رحلة الى حلب

رحلة الى حلب
حرك الشوق إلى بيمان الرغبة في نفسي ،للذهاب إلى حلب.
ولمراجعة بعض الأطباء بشأن عارض صحي بدات أشعر به منذ حوالي نصف الشهر او اكثر.فالشعور بنوع من التعب يراقفني عندما امشي بوتيرة سريعة نوعا ما …وقد شعرت بذروزته في احد اسفاري من البيت الى الكاراج بقصد زيارة ابن عمتي “عيسى” القادم من ألمانيا بعد سنوات عجاف من محاولة التوطين هناك.
عند دار ابي دارا شعرت بتعب كاد يدفعني نحو التقيؤ. فتوقفت ريثما هدا التعب قبل ان أستكمل مشواري.
في الطريق حدثت إبراهيم عن حالتي فاوحى لي بانها ربما “الفؤاد” في لغة الطب او بوابة المعدة..وهذه تحتاج إما لمعالجة دوائية وربما تحتاج إجراء عملية جراحية في حال معينة..مع ذكر العملية المقلقة فقد شعرت بالراحة أكثر لأن الاحتمال لم يشر الى القلب.
يوم الأحد 11/9/2011
في رحلة بدأت الساعة الثامنة صباحا
بدأت السفر نحو دمشق لمراجعة مشفى الباسل، الجراحي للقلب.
كنت قد خضعت لعملية جراحية،”مجازات” تم فيها تبديل ثلاثة شرايين على يد الطبيب الجراح نجدت ناصف، بإيحاء من الطبيب ياسر بني مرجه” الذي أجرى استقصاء عن طريق القثطرة وكانت النتيجة : الحاجة الى مداخلة جراحية.
في ال”قامشلي” لاحظت ما جعلني أستاء من أسلوب عمل موظفي شركة النقل جوان. فقد التقيت ابن عمي محمد شريف مع ابنته ينتظر البولمان “هفال” في الحادية عشرة، وعندما علم أنني متوجه الى دمشق في بولمان جوان قال: كنت قد قطعت في بولمان جوان لكن خطا الموظفين في القطع اضطرني الى إلغاء السفر في جوان والانتقال الى هفال وقد لاحظت أن الخطأ نفسه تكرر مع مسافرين آخرين مما اضطر احد الركاب على الجلوس بجانب المرافق طيلة الرحلة.
اتصلت مع سليمان وأخبرته بما حصل متمنيا عليهم أن لا يكرروا هذا السلوك المؤذي للمسافرين خاصة أولئك الذين يتجهون نحو أماكن بعيدة كدمشق وحلب…
محمود مرافق الباص تقدم إلي قائلا انه في الخدمة متى شئت،وعلمت أن بعضهم-خمنته سليمان- قد أوصاه فقد قال أوصاني أكثر من واحد دون أن يذكر أحدا. وفعلا كان الرجل يمر علي بين الفترة والأخرى مستفسرا إذا كنت احتاج شيئا.
في الحسكة ركبت الدكتورة ملك آله رشي..وابنها تبادلنا التحية والسؤال عن الأحوال….علمت أنها تملك دارا في قدسيا يسكن فيها أولادها.
وقفنا في استراحتين”دير الزور” واستراحة قريبة من تدمر…لم أتناول شيئا –كما هي عادتي في السفر- فقط اشتريت علكة جكلس، ذي العلبة الصفراء من صنع لبنان،وجدته ذا مرونة وملاسة مقبولة وكان هذا اللون من العلكة مشهورا في أيام دراستي في الإعدادية في القامشلي،ولكن أنواعا كثيرة أخرى أصبحت تنافسها نكهة ومرونة وملاسة وربما تغلبها…ومنها المطعم بالنعناع أو غيره.
في دير الزور أثناء الاستراحة التقيت عبد الغني بن ملا احمد أميني رحمه الله. قال إنه وزوجته في الطريق الى دمشق لمعالجة قدم ابنيهما المعوج.
