الجمال والمرأة وأشياء أخرى

في الجمال
محمد قاسم
يبدو ان طبيعة الظرف الذي نمر به تفرض –أحيانا –حالة معينة من التفكير والشعور والاهتمام …فتغيب عن ساحة الشعور –وربما الذاكرة – أشياء لها أهميتها في حياة الإنسان سواء على المستوى النفسي –فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان-كما يقول الشاعر. او كانت حياتية يومية، أو عناصر أساسية في تكوين التركيبة الإنسانية كشخصية متكاملة.
ولكي لا نسترسل كثيرا دعونا نختار واحدة من هذه العناصر في حياة الإنسان، وهي الجمال…!
قال الله تعالى (ولكم فيها جمال حين تريحون) ويقصد الحيوان الداجن.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ان الله جميل يحب الجمال. وينسب الى “الحسن البصري” أنه عندما رأى امرأة جميلة في البصرة-بحسب بعض المصادر-قال: اللهم صل على محمد. فقيل له: يا فقيه البصرة وعالمها اتصلي على جمال امرأة…؟!
فقال: ان الله جميل يحب الجمال.
وللمقارنة بين جميلتين حكاية تروى عن سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة. ويظهر فيها التمييز بين “الحلاوة” او “الحلا” وبين الجمال. م كما ورد في كتاب”دراسات فنية في الأدب العربي “للدكتور عبد الكريم اليافي.
وما شدني الى كتابة هذه المقالة أنني لاحظت إحدى المذيعات على فضائية –كردستان-تقرا في كتاب ولكنها تحرص الحرص كله –وبالتوافق مع المصور بلا شك-لكي تظهر صورتها بين الفينة والأخرى في هيئة جديدة تبرز بعض ما تظنه جمالا فيها وهو جمال مادي بحت-كما لاحظت-جمال الوجه خاصة فهي كان جالسة…!
وقد وجدت ان هذا الأسلوب، شديد الأخذ به في عروض تلفزيونية عموما.
وقد يتقصده بعضهم كنوع من الفن. وبعضهم لإثارة غرائزية لاستثمارها في إعلانات تجارية او استثمار مالي في أي صيغة كانت.

ودارت في ذهني فكرة هي: الجمال مثير ومرغوب ويتمناه كل إنسان. فهو يعود عليه بإحساس ممتع. ولكن…!
هل الجمال فقط هو جمال الجسد-على ماله من قيمة-…؟
ألا يمكن ان نفكر بالجوانب الأخرى –او الحالات الأخرى –من الجمال…؟
جمال النفس ..جمال القلب..جمال الفكر…جمال السلوك..الخ…؟.
……………………………………………………………………………….
……………………………………………………………………………….

ابن الجزيرة
مســتشــار ثقافي
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 6820
#1
المرأة والحب..!
05-21-2008, 01:48 PM
[align=center]المرأة والحب [/align]

محمد قاسم(ابن الجزيرة)
[align=center]لطالما تساءلت لماذا التطرف في ازدياد مظهر العري(الموضة الحديثة ..) والاسترسال في انفتاح العلاقات الجنسية، وتسمية الجنس في أوروبا بالحب(وهما لفظان مختلفان تماما فالجنس علاقة مادية والحب عاطفة (معنوية) وعلى الرغم من ترافقهما في الأحوال الطبيعية إلا أنهما ليسا أبدا شيء واحد في النهاية.
الحب عام يشمل الآباء والإخوة والأبناء والأصدقاء والأشياء(الطبيعة)والأفكار(قصيدة –نص نثري-فكرة ما…)
الجنس علاقة مباشرة ماديا بين اثنين(رجل وامرأة- أو مثليين:لواط أو سحاق …الخ)
الحب عاطفة سامية تملأ النفس شعورا براحة روحية معنوية،تهز الوجدان في نشوة حالمة هادئة تنتشر في كيان المرء عرضا وطولا فتجعله يحلق في آفاق رحيبة وسامية (مم وزين-روميو وجولييت-قيس وليلى-جميل وبثينة- فرهاد وشيرين…الخ)
الجنس حالة مادية فيها لذة صاخبة،ورعشة جسدية مباشرة،ولا يميز بين محبوب ومشتهى،وقد يكون لحظة متمردة تتجاوز الحدود والقيم في شكل تجاوز أو( اغتصاب)وربما أنتج فراقا وشقاقا وحتى جريمة ..
الحب يعطي وقد لا يأخذ،يقابل الهجران بالمودة والظلم بالعفو،واليأس بالأمل ..وهو كاللاصق بين حياة البشر يجمع ولا يفرق،وينشر الود عبقا في كل الأرجاء..!
الجنس -في حالات كثيرة- مصدر للمشاكل، ومخالفة للشرائع والقيم الاجتماعية،يفرق ولا يجمع ما لم يكن في سياقه الطبيعي(زواج مشروع). أو على الأقل حبا عذريا لا ينتهي بعلاقة جنسية
فهذا النوع من الحب هو ملهم الشعراء والكتاب والمؤلفين عموما وقد كتب في هذا المعنى أحد فلاسفة فرنسا كتابا تحت عنوان:مدرسة الآلهات “ايتين جلسن”
ولعل سلوك الشاعر نزار القباني- والذي عرض مسلسل عن حياته في أكثر من فضائية- لعل سلوكه من الأمثلة المؤكدة لذلك وإن كان نزار يقترب كثيرا من حدود الحس كما في شعره التالي مثلا:
على كراستي الزرقاء تسقط كل أقنعتي الحضارية
ولا يبقى سوى نهدي
تكوم فوق أغطيتي
كشمس استوائية
ولا يبقى سوى جسدي
يعبر عن مشاعره
بلهجته البدائية
ولا يبقى ولا يبقى
سوى الأنثى الحقيقية
بتقديري فإن المحرض لعري وعرض مفاتن المرأة – فضلا عن ما يرافقها من لذة حسية واستعراض نفسي – هو المال المحصل من انفتاحها أو إباحتها(بعض الفنانات مثلا، ولذا نرى المحجبات محاربات في عرض أعمالهن الفنية:صابرين-حنان ترك …) ،وهذا المال هو الذي يشكل الخلفية الهامة لقبول الناس لهذه المظاهر: ومنهم الأب والأم ..أيضا على الرغم من اتفاق الجميع على أن طبيعة العلاقات المنفتحة جنسيا هي خروج عن الإطار الخلقي والتنظيمي لحياة البشر الطبيعية ككائنات عاقلة ذات حياة منظمة ومسؤولة خاصة عند ما تخلف-داخليا على الأقل أو منطقيا-
إن التعاطي بقوة مع ما هو حسي في الإنسان يقربه من الجزء الحيواني في تكوينه، فالمعلوم أن الإنسان تعريفا في المنطق بحسب أرسطو هو :حيوان ناطق. الجزء الحيواني منه هو الجسد والجزء المعنوي منه هو الممثل في النطق الدال على الفهم والتفكير(العقل)لذا كثيرا ما يوصف الإنسان الذي ينساق مع غريزته الجنسية خاصة و غرائزه الحسية عامة بأنه بوهيمي(حيواني لا ضابط لتصرفاته في إشباع غرائزه).
