رحلة الى حلب لزيارة بيمان ومعاينة طبية
شدني الشوق الى بيمان الى استغلال الحال للسفر الى حلب وهناك اجري كشفا طبيا لحالة اعاني منها وتقرر السفر بشكل سريع بتشجيع من زوجي (هيفي) فكان الاتصال ب(بيمان) عصر يوم الأحد 12/ 6/ 2011 والحجز في رحلة (جوان) في التاسعة والنصف من يوم الاثنين 13/6/ 2011 وكان رقم المقعد 14 عادي فلا رحلة لرجال الأعمال الى (حلب). في الثانية عشرة انطلقنا من (قامشلي) وفي الواحدة كنا في (تل تمر) في الثالثة انطلقنا من استراحة الباص الوحيدة خلال الرحلة كانت استراحة واسعة مزينة ذات حديقة مطرزة بتماثيل مختلفة ومجهزة بوسائل السياحة الجميلة لكن الغريب ان الطعام لم يكن متناسبا مع حالة الاستراحة الظاهرية فاضطرت لطلب سندويتش (جبنة فرنجية) قطعتا جبن دهن بهما خبزة حلبية لقاء (30) ثلاثين ليرة سورية. مررنا فوق نهر الفرات ومائه المخزون خلف سد الفرات فاتسع امتداده ليشكل بحيرة واسعة اوحت ببعض معاني ومنظر البحر وروعته.
منذ تلك المنطقة بدأت المناظر الخضراء تتوالى دون انقطاع تقريبا على جانبي الطريق أشجار ذات أوراق ابرية صنوبر غالبا تشكل ربما مصدات رياح ومنظرا تحمي مساحات من أشحار مثمرة لفت انتباهي منها شجر الرمان والزيتون وغيرهما كانت بعض الفيلات تظهر وسط هذه الأشجار التي اغلبها لا يزال حديثا في زراعتها ربما لا تزي اعمارها عن أربع او خمس سنوات.
كنت أتساءل طوال لطريق ما بين نهر الفرات وحلب لماذا هذه المساحات المزروعة تبدو جديدة؟ والأشجار لا تزال صغيرة والخدمات تبدو ناقصة؟
أليست هذه حلب سيف الدولة والمدينة العريقة في القدم؟
وزاد التساؤل حزنا والما عندما دخلت ورأيت مدخل المدينة وكأنه مدخل مدينة مهملة او جديدة لم تمتد يد الخدمات اليها؟
حفريات طرق مستهلكة، بقايا مختلفة (احجار –سيارات معطلة او مكسرة او خردة مختلفة…كلها تشكل منظرا يجعل العالم بتاريخ حلب وقدمها يذرف الدموع وتمزق صدره الحسرات والأنات.
ولا يعني هذا انني لم أنتبه للمسات جميلة هنا وهناك.
تساءلت يقوه: لماذا مدن وقرى وبلدات في البلدان المتقدمة تتطور وتزيده تراكمات الزمن خدمات وملامح عريقة فيعانق التاريخ المعاصرة او تعانق المعاصرة التاريخ…فنلاحظ هالة التاريخ في ملامح تمتد الى قرون طويلة وروح المعاصرة في انشاءات متكاثرة. المدينة في الغرب تمثل حضارة مخدومة بروح التاريخ والاستمرارية اما هنا للأسف-الرغبات والشهوات والشعور المنحرف بالقوة لا تعيش الا للحاضر السيكولوجي الرغبى فحسب!
طبعا فهمتها. وجاءني الجواب –او الأجوبة – دون تردد –نحن مجتمع يكثر القول فيه ويقل الفعل –نقول ولا نؤمن بما نقول –مجتمع يغلب اللغو فيه على اللغة بتعبير هادي العلوي الذي جعل هذا القول عنوانا لأحد كتبه (اللغو واللغة). هنا ثقافة يكثر القول فيها ويقل العمل.
مجتمع يميل الى اللغة الانشائية تحت عنوان الابداع بدون ابداع بحسب دلالة مفهوم الابداع الاصطلاحية. مجتمع لا يستدعي العقل إلا قليلا فالتعامل مع العقل (ادبه) يستدعي التأمل والتسلسل في الأفكار والانضباط بالمعايير …وهذا –كما يبدو-لا يناسب ذهنية اعتادت ان تتحدث وتسمي الحديث ابداعا كيفما كان، ابداعا شعريا او نثريا او ادبا…الخ.