وفي مدخل دير الزور لاحظت دبابة الى جانب حاجز الجيش وواحدة أخرى قبل الدخول الى المدينة، والحواجز كثيرة إجمالا، خاصة كلما اقتربنا من دمشق مع ملاحظة تبديل الباص لطريقه في دروب ملتوية قبل الوصول الى الكاراج النهائي.
كان بيمان وبدر بانتظاري وركبنا الميكرو الى موقف الكيكية ثم جودي بالهونداي .
في الواقع لم أشعر بالتعب..كانت الرحلة مريحة لي في العموم ..انطباع خلصت إليه “إن السفر في الصيف نهارا ام ليلا يحرم المسافر من متعة السفر ومشاهدة الطريق” ومن الخير ربما السفر في أوقات تكون النوافذ فيها بلا ستائر مسدولة.
في التاسعة صباحا من يوم الاثنين 12 -9- 2011خرجنا من دار الأخت نعيمة وهي تلوح لنا وتدعو لنا ونزلنا مشيا الى الشارع الرئيسي كان الانتظار مزعجا فلا سيارات تاكسي مما اضطرنا الى ركوب ميكرو الى مسافة معينة ثم تاكسي الى مشفى القلب.
الضغط 13/9 كنت قد تناولت نصف حبة كوفرسيل صباحا، واجري تخطيط للقلب، ثم كشف طبي مباشر، وإحالة الى التصوير بالإيكودوبلر الملون، وعودة الى تحقق الطبيب بالكشف “د.أيمن حموي” من نتائج الإيكو وقد نطق بما يلي:
” وضعك جيد، العملية ناجحة جدا، تناول أنواع الحبوب التي كنت تأخذها سابقا ولا تغيّر منها شيئا، والمشي من ساعة الى ساعتين في اليوم في مشوار واحد أو أكثر لا يهم،يمكنك زيارتنا بعد ثلاثة أشهر…”.
وعندما سألته عن ورم القدم قال: طبيعي خلال ستة أشهر وشرح السب، ثم أردف لا تهتم لذلك.
عدنا الى دار الأخت لا زلت مقيما فيها حتى اللحظة وقد بلغت الساعة نحو الثانية عشرة وأربعين دقيقة. من يوم الثلاثاء الموافق ل 13-9-2011.
ذهب بيمان لاستكمال تقديم أوراق للتقدم لمسابقة الماجستير في الدراسات العليا.تحممت وحلقت ذقني استعدادا للخروج الى التفرج على معالم المدينة واستعادة ملامحها في ذاكرتي والشعور بالدخول الى الحياة من جديد بعد إجراء العملية التي كانت مبعث قلق في شكل ما.
السبت 17-9-2011
قضيت يوم الثلاثاء كله في المنزل، وفي يوم الأربعاء خرجت قبيل الظهر وتبعني احمد فنزلنا بالقرب من دوار عرنوس- ومنها مشينا الى الحميدية وصلينا الظهر في الجامع الأموي ثم انتقلنا الى شارع الثورة حيث ركبنا الميكرو الى الشيخ خالد مشينا بعض الطريق والتقينا الحاج رمضان عند بسطته فترة قبل الذهاب الى دار عدنان شيخو..حيث تناولنا الغداء…ثم مرنا في طريق العودة بالحاج رمضان مرة أخرى ..لكن شكوى احمد من وجع فير رأسه اضطرنا للاستعجال لعيادة الطبيب الذي أخطانا عنوانه وقد اضطرني ألم الظهر –العصعص- الى ركوب الفوكس وتوقفنا في محطة الكيكية فالتقينا بنور الدين وزوجه وابنته روان..فركبنا الهونداي وبقي احمد حيث راجع الطبيب..
