في المستشفى *
السبت 20/8/1977
عند الأصيل وعندما يمل الفؤاد جدران الغرفة ..والسرير الحديدي فيها، تنمو في القلب روح الانعتاق من الأبواب المغلقة. ويلذ للعين رؤية الأشجار الخضراء تتماوج في وادي بردى، في السفح الجنوبي لجبل قاسيون. ويبهج العين مرأى خضرة تملأ رقعة فسيحة من محيط المشفى العتيد .تنساب الأنسام خجلى تداعب في شوق حنون؛ أفرع الأشجار الخضراء المختلفة.
فصنوبر كخود-تلبس زيا عصريا يكشف عن ساقها،يظهر جذعها الباسق، و المتلون مع ظلال الأوراق الناشئة عن انسكاب أشعة الشمس عليها. وحور امتد رأسه نحو السماء يتمايل مع أنغام النسيم العذبة؛ وكأنها عذراء انسابت في نفسها آثار أنغام موسيقي عبقري، تتماوج أوراقه اللماعة فتعكس أشعة الشمس البراقة. وسرو مخروطي ذو خضرة داكنة وأوراق ابريه استعصت على الرياح والهواء فاستقام بشموخ، يحطم كبرياء الروح وجبروته في تحد يعبر عنه القامة الباسقة الممتدة المتطاولة نحو السماء عاليا.. وتشابكت أفرع مختلفة وكأنها أحباب طال النأي بينهم، فتعانقت.. وتلاءمت.. مكونة كتلة واحدة رغم تمايزها..!
وترى الخضرة المتدرجة، والمتكتلة، على مرمى البصر. تخفق فوقها أجنحة الطيور الآتية من وراء الأفق، تحمل أشواق المحبين وصبابتهم، تغدقها على الأغصان ا المزهرة، لتشيع عبقا بين العشاق تحت أفيائها، وتنطلق بخورا متناغم الألوان.. الزرقاء والوردية والزهرية.. فترسم في الأجواء ظلالا أخاذة؛ لم تخلق إلا لحط رحال الوجد الأخضر.
من شرق الصالون تمتد خيوط الأبصار المطلة على الوادي الأخضر الصامت وكأنه تسبيح ملائكي يدعو لهؤلاء العليلين بشفاء عاجل ويشيع فيما حوله روحا مفعمة بالراحة والطمأنينة.
………..
* كنت أدرس في الجامعة -السنة ما قبل الأخيرة- راجعت الطبيب الذي أحالني الى المستشفى (المواساة) في دمشق . لتحري مشكلة في جهازي الهضمي واجراء “كي قرينات” بحسب تعبير الدكتور مامون السمان . فكتبت في لحظات تأمل وفراغ هذه الخاطرة وغيرها .