الحب هو كما يصفه بعضهم:
((الحب هو المحرك الأول للحياة الإنسانية وجميع الانفعالات والعواطف الأخرى،تنشأ كرد فعل لما يصيب هذا الحب من تغيير أو فقدان:فالقلق ناشئ عن تهديد الحب،والبغض عن إنكار الحب،والغيرة هي الحب المعترض عليه،واليأس هو الحب المرفوض،والشعور بعدم استحقاق الحب يؤدي إلى الشعور بالإثم والخطيئة والحسرة ناشئة عن فقدان المحبوب،والشفقة عن مشاهدة المحبوب وهو يتألم،كأن الحب هو المعين الوحيد الذي تخرج منه جميع الانفعالات والعواطف حتى البغض الذي يقابل الحب تمام التقابل))
أو كما يقول الدكتور محمد سعيد البوطي:
((وهل للحب غير لغة واحدة؟
وكيف يكون للحب أكثر من لغة والحب في حقيقته واحد لا يتعدد؟
قد يتعدد المحبوب وقد يتنوع.ولكن الحب يظل على كل حال واحدا في جوهره ودوافعه وآثاره.
وأقصى ما يمكن أن يعرّف الحب،أنه تعلق القلب بالمحبوب على وجه الاستئناس بقربه والاستيحاش من بعده.على أن الحب قد يتفاوت قوة وضعفا مع تفاوت درجة الاستئناس والاستيحاش،بل قد يشتد بصاحبه حتى يصل إلى درجة الصبابة والسكر))
ولعل خير ختام أبيات رقيقة في الحب للشاعر حامد حسن من ديوان (عبق) بحسب ديوان حب وبطولة للشاعر سليمان العيسى:
جارة
غادرت كوخي ومحراب الهوى = ومضت للعالم المنطلق
تركت لي ملء بيتي عبقا = أنا لا أعشق غير العبق
وصدى في غرفتي في مسمعي = في دمي كالنغم المتسق
وبقايا قطع من سكر = بعثرت فوق زوايا الطبق
وعلى كرسيها منشفة = بللت بالدمع أو بالعرق
غرقت بالطيب كفي عندما = لمستها وفمي بالألق
وعلى البلور من أنفاسها = لهثات الشمس عند المشرق
وكتابا ظل في موقدها = أغفلته النار لم تحترق
قلِق أم موّجته نسمة = إنه مثلي كثير القلق
وعلى المكتب كوبا أبيضاً = وبه أضمومة من حبق
ذبلت أوراقها من ظمأ = إن قلبي بعض هذا الورق
وعلى زاوية عنوانها = وعلى الأخرى وداعا يا شقي
ملاحظة:استبدلت في البيت الثاني كلمة أعبد ب كلمة أعشق
وهناك بعد البت السادس بيت لم يكن موجودا في المصدر الأصلي الذي نقلت الأبيات منه ولم أعد أتذكره-للأسف- ولكنه يرد في ديوان سليمان العيسى . والبيت هو:
وأرى مرود جفنيها على جانب الشباك نصف المغلق
………………………………………………………….
………………………………………………………….

1L1

الجسد والجمال والحب
بين المحسوس الملموس والمعنوي مسافة كبيرة لا يسهل تجاوزها لدى الإنسان في الظروف العادية. أو الإنسان الذي يعرف بأنه من العامة، تعبيرا عن الحالة الاجتماعية والثقافية العادية والغالبة بين أبناء المجتمع عموما.
صحيح أن المرء قد يحس الجمال بعفوية، ويشعر بمعنى الجمال الكامن في الأشياء وفي الجسد خاصة، لكنه يبقى إحساسا قد لا يكون مترافقا –دائما-ببصيرة. لاسيما أن ما يسميه علماء النفس “النظرة الهالية ” تؤثر في النظرة الأولى للأشياء ومنها الجسد ورئيسه، الوجه.
فالإحساس قد لا يستطيع أن يكون مثاليا-أو على الأقل قويا-إذا لم ترافقه بصيرة تبصره بمكونات المحسوس ليزداد الإحساس تفاعلا معه.
في هذه المرحلة يبرز دور الروح في تحقيق ذلك. فالروح-كمقابل للجسد-هي قوة الحياة. أي: بلا روح لا حياة. وهي التي تبث الحيوية في الجسد. ومن ثم تظهر نضارته، ورقة أعضائه، وحساسيتها. والتي تجعل منه قابلا للإحساس بتجليات مختلفة.
.تبدأ هذه التجليات كمرحلة بداية إحساس ، تمر بالملامسة التي ترتد إحساسا معكوسا في اللامس والملموس ، ودغدغة تثير قوى متعددة موجودة في الجسد. فتظهر على شكل رد فعل فيه انتفاضة الجسد، والميل الى الضحك، والشعور بالمتعة أيضا في حالة العلاقة بين الجنسين (الذكر والأنثى). وإذا أخذنا الروح كمقابل الجسد، فهي نفس –أو شعور-نعبر عنه بقول: “أنا أو “الأنا” في لغة فرويد. كمصطلح متكامل مع “الهو” و”الأنا الأعلى”.
وفي الحصيلة فالجميع في تفاعل تكاملي. لا ينبغي أن نتجاهله. إذا أردنا أن يكون وعينا بالموضوع تاما وصحيحا.
وإذا أخذناها(الروح) كمقابل للإحساس في الجسد-فهي تمثل باصرة-أو البصيرة-في النفس. أو لنقل العقل الذي يفهم ويحلل ويستخلص ويقرر…الخ
هكذا هي-إذا-فعالية القوى المقابلة للجسد الذي يميزه الإحساس.
