فاجعة تراكمت فيها أحزان

فاجعة تراكمت فيها أحزان
السبت 29/3/2008
صدفة فتحت فضائية ( vin)وإذا بالسيد “جميل محمد” يتحدث عن الشاعر تيرﯦﮋ وشعره.. فتابعت ما سرده باللغة الكردية عن شعره في عرض نقدي مقارن..وظنت أن المقابلة فقط معه..ولكني شاهدت بعد فاصل إعلاني، الكاتب والشاعر” كوني ره ش” يتحدث عنه في عرض، فيه جمال، وفيه بعض المعلومات التي كانت غائبة ..!
وبعد ذلك كان لقاء ب”زوجه” تحدثت عن بعض طبائعه في العائلة، وقد شهدت لها بالسلاسة والمودة.. وكان يتخلل ذلك بعض مشاهد من الشاعر نفسه، وهو يقرأ شعره بطريقة فيها جمالية أدبية..ممتعة ومعبرة..
وتلا هم شاعر آخر اسمه “مشعل عثمان”..ثم الكاتب والمهتم بالشعر “خالص مسور” ..يعرض بعض ما كان يحس به تجاه الشعر، وتجاه الشاعر تيرﯦﮋ المرحوم والذي وصفه بأحد عمالقة الشعر الكردي الكلاسيكي..مبرزا إعجابه بالشاعر العربي أبو العلاء المعري وخاصة بيته القائل:
رب لحد قد صار لحدا مرارا === ضاحك من تزاحم الأضداد..
وربما استوحى من هذا البيت بعض قصيدة قرأ منها أبياتا قليلة لم التقطها ..ثم عرض قراءات شعرية للشاعر بصوته وصورته في أمكنة مختلفة منها بعض المناسبات القومية الكردية.
في الواقع كانت قصائده ملهمة للجمهور،و الذي كان يصفق بحماس له..ولقد شعرت بجمالية ومضمون ..فيه
وتوالى بعض الشعراء على الكلمات شعرا ونثرا،بما فيهم المرحوم “ملا محمد ملا إسماعيل”
ولعل الأمر الملفت نقديا أن النغمة (النبرة)التي كان يقرأ بها شعره(يسرده) فيها أسلوب متشابه أو ربما وحيد..
ولقد شعرت باني ينبغي أن اكتب عنه بعض كلمات في هذه الذكرى الأليمة-ذكرى وفاته- فقد عرفته منذ العام 1968 عندما كنت في الحسكة ادرس في دار المعلمين..وكنت ساكنا غرفة بالإيجار مع ابن أخته الأستاذ محمود حسين وبهذه المناسبة كان يزورنا أحيانا وزرناه بعض مرات..ولكن صلتي به انقطعت ولم يكن –حينذاك-قد لمع نجمه..ولكنه كان يتحدث لنا عن بعض جوانب حياة جكرخوين وشعره..ومما أذكره قوله: أن احد الشخصيات الكردية المهتمة بالسياسة والأدب –إذا لم تخني الذاكرة –اسمه جميل باشا كان يقول ل”جكرخوين” لو انك تخصصت في الشعر لكان خيرا لك..فإن السياسة تؤثر سلبا على شعرك..أو بمعنى انك في ممارسة السياسة أثرت سلبا على شعرك..
وفيما بعد وبعد فترة طالت التقيته في”ديرك” في إحدى زياراته في دار الكاتب “عدنان بشير” وكان معه كتاّب من الحسكة لم أعد أتذكر أسماءهم ربما محمود وعبد الباقي…
أما المرة الأخيرة فقد التقيته في مقبرة –كركفتار-في 1/5/2002 للمشاركة في تأبينه
بمرور أربعين يوما على وفاته..!
ولا أنسى هذا اليوم ..فلقد كان يوما مؤثرا في حياتي بعمق، لما حمله إلي من خبر مؤلم جعلني أعيش يوما بكامله مشدوها، حزينا، لا تفارق العبرات عيني..!!
لقد كنا مجموعة من الكرد المهتمين بالثقافة معا(كروب ديرك للثقافة الكوردية) في رحلة إلى “كرفتار” بدأت باكرا .ومنهم المرحوم “ملا محمد ملا إسماعيل”،و”عدنان بشير”،”محمود عبدو”-“دياب الحاج”-“هوزانة ميرو”….-
وآخرون لا أتذكر الآن أسماءهم –آسفا-
بدا الحفل مراسيم معتادة منها كلمة من “ديلاور زنكي” –عريف الحفل-وقراءة قصائد منهم “محمود صبري”. كنا نتابع البرنامج باهتمام ومتعة، وأحيانا نتململ بسبب سطوع الشمس ووهج حرارتها. وإذ بالخبر المؤلم يدخل سمعي دون استئذان-مباشرة بصوت شفيق جانكير …!
-: لقد ماتت امرأة عمي الحاجة حليمة…!
صعقت للخبر ولم أتمالك نفسي فهرعت نحو سيارة الميكرو باص، ولكن “شفيق” الذي نقل الخبر قال: معي سيارة تاكسي..!
وطلبت من زملائي البقاء لكنهم أصروا على العودة معي..وهكذا كان.
وفي “قامشلي” نزلت من التاكسي لأركب مع المجوعة نحو “ديرك”. وكنا نظن أنا سنلتقي بها محملة على الأكف إلى مثواها الأخير..ولكن..!
ويا للأسف فقد وصلت المقبرة وإذ هي مقفرة، والقبر قد احتوى جثمان والدتي الطاهر.
كان خالي الحاج محمد عمر ، وأولاده وبعض الأقارب والجيران قد أنهوا الواجب مع الشكر والتقدير لهم..!
اغرورقت عيناي بالدموع. ولما وصلت البيت كان تنصيب خيمتي العزاء في مراحلها الأخيرة. وما كدت ادخل الدار واستقبلني الأهل والجيران لم أتمالك نفسي حتى أجهشت البكاء –ربما لأول مرة في حياتي –بمناسبة الأموات. ولم أستعد توازني حتى اليوم التالي …!
ولقد حاول أصدقاء مؤاساتي والتسرية عن نفسي لتتحرر ما فيها من لؤس اللحظة والحدث (عبد الملك ، صالح جانكو ، نذير حاج عمر …) دون جدوى . فقد كنت ادرك ما كانوا يواسوني به به المعاني ، لكن قوة خفية في داخلي كانت تقودني الى الحزن والتوتر والبكاء …!
ولا زلت عاجزا عن تفسير واضح لسلوكي هذا. هل لأنها أمي؟!
هل لأني تركتها في صباح اليوم نفسه متجها للمشاركة في أربعينية” تيرﯦﮋ” فشعرت بالذنب لترك والدتي المريضة.؟!
في الحقيقة لا أستطيع تحديد السبب، وربما كانت تلك الأسباب مجتمعة؟؟!
لذلك، لا أظن أني سأنسى ذلك اليوم ما حييت ..لقد امتزج الحزن على” تيرﯦﮋ” مع الحزن الفاجع على أمي رحمهما الله جميعا.