حيوية الثقافة الإيجابية محور للتطور، و تحسين الحياة

حيوية الثقافة الإيجابية محور للتطور، و تحسين الحياة
محمد قاسم
يبدو لي ان القوة المبدعة والمنتجة في الإنسان تتفاعل في دواخله فتدفعه الى عمل ما، يكون جديدا..!
ربما يكون هذا العمل الجديد،ناتج فكرة تتحول الى قصيدة شعر..أوالى مقال أدبي أو فكري أو ..أو تتحول الى عرض لاكتشاف علمي..أو نظرية طموح..
وربما يكون هذا العمل الجديد،ناتج فكرة تتحول الى عمل في الواقع..كالتأسيس لحديقة خميلة.. أو عمارة جميلة..أو شركة تجارية..أو اختراع جهاز ما..الخ.
المهم ان الفكرة تكون متحركة حيوية..-في حال فاعليتها- وتسعى دوما الى التحقق عبر شيء ما، كما أسلفنا..
ولعل هذه الحركة والحيوية في الفكر،هي الدافع الى ان يسعى الشباب الى التعبير عن ذواتهم، عبر أداء عمل؛ يشعرهم بالمساهمة في الحياة- بناء.. وتعميرا.. وإنتاجا.. وإبداعا…- ومن ذلك سعي بعض الشباب الكرد في المهجر الى تأسيس موقع الكتروني يتواصلون عبره مع الكتاب والمثقفين والمبدعين والمفكرين…- الكرد خاصة- للمساهمة في تطوير الثقافة عموما،والثقافة الكردية بشكل خاص، بحفظ القديم منها،عبر إحيائها،ونشرها، وتوصيلها الى الغير، كنوع من التواصل في اتجاهاته المختلفة :
بين القديم والحاضر..والتأسيس للمستقبل.
بين الأجيال الماضية والأجيال اللاحقة..طولا .
بين الناس في أماكن مختلفة عرضا..
وهكذا… يتم تواصل وفعالية بشرية؛لإضفاء معنى جميل على الحياة .. فيه السلام..وفيه البهجة..وفيه السعي للبناء والتعمير -مادة وروحا،وعلاقات…-
ولقد كنت محظوظا باتصالهم بي؛ معبرين عن رغبتهم لكي اكتب مقالا أساهم به في مشروعهم الوليد هذا..وبطبيعة الحال فانا سعيد جدا..وأتمنى أن أكون في مستوى حسن ظنهم بي.
ولعل خير بداية ان يكون البدء بالحديث عن الثقافة عموما، والثقافة الكردية خصوصا.
لا سيما ان المشروع ذاته يهدف الى ذلك.
فكما هو معلوم من الجميع..إن الثقافة في المجتمعات، هي المناخ الموفر لروح تسري في حياتها بتجليات مختلفة،وتعطيها خصائص تجعل لها معنى..!
هذا المعنى يتجلى في القيم الجمالية،وحسن التواصل، ودقتها،عبر تحديد الأفكار والقيم والمعايير والمصطلحات…و التي تؤطر المعاني..وتجعلها سهلة الاستخدام ..وموفية بالغايات منها، في وضوح يجلي الغموض ويجنب الناس سوء الفهم، فضلا عن الإضاءة ،والبهجة.. والتي يسعى الناس –دوما- للحصول عليها تحت عنوان السعادة –عادة-.