فأين يكمن الجمال…؟
هل يكمن في الجسد (المحسوس)، أم في الروح المعنوية (غير المحسوسة)؟
ليس السؤال جديدا، بل هو مطروح منذ بدأ الإنسان يتفلسف (يفكر بعمق وعبر طرح أسئلة عميقة الغاية). منذ حاول أن يفهم كنه الحوادث، ومظاهر الطبيعة؛ وبضمنها الإنسان-كتكوين مؤلف من روح ومادة.
فمنهم من أقر بثنائيتهما (الروح والمادة).
ومنهم من حاول أن يردهما الى أصل واحد، (المادة) وعرفوا بأصحاب المذهب المادي في الفلسفة أو (الماديون). و(الروح عندهم هي ناتج أداء وظائف المادة.
ومنهم من اعتبر الأصل هو(الروح) وليست المادة سوى حالة تكاثف للروح.
وفي محاولة تفسير ذلك مذاهب مختلفة لن ننساق اليها لطبيعتها الفلسفية التي تتطلب وقتا وجدا ليس موضوعنا الآن. بل سنحاول أن نبحث في الجسد من الجانب الجمالي والحب وبتبسيط يسهل الفهم على قدر الممكن.
الجسد هذا الهيكل الذي يختصر –بمعنى ما-الشخصية الإنسانية في وجهها المحسوس. فإذا تأملناه لدى الإنسان نجده قامة منتصبة على رجلين تحملان جذعا يكوّن القفص الصدري ومحتوياته، والأطراف العليا، ورأسا يتكئ على كتفين برقبة تميزه، وتتيح له الحركة في اتجاهات مختلفة.
وعلى الرغم من أن الجسد له مقوماته الجمالية الظاهرية، كالرشاقة والطول وطبيعة الأعضاء التي تتوضع في مواضعها؛ كالنهدين في صدر الأنثى. أو العضلات في زند الذكر. أو غير ذلك. لكن ما يبدو أن الجمال الجاذب هو ما يكون في ملامح الوجه وقسماته بالدرجة الأولى. خاصة لدى الأنثى. لأن أول شيء تراه العين في الجسد من ناحية الجاذبية الجمالية هو الوجه. لذا قد نجد نوعا من غض النظر عن الطول عندما يكون الوجه مغريا، وقد نغض الطرف عن البدانة أو النحافة أو …الخ.
فالوجه يثير اهتمامنا بما يحمل من ملامح ملفتة وجاذبة –وربما جذابة-منذ العينين واللون وشكل الأنف والخد وربما الحنك في تماسه مع الجيد. والشعر المنسدل على الوجه آو المرتب بأي تشكيل يزيد الوجه جاذبية. وبحسب ثقافة الجمال في العصر والمكان.
فمثلا من معيار الجمال عند العرب البدو الصورة التالية:
بنت عشر وثلاث قسمت=بين غصن وكثيب وقمر
القامة الهيفاء المتناسقة الأجزاء، وضخامة الكفلين والوجه الأبيض البشرة.
ربما لأن البدو-الصحراويون-يفتقرون الى هذه المواصفات. فالنحافة غالبة في حياتهم، وهنا البدانة بنسبة ما وما يتعلق به من ضخامة الكفلين؛ مرغوب ومطلوب، ومن ثم فهو من معايير الجمال في الجسد. كما أن السمرة غالبة فيهم، لذا فالبياض والحمرة من المعايير التي تحدد جاذبية الأنثى بشكل خاص. لأن الرجل هو الطالب، وهو القوي في تقدير ما يقرر هنا. لذا فالحديث هنا في معظمه يتناول جسد المرأة لا الرجل. ويقول شاعر:
والتف فخذاها وفوقهما=كفل كدعص الرمل مشتد
وفي رواية
والتف فخذاها وفوقهما=كفل بجانب خصرها نهد
فقيامها مثنى إذا نهضت =من ثقله وقعودها فرد
انه يتحدث عن الكفلين (فقيامها مثنى وقعودها فرد)
وعن الوجه: فالوجه مثل الصبح مبيضّ= والشعر مثل الليل مسودّ

فالمعيار الأكثر شيوعا هو جمال ملامح الوجه. وتفصيلاته حول شكل العين “الناعس”-” الكحيل”-الواسع كعيون المها: …
عيون المها بين الرصافة والجسر =جلبن الهوى من حيث أدرى ولا أدرى
أو:
إن العيون التي في طرفها حور =قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
او “يابو عيون عسلية” او…”سمرا يمّ عيون وساع””
ولعل ما أثّر في نفوس الذكور خارج تفاصيل الوجه هو النهدان
نهد غويّ الأماني مترف بطر أهوج قلق.
لكن الذائقة القديمة تقول:
وبصدرها حقان خلتها = نافورتان علاهما ند
وفي كل العصور يبقى النهدان هما مصدر غواية لا تنتهي. وفيما عدا ذلك قلما يناله الوصف المليء جاذبية وإعجابا. إلا من قبيل تحد شعري أو وصف كلي للجسد لا بد من أن يدرج تفاصيل الجسد الأخرى كالأنامل مثلا:
“ولها بنان لو أنهما التيتا لتكامل العقد”
او نتيجة إحساس خاص في ظرف خاص ربما لقاء فيه ملامسات وقبل. فيهتاج الشاعر ويدرج كل ما في الجسد كنوع من التذوق الحسي الأشمل والأمتع.
………………………………………………………………………..
……………………………………………………………………….
الجسد والجمال والحب 2

من المحتمل أن لا يتفق البعض مع هذا الاتجاه في تحليل الجمال في الجسد، -وربما حبه أيضا-
استنادا إلى هذا الجمال الذي شخصته فيه، وهذا يعود إلى اختلاف في الظروف الثقافية المختلفة وبالتالي فهو اختلاف طبيعي في الذائقة وفي المعايير.
من الطبيعي أن ننكر منتوج اختلاف الثقافات باعتباره منتوج واقع يفترض أن نحترم مضمونه –وان اختلفنا حوله-وفق قاعدة “أحب لغيرك ما تحب لنفسك”.
