جورج بوش
محمد قاسم
كان واضحا الاهتمام الذي أبدته إسرائيل الرسمية، بمقدم الرئيس جورج بوش الى فلسطين المحتلة.فقد كان الترتيب البسيط والمتواضع الذي بدا على أسلوب الإسرائيليين، عبر الألبسة التي تزيت بها جوقة الأطفال التي استقبلته بالغناء وتقديم الوردة الحمراء لكل من الرئيس بوش والرئيس الإسرائيلي. وهم يكررون شالوم شالوم وكلمات أخرى لم افهمها ولكن الواضح أنها تشير الى شيء من ذلك. وكانت ردة الفعل من بوش واضحا. فلم تفارق شفتيه ابتسامة تشعر بهيجان نفسي في داخله فرحا وغبطة …!
بأي شيء ؟!.
لست أدرى بالضبط. ربما لأنه كان يزور القدس والكنيسة الأقصى. موطن بعث المسيح وحياته الدرامية التي انعكست إيمانا في نفوس المسيحيين وهو من المتشددين منهم، ويعرف بالمسيحي المتصهين –كمصطلح يكرره العرب والمسلمون ولا أدرى بالضبط مصدرها الأساسي. ربما لأنه يحاول كسب موقف اللوبي الصهيوني في أمريكا الى جانب مرشح الجمهوريين للرئاسة. وربما لأسباب خاصة ايضا فهو لا بد سيقوم بعمل قد يحيجه الى اللوبي الصهيوني ماليا وتجاريا ..من يعلم؟!
فكل شيء في التفكير السياسي وارد حتى على هذا المستوى. أليس الحكام العرب يضحون بشعوبهم وأوطانهم. وتاريخهم. ومستقبل أجيالهم. من اجل بعض جاه –مزيف في أغلبه-لأن القوة فيه مستمدة غالبا من الخارج-رضاء الغرب-وان كان الغربي لا يحسن فعل ذلك بسبب شبكة القوانين والتربية الديمقراطية التي تكبل مثل هذا السعي إذا حاول.والأمثلة كثيرة.
وما لفت انتباهي كلمة رئيس إسرائيل الترحيبية القصيرة والتي تضمنت عبارات تشعر بالأهمية المعلقة على هذه الزيارة وخاصة فيما يتعلق بإيران ونصيحة جورج بوش والتي أعلنها بيريز في هذه الكلمة. ربما كانت ذات مغزى مقلق. وكأنها كانت إعلانا للتشارك في موقف عملي من إيران وترجمته السياسية هي الحرب. وهذا ما يخيف.
فالشعب الأمريكي مشغول بالانتخابات، والمسافة بين تركه الكرسي ليس طويلا.وهناك عوامل متعددة ينبغي حلها –العراق-تركيا-لبنان-أفغانستان…الخ.
ان قوله “انه وضع خطير جدا ما كان على إيران فعل ذلك” تعبيرا عن حادثة سميت في الإعلام بالاستفزازية. ورد الإيرانيون بان التسجيل الصوتي لتهديدات إيرانية أعلنتها البنتاغون مفبركة، يشير الى ان تصعيدا من نوع ما تتكامل خيوطه في داخل الذهنية “البوشية” لمغامرة ما مع الإيرانيين .
هذه المؤشرات مقلقة فعلا. والمناخ –بعكس التحليلات العربية والإيرانية-يوفر الظن باحتمال الحرب. فقد تراجعت سوريا عن كثيرا من معاكساتها لأمريكا وخاصة حضور انابوليس وقرار الوزراء العرب للخارجية وانتخاب الرئيس اللبناني ..ولقاء عبد الله غل التركي والدعوة الى لقاء بين غل والطالباني…وغير ذلك من اتجاهات العمل السياسي في المنطقة.
بل إننا نسمع في برنامج أحد مرشحي الحزب الجمهوري حديثا، عن تأييد الإبقاء في العراق والحرب خارج أمريكا، لأن ذلك اضمن للولايات المتحدة واقل خسارة على كل حال.