كان بيمان في انتظاري ومعه زميل قال ان اسمه إسماعيل من عاموده. وقد سجلنا معا وها نحن نحاول ان نتخرج معا. دعوت لهما بالتوفيق.
ركبنا سيارة اجرة الى منطقة سيف الدولة قريبا من كلية العلوم السابقة والتي أصبحت الان مركز البحوث. وكذلك ثانوية المتنبي. صعدت الدرج وكانت ذات تصميم اجد منه للمرة الاولى. وصلت الطابق الخامس حيث سكنهم. شعرت بتعب في رجلي –لا مفاصلي-وشعرت بلهاث في صدري ربما لول مرة في حياتي بهذا التجلي. عزوت المر الى العمر وقلة الحركة لا المرض.
كان بيمان قد أخذ موعدا من طبيب اسمه (رضوان حوكان) بتوصية من أحد أصدقائه في العمل وعندما ذهبنا الى الموعد فوجئنا بخطأ الاختصاص (العظمية) بدلا من الهضمية) فاتصل مع الصديق واعلمه بالخطأ الحاصل وتم البحث عن طبيب خاص هضمية فكان اختيار (د. محمد فهد طرابيشي) وقد كتب على بطاقته التالي: استشاري بأمراض الكبد والجهاز الهضمي والتنظير D.I.S من جامعة CAIN فرنسا. وكان رقمي في الكمبيوتر 6833. أجرة المعاينة 1000 ليرة سورية. خلال كشفية لمدة عشر دقائق. بعد الاستشارة والايكو قال:
أعضاء الكلية والزراف والبنكرياس جيدة ويحتمل ان تكون الشكوى لها صلة بالقلب ويفضل استشارة أخصائي بالقلب ورشح أسماء (د. بشر قدري الجزماتي) و(د. ماهر الأيوبي). وقع الاختيار على الأول والذي كان موقع عيادته امام مسرح نقابة الفنانين ونظام دوامه كالتالي:
صباحا في التاسعة ومساء في الخامسة وأرقام هواتفه :2255461-2257376
متخرج من مشافي جامعة هارفارد-الولايات المتحدة الأمريكية. بورد امريكي في أمراض القلب والأوعية –بورد امريكي في المراض الداخلية-بورد امريكي في الطب النووي.
أخصائي بأمراض القلب والأوعية الدموية والقثطرة القلبية وزرع البطاريات.
أجرة المعاينة 1600لس ألف وخمسمئة ليرة سورية-ثم اختبار الجهد (3000) ثلاثة آلاف ليرة سورية-اقترح قثطرة قلبية للتأكد من حالة الشرايين والأوردة. طلب التحاليل التالية إضافة الى صورة شعاعية.
بولة –كرياتينين-كولسترول-iDi-بوتاسيوم-Btiiwa –pee
وكتب الوصفة التالية:
Covercyl 4 mg نصف حبة يوميا قبل الطعام
Norvasc 5 mg حبة صباحا- حبة مساء
Monon mar 20 mg حبة صباحا
ولمعالجة الصداع خلال الأسبوع الأول من تناول الدواء يمكن تناول Doprane ثلاث حبات يوميا. وحبة عند اللزوم من: N: koghce
وأما تقرير الصورة الشعاعية فكان كالتالي: من الدكتور (وضاح جبولية) -في الجميلية فوق موالح الطحان هاتف: 2260361-بتاريخ :14/6/2011.
-حجم القلب و… ضمن الطبيعي شعاعيا
– كثيرات احتقانيه شديدة في السرتي الرئوي مع سماكة جدران القصبات المجاورة للحدود القلبية تبدو غالبا عن التهاب قصبات
-تبارز في قوس الأيمن
-لا يشاهد آفة رئوية نشطة في الساحتين الرئوي
– لا يشاهد انصباب جنب في الطرف
……………….
ونتائج التحليل تبدو طبيعية
غدا الأربعاء 15/6/2011 سيتم عرض نتائج التحليل والصورة الشعاعية على الطبيب بشر. وبعدها سيكون التعبير الأخير عن الخلاصة وغالبا اقتراح القثطرة سيظل في مكانه.
• أحس ببعض تعب عند الجهد لكن حياتي لم تتغير لجهة المعايشة الطبيعية في الحركة والطعام والنوم…الخ.