وقول فولتير: “قد أختلف معك لكنني مستعد لأن أموت من اجل رأيك”
ولعل إمكانية الاعتراف بحق الآخرين في الرؤية المختلفة هي المشكلة التي تهيمن على ذهنية –سيكولوجية (ثقافة) الشرقيين عموما والمنطقة العربية خصوصا. فالذهنية-السيكولوجية (الثقافة) التي اعتادت على الفكر السكوني-إذا صح التعبير، يحرم الجميع من تبادل التقدير واحترام الاختلاف؛ دون الوقوع في أسر التبعية، واستلاب التفكير الخاص. وبالتالي نمط السلوك المميز لكل إنسان. هذا على صعيد قضايا للعقل فيه الد\ور المهم وربما الحاسم فما بالك بقضايا هي أصلا ذوقية ونفسية كالجمال!
هذا الانزياح عن موضوع الجسد إلى موضوع سكونية التفكير يقودنا الى التذكير بطبيعة الشخصية الناضجة، وتكامل مكوناتها، ودورها في تمكيننا من تحقيق ذلك-(ي الخصوصيات والاختلافات واحترامها).
فالمعاناة الأساسية في المجتمعات المتخلفة هي في نقص كفاءة الشخصية سواء في حسن الفهم او في إتقان أداء الدور والسلوك. وذلك بسبب طبيعة الثقافة الاستبدادية التي تحكم الحياة والعلاقات فيها، إذ يبدأ الاستبداد منذ الأسرة ..وفي المدارس.. والممارسة السلطوية. وفي المؤسسات الدينية والاجتماعية…الخ.
يؤثر هذا على تكوين القيم والقناعات واتجاهات الممارسة عموما في التفكير وفي السلوك.
فإن عدنا إلى موضوع الجسد وجمالياته وأثرها على الجذب –أو الحب-يفترض بنا أن نتذكر أننا نناقش موضوعا ماديا هو (الجسد) لكنه مسكون بروح معنوية غير ملموسة. وندركها من خلال آثارها فحسب. وسوف نشير إلى جانب من فاعلية الروح في حياة الجسد، وحيويته، ومن ثم جاذبيته. لكننا الآن لا زلنا نبحث موضوع الجسد(المادي).
ذكرنا ملامح ذات جاذبية في الجسد؛ وكيف شكلت أساسا لتبلور قيم جمالية أشرنا إليها، وأهمها، ما في ملامح الوجه أساسا، ومن ثم في الصدر-النهود-والأجزاء البارزة والمتحركة-الكفلين مثلا في المرأة؛ باعتبارها تجسد جمال الجسد-أو جاذبيته-بالنسبة إلى الرجل الذي لا يزال قوّاما على المرأة، والأكثر مبادرة لطلبها، سواء كنتيجة للواقع السائد، أو نتيجة لقيم ثقافية دينية سائدة اجتماعيا…الخ -إذا تجاوزنا حالات فردية تستأثر المرأة فيها بقلوب الرجال فتتحكم فيهم. كما لدى بعض الفنانات مثلا، أو ذوات الجمال والشخصية الطاغية-بمعنى ما-…!
وفي هذه المحطة لا يسعنا إلا نذكّّر بجانب “الإغراء” في الجسد.
و”الإغراء” لا يمثل “الجمال” بقدر ما يمثل سلوكا يثير الغريزة الشهوية.
فنرى بعض النساء –سواء في الوسط الاجتماعي (حالة ثقافية معينة) -او في (الوسط الفني خاصة)… يحرصن على أساليب معينة في اللباس وشكل العري في الجسد وإبراز المفاتن فيه. وفي حالات غير منضبطة اجتماعيا وتقنيا-ومنها حالات تسخير الأنثى لمصالح ما -فقد تكون المبالغة مفرطة، كما نلاحظ في بعض القنوات المؤذية أخلاقيا وقيميا بشكل عام.
ومن تجليات إبراز المفاتن مثلا: التفنن في تسريحة الشعر، وإظهار النحر والجيد، والخط الفاصل بين النهدين-وإبرازهما بطرق مختلفة، يمكننا متابعتها في لباسها. وإظهار مساحة الظّهر عاريا، وأحيانا المبالغة في ذلك. واليدين والأكتاف. والساقين…الخ. والتفنن في إبراز بعض أجزاء الجسد عبر لباس ضيق يجسد-أو يجسم-هذه الأجزاء كالكفلين أو البطن –وربما إظهار جزء من البطن… الخ. إضافة إلى تعمد بعض القصات أو الكشاكيش في مناطق معينة من الجسد تثير الرغبة لدى الجنس الآخر…
كل ذلك بأسلوب مدروس من جهات ذات دراية علمية ونفسية بطبيعة الاغراء بين الجنسين والرغبة المثارة من اجل ذلك. تستثمرها الثقافة المؤثرة على نفوس النساء اللواتي يهرعن –أو يخضعن-لهذه الموضة بانسياق لا ضابط فيه سوى ما يحققنه من شهرة عبر إغراء.
وربما ما يحتمل من مال يحصلن عليه كعارضات الأزياء ونساء الدعايات. والممثلات والمغنيات…. والراقصات… الخ. وهن في هذه الحالات انما مستغلاّت من شركات أو مؤسسات أو أشخاص …! سواء عن وعي او انجرار الى المؤثرات الموحية بتجليات مختلفة.
في هذه الثقافة نجد الجسد في مختلف أحواله يسعى لأن يكون مؤثرا وجاذبا. أي مشهّيا وباعثا على الإحساس بنشوة الرجل.
وفي هذه الحالة يكون عنصر “الجاذبية ” بدرجاتها المتدرجة والمختلفة هو المعيار.
ويرى البعض أن جمال الجسد هو حق له، ولا ينبغي أن يتجاهله أحد. لكن هؤلاء ينسون أن إغراء الجسد مدعاة لمشكلات اجتماعية عديدة منها: “غيرة” قد تكون قاطعة للوصل بين الأزواج وأفراد العائلة الواحدة. أو “تحرش” قد يثير المرأة باعتباره إعجابا-لكنه يتجاوز الإعجاب الى محاولة الاعتداء. وهذه ظاهرة منتشرة في مختلف المجتمعات ومنها الأوروبية –على الرغم من القوانين التي تحاول الحد منها. والأذى هنا ينال المرأة جسديا أكثر ربما. لكنه ينال الرجال من حولها –زوج-ابن-اب…الخ…نسمع عن انتحار نسوة ممثلات –مارلين مونرو-سعاد حسني. وحالات كثيرة .. فما السر يا ترى؟!!
