قضايا مصيرية تطرح دون منهج موضوعي

قضايا مصيرية تطرح دون منهج موضوعي
محمد قاسم ” ابن الجزيرة ”
ديرك: 26/10/2016
اعتاد بعضهم أن يطرح قضايا ذات طبيعة مصيرية للإنسان كفرد ومجتمع. وهذا أمر جيد يوحي بشعور بالمسؤولية. فأين المشكلة إذن؟
البحث في المشكلات، يحتاج منهجا وأدوات تناسب الموضوع.
هذا هو محور الطرح هنا: منهج البحث، وأدوات مناسبة للموضوع، ولنختصره بتعبير (منطق المعالجة).
فالمعروف أن الأفكار هي معان تحملها كلمات؛ تسمى في المنطق الصوري (الأرسطي) مفاهيم. وحدود ضمن الأقيسة، وتنضبط بضوابط صارمة تمنع خروجها عن مسار محدد للاستنتاج، منعا للوقوع في الغلط او الالتباس.
يعين المنطق الاستنتاجي على قيادة المفاهيم نحو الصواب، ويمنع من وقوعها في الغلط (التناقض) اتساقا مع مفهوم ” توافق العقل مع ذاته” أو “عدم تناقض العقل مع ذاته”
وهناك المنطق التجريبي الذي يجمع بين الاستنتاج النظري والاستقراء الواقعي (العملي). وهو منهج استقرائي(علمي) يبحث فيما هو كائن في الواقع عن طريق التجريب، واتباع مهج صارم عناصره: الملاحظة(المشاهدة) والفرضية (التصور المنهجي) وهو يعتمد على تجارب وخبرة ومعلومات… وإنما يُمارس(التجريب) للتحقق من صحة (تصوّر الفرضية وصياغتها) او تصحيح لما فيها من أخطاء محتملة، وصولا إلى نتائج أكيدة؛ يمكن التحقق منها دائما، ويُسمّى – عندئذ-قانونا علميا/موضوعيا.
هؤلاء الذين يطرحون المشكلات هنا، كثير منهم-هن-لا يراعون هذا المنهج، لا الاستنتاجي ولا الاستقرائي… ولا يقدمون منهجا جديدا قد يكون، ولا نعرفه.
فيعتمدون على تصوّرات خاصة، عناصرها الخيال الجموح لديهم، وما فيه من (عناصر نفسية) ذات صلة برغبات وأهواء وانفعالات وردود أفعال… جميعها يسيء إلى الطرح ما لم يكن منضبطا بقواعد، ومستندا إلى معايير معروفة، ومشتركة بين الجميع في فهم متواز للقبول بها لدى الذين (اللواتي) يُطرح عليهم(عليهن). للتوصل إلى نتيجة مشتركة تقنع (الأطراف)… هذا ما يحصل في كثير من نقاشات سياسية، واجتماعية (عن المرأة والرجل خاصة).
أحد اهم الأطروحات هو الانسياق مع حالة ثقافية، تجاهد قوى ذات مصلحة (أحيانا ليست في الواجهة) لترسيخها وتكريسها، وهي مغالطات نشير إلى بعضها:
• المغالطة الأولى: تضخيم الرؤية الأحادية إلى المرأة، وتصوير الرجل كعدو ومضطّهد لها منهجيا. ومن ثم دفعها لتمارس ما لديها من إمكانيات ضد الرجل. فكأنما أصل العلاقة بين الجنسين هو الصراع والعدوانية …
• المغالطة الثانية: حصر معنى العلاقة بين المرأة والرجل في علاقة وحيدة هي علاقة الزواج (أو علاقة ذات طبيعة ثنائية أساسها الرغبة الجنسية).
تُبنى على هاتين المغالطتين؛ مفاهيم كثيرة. تُكرِّس جميعا، سوء فهم مقصود للعلاقة بين الجنسين، وما ينتج من نتائج تفاقم حالة المرأة سوءا، (كذلك حالة الرجل). إذ تظهر مشكلات بين الجنسين، باستمرار. فيهرب الطرفان إلى أحوال تزيد المرارة، وتنعكس سلبيا على البشر-خاصة كبار السن، والأطفال الصغار-فضلا عن المؤسسة الأسرية (البيئة الحاضنة للرجل والمرأة والأطفال والشيوخ …).