• عرض بيمان اليوم-الأربعاء-نتائج التحليل والصورة الشعاعية للصدر على الطبيب بشر جزماتي فاستحسن ما فيها ونصح بتخفيض الكوليسترول كما أضاف دواء جديدا هو:
Atrovan 20mg حبة مساء يوميا قبل النوم-مع الإبقاء على الدوية السابقة جميعها.
وكتب اسم دواء قال: تأخذه بديلا عن حبوب السكري (غليسيفاج 500) إذا قررت اجراء القثطرة علما باني قطعت حبوب السكري منذ أمس احتياطا.
اتصلت بالدكتور صاروخان فقال: لا أعرف هذا الطبيب ولكني اعرف طبيبا آخر اسمه بسام الحلبي ومدرس في الجامعة وبدا انه يميل الى الطبيب الخير. كما ان السيدة هناء أشارت الى طبيبة اسمها وداد في مشفى ابن رشد قالت إنها اجرت القثطرة لخيها وزوج اختها وهي ذات خصائص أخلاقية عالية. وقد اتصلت ب(كومان) أستشيره او آمل استشارة بعض من يعرفهم عن هذا الشأن. ولا نزال ننتظر.
كنت أخبرت كومان عن وضعي وهل يمكن ان تتوفر فرصة أفضل في دمشق خاصة لما بعد القثطرة من احتمالات –البالون-الشبكة… فجاءني الرد هذا اليوم بان الطبيب الذي يعرفه قال: ينبغي حيازة شهادة “فقر الحال”. تذكرت ما كان قبل عقود من طلبات تقدم من بعضهم الى الجهات الرسمية ويجري فيها تحقيق من الشرطة وربما في الظروف الحالية يتم التحقيق من جهات أخرى أيضا باختصار يمر المواطن بظروف مهينة ويختم على اسمه “فقير الحال” حتى يتاح له الدخول الى مشاف حكومية وربما تحت ايدي كوادر غير مهنية وكافية التأهيل لذا قررت ان اعرض عن ذلك حتى ان اضطرني المر لبيع ممتلكاتي المتواضعة. ارجو الله ان لا يحيجني الى مثل هذه الظروف لكن يجب أن أحسب لذلك حسابه لذا طلبت من محمد امين حسين ان يبيع حصتي من العدس. لعل ثمنه سيساعدني على مواجهة الاحتمالات. من الجدير بالذكر ان السيدة ام محمد عرضت المساعدة بالمطلوب وعبرت عن انزعاجها لأنني رفضت مساعدتها فقلت لها: عندما احتاج فانت اول من أفكر في عونها. كما اتصل ابن عمي محمد شريف قائلا: ان ادريس له معرفة ببعض الأطباء قد يستطيعون المساعدة فقلت ليخبرني ما هي المساعدة الممكنة ولا زلت أنتظر.
الخميس 16/6/20011
يميل بيمان الى الاستعجال في القثطرة كأني به يشعر بالثقة بالدكتور بشر. هذا الصباح فقدت بعض ترددي أصبحت اشعر بشيء من القبول بفكرة اجراء القثطرة وترك ما بعدها إذا لزم الأمر الى وقت آخر. ويبدو اننا سنبلغ الدكتور بالأمر واجراء القثطرة يوم السبت 18/6/2011 لأنه انسب لظروف دراسة بيمان كما ان الطبيب سيسافر في يوم 20 من الشهر الجاري. وقد يغيب شهرا كما أخبر. وعلى الله الاعتماد. اتصل بيمان بـ (محمود) فتغيرت المعادلة اذ ارتأى محمود اجراءها وما قد يستلزم بعدها أيضا في جلسة واحدة في دمشق باعتبار ان الخبرة فيها أفضل.
وافق هذا الرأي هواي وقررت الخروج في اليوم نفسه الى البيت بحسب الرحلة المتوفرة للوصول صباحا بإذن الله. ولتتاح لي فرصة اللقاء برامان والتجول في المدينة فقد شغلتني الأيام السابقة عن مثل ذلك. ولا حول ولا قوة الا بالله.
