نصوص أدبية
محمد قاسم
25/9/2008-الخميس
هناك ليس بعيدا شجرة سرو أفقي تشكل مخروطا رأسه مدبب وقاعدته عريضة.. تشعب أغصانها منفردة في محيط دائري تعبر عن خصوصيتها في إطار الكل.. مشكلة خضرة تمثل مثلثا في مساحة من الفضاء..
وفي مسافة أقرب خضرة تميل إلى نحو اللون الفاهي..تحجب بعض مساماتها ولكنها تبدو مختلطة معها مشكلة معا تدرجا لونيا متعانقا..وفي المسافة الأقرب منها –على يمينها وعلى يسارها- شجرتا نخيل زينة..بأوراقها المدببة والمثلثة المتطاولة … ترسم منظر مراوح تشكلها أغصانها، فتنعكس صورة، ولونا مختلفا، تلتقي جميعا في لوحة أمامية تتدرج فيها المعطيات شكلا ولونا.. ولكنها تظل تعبر –في النظر-وحدة متكاملة..جميلة.لاسيما أنها ليست معزولة عن محيط من المعطيات المختلفة.. فهناك دار ذات سقف قرميدي، يشكل جملونا إلى يسارها، وهناك دار في نقطة ابعد وعلى يمينها؛ ترسم مثلثا من لون يميل إلى الصفرة المحمرة..كلون الصدأ..فيما يقف في حذائها دار أخرى من لون الاسمنت الأسود المطلي بأبيض فتتته عوامل التعرية ،من أمطار ..وبرودة.. وحرارة.. ورياح… فاستحال لونا باهتا..بين سواد لون الاسمنت وبقايا لون أبيض باهت..!
وفي المكان -حيث مقعدي- مساحة خضراء منوعة، ومتدرجة في اللون، مابين شجرة رمان لم يبق عليها سوى بعض ثمرها ،متدل بلونه النحاسي الجميل..وشجرة زيتون بأوراقها الخضراء الداكنة،والتي تبدو في أكثر من لون :
لامعة في اتجاه انعكاس أشعة الشمس..وداكنة في الاتجاه المعاكس لها..وخضرة متجددة تميل إلى القرب من صفرة خضراء..لأن الأوراق تجدد نبتا ولونا..لا تبدو من أثمارها سوى بعض حبات سوداء تكاد لا تبين..بين أوراق تحتضنها..!
وخلفها شجرة دفلى خضراء تعانق أوراق لوبيا متسلقة..في حميمية غريبة..فيما شجرة اصطلح على تسميتها هنا ،شعبيا – شجرة كردستان- ذات أغصان متفرعة وأوراق ابريه، تتربع على نهايات بعض الأفرع السامقة زهرة جميلة، تجمع ألوانا هي مصدر تسميتها بشجرة كردستان. فهي ذات لون اصفر واحمر واخضر..-وهي ألوان العلم الكردي-في توليفة بديعة خلاقة..تنبئ عن ما أودعها الخالق فيها من جمال.
وفي المساحة التي تحتضن جذور الأشجار جميعا..أعشاب خضراء لا تبقي للتربة منظرا سوى بعض بقع صغيرة استعصت على امتدادات الأعشاب..وأصرت على أن تبقى تعبر عن ذاتها، وجودا.. ومنظرا دالا على أنها هي الحاضن لكل هذه المخلوقات المتسامقة على حسابها.
وهنا وهناك نباتات قصيرة القامة، تحمل أنواعا مختلفة من أزهار برتقالية اللون تغطي (تزين) حواف أغصان غزيرة متكاثفة..فيما شب الليل (أو عاشق الليل)
وتشكل صفحة السماء الزرقاء الخفيفة نتيجة انعكاس أشعة الشمس وقد ارتسمت عليها قطع غيوم بيضاء تتقارب وتتجاور في بعضها وتباعد في بعضها الأخرى..تصغر في بقعة وتكبر في بقعة أخرى..وكأنها بخار ابيض متكاثف ذات السن مختلفة طولا وقصرا فتشكل جميعا كما لوحة فنية أو تكوينا خلفية الأعلى سماء..زرقاء منقوش الغيوم بيضاء..وخلفية الأدنى أرضا تغطيها النباتات والأشجار بتجليات مختلفة وصفنا بعضها ..
