صلاح عمر العلي في حوار مع فضائية الحوار
محمد قاسم(ابن الجزيرة)
Saturday 07-04 -2007
أجرى الحوار السيد كاظم..
على الرغم من تحسينات عديدة في صيغة الحديث إلا انه لم يكف أن يكون بعثيا قوميا عروبيا ذا فلسفة أيديولوجية يتم الخلط فيها بين العوامل الموضوعية والعوامل الذاتية، ويتم التعبير عن المفاهيم بطريقة تبدي وكأنهم(البعثيون العروبيون) دوما هم الذين يجب أن ينظّروا في قضايا الحياة السياسية وخاصة الوطنية والتي تسمى القومية. والمشكلة هي لدى هؤلاء أنهم لا يفهمون القومية كصيغة عامة يشترك فيها البشرية جمعاء، بل يعتبرونها خصوصية قومية متميزة عن مفهوم القومية لدى الآخرين..
هذه الخصوصية نتاج إيديولوجي بأدوات غير كفوءة على مستوى القدرة الفكرية المبدعة، وعلى مستوى وعي الظروف والشروط الواقعية التي يجب أن تراعى في التشخيص والتحليل.. إذا أحسنا الظن بهم. أما إذا حللنا الأمر استنادا إلى معطيات منطقية، فإن النتيجة تأتي مختلفة (أو متضادة في الأغلب مع فهمهم).
لذا فإن الكلام لديهم- ودوما- نظري، يغلب على مضمونه التمنيات والتصورات الخاصة والرغبات..الخ
وعلى الرغم من الاعتراف بان التكوين الحزبي (السياسي) متخلف ويرتد إلى جذور قبلية في التكوين الفكري والسلوكي ومن ثم ألتنظيري – إذا جاز التعبير- على الرغم من هذا الاعتراف إلا أن التشخيص يأتي مرة أخرى في إطار أيديولوجيا نظرية لم تغذّ بالتجربة العملية. والمشكلة الكبرى هي في أن الموقف المسبق من الآخرين وفق نظريتهم الإيديولوجية يمنعهم من الاستفادة من تجارب الآخرين(وإن اختيارهم للتجارب أيضا يخضع لفكرة الإيديولوجيا،المبنية لديهم على تصوراتهم الخاصة، وحتى في الحالات التي وضعوا بعض التجارب نصب أعينهم، فهي تجارب لم يستوفوا دراستها بشكل واقعي، مما يبقيهم دائما في دائرة الإيديولوجيا والتصورات الخاصة والتي لا يستشار فيها – عادة- طبقات الشعب المختلفة، بالرغم من أنهم – وباستمرار- يدعون اللجوء إلى الحس الشعبي، والعودة إلى الجماهير..بل في حقيقة الأمر يستخدم الشعب – لبساطته وطبيعة المستوى المتدني له ثقافيا ومعيشيا ونفسيا أيضا..- ومن ثم خوفه من السلوك السلطوي (الثوري) الذي يستبيح لنفسه القيام بأي إجراء عنفي ضد الآخرين ما داموا مخالفين لأيديولوجيتهم (الصحيحة دائما وفق رؤيتهم). ويبدو أنهم -بالإضافة إلى طبيعة التكوين النفسي في هذا الجانب- قد تبنوا مقولة لينين((الماركسية مذهب كلي القدرة لأنه صحيح)).وطبعا هذه المقولة بحد ذاتها مغالطة.فلا دليل على كونه صحيحا،حتى تصبح الصحة دليلا على كونه كلي القدرة،والعكس ذاته يصح إذا اعتبرنا أنه كلي القدرة.
من المصائب أن يتحول الفكر الذي وظيفته التمييز، والتحليل والبحث عن الحقيقة..إلى وسيلة للتبرير والتصوير النظري وصياغة النظريات التي لا تراعي التجربة والواقع والحقيقة..
هذا ما هو حاصل واقعيا لدى أصحاب الأيديولوجية القومية العربية..لأن المعايير لديهم هي ما حددوه هم.. ولا يقبلون للغير أن يساهموا إلا بالقدر الذي يخدمهم..! فمن آليات المعيار لديهم وهم في السلطة: يأتي عنصر من دائرة أمنية لم يحصل على البكالوريا، أو حصل عليها ولا يمتلك مقدرة علمية فيأخذ التقارير من محاضرات المراكز الثقافية، والتي يلقيها عادة جامعي في الأغلب،إلا إذا كانت المحاضرة (تنفيعة)..تحت اسم التشجيع كما يفعل أحد(بل أغلب مدراء المراكز الثقافية في المجتمعات ذات الأنظمة الشمولية وتحت أي اسم كان) وهذه المحاضرات تكون عادة حول موضوعات ذات طابع فلسفي أو فكري بشكل عام ..أو ثقافي عال عموما.فلذا كان بعض هؤلاء ينتظرون انتهاء المحاضرة ليسألوا بعض الحضور عن موضوعها قائلين:مطلوب مني تقديم تقرير ولم أفهم مضمون المحاضرة فأعني الله يخليك..!!