في يوم الخميس قبيل الظهر، ذهبت ومعي عائشة لزيارة جيان وقد نقدتها ثلاثة آلاف ليرة لم يكن معي لأعطيها أكثر وهي في موقع الحاجة بسبب اعتقال زوجها منذ شهور دون معرفة الأسباب ولا المكان ولا الظروف التي يعيشها…
وتناولنا الغداء في بيت نزار، وفي طريق العودة مررنا بدار محي الدين لزيارة روشن…وعدنا أخيرا الى الدار.
لم أغادر طيلة يوم الجمعة وفي السبت كنت على وشك الخروج لكن مجيء حسن خوارزي اضطرني للتأجيل. وعندما غادر هتف لي رسول حسين بأنه في الطريق إلي برفقة ابن أخيه إبراهيم الحاج رمضان.
الأحد 18-9-2011
قررت الخروج وحيدا لزيارة بعض المناطق التي لم أزرها منذ زمن، فكانت المحطة الأولى جسر الرئيس،حاولت التعرف فيه على المواقع التي تتجه إليها الفوكسات ووقفت عند كتب معروضة-كما كنت أفعل دائما في المراحل السابقة في حياتي خاصة مرحلة الدراسة الثلاثة الإعدادية والثانوية والجامعية…وقسم من كتب مكتبتي هو من مشتريات هذه الأماكن ..ز فقد كانت أرخص وأحيانا أندر…
ثم توجهت الى المتحف الوطني الذي لم ازره منذ كنت طالبا في الجامعة في السبعينات،قطعت تذكرة ب 15 خمسة عشرة ليرة، تجولت في باحته وبعض قاعاته، دردشت مع البعض قليلا حول ما استجد من المتحف وعلمت ان تجديدا ينتظره.
كانت سمة الزمن على معروضاته تشعرني باتصال الحاضر مع الماضي السحيق، وقد نشط الخيال –والتخيل- لدي هذا الإنسان –ومختلف الكائنات- سكن الأرض منذ عصور قديمة جدا وسحيقة وحاول أن يعيش فيها نضالا تحرريا من عوائق الطبيعة ومخاطرها التي تجعل حياته في حيوية ونضال دؤوب ويدخل صراعا مع كل شيء، حيوانات مفترسة، تضاريس تعيق حركته، ظواهر جوية كالبرد شتاء والحر صيفا….للبحث عن تكيف يسهل حياته تضطره ليعيش صراعا دائما وقلقا باستمرار، وجهودا مضنية لا تنقضي..لكن الصراع الأكثر ضراوة ومرارة تل والذي بذل أكثر جهده فيه هو ربما الصراع مع أقرانه،فللقد تفجرت لديه الرغبة في مغريات الحياة في نفسه منذ حب الرئاسة والقيادة والاستئثار بالأكثر من المشتهيات الدنيوية، وحتى الأنانية التي سكنت كل كيانه،فكان أغلب جهده ونشاطه وذكائه منصبا على الغلبة على أقرانه…وتحدد اتجاهه في الغالب ابتكار مختلف الوسائل والأساليب التي تضمن له ا لغلبة والهيمنة ..فكانت الحروب ومتطلباتها محور صراعاته الأهم،وكانت أدوات القتال المختلفة من أهم أولوياته…لتضمن له الأولوية الأهم وهي الترف والبذخ ومختلف تجليات ذلك.
لاحظت تمثالا الأسد في الساحة وكنت قد تصورت الى جانبه مطلع السبعينات في إحدى زياراتي مع صديق اسمه محمد سعيد حامد.شاهد\ت أن الطابع العام لا يزال كما هو لم يتغير فيه ما يجعله أكثر حداثة إلا قليلا جدا.شاركني احد الزوار من دمشق التقيته هناك هذا الانطباع.ط
حدثني احد العمال قائلا:
بأن الاهتمام بالمتحف ضعيف فالتعامل مع العمال والموظفين ليس عادلا ولا منصفا، وهذا بعض أسباب عدم تطويره، أو العناية به كما يجب، لكن مساع محتملة لإعادة ترتيب وتصنيف المعروضات فيه وأضاف: البناء أصبح قديما يحتاج الى ترميم.
