع لنوع من المساومة المباشرة وغير المباشرة، ويهتم هؤلاء الأتباع والمؤيدون بمصالحهم الخاصة في الجانب الأكبر من اهتماماتهم، وينفلت عقال الذين كان الضغط يسد أمامهم أبواب الانفجار، فينفجرون…!!
وما أدراك ماذا يعني انفجار قوة الشعوب..انه كقوة السيل من عل، يقتلع أمامه كل شيء، ولا يعود لكل الأساليب القديمة من التحكم؛ ذات جدوى..وهذا ما حصل في تونس وفي مصر وفي ليبيا وفي اليمن وفي سوريا.. وسيحصل في معظم الدول ما لم تتدارك ذاتها، وها هي بعضها تحاول ذلك، ففي السعودية أصبح ممكنا أن تقود المرأة السيارة وان تكون في مجلس الشورى…وغير ذلك، وفي عمان تتوالى إصلاحات، وهاهي قطر تهيئ الظروف لتغييرات تجنّبها الزلزال، وفي المغرب حدث ذلك، والجزائر –على الرغم من نهجه التقليدي المتهالك- يحاول أن يبث الأمل في الشعب، فيما السودان اضطر إلى الاعتراف بجنوبه دولة، وها هو يناقش بشأن قضية دارفور، بضغط من الأمم المتحدة… والحبل على الجرار كما يقال.
بل في أمريكا ذاتها انبثقت حركة “احتلوا”، وتتصدر أخبار العالم، وفي الصين –على الرغم من الأيديولوجيا المعدلة فإن روح الثورة تتنامى ،وأحيانا تتجلى في شكل ما، وهكذا…
كل هذه الإجراءات ليست سوى رتوش لا تلامس العمق. فالتغيير هنا تكتيك في ذهنية الحكام، وليس شعورا بضرورة التغيير كنتيجة لمتغيرات الحياة ومتطلباتها .
هذه مشكلة في الذهنية الحاكمة تاريخيا، ولكن الدول المتقدمة –أو لنقل الشعوب المتقدمة –تجاوزتها، ولعل طبيعة الثقافة التي أصبح العلم والنهج العلمي-المنطقي أساسها، هي التي استطاعت أن تغوص إلى بعض أسرار العلاقات الاجتماعية –ومنها السياسية طبعا- بينما تلك التي بقيت ذات ثقافة أدبية؛ ذات طبيعة ذاتية، ولا تزال تعيش مرحلة البحث والدوران حول الذات، وأحيانا كثيرة مرحلة الوهم والتوهم.
في هذه الظروف ما لم يستعد “الحدس الشعبي الطبيعي” الجذور والأصول -ويبدو ان روح الثورات جوهرها- فإن المستقبل يبقى غامضا.لكن الخطورة هي في المضادات التي تعيق عفوية الثورات، وأيضا انحرافات محتملة في نهج الثائرين بتأثير تربية خاطئة في صورة ما لعل الغالب فيها هو الميل إلى الثأر والتدمير في لحظات انفعال…
في حياة الإنسان –عادة- جانبان بارزان،جانب عقلي منطقي، ومنه الجانب التحصيلي العلمي والمناهج، وجانب نفسي- أحيانا يمتزج مع جانب فيزيائي- يختزن الغرائز والميول والعواطف …الخ.
ويمكن تصنيفها جميعا تحت عنوان: الانفعال –وهو ذاته متدرج في القوة ما بين الهدوء والهيجان الثائر – ولكنه يبقى انفعالا، تقل في فاعليته، تأثيرات العقل عادة.
وكأن البعد الانفعالي هو الذي يتحكم في سلوك المجتمعات المتخلفة أكثر، لذا فالمناهج المتّبعة في الفهم، وفي العمل؛ تبقى هي ذاتها؛ تلك التي تخضع لما يمليه الانفعال، والحالة الذاتية.
فكانت حصيلة هذا النموذج من التفكير والسلوك ما شهدناه في بلدان الربيع العربي التي تغيرت، وما نشهده في بلدان الربيع العربي التي لا تزال تعيش المعاناة،بل المأساة.
……………………………………………………………………………………..
منقول عن موقع ولاتي مه بتصرف
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=10583#.XkW0djLXLIU