ولا يمكن الحديث عن الثقافة في كلمات قليلة، او صفحات قليلة ..بل إن المجلدات لا تسع التعبير الكافي عنها، بسبب التراكم الكبير لها منذ الماضي السحيق،وعبر التدفق المستمر لروافدها ..ولقد أحسن مقدم برنامج في قناة العربية– عندما أسماه (روافد) حيث يقدم كل مرة احد الأدباء، او المفكرين،أو الشعراء او العلماء… ليطلع الناس على تجاربهم الثرة، وإبداعهم الغزير والممتع ..وان كان آخرون يفعلون الأمر نفسه تحت عناوين أخرى:
(سيرة مبدع) مثلا في قناة العراقية، (قريب جدا) في قناة الحرة، (زيارة خاصة) في قناة الجزيرة..وغير ذلك..ولكن تسمية “روافد” أشعرتني بالحيوية التي تتميز بها الفعالية الثقافية ..ومن خلال الفعالية المستمرة التي يقوم بها المنتجون للأفكار، والمنظمون لها، و المبدعون فيها..!
فالثقافة –كما أسلفنا- تتجدد باستمرار؛ بما يرد بحرها من روافد، تجلب إليه كل جديد، في عالم الأدب، والمعرفة، والعلوم، والفلسفة، والفنون المختلفة..الخ. ليكون بحرا زاخرا بالألوان والأصداف والجواهر والدرر.او بتعبير أبو الطيب المتنبي:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
وكل ذلك يندرج تحت عنوان الثقافة وفق التعريف الذي يطلقه عليها المختصون..”الثقافة كل معقد يتكون من مختلف الفعاليات البشرية من علوم وفنون وآداب وفكر وعادات وتقاليد وقيم ومعتقدات…في عصر معين، ومكان معين. ولذلك يقال:
الثقافة الصينية ، الثقافة الأوروبية، و الثقافة العربية، الثقافة الكردية …
إلا ان اتجاه الشعوب نحو العولمة الثقافية-بتأثير من تقدم ثقافة الغرب التكنولوجية المتطورة- يقلل من الخصوصيات التي كانت ثقافة كل مجتمع تتميز بها..!
وفي هذه الحالة، فإن الثقافة ذات القوة الأكبر -تراكميا وتنوعا وتكاملا وحيوية وإنتاجا وإبداعا …- هي التي ستنال الحظوة الأكبر في سياق العولمة وخاصة إذا كانت اللغة التي تعبر بها عن نفسها تستجيب لها بمرونة وجلاء.
وهذا ما تخشاه الشعوب الصغيرة او ذات الثقافة الضحلة ..أو تلك المتزمة في قيمها الثقافية.
وتظهر نتيجة لذلك صيحات في قرب مقطوعة ،عنوانها المحافظة على القديم باسم التراث وكأنهم بذلك يستطيعون رد السيل الجارف القادم عبر العولمة..! وهذه الصيحات في واقعها تسعى للمحافظة على أنظمة سياسية متهرئة وفاسدة..عبر الحفاظ على مفهوم قداسة القديم –التراث في الوسائل والسلوكيات وضوابط الحركة الاجتماعية..! ولكنها تتخذ الثقافة لذلك عنوانا ..لعل القبول بها يكون أكثر.وفي كل الأحوال فهي حركة “لا تغني ولا تسمن من جوع” فهي كمن يحاول حجب الشمس بالغربال.
هل نريد بذلك الدعوة للعولمة وتكريسها..؟.
لا بالطبع..ولكننا فقط نحاول أن نتفهم الواقع ونتكيف معه. بدلا من طمر الرأس بالرمل كما تفعل النعامة.لئلا يراها الصياد.