يتكئ على قاعدة كرمة ملتفة على حالها متكورة وقد التئم شمل وريقات أزهارها الملونة بالأصفر والأحمر تنتظر قدوم المساء لتفتح في أشكال وألوان بهية تجمع بين الكثيرين على غصن واحد..وهذا ما يميزها..
فإذا تسلق النظر ساق الكرمة اتجه به إلى عريشة فوق سرير عال تستريح فوق أغصانها وتتدلى فروعها المورقة حاملة وحامية عناقيد من عنب متدلية في منظر أخاذ بحباتها المحمرة المتجاورة في غير تداخل ولا انفصال..بل متجاورة..متلامسة بروح حميمة.تشتهي النفس مذاقها ويمتع البصر بمنظرها..
وحلي في الاتجاهات كلها تتلاقى أفرع خضراء ما بين زيتون ورمان وسرور وصنوبر جميعا في علاقة تبدو وكأنها تتعانق أو تتكامل لتشكل منظرا بديعا أخاذا ملونا وفق انعكاس أشعة الشمس الساقطة على أوراقها لمعانا أو ظلالا في الجهة المقابلة بتدرجات تجعل النفس تحار في إدراكها وفهمه نسيجها..
سبحان ربي مبدع الأكوان بما فيها: حجرا.. وشجرا.. كائنات حية مختلفة..وجعل البشر الموكل بها رعاية حماية واستثمارا..!
……………………………………………………………………………………………………………………………………………..
……………………………………………………………………………………………………………………………………………..
السب 8-2-2016
ربما أجمل ما نفتح عليه العيون صباحا ونحن نلوح بالتحية للحياة، لليوم الجديد هو أن نستمتع بمشهد الوجه الذي نحبه، وأن تسمع الأذن، الصوت الذي يعزف على اوتار الشوق اليه، وترتوي الأنامل من لمسات أديم يناغيها، ويمدها بدفء حيوية تجدد فيها الإحساس، والسياحة في انتشاء…!
كلوحة نابضة بالنشوة لا نتأملها فحسب. بل ونعيش في باطن الأشياء فيها، نرتوي من دغدغتها، وندغدغها لتنسكب الأشياء في منافذها؛ روحا يتعانق فيها الدفء والحنان وحياة عاشقة.
مع طلة الصباح يبدأ مسير في جنبات اليوم بنشوة هذيان أوردة بهمسات الأمل تجري فيها، تعزف صدى خفق القلب. وتزاحم الروح؛ النبضات عشقا وشوقا…
فللحياة طقوس لا تنبلج إلا لمن يتوغل في مضامين المعاني عميقا حتى الثمالة…!
حينئذ، تتوهج فيها الدفقات، وتجري كالشلال عالية، قبل أن تنحدر إلى أعماق تنديها، وترويها…
تحلو بعبق الزهر، وتغزل شعاعَ شمس ينعكس على بياض تجليها، ويغالب الفوح إنساما مضمخة بندى الربيع، وما فيه من عطر أهدته الورود والأزهار…
صحوت بعد شعور قلق ـ يضاحكني البِشرُ في كلمات تحمل أنفاسها الدافئة في حنو؛ كاد يلثم مشاعر تزهو بألوان شوق يتلظى. تنقشع أحزان، تنبثق المسرة؛ تغني، يحمل الورد والبنفسج رسائل تقرا الأحلام، وترسل الآمال تومض بنشوة تتكاثر بلا انتهاء.