هنا يحضرني بعض أبيات لشاعر:
إلهي ليس للعشاق ذنب=فأنت تبلو العاشقينا
فتخلق كل ذي وجه جميل =به تسبي عقول الناظرينا
وتأمرنا بغض الطرف عنه=كأنك ما خلقت لنا عيونا
هذا يجعلنا نتذكر أن الانضباط هو موقف فكري-روحي-فإذا أردنا أن نحمي الجسد لا بد من تنمية الجانب الروحي –الأخلاقي-لكي يستطيع الإنسان التحكم بمشتهياته.
ولكن التركيز على إبراز مفاتن الجسد يصعّب مهمة الإرادة في الطرف الآخر.
وربما أمكننا –هنا-أن نرى الجسد يتجه نحو أن يصبح “سلعة “اقتصادية، متخليا عن خصوصيته المتعانقة مع “الروح” في شخصية متكاملة، تمارس وظيفة اجتماعية -ليكُن الحب أحدها بل اهمها -آخذين بعين الاعتبار أن الحب له هدف هو “الاقتران” والزواج. وإطفاء الجذوة الشهوية في خيمة الزواج المشروع لتكوين أسرة يتوخى الإنسان منها الشعور بالسعادة-أو على الأقل الانسجام مع المسار الاجتماعي المفترض.
في أوروبا –والغرب عموما-حق الجسد قيمة خاصة عندما لم يعد الجنس (المعاشرة الجنسية) مشكلة كما هو في الشرق حيث الجنس محور العلاقة بين الجنسين (الذكر والأنثى).
ان غشاء البكارة –في الحالة الصحية الطبيعية-وعامل حاسم في النظرة إلى الجسد باعتباره طاهرا أو غير طاهر قي ثقافات. وأفرز ذلك قيما اجتماعية تبيح القتل –باسم الشرف. وكانت القوانين تعين على ذلك سابقا، لكنها تتجه الآن إلى التخفيف من ذلك بزيادة العقوبة في ما يسمى –جرائم الشرف-وانتشار ثقافة عصرية تحاربها.
وقبل أن ننسى نذكر بأن نسبة الموضة التي تعتمد على الانحلال والخلاعة والإغراء ..و التي أشرنا إليها في سياق البحث ليست عالية. بالنسبة لعموم النساء. في المجتمعات الشرقية عموما، ولكن الظاهرة آخذة في الانتشار بوتيرة لا ينبغي أن نستهين بها. ويمكن لكل منا أن يلاحظ ذلك في تسلل بعض مظاهر الظاهرة إلى بيوتنا في عناد أحيانا يغلب القيم الاجتماعية (الثقافية).
وإن محاولات خطباء الجوامع وعظات الأئمة –بشكل عام-لا تؤتي أكلها، لأنها لا تهتم بالحالة السيكولوجية التي تسكن النفوس؛ في تفاعل مع المؤثرات الذهنية (الثقافة).
بل قد يدفع هؤلاء؛ النساء –ومعهن بعض الرجال-إلى ردود أفعال تساعد الظاهرة أكثر على الانتشار، أحيانا. وذلك عندما يصفون الناس بعبارات مستفزة؛ متجاوزين-أو مهملين-قول الله سبحانه وتعالى: “وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”.
وأحيانا يخلطون بين مشاعرهم الذاتية وبين تعاليم الدين السمحاء. -ربما لدواعي مصلحيه. ربما لنقص في كفاءة الأداء. ربما امتثالا لنوازع ما، ذاتية؛ أو تملى عليهم. الخ.
وكم هو مناسب –هنا-قول “كارنيجي”: الإنسان عاطفة أولا وعقل ثانيا” وهو يبني على ذلك منهج الدعوة والإقناع.
بعض من البشر استطاعوا أن يغلّبوا العقل فوُصفوا بالحكماء. أي الذين يضعون الأمور في مواضعها. لكن النظم المستبدة –عادة-تقلل من تأثير حكمة هؤلاء في مختلف ميادين الحياة، ومنها ميدان الجمال الاجتماعية –إذا جاز التعبير-وما يتصل به من العادات والتقاليد عموما.
إذا، الجسد جميل، وله معايير لتقييم جماله بحسب المكان والزمان والثقافة السائدة والقيم المعتمدة. الخ.
ويصبح الجسد موحيا بشكل مباشر للشعور بموقف تجاهه ميلا أو ازورارا. وفي حالة الميل فقد يتطور من إحساس مادي إلى شعور معنوي نسميه الحب. ومن الطبيعي أن الحب يكون قويا أو بوتيرة أقل بتدرج. لأن التكوين النفسي والروحي للإنسان مختلف بتأثير الثقافة التي يحملها، وطبيعة الشخصية لديه. هنا يأتي دور الروح وهو ما سنستكمله في الحلقة الثالثة إن شاء الله.

……………………………………………………………………
……………………………………………………………………

إبراز المفاتن والعري،
هل هو جمال، أم إغراء. ؟!
محمد قاسم” ابن الجزيرة”
بين الجمال والإغراء مسافة…!
الجمال تذوق نفسي يتسامى روحيا، فيغذيها بنشوة خاصة هادئة، دافئة، ذات نكهة لطيفة تسري في الروح كما يسري النسيم في مسامات الجسم في لحظة قيظ فينعشها.
الإغراء هو تلهيب الإحساس، بإثارة الغريزة اذ تحركها ظواهر تثير العين أساسا، ثم منافذ الإحساس الأخرى كاللمس والشم والتذوق والسمع. اضافة للتخيل المتلازم مع هذا الإحساس.
فالعين مهووسة بقيم جمالية تمثل مشتركا بين الإحساس والشعور لدى الناس جميعا وبدرجات متفاوتة، -وإن اختلف العلماء في تحديد هذه القيم، وضبطها بدقة. بسبب عوامل التربية المختلفة، والمؤثرات الوراثية.
قال شاعر: “والأذن تعشق قبل العين أحيانا”…!
هنا يلعب السمع دوره في جاذبية قد تبق جاذبية العين لكنه يبقى إحساسا كما الرؤية إحساس.