من هنا تأتي أهمية ودور القائمين على الثقافة، او المتعاملين بها، لبذل الجهد الممكن لخدمة الثقافة، بخصائصها الأصيلة من جهة..وبخصائص تتوافق مع التطور الحاصل في سياق العولمة من جهة أخرى..
وليس هذا صعبا كثيرا إذا وعى أصحابها أسرار الثقافة على طبيعتها..ولم يقدموها كجثة محنطة كما يفعل بعض عبدة الماضي بتأثيرات أهوائية –من الهوى-وليس لضرورات تطويرية وتخليد..
أو تجميدها في فريزر الأيديولوجيات المشوهة تكوينا وصياغة وتنفيذا لقيمها..!
وفيما يخص الثقافة الكردية فالكل يعلم ما تعاني هذه الثقافة من المشكلات..بدءا من:
– حرمانها من الخدمة والرعاية طوال قرون، بسبب ظلم الحكام الذين كانوا يسيطرون على كردستان وشعبها..والذين حولوا الاحتلال والاستعمار الى فلسفة مكرسة في أذهان شعوبهم ايضا، فأسسوا لفلسفة منحرفة ضد الثقافة الكردستانية،والشعب الكردي،تجذرت في الأذهان والنفوس إلا من رحم ربك من بعض ذوي الضمير الحر والوعي الثاقب.
– ومرورا بنتائج الحالة من تمزيق أواصر اللغة الموحدة التي تجمع الكرد على فهم واحد..بل إن البعض ينساقون مع أهوائهم المنحرفة أو قلة وعيهم المستقبلي-من الكرد- ..ويحاولون ممارسة استبداد لغوي على بني جلدتهم كما كان يفعل الغرباء من الفرس والترك والعرب..
ولقد كتبت أكثر من مقال لمعالجة هذا الأمر،نشرت في مختلف المواقع الانترنيتية..منها:
(رسالة نقدية الى السيد رزكار عزيز)-( مشكلة ستتفاقم ما لم تعالج…)كما فعل غيري..ومن حسن الحظ ان السيد مسعود البارزاني-رئيس إقليم كردستان العراق- قد دعا الى ضرورة العمل لآيجاد لغة موحدة للكرد؛ تكون وسيلة التعبير المشتركة..على ساحة كردستان كلها.
– ثم ضعف وقلة المراجع التراثية التي تمد الباحثين والكتاب بمصادر تعينهم على ربط الماضي بالحاضر بسهولة..وهذا يرتب مسؤولية غاية في الأهمية على عاتق المثقفين والباحثين الكرد.
– وقلة المثقفين الكرد الذين يكتبون بلغتهم للأسباب المذكورة سابقا، فضلا عن عجز تعاني منه اللغة الكردية فيما يتعلق بالمصطلحات العلمية والفلسفية والأدبية ؛بسبب تعطيل طاقاتها من الأعداء طوال قرون ماضية..إضافة الى السيكولوجية المتأثرة بهذا الواقع وغيره..
وكلها عوامل تصبح حجر عثرة أمام تطوير الثقافة الكردية ..
ولكن –وكما كان موسى بن نصير – يقول: “لم يفت الأوان بعد”
وكما يقول الفرنسي رينيه ديكارت:
” أنا أفكر إذا انأ موجود..” فدعونا ننطلق من وجودنا الى ترميم ثقافتنا بروح إنسانية منفتحة تعيننا على التكيف مع الواقع ببعديه : الخاص(القومي) والعام(العولمي والإنساني).لينعكس على وجودنا وعيا متقدما مشحونا بقيم فعالة إيجابيا على كل صعيد
…………………………………………………………………………………………………………………………
………………………………………………………………………………………………………………………….

