“كرهت الكورد بسبب التربية، وأحببتهم نتيجة المعاشرة”

“كرهت الكورد بسبب التربية،
وأحببتهم نتيجة للمعاشرة”
محمد قاسم ” ابن الجزيرة ”
هذا ما قاله أحد مثقفي العرب من “دير الزور” في جمع من المثقفين، كانوا يتحاورون حول قضايا الساعة في البلاد. ومنها قضية الكورد-بحسب رواية الأستاذ فؤاد عليكو في العقد الماضي. واستطرد قائلا ما معناه:
منذ نعومة أظفارنا –ويقدر عمره بخمسة وستين سنة كما روي-لا نسمع من غالبية ساستنا ومنظرينا…وربما البيئة الاجتماعية التي ترعرعنا فيها سوى: إن الكورد خطر علينا وطامعون في أرضنا وعملاء للخارج ودخلاء…و…و…الخ.
ولم يقل احد أنهم شعب ظُلم في استحقاقاته، ومُستهدف في وجوده، ويُفتعل الاختلاف والخصومة معه لغايات تخدم الطبقة المنتفعة من هذه السياسة في الأنظمة المتعاقبة.!
إضافة إلى نتاج سيكولوجية متعصبة طابعها الأهم هو الجهل والروح القبلية الثأرية والحاقدة، السارية في نسيج الفكر لدى هؤلاء.!
لذا فقد كرهتهم، وحقدت عليهم، وتكوّن لدي انطباع سلبي عنهم، وموقف عدائي نحوهم…!
لكنني عندما اختلطت بهم، وسمعت منهم، وعاشرتهم عن قرب، وتعاملت معهم في مختلف فعاليات الحياة الاجتماعية والفكرية، وقرأت لعقلائهم. وجدت الأمر مختلفا عن كل ما عشته من رؤية وموقف وانطباع.
وجدتهم شعبا ودودا. تغلب فيهم العقيدة الإسلامية. حيث القرآن –باللغة العربية-والرسول المنسوب إلى العرب، والأذان كل يوم خمس مرات باللغة العربية…ودعوتهم المستمرة للتعايش بين شعوب المنطقة. ومطالبتهم بما يرونه حقوقا لهم وهي كذلك-كممارسة الخصوصية القومية التي خلقهم الله عليها. سواء في الشعور بالانتماء او التكلم والقراءة والكتابة بلغتهم. في مدارس خاصة بهم ..وإدارة شؤون مناطقهم من قبل أبنائهم ووفقا للنظم الديمقراطية المعمول بها في كل أنحاء العالم الحر.
ذلك كله عبر أسلوب النضال السياسي السلمي والدفاع عن النفس. وهو نضال تقره الدساتير والوثائق الداخلية للدول فضلا عن وثائق ومبادئ الأمم المتحدة التي وقعت عليها كل الدول العربية والدول الأخرى التي تتقاسم الحكم على الكورد. وهم في أرضهم وموطنهم التاريخي بالرغم من ادعاءات كاذبة لا تصمد أمام الواقع. مما اضطر الدولة التركية –وهي الدولة التي يسكنها أكبر عدد من الكورد ربما أكثر من ثلاثين مليونا أو أقل –فليس الإحصاء الآن هو المشكلة. وطبعا أكبر مساحة من كردستان-اضطرت للاعتراف بهم قومية متميزة بعد أن كانت تسميهم “أتراك الجبال” ولا تعترف بوجودهم، وتدعو الى حل لقضيتهم. وان كانت –شان السياسيين دائما – ستحاول أن تقلل من مكتسباتهم السياسية قدر ما تستطيع. فعلى حساب حقوق المواطنين والشعوب المغلوبة على امورها يتزوق السياسيون-عادة-في مظاهرهم المتخمة بالزيف والرياء والظلم والشعارات التي تزيف ثقافة البشرية المفترضة أن تبنى على الحقوق “الحق والباطل”
ويصمدون أمام ما يُمارس بحقهم من الظلم والتعذيب والتشويه لحقائق تتعلق بهم…. دون أن يقوموا بعملية تفجير واحدة للذات. أو يستهدفوا مسجدا أو كنيسة أو جمعا بشريا في سوق، أو سيارة عابرة، أو رجلا فردا حتى طيلة عقود وقرون ..على الرغم من كونهم مشهورين بالشجاعة في الحروب التي خاضوها ماضيا وحاضرا..سواء في سياق الحروب ضد الصليبيين (صلاح الدين الأيوبي وقومه) أو في حروب الاستعمار الفرنسي في سوريا مثلا(إبراهيم هنانو..سليمان الحلبي…يوسف العظمة.. ). ومقاومة الفرنسيين في الجزيرة –قصف مدينة عاموده من قبل الفرنسيين…قتلهم لـ(روغان ) الضابط الفرنسي في قرية دوكر…الخ. أو مشاركة الحروب مع إسرائيل. في عام 1967 أو 1973 أو 1982 في لبنان. لم يثبت على أحدهم صفة العمالة بالرغم من اتهامهم المستمر بذلك. إلى درجة أنهم اتهموا بالرغبة في إنشاء دولة “إسرائيل ثانية” في الجزيرة.
ولقد استثمر المزاودون والانتهازيون والمنتفعون والمتعصبون…الخ. هذه الحالة لكي يتبوؤا المراكز، او يقوموا بالسرقات والرشاوى (لصوص النهار) بشعارات أصبحت مبتذلة؛ عن الوطنية والقومية ومختلف العبارات البراقة التي تخفي جرائم البعض وسوء سلوكهم. وتخريبهم لنسيج الروح الإنسانية والوطنية. لدى أبناء الشعب الواحد في الوطن الواحد بغض النظر عن الاختلافات في الانتماءات القومية أو الدينية أو السياسية أو غير ذلك.