قلت له:
عندما يشعر المرء بكرامته وقيمته ومنها حريته فإن أداءه حتما سيختلف لكن هذا أمل ليس قريبا في ظل ثقافة ركيزتها غلبة الهوى على العقل ،
في كافيتيريا المتحف شعرت براحة ومتعة فقد كانت مغطاة بالخضرة وكراسيها من خيزران إضافة الى كراسي مصنوعة من قطع جذوع الأشجار وكذلك الطاولة في شكل فولكلوري وهذا ذكرني بما شاهدته في سوق الغرب في لبنان في فندق حجار وكان أول مرة أرى فيها هذا النموذج.
فنجان القهوة الذي ارتشفته أمتعني دفعت خمسين ليرة –هي ثمنه-
ثم توجهت الى مطعم المصري الذي لاحظته قد تغير في تقديم خدماته التي كانت تقتصر على الفول والحمص فيما مضى…
تناولت شيش طاووق مشوي، صحن حمص- كأس لبن- إضافة الى السير فيس (مخللات)علبة كلينكس صغيرة-قنينة ماء ريم صغيرة- فكان المبلغ مائتان وتسعون ليرة..
مشيت الى الحميدية
تناولت بوظة مع الفواكه في بكداش، فالجامع الأموي حيث صليت الظهر والعصر وقضيت فترة استراحة اتامل ما فيه زوارا ومكانا…ثم خرجت واستقليت تاكسي الى البيت.
الثلاثاء 20-9-2011
في التاسعة والنصف انطلق البولمان”هفال”< رجال أعمال من الكاراج،قيل أن جوان يتأخر الى ما بعد الظهر..وهذا لا يناسبني..لذا ركبت هفال. لوحت لبيمان وبدر كان مقعدي رقم 6 ورقم تذكرتي 147341 خاطبني المرافق بالعربية ظنته لا يعرف أنني كردي فقلت له: عادة معظم الركاب من الكورد فلتكن المخاطبة بالغة الكوردية إذا، واكتشفت فيما بعد أنه عربي...في محاذاتي احدهم –بجانبه امرأته- في المقعدين 4و5 قال إنه يحمل أدوية (ابر) ثمن الواحدة ستون ألف ليرة، ولم أفهم نوع المرض الذي من اجله يستخدم هذه الإبر. في القامشلي أبدل الباص بباص عادي..ولا أعلم السر في هذا التبديل المزعج فعلا، وفوق ذلك، فقد مر الباص بمرآب الصيانة قرب الحدود التركية السورية،(مدخل بوابة نصيبين) ويبدو لملء المازوت وبعض صيانة. هذه خطوة تثقل كاهل الركاب حقا،فضلا عن التوقف المستمر في كل مكان من اجل تنزيل الركاب الفرادى...لا ادري ما معنى مراعاة بعض الركاب على حساب البعض الآخر الأبعد طريقا ومعاناة تعب..! عندما و صلت كان ريفان وريزان وزانيار ينتظرونني كانت الساعة حوالي التاسعة –اثنتا عشرة ساعة تقريبا زمن المشوار..وفي البيت كان الجميع بانتظاري- شعور بهيج أن تجد من يهتم بك.. صحيح دمشق عاصمة ومدينة تاريخية ومخدومة لكنها مجموعة كتل إسمنتية وممرات مهما كانت جميلة...فهي مقطوعة عن سياق الحياة الطبيعية من سماء وأرض وهواء وفضاء... ديرك هذه المدينة 0القرية) المتواضعة تشعرك بأنها في عمق الحياة بكل أبعادها الطبيعية سماء ارض هواء فضاء شعب بسيط وحياة أقرب الى الطبيعة لولا الإعاقات التي ينبتها رموز سلطوية بسلوكيات حاجزة للحرية والأمان النقي والشعور العفوي...