وأما الملامسة فتدغدغ المنبهات العصبية الغرائزية فتسخن الرغبة في تفريغ شحنات تكاد تغلي وتفور في الجسد في لحظات التهيج. هذا ما نلاحظه في نهم المتهيج عندما يرى الجسد في حالة إثارة أمامه. (مشاهدات تلفزيونية أو سينمائية تعبر بوضوح عن ذلك).
في حين أن الذوق اللساني يعتبر جزءا من الملامسة في حالة تهيج مثيرة تجعله حساسا وملتهبا، فينتشي بكل ما يلامس من شفاه أو غيرها من منابع اللذة الجسدية. وفي الكتب الجنسية الكثير من التحليل والتوصيف لمثل هذا. ونحن لا نقصد-هنا-الجانب الجنسي البحت إلا بالقدر الذي يقصد به تسليط الضوء على الإثارة التي يسببها العري. لتأكيد أن العري يختلف عن الجمال بمعناه الأكثر عمومية واتفاقا واشتراكا بين البشر، إذا أغفلنا نظريات فنية في العري تجسده في منحوتات وتماثيل منذ القديم. خاصة في الثقافة الغربية اليونانية والرومانية. الخ.
ولعل القرن السادس عشر كان أكثر هوساً به على يد فناني روما خاصة.
ونتساءل: لماذا –إذا-العري؟!
ولماذا العري في الوسط الأنثوي خاصة…؟
كل أنثى تدرك-أو تحس طبيعيا، ولنقل فطريا أيضا-الميل الى الذكر والعكس صحيح.
ويترجم هذا الميل عبر مبادرة تودده للأنثى عادة؛ واستجابتها له، أو عدم الاستجابة، بحسب طبيعة المثل والقيم التي تربت عليها، وظروف الاستجابة فيما إذا كانت من منافذها الطبيعية الشرعية؛ كالرغبة في الزواج. أم من منافذ غير شرعية؛ كالرغبة في قضاء لحظات استمتاع فحسب، ودون مسؤولية عن نتائج العلاقة هذه.
وهي كلمة-أي الاستمتاع-أصبحت دارجة في الثقافة الغربية-في أدبياتها الفنية على الأقل-…!
فكم مرة نسمع إحداهن تقول –أو أحدهم-في المسلسلات والأفلام الأجنبية أقمنا علاقة. أو كيف أقمت علاقة معه-معها؟ استنكارا لسلوك ما منه –منها-.
والعلاقة –هنا –تعني العلاقة الجنسية، وقد يعبر عنها بالحب أيضا. وهنا إشكالية أخرى. حيث يعبر عن الممارسة الجنسية بالحب. وهو تعبير ليس موافقا للواقع. فقد تكون العلاقة الجسدية نتيجة اشتهاء فحسب. وليس الاشتهاء حبا بالمعنى المتعارف عليه.
فالحب ميل روحي عميق يخفق لها القلب وكل خلايا الكيان لرؤية الحبيب أو سماعه أو آثاره. كما يعبر عن ذلك الشاعر المجنون: أراني إذا صليت يممت نحوها=وان كان المصلى ورائيا.
مجرد شعوره بموضع وجودها يدفعه نحو التوجه إليها، حتى في صلاته-مخالفا الشريعة ساهيا، لطغيان الحب عليه. وهي حالات كثيرة ذكر بعضها؛ صاحب كتاب “مصارع العشاق” في الأدب الإسلامي. (ربما هو الشيخ ناصر الألباني) وفيه حكايات كثيرة، ومنها الغريبة..
بالطبع كل ما سأذكره موجود في الواقع –في بعض الثقافات. ونحن لا نحكم على سلوكهم-بشيء. فذلك متروك لقناعات كل إنسان وفق الثقافة التي تشكل كينونته الشخصية وصيرورتها اجتماعيا. لكننا نتساءل. وقد نعطي وجهة نظر –وان خالف هؤلاء دون أن ترمي إلى الإساءة إليهم. بل قد يعني محاولة الحوار معهم بشأن ذلك؛ دون فرض وجهات نظرنا الخاصة –مهما كانت طبيعتها-.
سأتناول الأدب الاجتماعي في وسائل الإعلام والفن. فتوصيفي ينصب على ما أجده في هذا الميدان. ومن الطبيعي ما يتوافق معه واقعيا، يكون مشمولا بما يوصف في هذه الوسائل الإعلامية والفنية، وخاصة التمثيل والغناء. وكل ما يتعلق أو يتصل بهما.
بالطبع الاختلاف بين الثقافات قائمة منذ الوجود الأول للبشرية في حالة اجتماع واحتكاك –بغض النظر عن شكل هذه البداية إذا كان تطورا كما في نظرية داروين التي تعلن إفلاسها يوما بعد يوم بما يُكتشف من جديد عن معلومات وجود الإنسان الأول….
أم في النظرية الدينية-ولنقل الحقيقة الدينية كما أعتقد-والتي تؤمن بنزول آدم الى الأرض ومن ثم تناسله وزوجته حواء –والتي هي موضع اختلاف في شكل وجودها الأول ..هل هي مخلوقة من ضلعه لتكون قريبة من قلبه -كما قال به احد المفكرين ربما طاغور…أم أنها خلقت بطريقة ما، مع تحولات خلوية وفق نظرية دارون التي تتجه نحو الإفلاس كما قلنا.
مع هذه الاختلافات يبدو أن هناك مشكلة ثقافية بكل معنى الكلمة.
من غير المعقول ان نفكر بطريقة إغفال وجود العقل والتفكير والرغبة في السمو لدى كل الناس لأنهم يختلفون عنا في طبيعة الثقافة. بل يجب التحري عن الأرضية التي تشكل أساس كل ثقافة، ومن ثم تبلورها إلى هذا الشكل أو ذاك. فربما تكون البيئة مؤثرة، وربما تجلي الجمال والدوافع الى الحب مؤثرة. مع إدراك أن الكثير من أدب بعض المجتمعات لا يتوافق واقعيا مع ما هو حاصل فعلا..أي أن الأدب يقول شيئا هو في الذهن كامل أو مطلب أو تمن..والواقع المعاش مختلف عنه تماما.. او في معظمه. فتكون هذه المجتمعات مشاركة غيرها ولكنها لا تعترف لأنها تخشى أن تعلن ما يجري حقا في حياتها واقعيا، وهنا مشكلة أخرى هي العيش بمنظور مزدوج-معاير مزدوجة-
………………………………………………..