يأتي عنصر بمثل هذه المواصفات فيسال مواطنا- ربما مثقفا- أو غير مثقف، ما رأيك بالكلمة التي ألقاها الرئيس؟! ما رأيك بالقانون.. أو المرسوم.. أو غير ذلك..؟! ويا ويل المواطن إذا قال رأيا مخالفا للاتجاه الذي يريده..(بل إن الخوف القابع في أعماق المواطنين يفرض عليهم أن يكونوا متوافقين مع ما يطرحونه) هكذا يستعينون بآراء وتطلعات المواطنين..(يسألونهم ويدفعونهم إلى قول ما يريدونه هم،ثم يزعمون أنهم استفتوا الناس فأعلنوا موافقتهم إيجابيا..!).هكذا هي الحرية لديهم..!! طبيعة الأيدولوجيا هي السبب فيما انتهت إليه تجربة القوميين من مآل كئيب بل وبائس.. ولكنهم يصرون على أن الفكر صحيح ..وحتى لو كان في التفكير جوانب صحيحة فإن التطبيق أخفق.. ولا يقرون بان طبيعة الأيدولوجيا هي التي قادت إلى التفرد بالسلطة، وهي التي أنتجت الجفوة بين المواطنين وبين السلطة التي يمثلونها، ويتناسون، بان أنظمة الأمن والاستخبارات.. هي التي تحكم المواطن في ظل هذه الأنظمة الأيديولوجية، باعتبارها هي الجهاز القائم على التقييم أفرادا وجماعات، وهي التي تراقب( ترمومتر) التفكير أيضا وفق التوجيه الذي يتلقاه من المسيطرين(أو المسيطر )على الأمر كله.
في ظل أيديولوجيات كهذه تبرز أهمية دور الأخلاق الإيجابية المبنية على احترام الحقوق الإنسانية بعد وعيها وتحديد ملامحها الأساسية(وهو غائب في ظل هذه الأيديولوجيات عادة).
فالشرعية الثورية لديها – وهي تصور ذاتي- تصبح المصدر والمبرر لكل سلوك باسم هذه الشرعية التي تصبح في مقام (الجوكر في لعبة الكوبة السباتي) وإذا كانت اللعبة لا يترتب عليها الكثير من الخسارة، وإذا حصل فإنها مجرد خسارة مادية – على أهميتها-لذا فإنها لا توازي الخسارة التي تنال راحة وكرامة الإنسان الشخصية ..والتي تصبح مباحا أمام أصحاب هذه الأيدولوجيا.. بطريقة لا يمكن تصور ما يحيق بها على أيدي جلاوزتها..(يمكن معرفة ذلك في قراءة أو متابعة برامج أدب السجون.. والمحاكمات الصورية التي تملآ تاريخ هذه الأيديولوجيات..التي تبرر لنفسها كل سلوك مؤذ باسم الشرعية الثورية(مصطلحات منحوتة من نظرة أيديولوجية).
حتى لا ندخل في خانة الثنائيات نرى أنه لا بد من التذكير بأن هذا الحديث لا يعني تجاهل ما يحصل في الأيديولوجيات، وسلوكيات جهات أخرى قد تختلف مع هذه الأيديولوجيات..ففي ظل أنظمة للاستخبارات فيها دور كبير.. لا يسلم الإنسان من مثل هذه التجاوزات – ربما- بأشكال موازية أو أقل أو أكثر..
فلا نريد أن نبرر للبعض أمرا ونحاسب البعض الآخر(معيار المحاسبة ينبغي أن يكون واحدا ما أمكن)
إننا نريد أن نذكر أن هناك أساليب تفرزها أنظمة الحكم في المجتمعات البشرية تتنافى مع الروح الإنسانية ومع القيم الإنسانية، ومع التطلع الإنساني. إلى حياة تتجاوز الأشكال السيئة فيها على مختلف الأصعدة.
كنا نتوقع من السيد عمر العلي ،والذي أعلن في برنامج فضائية الجزيرة(شاهد على العصر)بأنه اختلف مع صدام وترك العمل معه،ورفض حتى أن يكون سفيرا له..كنا نتوقع منه أن يكون ذا نظرة أكثر واقعية وعدالة ولكن يبدو أن الأيديولوجيا قد استحكمت فكره ونفسه،فهو وإن ترك أصحابه لكنه يظل يردد ما تلقنه عبر زمن طويل من حياته.
ibneljezire@maktoob.com
……………………..
*وزير وسفير سابق في حكومة البعث العراقية،ومعارض لنظام صدام
–…………………………………………………………………………………..
منقول عن موقع ولاتي مه بتصرف
http://www.grenc.com/show_article_main.cfm?id=6249