هل يختار الكاتب كلماته حين يكتب؟؟
محمد قاسم
يكتب المرء عن أمر ما وقد يكون لتحقيق غاية ..
وقد يكون تنفيسا عما يعتلج في نفسه نتيجة إحساسه الشديد بذلك الأمر..
وإن كانت الغاية تجمع –عادة- بين الأمرين.!.
المهم.. هل يختار الكاتب كلماته..؟
أم أنها تأتي عفو الخاطر..؟!
الذي ظهر لي أن الاختيار في الأحوال الدقيقة (الحالات الفكرية الفلسفية..) وارد..
ولكن الأغلب أن الكلمة تنزل الى ذهن الكاتب بصورة آلية..
فتراه يكتبها دون انتباه الى أن هناك كلمة أخرى، يمكن ان تؤدي المعنى نفسه..!
وربما ينتبه..!
ولكن الكلمة التي سبقت ضمن السياق
ترى وكأنها الأنسب لهذا المكان..
وكأن السياق له أثره في ملء إرادته على هذا الاختيار..!
ما رأيكم..؟
…………………………………………………………………………………………….
…………………………………………………………………………………………….

محاولة تحديد مفاهيم، ذات طبيعة إشكالية أحيانا
يبدو لي أن القوى النفسية عموما -ومنها القوى الفاعلة فيها، العقل خاصة- قد صيغت من خالقها بطريقة فيها تعقيد، ويتطلب التعامل معها –في إطار هذا التعقيد- بقوة في الفهم، متكئة على الإدراك عبر التحليل والتشخيص ..
وهذا يتطلب أيضا، بذل جهود مستمرة في البحث، والمتابعة؛ بتوفر معطيات، و استعدادات، وإمكانات ، وخصائص… تؤهل لهذا الاستكشاف والضبط معا.
ومن الضبط، تحديدات تتعلق باستخدامات الكلمات ودلالاتها، ونحت المصطلحات التي تختصر الكثير من المعنى –المعاني- في اطر واضحة ومحددة ؛تسهل الفهم والتعامل؛ ليغدو الحوار وسيلة فهم مشترك، وعدم الانحياز نحو الغموض والإشكالية، وكذلك العمل على إعداد القواميس والمعاجم اللازمة..الخ.
إن الغموض الذي يكتنف المعاني والتعبيرات؛ يؤدي إلى الاختلافات، والتي قد تتصاعد إلى صراعات معنوية ومادية، أسوأ تجلياتها؛ الحروب المدمرة للبيئة، والحياة المادية-الفيزيولوجية للكائنات الحية، وتهديم قيم الحياة البشرية العاقلة، والكائنات الأخرى الضرورية لتوازن حيوي في الكون.
من المؤسف أن تاريخ البشرية مليء بهذه الصراعات والحروب التي يُفترض أن تكون مرصوداتها المالية والبشرية؛ موظّفة في خدمة الكون عموما، و القوى البشرية العاقلة الوحيدة خصوصا.
كما تظهر المعطيات المتوفرة منذ وعي الحياة على وجه البسيطة- وان كانت هناك نظريات تحاول افتراض وجود قوى أخرى– غير الملائكة والجان- المُقر بوجودهم في المعتقد الديني عموما.وربما بوضوح أكثر في الإسلام.
ومنذ بدء الخليقة هناك تفاعل بين الإنسان وفقا لمستوى وعيه ، وبين الطبيعة وفقا لمعطياتها المتغيرة، في سياق علاقة جدلية بين العقل البشري وجهوده المادية،وبين ما يتوفر، ويُستكشف، ويستجيب للإدراك والتأثير؛ تغييرا نحو التطوير الذي أفاد – ويفيد- البشرية..
وفي استقراء مسار هذه الجهود من: تعلم، وبحث، وبناء… نجد التعاون من السمات الرئيسة في الحياة الاجتماعية ..لكن الجانب الإشكالي دوما هو المنتجات التي تتركها أنظمة الإدارة السياسية عموما، وفي المجتمعات المتراوحة مكانها –أو المتخلفة -أو غيرها من تسميات تؤكد تخلفها- عن ركب الحضارة المعاصرة.
لقد بذل البشر الجهود في مستويات متعددة من القوة والغزارة؛ لتجاوز المشكلات التي تواجههم دوما، لأسباب طبيعية، وأسباب وُضعت في تركيبة الحياة من خالقها، لإعطاء الحركة والحيوية البشرية معنى؛ عبر تفاعل بانٍ، وعامر للحياة . وسلوك مهذِّب لمسار الكون عبر قيادة بشرية عاقلة لها .
والعقل –كما هو واضح – هو المميِّز الوحيد للإنسان – في سياق الكون المليء كائنات مختلفة حية، عاقلة وغير عاقلة، وجامدة… هي جميعا: عناصر متكاملة لإعطاء الحياة في الكون؛ معنى عمليا يوافق الحاجات، ويدفع نحو التطور المستمر لمصلحة البشر، ومنها مصلحة البيئة عموما. والجميع بدا يدرك هذا فتقوم الدول بعقد اجتماعات دورية لمعالجة ما نالها من خلل خطير ينذر بما هو هالك للحياة.
هذه المقدمة قد تكون ضرورية وقد لا تكون –بحسب الذي يقرأ- لكنها بالنسبة إلي ضرورية..
لاحظت أن كثيرا من المعاني تضيع في خضم الجزئيات التي تتناثر منفردة عن بعضها البعض، خاصة في أثناء الممارسة اليومية الضاغطة بشكل أو بآخر-. فيؤدي هذا الضياع –أو الغموض- إلى تمزق السياق المتكامل – أو الموحد – لها.
لذا فإني أعاني ما يشبه الوسواس حول ضرورة المقدمة –التمهيد- لكل موضوع يتناول أية قضية ،لاسيما تلك التي تحتاج تفكيرا بعمق،بسبب ما فيها من تعقيدات نتيجة تركيبها وتأليفها من عدد من العناصر –العوامل- قلّت أم كثرت.
المطلعون –الخبراء- يعرفون المناخ الذي يفترض للحوارات أن تمارس فيه..ومنه الاطلاع على كل ما يتعلق بالموضوع الذي يجري الحوار بشأنه، واللغة التي تمكّن من التعبير بكفاية؛ سواء لجهة الكلمة المناسبة أو السياق الذي تكون الكلمة فيه. فدوما هناك سياق يُعين على وضوح التّبلور للمعنى ومن ثم الفهم المتبادل.