…………………………………………………
سؤال عن دور الأزياء والموضة
في التلفزيونات اللبنانية –نموذجا-يبدو واضحا أن من مصادر الوارد المالي لها –ضمن خطة الإعلانات المعتادة في كل أنشطة البشر وكأحد أهم مصادر تمويل بعض وسائل الإعلام -يبدو أن الدعاية للموضة والأزياء من هذه المصادر وفي الصدارة ربما.
بدون حاجة إلى جهد زائد. نلاحظ مدى الاهتمام بهذا الجانب؛ منذ الأزياء التي تلبسها المذيعات خاصة، والبرامج التي وجدت خصيصا لتخدم هذا التوجه بتسميات مختلفة…وهي برامج تعتبر ترفيهية في الدرجة الأولى…كما تبدو ولكنها تتجاوز الترفيه إلى خدمة غايات لها صلة بالأزياء والعري وغير ذلك من السلوكيات التي يراد لها أن تتكرس في ثقافة المشاهدين والمشاهدات خاصة الشباب والنساء.
مثل هذه البرامج تستجيب لمشتهيات الإنسان. لكنها تتجاهل متطلبات تربوية ضرورية للسكينة الاجتماعية ومراعاة الحاجات الاقتصادية. والمعيشية …
فما تستهلكه هذا الدعايات من الجهود والأموال أحرى بها أن تكون في خدمة معالجة مشكلات اجتماعية وإنسانية عموما، منذ المعيشة والسكن والتعليم والمشكلات الصحية ودرء المفاسد وبناء منظومة قيمية معززة بقوانين داعمة واقعيا لسوية حياتية مفترضة ومطلوبة للبشرية.
ألا يمكن اعتبار الكثير من المنتوجات عموما، وتلك التي ذات صلة بالموضوع تعتمد نهجا تتبعه الشركات المنتجة لابتزاز الذين يتفاعلون معها بتأثيرات مختلفة مثل، تحسين الدعاية والإعلان والإشاعة…توظيف الغاية منها… ووسائل مؤثرة على الذائقة… مستثمرة قلة الوعي والخبرة (طفولة –مراهقة-تشتت عائلي ونتائجها-… او سوء التربية مهما كان السبب او الدرجة…لدى هؤلاء؟
لقد فاقت موارد الشركات المنتجة للماكياج-مثلا-بأنواعه والمؤسسات والصالات والكواليس التي نمت عليها كحواشي، او كائنات ماصة مستغلة متسلقة…الخ. ونبتت ثقافة تعتمد الإيحاء والتأثيرات ومعرفة الحالة النفسية للباحثين عن التميز والخصوصية والمكاسب المالية… مهما كانت النتائج-دون استقراء حقيقي -او بأدوات كفوءة-لحقيقة ما يقال وما يشاع…
فالجمال –كما هو معلوم-إحساس ذاتي اكثر منه وعيا لقواعد. وإنما يتغير هذا الإحساس، ويرتقي؛ بمقدار زيادة الوعي والخبرة وطبيعة الذائقة المتأثرة بنمط الثقافة السائدة التي تدغدغ النفس والغرائز بالدرجة الأولى دون ان يعني ان القوة العقلية غائبة، بل تصبح خاضعة لهذه المؤثرات.
…………………………………………………………………………………………………………………………………………………….
…………………………………………………………………………………………………………………………………………………….
هل يستحق الحب أن يحتفل به؟
وكيف. ؟!
محمد قاسم ” ابن الجزيرة ”

تجيش في الإنسان مشاعر مختلفة منها الحب. والحب انفعال. فلا هيمنة لنا عليه. إنه كضربة “صاعقة” أحيانا. وأحيانا كنسيم خافت يتسلل إلى مساماتنا؛ ولا ندري به إلا بعد أن يكون قد استقر فيها، وأرسل لمساته تشعرنا بحلوله وجودا.
لذا فقصص الحب تملأ آداب الشعوب. وان كنت أرى بعض تجلياتها ربما فيها تجاوزٌ للمدى الطبيعي لحيوية الانفعال عندما يكون حبا.
تجليات الحب كثيرة، لكن الذي غلب في حياة الناس هو الحب بين الجنسين…!
وفي هذا النوع من تجلي الحب؛ معان وتعبيرات، تفنن الناس في إخراجها، تسمى –عادة الأدب. ومنها مثلا؛ مناسبة “عيد الحب” -أو عيد فالنتاين. في الرابع عشر من شباط.
وفي ذلك حكايات وقصص تروى في الأدب الغربي، المسيحي-كمظهر ديني، ولكنه قليل الاعتقاد بالمسيحية دينا وتعاليم روحية، وتطبيقات لها عمليا؛ إذا تجاوزنا ما يخص الدور السياسي لها في حياتهم.
فالعلمانية هي الطابع الغالب في كل مفاصل الحياة لديهم، بما فيها النمط السياسي للحكم والإدارة…لكن المشاعر الدفينة-والمشاعر الدينية ربما أعمقها-تبقى منبعا لإلهام السياسيين في استقطاب المشاعر العامة.
وهذا –ربما-سر دوامها-كظاهرة يوصف بها الغربيون-وهيمنة تأثيراتها في حياة الغربيين. فضلا عن فكرة الاعتراف التي تطهر كل آثامهم عندما يرتادون يوما ما، رحاب معبد –كنيسة. وهذا مبعث اطمئنان نفسي يخلصهم من الشعور بالذنب تجاه ما يفعلون من تجاوزات لقيم الدين. فيشعرون بالتطهر.
…..
طبعا الاحتفال به –كعادة – ليس من تراثنا، ولكن إذا حاولنا أن ندقق فيما نتبعه من عادات في حياتنا الفردية والاجتماعية ومظاهر حياتنا المكرسة؛ سنجد الكثير مما لا نعتبره من تراثنا لكنها دخلت إلى ثقافتنا-الإسلامية-ونعيشها واقعا –أيا كانت النظرة إليها، من قبل الرافضين على الأقل…!
لذا فإن تجاهلنا التعسفي للمناسبة-كما غيرها-، يجعلنا كالطائر الذي يخفي رأسه في الرمل لئلا يرى الصياد –وأظنه النعامة-… لأن مظاهر المناسبة تجري واقعا في أسواقنا، وديارنا والكثير من سلوكياتنا كمجتمع.
