ذكريات لها صدى (شاكر موما)
عندما كنت طالبا جامعيا-حدث أن دخلت المستشفى للعلاج. وفي تلك الفترة ادخل طالب جامعي آخر –قسم اللغة الفرنسية-كان اسمه شاكر موما …كان الميكروباص قد دهس كعب رجله فهرس لحمه. كنت أشبّه المشهد بكمشة برغل على مادة لاصقة. وعندما جاء الطبيب المعالج طلب ممن لا يرى في نفسه تحمّل مشهد قصّ لحم قدمه ونزيف الدم … أن يخرج من الغرفة. لكنني لم افعل على أساس أني قوي التحمل، وبقي شاب آخر يدرس الرياضيات اسمه إبراهيم كان رجلا خفيف الظل يذكرني بالممثل عصام العبجي. ويلبس مثله، بيريه على رأسه. ولكنه أنحف وجها وجسما. كانت الممرضة اسمها بشرى من دير الزور. فأمسكت قنينة المطهر لتقطر منه على الجرح الذي تناوله الطبيب بالمقص دون تخدير ليتلمس المواطن التي لا تزال حية في كعب المجروح فيتعرف على الحد الفاصل بين الميت والحي من الأنسجة والخلايا. ولكم أن تقدروا الموقف ومدى صعوبته.
كان إبراهيم مما يلي القدم وأنا كنت عند رأسه. وبدا العمل.
الطبيب يقص لحم كعب الرجل بالمقص ، و تقطر ممرضة عليه بمطهر سافلون . كان شاكر يتألم ويتأوه ويتلوّى… وأحيانا يصرخ عندما ينال المقص جزءا حيا –وكان هذا هو المقصود لمعرفة حدود نسيج الجزء الحي من اللحم. . لكن لسانه -خلال الفترة كلها – لم يلهج بشيء سوى نداءات دينية وتضرّع:
يا إلهي. لا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم صل على محمد. وأحيانا يناديني وهو يصرخ ويتشبث بجسمي يضمه بقوة قائلا: يا أخ محمد… حتى تمت عملية قص الجزء التالف من النسيج. وفي لحظة ما شعرت بدوّار أثاره فيّ منظر الدم النازف من كعب الرجل أثناء قص الطبيب له. فطلبت من أحدهم أن يتولى مكاني ريثما أعود، قيل: هل بك شيء؟ قلت لا …!
لكني ما كدت أصل إلى المغاسل حتى وضعت راسي تحت صنبور الماء البارد حتى استقرت نفسي واستعادت راحتها، وعدت لأكمل وظيفتي الشاقة.
وسأظل اذكر لهذا الـ “شاكر” صبره وجلده وروحانيته في ظرف عصيب كهذا، وفقه الله أينما كان.
المهم…
كان الناس الذين يزورون المرضى –ولا يزالون-يصطحبون هدايا غالبا ما تكون علب البسكويت أو السكاكر أو الحلويات أو ما شابه. وهناك من يصطحب الورد…الخ.
أما صديقنا شاكر هذا فقد تركته في المستشفى بعد تخرجي منه، وقد اكتملت لديه بنية مكتبة جيدة يمكنه أن يؤسس عليها. فقد كان أصدقاؤه يصطحبون هدايا هي عبارة عن كتب. وأحيانا يشترك أكثر من واحد لتكون الهدية كتابا قيّما في أجزاء ومجلدات.!
أعجبتني الفكرة. وتمنيت لو أنها أخذت طريقها إلى أغلب الناس وخاصة المثقفين منهم. وقد روّجت للفكرة في المنطقة. وحاولت أن اتبع الطريقة في مناسبات عديدة. منها مناسبات النجاح في الثانوية والإعدادية وافتتاح عيادات ومكاتب… بل لقد أهديت خطيبتي خلال فترة الخطبة القصيرة كتابين هما متواضعان ولكنهما معبران، أحدهما “رباعيات الخيام” كتبت عليه الإهداء التالي:
“عزيزتي هيفي
عمر الخيام رجل جمع بين الحكمة والعلم والأدب، ورباعياته من روائع أعماله بصيغتها الشعرية ومضمونها العميق.
أرجو أن تجهدي لتقطفي من أثمارها كل ما لذ وطاب.
واسلمي لخطيبك ….”
وكان الكتاب الثاني “كليلة ودمنة”
للأسف لم تأخذ الفكرة مداها حتى الآن. فلا زال الناس يهتمون بالمعدة وما يدخل إليها، والمظهر وتزويقه؛ أكثر من اهتمامهم بالعقل والحكمة…!