……………………………………..
……………………………………..
كيف نمارس حقوقنا الذاتية في سياق المصلحة العامة
08
أيار
2010
محمد قاسم
طباعة
البريد الإلكتروني
< السابققضاياالتالي >
كيف نمارس حقوقنا الذاتية

في سياق المصلحة العامة؟!

محمد قاسم

m.qibnjezire@hotmail.com

يبدو هذا العنوان مألوفا في ذاكرتي،لأنها انشغلت به كثيرا.

دلالة هذا العنوان مهمة –كما أرى وافهم-

فمعظم المشكلات الذهنية تأتي كنتيجة لاختلاط المعاني..وتداخل المدلولات..!

ولعل هذا هو الدافع للفلاسفة منذ القديم ليبحثوا عن مخرج يعين على القدرة على فرز الحقائق عن غيرها…فكانت الخطوة الموفقة –وإن كان البعض لا يزال يعترض عليها – على يد الفيلسوف الإغريقي أرسطو،عندما ابتكر الأدوات المنطقية في التفكير -أو اكتشفها- تحت عنوان “المنطق ” هذه الكلمة العربية التي تترجم الكلمة اليونانية الدالة على المعنى “لوغوس” في اليونانية.

الـ”لوغوس” يعني المنطق ومدلوله:التعقل والكلام،أمر يعرفه كل المثقفين.

العبارات عندما تكتب-أو يُنطق بها- ينبغي أن تكون واضحة..خدمة لوضوح المعاني فيها،ووضوح سياق النص أيضا..ومن ثم الفهم.والتفاعل وفقا لذلك.

قبل أن تظهر الفضائيات و تنتشر ..كنا نتابع التلفزيونات التركية –وهي عديدة- بخلاف ما كان سائدا في سوريا حيث بالكاد هناك محطتان –كلتاهما محتكرتان من النظام، تمثلان فلسفته في الحكم والإعلام..وقد كانت فلسفة مملة غالبا، وأحيانا مؤلمة الوقع على النفوس والأذهان. لأنها تهدف إلى صهر الذهنية الشعبية، وذهنية مختلف الشرائح الاجتماعية ومستوياتها..في بودقة تصوّر القائمين على الحكم ..وهو الانصهار في أسلوب هجين يجمع ما بين المختار من الماركسية ،ومنهج البعث في تحديد معنى “القومية العربية” وتطعيمهما ببعضهما بطريقة تعسفية لخدمة تصورهم، وربما لخدمة البقاء في الحكم بالدرجة الأولى..عبر الهيمنة النظرية المهيئة للهيمنة ميدانيا ..!