فالشكر على عطاء تفرد بذاته؛ هدية روح تظل تلهمني، وتسري في نسيج روحي دفئا ونشوة. وللشكر تجليات والوانا وأصواتا… تمتزج، وتنسكب نافورة تندي الأديم الناعم في رفق… والهدايا تستمطر اهداء يناجي الروح، فإذا كانت الهدية زهرة ذات لون تتوالد فيه الايحاءات الأدبية، تلك التي تنبع من اعماق زاهرة بالود، فهديتي نبضي ممتزج في انفاس الصباح
عصافير تناجي الجمال على الفنن، تستحم في أشعة شمس الصباح… حبي للورد شديد، إلا أن الصور التي تحمل في نسيجها نبض حياة؛ تثير النشوة أكثر…!
…………………………………………………………………………………………………………………………………………………
…………………………………………………………………………………………………………………………………………………
السبت 20-2-2016
قبل ايام حط عصفور في بلكونة الدار-كان وحيدا، شعرت بحزن على وحدانيته، تذكرت وحدة العشاق والعصافير، بيد انني استعدت فرحي عندما وجدت عصفورا آخر يحط الى جانبه. لا أدرى لماذا شعرت بنشوة وانا أتأملهما-لقد شعرت بهما رسل ربيع وأشياء تخصها بكل تداعياتها-عصفور وعصفورة يترافقان ويحطان في بلكونتي يتنططان برشاقة وزقزقة ملفتتين…
ما يثيرني في هيئة العصفور هذه الانسيابية الملساء في تكوين جسده الصغير، وريشه المسرح بمشط إلهي … وتلك الحركة الرشيقة: القفزة -او الوثبة-الحيوية الملفتة كرقصة مثيرة للخيال والتداعي فيه…ويسرح بي الخيال…منظر بديع يستغرق انتباهي. وتخيلات تجدل ما حلا من صور تجسد آمالا وامنيات تكاد تدفق من الاشتهاء والانتشاء. تلف بي الدروب ..تعلو وتهبط تسير منبسطة سهلة ملساء…تتعثر بمعيقات مختلفة يتساءل المرء عنها :لماذا وجدت؟ وكيف يجتازها؟ … لا يعجز المرء شيئا إذا انتعش الخيال لديه، حتى التغلغل في نسيج روح الأشياء وخلايا اديمها. فينسل بهدوء وعذوبة واستمتاع يغازل الذروة. هذه اللوحة نضعها في جانب، في زاوية ما؛ فقد نحتاج ان نتأملها مرارا أخرى، ونستخرج من تداعياتها ما خفي علينا او تجاهلناه لاستعجال او لضعف انتباه او حتى اهتمام لحظتها … ونعود لأمسية اولى في ربيع استدرجنا اليه بما فيه من خضرة وأزهار وورود ونرجس وياسمين… فنثبت مصطلحين في تاريخ المسيرة التي بدأت في عام مضى، وازدهرت في العام الحالي هاشا باشا لملتقى نابض بالود يتنامى ويمتطي نوافذ فيها العشق يتقد…
مصطلح انبعث بعد تردد رغم تبلوره منذ اللحظات الاولى لكنه آثر التجلي في وقته الملائم فكان ذلك الوقت أمس في رحاب ربيع ليس فقط خضرة والوانا وطيوبا وصداحا وشمسا تضحك مع الطبيعة الخلابة… بل هو نبع زلال دافق، والأجمل فيه دلالة النعومة والرقة والشفيفية… وازيد والأنوثة ودلالاتها وتداعياتها المختلفة.
يحمل في منطوقه ودلالته وتداعياته حميمية هي لائتلاف يجمع الاختلاف ويشذب عناصره ليصبح تكاملا يولد الفرح والمتعة والغفوة في رحاب لفظته شفتاها بمزيج من الشوق والنشوة والخجل… فالتقى كلاهما في لحظات متقاربة جدا ليعلنا ولادة عالم جديد … وردي…ولازوردي… يفوح عبق ياسمين فيه وتلونه ازهاره البيضاء والجوري وفوحه … فأضفت الأنوثة على الجميع أحلى تجليات التودد والعناق في ظلال شوق يوقد اللهفة، والدفء جوا واحساسا، وتضطرم النشوة بلا استرخاء…