بل أكاد اجزم بان الاهتمام بالكتاب يتراجع أمام المظاهر والبطن…!
ومن العادات الجميلة والشبيهة، ما يحدث من إهداء الكتب من مؤلفيها إلى بعض الأصدقاء والمعروفين من المثقفين…!
من حسن الحظ أن هذه العادة لا تزال موجودة بوتيرة ما.
وإنني أشعر بمتعة كبيرة عندما يُهدى اليّ كتاب بمناسبة ما. كما لا أسر لأي شيء آخر بالرغم من أن بعض الأشياء تكون مهمة في حياتنا ولكن فرحة الكتاب لها نكهة مختلفة. -كما أشعر-.
ومن حسن حظي ان كتاب كرماء خصّوني بإهداء كتب لهم لا تزال تمدني بالمتعة كلما رأيتها أو قرأتها. ومن الكتب المهداة إلي:
• رواية “قلوب لا تموت” من الكاتبة (نور مؤيد الجندلي) من حمص. ولذلك حكاية بتقديري ينبغي أن تروى. فكلانا عضو في منتدى “بيت الجود”. وفي المنتدى أعلنت أحداهن أن الكاتبة (نور الجندلي) أصدرت رواية لها بالعنوان المذكور. فكتبت مستفسرا إذا كانت الرواية ستوزع في الجزيرة. لكن الكاتبة أخذت على عاتقها أن ترسل لي مشكورة، نسخة هدية. ولم ترسل فقط هذه الرواية بل كتيّبين آخرين أيضا.
• – الأعمال الشعرية الكاملة باللغة العربية للمرحوم، الشاعر حامد بدرخان، من قبل السيدة نازلي علي خليل وزوجها وقد كتبت مقالا عن الكتاب وعن السيدة نازلي. وزوجها لاهتمامهما بإرث الشاعر والذي كان قد تنازل عن حقوقه في طباعة هذه الكتب ونشرها للسيدة نازلي. والتي بدورها لم تقصّر فطبعت الأعمال الشعرية الكاملة ووزعته على المثقفين مجانا.
• كتاب انطولوجيا الشعر النمسوي من الشاعر (بدل رفو المزوري) في النمسا. عن طريق السيد سلمان بارودو.
• كتاب: مائدة الأدب من السيد المهندس (حواس محمود).
• كتاب: “صورة الأكراد في رؤية العرب بعد حرب الخليج ” للباحث المعروف (إبراهيم محمود).
• كما أهدي إلي من الكاتب والشاعر دحام عبد الفتاح الكتب التالية –
Cinav-Di Zimanê Kurdî De-
Nav Di Zimanê Kurdî de –
DASTANA GIL GA MÊŞ-
• ومن الشاعر المرحوم سيداي (كلش) عدة دواوين منها:
RONAHÎ, DÎWANA-4–
XEBAT, DiWANA -5—
• وانفاضة صاصون –آل علي يونس-1925/1936 من الكاتب والشاعر (كوني ره ش) إضافة الى كتيّب ” SÎPAN Û JÎNÊ ,HELBESTÊN ZAROKAN”
• ومن المهتم باللغة والبحث فيها الأستاذ (برزو محمود) كتاب بعنوان:
Rênivîsa pyva kurdî
وهنا ك غيرها، لكني اكتفي بهذا القدر الآن، وربما في وقت لاحق سأورد عناوين ما بقي من الكتب المهداة إلي.
في مقال مطول يشمل المعلومات الكافية عن كل الكتب التي أهديت إليّ ونبذة مختصرة عن مضمونها وعن حياة المؤلفين أيضا إن شاء الله. وقد أوردت هذه فقط لتأكيد الفكرة التي وردت في البداية وهي اتخاذ الكتب وسيلة التهادي بين الكتاب والمثقفين والطلاب عموما. فكل فئة مشدودة الى البيئة الثقافية التي تكون شخصيته. ويفترض أن لا ينسى المثقفون والدارسون عموما هذا الأمر. فبقدر ما يحترم المرء توجهه يترك أثرا إيجابيا لدى الآخرين عن هذه البيئة وصلته بها وموقعه فيها.
والشعور الأجمل-ربما-أن يتلقى المرء هدية من مؤلف لا يعرفه مباشرة. ربما تعرف إليه عن طريق النت أو حديث بعضهم عنه، خاصة الذين ليس لهم كتب مطبوعة.
ولكن الملاحظة –هنا-تتعلق برد الفعل تجاه هذه الكتب المهداة.
فبعض المؤلفين يتخذون ذلك وسيلة للشهرة…وبعضهم يتخذونه لجمع المال… وبعضهم يرى في المناسبة فرصة لمد جسور المودة بينه وبين أقرانه…الخ.
