لا مقدسات في السياسة ولكنها مبادئ ينبغي احترامها أو ضوابط تسهل التفاعل المنتج في إطار الانسجام

لا مقدسات في السياسة ولكنها مبادئ ينبغي احترامها أو ضوابط تسهل التفاعل المنتج في إطار الانسجام
11.08.2005 – 23:27
ابن الجزيرة

يبدو أن البدايات السياسية في المجتمع العربي كانت في بدايات ظهور الإسلام ، وقد ترافق ذلك مع نمط جديد من التفكير السياسي حيث امتزجت العقيدة الدينية مع صيغة التفكير السياسي ، وأصبح النظر إليه كحالة مقدسة ما دامت هي صادرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويبدو أن الأسلوب ذاته قد استمر في العلاقة مع خلفائه، وإذا ما اعتبرنا أن الرسول وخلفاءه الراشدين كانوا متوافقين مع هذه النظرة ؛حيث أن الرسول كان موحى إليه، وكان الخلفاء ممن تربوا على يديه، ووفق منهجه ؛ فإن الآخرين ليسوا سوى بشر يسري عليهم ما يسري على الآخرين، ومعرضون للخطأ والصواب – وإن كان الذين سبقوا أيضا بشر ومعرضون للخطأ في الجانب البشري لديهم –
ويبدو أن هذه النظرة قد تجذرت في الثقافة الإسلامية التي صادرها (العروبيون) عبر نظريات وأيديولوجيات ما أنزل الله بها من سلطان ،وعلى رأسها نظرية البعث التي جدَّلها السيد (ميشيل عفلق) بصياغة فيها غرابة، وفيها تهافت؛ باعتبار تقييم الإنسان على أساس الانتماء الحزبي واختياره للمهام الاجتماعية والسياسية بإغراءات مالية ومعنوية، مما يخالف تماما مضمون الحديث الشريف القائل: (( طالبُ الولاية لا يولّى )) ومضمون المفهوم الديمقراطي للممارسة السياسية ؛ حيث يسعى المرء إلى كسب رضى الناس عبر صناديق الانتخابات. ولعل هذا هو السر أن السياسي في الغرب يستقيل من مهامه عندما يشعر بفشله في تحقيق مطالب المقترعين له ، بخلاف السياسيين في الشرق؛ وفي الشرق العربي خاصة ؛ حيث يرتقي سلم المسؤوليات كرها عن الشعب، ويظل متمسكا بها كرها عنه ؛ لما يناله من المغريات التي لا يحلم بها في الأحوال العادية، وهي مغريات ؛ بدلا من أن تحفزه نحو خدمة البلاد ؛ تحفزه نحو السلوك المخالف لمصلحة البلاد وهو ما يعرف بالفساد الإداري الذي يطال كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية – وهي الأخطر بسبب صعوبة المعالجة ؛ حيث تتجذر في مكنونات النفس البشرية في صورة قنا عات ومعتقدات وحالات فكرية ونفسية مختلفة…الخ. ومما يؤسف له حقا أن هذه الفكرة المختلفة مع طبيعة تكوين العقل؛ بما فيها من تناقضات؛ قد استهوت غالبية الحزبيين – في الشرق خاصة – ولكون الممارسة الحزبية المبنية على هذه النظرة قد أتاحت لبعض القيادات أن تظل مدة طويلة في موقعها القيادي ؛ فقد تماهت مع هذا الموقع ، وأصبحت ترى فيها استحقاقا شخصيا بعد أن صاغتها لتتماشى مع حالة التماهي هذه ، وبالتالي أصبحت ترى نفسها مالكة الأمر في الحزب وصاحبة القرار فيه؛ والباقون ما هم سوى أجراء في مزرعتهم الحزبية ، وما عليهم سوى الطاعة!!!.يذكرنا هذا الموقف بما قاله أحد كبار الرأسماليين لأحد عماله: (( ليس مطلوبا منك أن تفكر فهناك من ندفع له من أجل ذلك)) وكأن هذا هو لسان حال غالبية القياديين في الأحزاب في المنطقة – ومنها الأحزاب الكردية في سوريا – وربما في أماكن أخرى أيضا!!!.
ولعل الأمر يبدو طبيعيا – بمعنى ما – لجهة اعتبارات تتعلق بطبيعة الإنسان بالنسبة إلى الشخص القيادي – وأفضل تسمية الإداري هنا -. ولكن ما يبدو غير طبيعي هو أن يتقبل الآخرون هذا الواقع غير الطبيعي ، وخاصة الذين يعملون تحت قيادتهم !.