لقد تعمّد بعضهم تضخيم ممارسات ذات طبيعة خاصة ومحدودة نسبيا –قياسا إلى الواقع الكمي للعلاقات-للتغلغل إلى داخل المؤسسة الأسرية والاجتماعية، عبر إيحاءات وإيماءات، فضلا عن إغراءات مختلفة (نفسية، جسدية) ليصبح تشتت المجتمع (والأسرة فيها) محركا رئيسا للحياة الاجتماعية. وتقدّم حرية فردية مبالغ فيها كأساس للحياة الاجتماعية. فيتكوّن واقع لا يخلو من جاذبية لما فيه من حرية مطلقة تستجيب للرغبات النفسية، ثم تبنى عليها اعتبارات أخرى … يعلم كل امرئ من تجربته الشخصية أن الحرية الفردية، ما لم تضبط بقواعد تكون خلاصة تجارب وأفكار وخبرة تراكمية فإنها أقرب إلى النفس وما فيها من قوى دنيا، خاصة في أعمار الطفولة والمراهقة وفي أحوال الجهل والأمية وظروف حياة فقر خاصة…
ليس الناس جميعا في سوية فكرية ناضجة ومتوازنة في الشخصية. عندما يجد نفسه في مواجهة واقع(موقف) تغلب النوازع النفسية فيها، ويضعف دور العقل والتفكير المتوازن تجاهها. لذا اضطر أصحاب هذه النظريات إلى قبول واقع ثقافي معين فيما يتصل بعلاقة الرجل والمرأة:
1- غلبة النزوع نحو اللذائذ لدى الجنسين، فالمجتمع إلى التساهل نحو ممارسات تتزايد يوما بعد يوم، وتتمخض عن مشكلات مختلفة ومنها الصحية كالإيدز (مرض نقص المناعة) مثالا.
2- ظهور نظام العشيقة كجزء طبيعي في نظام الحضارة (أساسها المادة والمال)، وهذا يؤثر على الحاجة الي الزواج وتكوين أسرة في سياقها الطبيعي.
3- عدم ضبط العلاقة الجنسية بين المتزوجين والمتزوجات باعتبارها حرية شخصية. ويلاحظ هنا أن حق الحرية الشخصية يتجاهل حقوقا اجتماعية أساسها العلاقة بين طرفين (العلاقة الزوجية الحرة والمشروعة) ومن يريد ممارسة الحرية الشخصية كفرد، عليه أن يتحرر من العلاقة الزوجية القائمة إذا. فعلاقة الزواج هي مسؤولية منذ الاتفاق عليها وعقدها ضمن طقوس اجتماعية في ظروف حرة. (أما الحالات الاستثنائية فتدرس قي سياق ظروفها).
4- تجاهل انعكاسات نفسية على الأطراف ذات العلاقة كالزوج بالنسبة للمرأة التي تقيم علاقة مع غيره، والعكس صحيح طبعا، والأولاد الذين يتأثرون نفسيا بعلاقات غريبة مع أي من الأبوين (الأب والأم). وحتى لو افترضنا أن هذا ناتج ثقافة مهيمنة ذات جذور اجتماعية/دينية/تراثية…فإن تغييرها لا يكون بنزوات شخصية فيها تمرد وإباحة، وإنما تدرس عبر أنشطة ثقافية وتقبل اجتماعي لنتائجها. وإذا لم يمكن ذلك فالقاعدة الذهبية هنا “إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا” حديث، يهمنا منه مضمونه لا مصدره.