ويتداول مراسيمَها الكثيرون جدا من شبابنا –من الجنسين-بل ويتبناها الكثيرون من مثقفينا –بغض النظر عن موقفنا منهم. ولقد فوجئت هذا العام-عندما وجدت عددا من أبناء مجتمعنا المسلمين يحتفلون بشجرة عيد الميلاد…!
بالتأكيد ليس احتفالا على أساس عقيدة دينية-بدلالات مشاعرهم وسلوكهم وما يعلنون من عقائده، وإنما انسياقا مع مظهر اجتماعي يفرّح العائلة –ربما الأولاد، ربما الزوجة، وربما رب الأسرة ذاته…!
مظاهر كهذه وغيرها، تتجلى كحقيقة واقعية؛ لم يمنعها صراخ المحتجين –أيا كانوا…!
وهذا يستدعي التفكير بالأدوات والأساليب المتبعة في معالجة الكثير من الظواهر الوافدة، والتي نرى فيها ما لا يلائم روح ثقافتنا الموروثة، والحاضرة، وما نتطلع إليه كمستقبل أيضا.
نحتاج-إذا-أن نتأقلم مع الثقافة الوافدة-أيا كان مصدرها-بمرونة توفر لنا التكيف بطريقة تبقيها في حالة إمكانية الاندماج مع ثقافتنا –كما يقال. ولصالح تماسك المجتمع ضمن الأطر الأساسية على الأقل. ومن المؤسف، أن ما يجري مخالف لهذا، وبات يشكل ظاهرة تغلب في حياة المسلمين في هذا الشرق، ومنهم العرب طبعا. بل وربما هم الأكثر في ذلك، وهي:
تجاهل تعسفي ومسبق؛ للقادم من العادات والأفكار؛ بطريقة الرفض دون حساب لنتائج مواقفنا هذه، هل هي مجدية أم لا، ولسان الحال يقول: اللهم إني بلغت. وهذا قياس خاطئ بالتأكيد.
فالتبليغ من الرسول كان من رسول آمن به أصحابه بقوة تظهر على ألسنتهم:
“فداك أبي وأمي يا رسول الله” ويمتثلون لقوله تعالى “ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا ” الآية.
ولا توجد المؤثرات التي جعلت العالم -جوا وبرا-مناخ استقبال كل شيء.
أكرر: “كل شيء” منذ رفقة بين الجنسين في حالة مهذبة، إلى حالة تكون العلاقة في ذروة “حميميتها” بتجليات مختلفة، ومثيرة، ومغرية. (التكنولوجيا ونتائجها المختلفة والمؤثرة في الحياة الاجتماعية، خاصة أولئك الذين يحتاجون توازنا نفسيا ناضجا-إذا جاز التعبير. كالأطفال .. والمراهقين. والذين اعتادوا أنماطا معينة من الحياة غير المتوازنة-مهما كان السبب-ومن أعمار مختلفة من الجنسين. وهؤلاء ليسوا قلة. لا عددا، ولا تأثيرا في حياتنا الاجتماعية والثقافية. فهل نتعامل –تربويا-مع هذه الأحوال جميعا…؟
أم أننا فقط نعبر عن دواخل تغلي فيها انفعالات قد لا تكون صحية. ولا في اتجاه صحيح!
هنا عالم يختلف عما كانت عليه حياة البداوة مثلا، القبيلة أو العشيرة…فلا يمكن تجاهل المستجدات بسهولة. بالمراهنة على أن المسار سيصحح نفسه بنفسه، أو نستأصل كل من تعجبنا أفكاره وسلوكه، سواء في الواقع، أم في رؤيتنا وذهنيتنا …!
ربما يفترض إيجاد حالة من التنسيق؛ تنتظم خلالها؛ علاقة المرء بمحيطه؛ وفق قيم يؤمن بها، وقد اكتسب الكثير منها من المجتمع ولكن:
هل يفترض بالمرء أن يبقى منحصرا في ما لقنه المجتمع في أي شكل كان…؟!
هنا مساحة الإشكال ربما…!
فالمجتمع-في حالة المجتمعات المتخلفة القبلية -يفرض قيمه –سواء أكانت صحيحة أم غير صحيحة -بمعايير المنطق والعلم-وقد يغلب فيها المظهر فحسب. وربما نوع من النفاق الاجتماعي، وعدم المصداقية مع هذه القيم. يعبر عن الحالة قول شاعر-ربما حافظ إبراهيم-:
يحرم فيكم الصهباء صبحا = ويشربها على عمد مساء…!
بعبارة أخرى، هل كل ما يلقّنه المجتمع لأبنائه مثالي…؟ أو صحيح؟
وما هي المعايير التي تحدد العلاقة بين المسؤولية الاجتماعية والمسؤولية الفردية …؟
خاصة فيما يتعلق بالقيم الكبرى، ومنها الاعتقاد الديني. والثقافة التي تمثله عموما. ؟!
لست من الذين ينسجمون مع عادات وقيم وافدة؛ تم قبولها دون تمحيص. لكن الواقع له مقتضياته. فكيف نتعامل مع الواقع في هذه الحالة…؟
ربما هذا هو السؤال المهم.
ونتساءل: مثلما تقبلنا الكثير من الأشياء والعادات والقيم التي لم نتقبلها –كمجتمع-سابقا. والآن أصبحت قيما ألفناها –وان لم نقبلها يقينا واعتقادا، بل ربما رضوخا وإكراها.
لم لا نجد طريقة نتعامل بها مع كل العادات والتقاليد والقيم الوافدة بنوع من المرونة. منها عيد الحب. ولنكن في هذا حاذقين، فنغيّر زمنه مثلا، وشكل الاحتفال به. فنطبعه بطابع ثقافتنا مع انزياح يساعد على النجاح بدلا من مواجهة نفشل فيها، ولا يبقى لدينا سوى أصداء الصراخ. !!!
ولكن هل هناك مساحة في ذهنية بعض الذين نصّبوا أنفسهم وكلاء عن الرب-والرب لا وكيل له-إما لمصحة تعود عليهم، أو لقصور في فهم ثقافتهم. فيفهمون الدين بمنظور ذاتي، ويفرضون ذلك على الجميع متجاوزين جوهر الإسلام. وهو “لا إكراه في الدين”….”ثم إلى ربكم ترجعون” حيث الحساب.
“فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” الآية
“ولا تزر وازرة اخرى” الآية.
فـ “كل شاة بكرعوبها معلقة” الحديث.