وهنا لا بد من الإشارة إلى اختلاف بين المنهج الغربي في التفكير حيث صياغة المفكرين والفلاسفة –المثقفين عموما- عبر البحث والتحليل والاكتشاف..الخ. وبين المنهج ألبعثي حيث صياغة السياسيين-الحزبين- وفرضه على الواقع الاجتماعي بـ”شرعية الثورة”.

في تلك الظروف كنا نشاهد التلفزيونات التركية المتعددة الاتجاهات والانتماءات الفكرية والحزبية..وكنا نشاهد –الى جانب المسلسلات والأغاني الشجية –بعض البرامج التي يدور فيها الحوار بين شخصيات أكاديمية وخبرات..واختصاصات..الخ. –وهذا مقصدنا من هذا العرض–

وكانت هذه البرامج تبدأ منذ الصباح الباكر..وتستمر الى وقت متأخر أحيانا..ولأني لم أكن افهم اللغة التركية فلم أكن أستمع إليها إلا لماما؛ وبدافع فضولي قد لا يطول..ولكنني اكتشفت فيها عمليات حوارية حول مفاهيم مختلفة؛ سياسية أو اجتماعية او فنية او غير ذلك..

وكنت أتساءل:ترى لماذا هذه البرامج المملة..هل هناك من يستمع الساعات الطوال الى هذه الموضوعات..؟!

ألا يوجد بديل آخر ..؟1

وفيما بعد انعم الله – عبر الغرب كما دائما- علينا بتكنولوجيا الفضائيات؛ والتي ابتدأت بـ”قناة الجزيرة ” و التي لعبت دورا تنويريا هاما جدا في التأثير على الذهنية العربية بشكل أو بآخر؛لولا أنها بدأت تتأثر بالأمور الذاتية والموجهة –كما هي عادة النظم والمنظومات ذات الاتجاه الشمولي او العاطفي قومويا.. انعكس سلبا على أدائها المهني ..وانحدر بها عما كانت عليه ،وقبل ان تظهر “قناة العربية” التي استطاعت في فترة وجيزة ان تنافسها..وربما تفوقها في بعض الحالات..وعلى الرغم من أنني لا أبرئ العربية من بعض انحياز –ربما مقصود او غير مقصود-ناتج عن الطبيعة العاطفية للقائمين عليها..فنحن في هذا الشرق يصعب علينا الفصل بين الحدث وميلنا نحوه –سلبا او إيجابا- وهذا ما يخل دائما بمهنية العمل المؤدى في الشرق..والعرب منه.ومن ثم توالت الفضائيات المختلفة ،وانتقل الإعلام نقلة نوعية..بالرغم من مسحة ذاتية –يبدو أن الذهنية العربية –أو العروبية على الصحيح -لا يمكنها التحرر منها –ربما بسبب طبيعة التكوين الذهني-السيكولوجي(الثقافي).وهي تبدو مشكلة مزمنة يصعب التحرر منها في المدى المنظور..لكن الملامح الإيجابية تتبلور شيئا فشيئا على كل حال.ا.

لقد حاولت أن أرى الفارق بين الحوارات في هذه الفضائيات ،وتلك الحوارات التركية التي لم أكن افهمها ..وكنت ابذل جهدا لذلك..واحيانا اسأل العارفين..!

فعرفت –فيما بعد- أنها حوارات حول قضايا مختلفة ،تذاع يوميا لتسهيل فهم الناس للمفاهيم والمصطلحات والمعاني والوسائل والطرق ..والتي جميعا تخدم الوعي الاجتماعي في كل أبعاده..إضافة إلى الاتجاهات الفكرية والسياسية والاجتماعية وكل ما يتعلق بوعي المجتمع أفرادا وجماعات.