امام البريد في الجميلية انتظرت رامان قليلا قبل ان تصل لنذهب معا الى الحديقة العامة القريبة وقبل وصولها جلس أحدهم بجانبي وبدا عليه انه دهان من خلال ملاحظة البقع التي تتزاحم على ملابسه وكان أمس أحدهم في هذا المكان قد قال انه دهان وان الذين يجلسون على هذه المقاعد اغلبهم دهانون ينتظرون من يحتاج عملهم كان شابا ذا لحية سوداء متوسطة الطول تحدث بما لم افهمه من ادعاء الذكاء والقدرات الخارقة في الاختراعات وعندما سألته لماذا لا يفتح مكتبا يمارس فيه ملكاته وكنت مستهزئا في ملامح جادة أجاب بان والده (الحاج) لم يسمح له بذلك فالبيت صغير وجرت دردشة من هذا النوع لفترة الى ان جاء موعد مع احدهم فتركت المكان لنقضي معا بعض وقت ونتغدى في ( سلاف) الشقف كباب-حمص متبل-كولا تفاح عدد2 سلطة عدد2 لقاء مبلغ 580 خمسمئة وثمانون ليرة سورية (وجبات صغيرة طبعا) نسينا (خاصة اللحم )لكنها مشبعة عموما.
تذكرت ذلك الشخص وتذكرت حالة الحذر التي تغلب في المدينة فكل شخص يبدو مريبا ويحتمل ان يكون ذا خلفية خاصة. هكذا كان الانطباع العام. لم استرسل معه كثيرا في الحديث وقد ٍال كلاهما (رجل أمس واليوم) ماذا تعمل؟ وعندما أخبر باني مدرس متقاعد يأتيني السؤال في أي اختصاص؟ وعندما أخبر بانه الفلسفة أربكني الرجل بأسئلة غير منضبطة فيما أبدى رجل اليوم اعجابه وأثنى على عملي لأنني بذلت جهدا في التعليم لكن بعض كلمات في سياق مدح بخلفية سياسية –او امنية-جعلني احذر من لاسترسال معه ومن حسن حظي ان مجيء رامان هيأ لي الفرصة لمغادرة المكان والذهاب الى الحديقة العامة.
كانت الحديقة واسعة شاسعة، يبدو انها تأسست وفق ترتيب يخدم الزوار لجهة مماشيها وتشكيلات الأشجار المزروعة فيها منذ القديم فطول الأشجار وملامحها تدل على عمرها الطويل. ونسقت المقاعد الخشبية على حوامل حديدية مطرزة على أطراف الممرات بحيث يكون الاتجاه نحو وهذا ما لم يعجبني ففي رأيي كان المفترض أن تدخل المقاعد الى الحديقة بعيدا عن الممرات بعمق مترين او ثلاثة ليكون الجلوس ضزن الحديقة والمسافات …بين الجالسين بحرية الحديث والدردشة وعدم القرب المحرج للمحافظين والمحافظات وعدم اتاحة الفرصة لتطاول الاشقياء (المتحرشين) المحتمل من المراهقين او المنفلتين…
من حسن الحظ انني التقيت بعض المقاعد في اتجاه الحديقة لكنها كانت على الممرات أيضا. التقيت ما أشعرني بان أساس بناء الحديقة كان تخطيطا سليما لجهة تنظيم الممرات وزراعة الأشجار والعناية بها ووجود مناطق خاصة بالمشاتل وأخرى بطيور الحمام والدجاج والإوز والبط …الخ. ووجود النوافير والبرك المائية…الخ.
لكن ما يؤسف له ضعف أداء الخدمات فالمياه تبدو ذات لون راكد أخضر فيها اوساخ والممرات كانت القمامة ظاهرة ويبدو انها ناتج تراكم قديم. وما زاد من شعوري بنوع من التقزز والاستياء شعارات هنا وهناك على لوحات مثل “النظافة عنوان الحضارة”.
ولم تكن اللوحات ذاتها نظيفة –وهي مسؤولية المسؤولين عن الحديقة خدمة واشرافا … سواء لكونها قديمة باهتة او تراكم الأوساخ عليها. شعرت بان ثقافة الشعارات أصيلة في بنية ثقافية ذات طبيعة أيديولوجية وعروبية. وعندما سألتني ابنتي: لماذا هذا الإهمال؟ أجبتها: بنيتي لأن الكوادر إما غير كفوئين واختيارهم على أسس لا صلة لها بالعمل في الحدائق فضلا عن احتمال كونهم من ذوي المسنودين سلطويا –أيا كان الاعتبار – هذا هو الفرق بين الثقافة الغربية (القانونية) والثقافة العربية المزاجية والمتخلفة …!