وإذا كانت الشهرة مهضومة –بمعنى ما-لأن نشر الكتاب أساسا يحقق شيئا من ذلك-قصد صاحبه أم لم يقصد-فإن اتخاذ ذلك وسيلة لجمع المال-بيع الكتب بطريقة تجارية –اجتماعية –إذا جاز التعبير…قد لا تكون مهضومة إلا في حالات خاصة جدا-عندما يتبنى جمع ما؛ الوسيلة لعون مستحق يعاني قسوة الظروف المادية فيما هو متميز في عقله وعلمه…فهذا يستحق احتضان المؤسسات له-كالأحزاب والتجمعات الثقافية والاجتماعية…والدولة على رأس الجميع طبعا، شريطة التميز فيما يطبع.
لم هذه المقدمة –التي اعتدت على مثلها كلما أردت كتابة مقال حتى باتت جزءا من مقالاتي المختلفة. ولا أدرى مدى قبول القراء لهذا الأسلوب…!
قبل أيام كنت أمر في البازار فاستوقفني شاب يقود دراجة وبعد التحية قال:
لقد أرسل “دلاور زنكي” نسخة من ديوان شعره. فأين تريدني أن أوصلها لك؟
طبعا كان يمكنه أن يوصله إلى البيت بنفس الدراجة التي كان يركبها –وهو يعرف البيت…بل هو يرتاد بيت خاله القريب من بيتنا. ولكنه لم يفعل ولا أدرى لماذا؟
المهم حددت له مكتب صديق محام لكنني فوجئت به عند عدنان. لا مشكلة طبعا لكنها ثرثرة أحيانا نشتهيها. أو نود أن نلفت إلى أن هناك دوما ما هو الأجمل من الفعل.
ولابد –طبعا-من شكر كل المساهمين –هنا-” دلاور” الذي أبدع شعرا وخصني بنسخة منه و”الشيخ توفيق الحسيني” الذي ترجم الديوان من اللغة الكردية إلى اللغة العربية بكفاءة لغوية عالية لم تشفع له لأحجب عنه ملاحظتي التالية وهي:
إنه بالغ في الاهتمام باللغة على حساب الروح الشعرية بدرجة ما-وهذا لا يقلل من كفاءته أبدا ولكنه يتوخى “الأجمل “دوما فقط. والشاب الذي أوصل الديوان وعدنان الذي استلمت منه الديوان…
بقي أن أقول: إن اسم الديوان هو “وثن للعشق” طبعة أولى 2005-الناشر دار كيوان-دمشق.
وقبل أن اختم المقال لا بد من التذكير بان شاعرا آخر –قد أهداني في فترة سابقة، نسخة من ديوان شعر عنوانه: “انطولوجيا شعراء النمسا” صادر عن دار الزمان في دمشق –طبعة أولى عام 2008. وقد وصلتني النسخة عن طريق الشاعر “إبراهيم اليوسف” وسلمني النسخة الأستاذ مسعود المحامي مشكورا. وهذا الشاعر هو: “بدل رفو المزوري”.
فشكرا لكلا الشاعرين على ما شرفاني به من إهداء لعمليهما. ولعلي سأتناول –يوما ما-كلا العملين بقراء خاصة إن شاء الله.
…………………………….
اهداء 3
بدايات إهدائي الكتب كانت من طالبات ادرسهن في الثانوية وزميلات –فمن الزميلات كانت الأستاذة هناء هنداوي التي أهدتني تفسير الجلالين بحجم صغير وطباعة أنيقة، وقاموسا في اللغة الانكليزية بمناسبة عيد المعلم كل في مناسبة. والزميلة تيودورة عبد الأحد التي اهدتني كتاب ممدوح عدوان المعنون ب( ) ومن الطالبات :هندرين جتو التي أهدتني رواية “انت جريح” ترجمها فاضل جكر، سعادة احمد اهدتني كتاب ( أعلام الأدب الروسي)
وفي أثناء اداء الخدمة العسكرية في لبنان عام 1982 اهداني صديق عزيز تعرفت عليه في الجيش وكان يهتم بالشعر اسمه جبر، ديوان ابراهيم ناجي، ولا ادري إذا كان قد تابع هذا الاهتمام ام لا، خاصة بعد ان انتقل الى إحدى مدن الساحل السوري إثر الثورة عام 2011 . كما تلقيت كتاب (المجتمع المدني-السيرة الفلسفية للمفهوم) للدكتور سربست نبي من ابن العم علي جانكير .