فكل إنسان قد ينزلق الي مستوى من الخطأ. وخير له أن يستتر. وقد شدّد الإسلام في ضرورة وجود أربعة شهود على علا قات غير مشروعة، وهو شرط يكاد يكون تعجيزيا لأن الغاية أمران أساسيان:
a- عدم التشهير بممارسة غير مرغوبة دينيا واجتماعيا، للمحافظة على علاقة قد تستمر مادامت مستورة ولم يشهر بها ولا يعلم الأطراف بها. وفي ذلك مصلحة للأسرة. خاصة أن احتمال التوبة موجودة.
b- عدم نشر الفضائح فيستسهلها بعضهم.
هنا، نلقي نظرة خاصة على “الأمومة” فالأمومة خاصة أنثوية لا توازيها الأبوة بحال من الأحوال من الناحية الواقعية (لا كمسؤولية، فهي مشتركة وكل بحسب طبيعته واستعداده وظروفه). ويفترض أن الأمومة ذات نقاء، فيها شرف كرامة، وتضحية، وحنان أمومي… وهي جميعا حاجة تربوية طبيعية وضرورية للأطفال لتأسيس علاقة أمومة وبنوة نقية. تكمن فيها معاني لا يدركها الإ من عاشها. وغير ذلك من مقومات إنسانية راقية وعليا، اذا لم تحتفظ الأم بها، تنحط كأم، وتصبح مرأة عابثة مع احتمالات عديدة كإسقاط الجنين(الإجهاض) في ظروف لا تلتزم دوما بالأخلاق والقوانين. ونحن نسمع ونقرا كثيرا عن ذلك في الإعلام.
5- تغليب أوهام –ومنها باسم الحب –على الواقع وسير العلاقات فيها، لما في ذلك من تقارب مع الرغبات والشهوات واللذائذ…الخ. تعبر عنها مشاهد في أفلام سينمائية تكشف عن كونها رسالة لترسيخ ثقافة إباحة والانحراف بثقافة محافظة تحرص على نقاء العلاقات؟ ولنا جميعا أن نسأل: لماذا؟ !
الحيوانات العجماء تمارس علاقة جنسية ظاهرة بحسب ما خلقت عليها، لكنها علاقة لا تتكرر فهي فقط في مواسم التلقيح. فضلا عن إنها حيوانات عجماء لا عقل لها ولا دور ولا سوية حضارة. فهل ينزلق الإنسان إلى مستواها؟! هل من الضروري أن تمارس هذه العلاقة الحساسة والمثيرة للغرائز أمام أطفال ومراهقين ومختلف مستويات العمر والثقافة؟ وما ضرورتها كحاجة إنسانية؟! لنتأمل ذلك فلعلنا سنفهم خلفية تشجيع وترسيخ هذه الثقافة…والمقصود منها. ولمن يريد معرفة نتائج هذه الثقافة او ملامح فيها فليتابع برنامج في قناة فرنسا 24 (برنامج أسرار باريس). وبعض أخبارها، أن ملكا (او رئيسا) كان يخون زوجته مع أختها وأمها كليهما.
………………………………………………………………………………………………..
………………………………………………………………………………………………..

توالد الأفكار (انبعاثها)
محمد قاسم ” ابن الجزيرة ”
ديرك في 10/10/2016
كأنما هناك كيمياء خاصة بانبعاث الأفكار (او توالدها) في-او من -العقل الإنساني.
فالتأمل بعمق في تكوين فعالية العقل الإنساني يقودنا إلى ملاحظة مجموعة عوامل لها صلة بها، ومعرفتها. وهذا نهج لا يفعله معظم الناس، ليبقى نهجا نخبويا –إذا صح التعبير.
قليل ممن تشبّعوا برغبة بحث لديهم استعداد وقدرات للكشف عن أسرار العقل، وآلية التفكير لديه كقوة خاصة من جهة، وقوة متعايشة-او متناغمة – في مسار طبيعي لفعل التفكير المتوازن من جهة أخرى.
انه مسار تتفاعل معه –او فيه-مختلف قوى نفسية التي تشكل بمجموعها قِوامَ العقل الذي يقوم بالتفكير، وفي حالتها التفاعلية بانتظام خاص.