من هنا نريد القول أن السياسة لدى الشعوب الشرقية – ومنهم الكرد – تحولت من سلوك فكري وعملي غايته خدمة الوطن والمواطن – الإنسان – في الأساس ؛إلى سلوك فكري وعملي غايته ترويض الوطن والمواطن – الإنسان – لخدمة مصالح هؤلاء القياديين – إذا جاز تسميتهم بالقياديين – لأن الشرط الأول والمبرر لتسمية الشخص بالقيادي ؛ هو تميزه بالقدرة والشجاعة والشعور بالمسؤولية بروح متفانية تجاه من يقودهم …وغير ذلك من الخصائص التي تتكامل مع ما ذكر سابقا، فما الذي يتوفر في قيادات بلغ عمر البعض فيها أكثر من ربع قرن؛ وهي لا تزال تجتر الماضي بأسلوب روتيني ممل في أحسن الأحوال؟! وفي كل الأحوال؛ فلا مقدسات في حياة البشر؛ وخاصة فيما يتعلق بالممارسات التي تبنى على العمل الفكري وتطبيقاته كالسياسة !. ولذا فمن المستهجن حقا عندما يلجأ بعض المستقوين بحالات ما؛ إلى قمع الرأي الناقد والمخالف بأسلوب لا يخلو من معنى الإرهاب المعنوي . وما المانع أن يتحول هذا الإرهاب المعنوي إلى إرهاب عملي؛ إذا توفرت الظروف التي يرونها مستوجبة هذا المسلك؟! فكل إرهابي في الأصل لا يحبذ الإرهاب ؛ ولكن البدايات التي يمارسها تقوده إلى تحبيذ الإرهاب فيما بعد.
كل الأمور الكبيرة تبدأ – عادة – بالأمور الصغيرة.
لذا فالمأمول من الشريحة الواعية من الشعب – الكردي والعربي وغيرهم – أن يتجاوزوا هذه الحالات السلبية في التفكير والسلوك ، ومن ثم يمارس كل امرئ وجوده كقيمة بشرية بخصائصها الأصيلة وفي مختلف المستويات والاتجاهات …الخ.
وكفى إنساننا – والكردي خاصة – تسليم نفسه إلى أي كان ومهما كان الموقع الذي يشغله.
فرق كبير بين أن نحترم الإنسان وبين أن نقدسه . في الحالة الأولى هو أمر مطلوب تستلزمه القيم الاجتماعية… وفي الحالة الثانية هو أمر مرفوض يخالف المعنى الإنساني المرتكز إلى التفكير والوعي والتكافؤ البشري.
ولا يمكن لأي كائن بشري – ومهما كان موقعه – أن يتعالى على النقد البناء ، أو يستثنى من إخضاعه للنقد.
أما ما يحصل في الواقع العملي فقد انسحب الأسلوب المقدساتي على التفكير والسلوك لدى يعض الحزبيين في المواقع العليا، واستثمر هؤلاء هذه الحالة لمصالحهم الذاتية فعطلوا عملية النقد ، ومن ثم عطلوا الحركة الفكرية الفاحصة والمحللة للأمور والسلوكيات والمنظومات الفكرية المختلفة ؛ ليحيلوا القدرة والفعالية لدى أبناء الأمة إلى عطالة وجمود يسهل على هؤلاء إدارتهم بالأسلوب الذي يرغبون فيه وبما يجعل منهم أدوات لتنفيذ ما يشاء . بمعنى أنهم جعلوا من أنفسهم المحور وعلى الآخرين أن يدوروا في أفلاكهم . وهذا بالضبط ما وفر المناخ السلبي لنمو مشوه للتفكير والتحليل وصياغة الرؤى المختلفة كرديا، كما أصبح الأمر واقعا مكرسا في التكوين الثقافي والحياتي عربيا ، مما أربك الفكر والعيش والحياة في جميع نواحيها. وربما تكون العلاقة جدلية إلى درجة مميزة بين حالة العرب الفكرية والثقافية عموما وبين حالة الكرد المتعايشين للعرب والمتشاركين معهم في الثقافة الإسلامية.
……………………………………………………………………………………………………………………………………
منقول عن موقع عامودة نت
http://www.amude.net/Nivisar_Munteda_deep.php?newsLanguage=Munteda&newsId=3404