عجوز تقلقنا الليل كله
الجمعة 13/12/2013
يوم أمس (الخميس) كانت الساعة تدق العاشرة ليلا. كانت الكهرباء مقطوعة، والماء مقطوع، الثلج يخيم على كل مكان بعد أن حطم وكسر الأشجار ذات الورق الخضر وغيره… اكّي دنيا-وزيتونتان وبرتقالة…وفي الجوار أمثال ذلك.
تهز روحي وجسمي والحيرة –او الارتباك-على محياها وفي أسلوب ايقاظها لي. قلت لها خيرا ان شاء الله قالت: عجوز تائهة تطرق الباب وتقول انها تائهة. نظرت فاذا عجوز تجاوزت الستين وفي عينيها دموع وترتجف من البرد قالت: أبحث عن دار مهاجر اسمه (أبو حمزو).
ولم اعرفها فوجدت باب داركم مفتوحا فطرقته…!
لهجتها تدل على انها (غربية) من صوب غرب قامشلي. رق قلبي لها فقلت للأهل أشعلوا النار (المدفأة) فتمتمت بأدعية لم انتبه الى انها ادعية امرأة محترفة تنشد قضاء ليلة وربما أكثر …!
زرع أهلي في نفسي شكوكا، لم لا تكون ذات غرض؟ انها غريبة ولا نعرف عنها شيئا…!
الطين بلة ان ممارساتها-سلوكها-عززت الشكوك أكثر. تقول انها صائمة ولم تأكل شيئا لذلك طوال ار بع ساعات، وتزعم انها من نسل يتصل بالرسول (ص) لم اعرف ممن ذكرتهم من أصولها سوى اسم(سلطان). ولم تقم الى الصلاة. ذهبت الى الوضوء فرافقتها زوجي تدلها على الحمام (وتراقب سلوكها المريب أيضا) فوصفت سلوكها بانها تبالغ في غسل أطرافها بالماء والصابون وكنا في حاجة ماسة الى الماء المقطوع منذ ثلاثة أيام ولا ندري متى سيعالج وقد أوشك على النفاذ من خزانه. ثم جلست الى المدفأة تثرثر عن أمور تحاول من خلالها إيجاد جو من التأقلم مع اهل الدار –كما بدا لي-نادت على الصغير (زانيار-12 عاما) وقالت انه يشبه (ولاتو) قبلته ثم تذكرت انها متوضئة فقالت: عليّ أن أتوضأ. كان قرار مزعجا فمعناه ان تهدر المزيد من الماء القليل الباقي. وبدالي انها تعاني من وسواس ما.
طلبت من زوجي واولادي ان يظلوا مواظبين على مراقبتها فان كانت ذات غرض مؤذ فقد تفعل ذلك. وبعد الوضوء جاءت فصلت جالسة. ثم قالت: لم تطعموني(تفطروني) قيل لها: البنت تحضر العشاء (زعتر-زيت زيتون-سيرك-مربى-خضرة مشكلة) اكلت رغيفا ونصف الرغيف. وقالت: الشاي خفيف –وهذه عادتنا في صنع الشاي-طلبت من ابنتي ان تزيدها ورقا لتثقل كما تشتهي. طوال الفترة تثرثر بكلام لا صلة لنا به وأحيانا تدعو. لم يرق لنا سلوكها في إعطاء أوامر (افعل كذا…لا تفعل كذا…) او تصرف بلا استئذان وإعطاء نصائح لا حاجة لها او سرد حوادث لا تعنينا…الخ. وعندما شعرت بالنعاس طلبت “لحافا جديدا” قائلة: لا أستطيع النوم بلا جوارب…و….أين سأنام؟ هنا. لا لا سأنام هناك فهو أكثر دفئا…!
وتزدادا الشكوك فأزيد من مراقبة حركاتها وأقوالها بعمق وحاولت ان أكون جديا وقليل الكلام بحسب الضرورة. وقد اتفقت مع زوجي ان نتناوب السهر لملاحظتها. واوجست البنات خيفة منها فطلبت منهن النوم في غرفة أخرى. فقد كنا ننام جميعا في غرفة واحدة فيها مدفأة نتدفأ على نارها في أوقات محددة. لأن المازوت مفقود ولم نستطع الحصول الا على برميل واحد(200) ليتر. طيلة الشتاء نتيجة الظروف في سوريا والتغيرات. واندست في الفراش وغطت رأسها ولم تتحرك بعدها. لكن انينها وعنينها وهوب هوبها …كان مزعجا. يبدو انها تعاني من مشكلات صحية من نوع ما. لقد قالت في أثناء أحاديثها انها اجرت ست عمليات جراحية. وخلال الليل كله لم تقم سوى مرة واحدة. وتأخرت في النوم كما تأخر الأهل فقد قضوا ليلة قلقة خائفة… حرصت ان لا تفيق باكرا فتعيدنا الى ظروف القلق التي تسببت فيه للجميع.
عند التاسعة والنصف أيقظت الجميع -كنت قد صليت في الخامسة والنصف.
هي لا تفطر عادة –قالت-لكنها تتناول كاسين او ثلاثة من الشاي الثقيل والمحلى.
شعرت بانها لم تعد تسأل عن البيت الذي قالت انها لم تهتد اليه (أبو حمزو) من حسكة. والذي تلفن لها قبل 4 أيام راجين مجيئها فقد اشتاقوها –سألتها وما اسمه: فقالت: احمد، واسم زوجه قالت: بهية.
فهمت بأنها -وكما قالت الأسايش –امرأة تبحث عن قضاء أيام وليال في بيت ما وكان ذلك وسيلة عيش لها لا أدرى لماذا فهي تزعم ان لها اهل واقرباء كثر ومشاهير…الخ.
اين المشكلة؟
إن إيواء عجوز لأيام وليال في ظروف كونها ذات حاجة –كان تكون وحيدة – ليست مشكلة بل هو واجب في وجه من الوجوه. لكن المشكلة في امرأة لا تعرفها وفي ظروف تبعث على الريبة والقلق…وفي اقوالها وسلوكها ما يبعث على القلق والريبة وكأنما كانت تكذب أيضا. لقد سألتها عن البيت الذي تقصده في أي حارة او شارع. فغمغمت كمن تتهرب عن الإجابة وقالت لا اعرف. مما أوحى لي بانها تتهرب من الإجابة وأنها ربما كانت تكذب في روايتها …فقلت لابنتي: اعط الحاجة مائتا ليرة واطلب لها سيارة اجرة لتنقلها الى حيث تشاء. حاولت ان تلتمس اعذارا للبقاء فسددت امامها السبل. فخرجت دون ان تودعني-وكأنما كانت مزعوجة.
لقد عشنا جميعا ليلة كلها خوف وقلق بسبب اسلوبها المريب هذا.