فما يمكن اعتباره خلاصة بحوث نفسية توصل إليها علماء النفس، بجهود استغرقت زمنا طويلا يزيد عن قرنين هو: إن العقل قوة خاصة واعية في تكوين بنية النفس الإنسانية. قوة تمتاز بقدرة على التمييز، لكنها قوة تمييز فحسب. أي بمعنى ما، يمكن توصيفها بانها حيادية، خالية من فعالية بنفسها، لذا فهي قوة تحتاج إلى قوة تعطيها قوة الدفع (الفعل او التنفيذ). أشبه بوقود الدفع في محرك ميكانيكي. ربما هذه القوة تتجسد في الانفعال (العاطفة، الميول، الغضب، الخجل…) وهو مجموعة انفعالات ذات طابع حيوي فاعل. لكنها أيضا، تحتاج تنظيما يقوم به العقل. (تفاعل مزدوج معقد). العقل ينظم الانفعالات، والانفعال يوفر للعقل قوة الدفع التي يستخدمها في تفعيل هذا التنظيم.
هذه ظاهرة في مجمل دراسات تتناول الإنسان كموضوع نفسي. فهو(الإنسان) هو في موقع الباحث(الفاعل) من جهة، وهو نفسه موضوع للبحث في ذات اللحظة. ومن جهة ثالثة هذا يشير إلى تميز الإنسان الذكي والعبقري –بغض النظر عن البحث في العلاقة بين مفهوم المادية والمثالية الإشكاليتين. فذلك يؤدي يقود إلى البحث في أصل الخلق. ولذلك مجاله.
هنا نحاول تسليط الضوء على العقل كقوة فاعلة ومتفاعلة مع مجموعة قوى تمده بالفعالية –خاصة القدرة على التنفيذ-وهي ما نسميها –عادة – الإرادة. لكن الإرادة ذاتها تمثل حالة استعداد توفره نتائج تفاعل العقل مع القوى الانفعالية كما أسلفنا.
فهل توفّر الإرادة هو الخطوة التي تقوم بالتنفيذ؟ ربما نعم، وربما لا. لكن الأكثر ترجيحا هو، لا. فكان هناك خطوة أخرى تحتاجها الإرادة لتتحول الفكرة(الأفكار) إلى حالة (او مرحلة) تطبيقية/تنفيذية. ما هي هذه الخطوة؟
يبدو -مرة أخرى -إنها قوى الانفعالية الممتزجة بالتفكير، والتي تعطيها الطاقة (الوقود) التي توفر لها الاستعداد والقدرة، ومن ثم الدفع والتنفيذ. نلاحظ تعقيدا في التداخل لا يسهل تفكيكه وتحليله.
وفي هذه المساحة غير الواضحة –او العاتمة-ربما هي المشكلات التي يقع الإنسان فيهاـ ومنها سوء تنفيذ ناتج عن عدم وضوح يربك المشهد.
كلما زاد الوعي، وفهم مكونات النفس الإنسانية والصلة بينها … كان ذلك فرصة أفضل لمعرفة هذه المكونات، وتفاعلها، ودورها في تحقيق التناغم، حتى لو بقيت تفاصيل جزئية غير مفهومة تماما. فالفهم الكلي والنهائي للإنسان وقواه النفسية المختلفة ليس متاحا –على الأقل حتى اللحظة-.
لكن –في المقابل – إدراكها بعمومية ضمن الحاجة لممارسة حياة معقولة ومقبولة يبدو متاحا. لكن هذا الإدراك متدرج (ومتفاوت) بسبب اختلاف مساحة الوعي، وقوة الإضاءة فيها.
يوصف يعضهم لذلك بالجاهل، او المتعلم، او الواعي، او ذي وعي قليل، او الحكيم …الخ. وبالقدر الذي تكون الإضاءة أكثر كشفا، والقوى المتفاعلة أكثر فهما وأكثر تجربة وتدربا…
فإنها توفر الاستعداد لإنتاج وعي أفضل، وعناصر فيه نسميها أفكارا. وكأنما هذا الكسب يوفر حالة تفاعل كيميائي بين المعرفة ومستواها، ودرجة الخبرة والاكتساب …لتصبح قابلة لإنتاج حيوي ومبدع للأفكار.