وهو يتقدم على منافسيه من الحزب الجمهوري ببرنامجه هذا، مما يدل على ان الفكرة هذه راسخة في الذهنية الأمريكية شعبيا الى حد كبير-بغض النظر عن أخلاقيتها او عدم أخلاقيتها-فنحن -في حالة التحليل-ينبغي ان نتعامل مع الوقائع ومرتكزاتها، لا على تمنياتنا، او استرضاء مراكز قوى سلطوية، او جماهيرية حتى-كما هو الشأن مع المحللين العرب غالبا-وللأسف-
ويحلو لي أن أسمي هؤلاء “المحللون الآليون” ومنهم مثلا أسلوب السيد ميخائيل عوض وغيره. فهو يتحدث –رشا- بعض المعومات والوقائع التي –يبدو انه يتفرغ لحفظها- بعد تشذيبها لما يوافق اتجاهه في النقاش او الأصح السجال أو حتى الجدال..فنحن نعاني –أحيانا –من مشكلة المصطلحات في اللغة العربية بسب المسحة الأدبية الغالبة فيها،ومن ثم صعوبة تحديد المصطلحات بطريقة علمية قاطعة.
هذا النمط في التفكير -والذي يتحكم فيه الانفعالات، والأسس النفسية، بديلا عن تأثير العقل-
قاد الأمة العربية، وشعوبا أخرى متخلفة، الى واقع لا يعرفون كيف يخرجون منه. ويحتارون في اتخاذ المواقف والتنفيذ للأفكار. فتسود الشعارات والمباراة الكلامية المتبادلة في الاتهام.
((الرئيس بوش قد يمهد الطريق للرئيس القادم)) بحسب مراسلة العربية ناديا البلبيسي.
زياد حلبي: ((فيما خص الخطوط الحمر محكومة أساسا بحالة تكتيكية أساسا –وبدا واضحا انه يحاول ان يؤثر على التركيبة الحكومية الاسرائيلية. لضمان استمرار الحلول المطروحة)).
وفي الزيارة لفلسطين ستظهر ملامح أوضح من خارطة الطريق التي ستعتمد خلال هذا العام –فترة حكم بوش-وملامح الحركة السياسية في المنطقة أمريكيا، بما أن الأمريكان –بطبيعة سياستهم-يتبعون سياسة استراتيجية، دور الرئيس فيها تنفيذ، وتعديلات طفيفة إذا اقتضتها التطورات غير المحتملة، بالتعاون مع طاقم حكم يذهبون ويروحون، بحسب الحاجة إليهم، او بناء على مواقفهم فقد يعترضون على سياسة ما فيستقيلون لذلك، او لا تعجب سياساتهم الإدارة فيعفون. لا كالمسؤولين في المنطقة، أشبه بمسمار الفولاذ المستقر في الجدار-مهما كان الشأن والتغيرات ومستلزماتها-.
ولكن لعل الأهم هو الموقف العربي من هذه الخطوات. هل ستظل الاتهامات المتبادلة تبقى عنوان المرحلة، حيث يؤدي ذلك الى المزايدات التي اعتادوها على حساب بعضهم بعضا، مرة باسم الوطنية، ومرة باسم القومية –وهي الركيزة المصطنعة-وتارة باسم الإسلام إذا لم تسعفهم المفاهيم الأخرى. فهم متنقلون من مفهوم الى آخر، ولا يؤمنون –حقا –بأي منها، إلا بالقدر الذي يخدم تصوراتهم –الخاطئة غالبا-عن مصالحهم المجسدة في الحكم…!
فكان الحكم أصبح هدفا في ذاته لديهم، ومن نسيج سيكولوجيتهم دون التفكير بشروط نجاحه. والنتائج التي يفترض أنهم يجنونها منه.وهذه مصيبة المجتمعات المتخلفة، واخشي ان الدور قادم على الكرد ايضا ما لم يتدارك السياسيون الحاليون هذا الأمر، ويقلعوا فكرة التمسك بالحكم من جذورها بالمبادرة الطيبة من بعضهم-القائمين في الحكم حاليا-في الإشراف على انتقال سلس منهم الى غيرهم.