وعندما جاءت الجزيرة, وجدت مثلها على شاشتها..وقد استهوتني هذه الحوارات بأشكالها المختلفة،كما غيري..مثل: برنامج الاتجاه المعاكس، برنامج بلا حدود،برنامج لقاء اليوم،برنامج شاهد على العصر…الخ.

وعندما كثرت الفضائيات ” وأصبحت على قفا مين يشيل” كما يقال في الدارجة.. قلدت بعضها بعضا وتبنت هذه البرامج، كل واحدة في الاتجاه الذي يخدمها طبعا..وهذا منطق الأشياء..ولكن الذي أريد الوقوف عنده هو ما يلي:

في البلدان المتقدمة والتي تسمى دولا-عن حق- بكل خصائصها كدول تتكون من :

مؤسسات ديمقراطية..في ممارسة أنشطتها سياسيا واقتصادا حرا وفق قوانين لمصلحة المجتمع ككل –لا مصلحة فئة قومية او طائفية أو دينية..الخ.- وهي مشكلات تجاوزتها جميعا بمقدار مقبول ومعقول..مهما قيل في شان نواقصها وعيوبها-فالبشر ليسوا كاملين أبدا:

و”حسب المرء أن تعد معايبه” كما يقول الشاعر!.

في هذه البلدان،الإنسان كائن نما بحرية معقولة..واكتسب خبرة خصوصية ..وله فرديته التي يعتز بها،وتدعمها القوانين بشفافية، فتأسست في ذهنيته مساحتان في إطار علاقة متكاملة كالعلاقة التي تعرف-في المنطق- بالجنس والنوع أو (العام والخاص).

ففي كل ذهن مساحة عامة تتضمن المفاهيم الجمعية و الاجتماعية مثل:

– المصلحة الوطنية وتشارك مصلحته الشخصية معها،

– مصلحة المجتمع الإنسانية ، في علاقتها بمصلحة الوطن “الجغرافيا” وتشارك مصلحته الشخصية معها…الخ.

وفي كل ذهن –الى جانب ما سبق- مفاهيم المصلحة الخاصة بتجليات مختلفة..ولكنها دوما يفترض أن تبقى في سياق المساحة العامة أو الاتجاه العام.

المساحة العامة(المصلحة العامة) جنس..والمساحة الخاصة (المصلحة الخاصة) نوع.

والجنس يحوي النوع كما هو معلوم.

يمكن التمثيل لذلك بـ (دائرة كبيرة ضمنها دائرة صغيرة) وهما متكاملتان متفاعلتان في هذه الحالة…

أصبحت المصلحة العليا تفرض ذاتها، وتفرض على الجميع القبول بها عن وعي ودراية لنتائجها عبر القبول بالقانون…وأصبحت المصلحة الخاصة جزءا من سياق المصلحة العامة..

وكنتيجة لتربية متدرجة للوعي فقد أصبحت مفاهيم ثقافية داخلة في نسيج بنية الوعي الأخلاقي والقانوني.وان كان القانون هو الأساس هنا.

لذا فمهما حاول بعضهم أن يتجاوز المصلحة العامة خدمة لمصلحته الخاصة فإنه لن يستطيع.لأن الذهنية الشعبية والحكومية مرهونة بطيعة العلاقة بين “العام” و”الخاص”.

وذلك كنتيجة للانتخابات الحرة والنزيهة بشكل عام.وان وجدت اختراقات فلن تفلح كما حصل لرئيس الولايات المتحدة الأسبق “نيكسون” مثلا والذي خلع من الرئاسة عندما كُشف عن تجاوزات قانونية منه..كمثال فقط لا للحصر.

فهل نطمح كشعوب متخلفة –والعربية منها طبعا- إلى إيجاد انسجام -من نوع ما – بين العام والخاص.. في صيغة قانونية تخدم الوطن مع مواطنيه؟!

لنتفاءل..بالرغم من صعوبته..!!
…………………………………..
منقول عن موقع رابطة أدباء الشام
https://www.odabasham.net/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/51571-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%86%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%B3-%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82%D9%86%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D9%84%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A9