أنا إنسان – مجموعة مقالات …

انا إنسان 2

بصمة
محمد قاسم “ابن الجزيرة “.
m.qibnjezire@hotmail.com

ما تعلمته في الحياة –ولا أزال أتعلمه- أن البشر يفعلون الكثير ،ويبذلون الجهد الكبير ،لكي يرتقوا بالقيمة البشرية إلى مستوى الاحترام والاحترام المتبادل، والى تقدير قيمة الإنسان في مجموعة إجراءات- كانت عرفية ولا تزال في بعض حالاتها – وهي قانونية في معظمها؛ وتتحول إلى قيم وسلوكيات عرفية اجتماعيا، وتنظم العلاقات بين الناس أفرادا ومجموعات، على صعيد شعبي، وعلى صعيد رسمي. وان كان القانون هو الفيصل في المستوى الرسمي عادة .
تقتضي ذلك، ظروف امتداد الأوطان وكثافة السكان وتنوعهم فيها.. حيث تقل المشاعر المباشرة، والقدرة على التواصل المباشر لتنظيم عرفي، فيحل القانون محله، ثم يكتسب- بالاستعمال- قيمة اجتماعية؛ تسري في حياة الناس دون الحاجة إلى البوليس في تطبيق القانون..وهنا نسميه ثقافة.
هذا البوليس الذي يمر –في المجتمعات المتقدمة – بأكثر من اختبار ، ويحوز الكثير من خصائص القدرة على تعامل صحيح مع المواطنين دون التجاوز على حقوقهم –وان حصل فالقانون يعيد الأمور إلى نصابها –على الأقل –في معظم الأحوال إن لم يكن في كلها..فلا يوجد ما هو مثالي في الأرض..وتكون العلاقات بينه وبين مسؤوليه ومرؤوسيه ،ومنظمة على أساس الاعتبار للقيمة الإنسانية في صياغة القوانين.وكذا بينه وبين المواطنين..
هذه ثقافة تأخذ بعين الاعتبار :
– القيمة الإنسانية العامة والمشتركة بين البشر جميعا.
– احتمالات أن يتبادل الناس الأدوار، ويعي العاقل ذلك –أيا كان موقعه- فـ”يوم لك ويوم عليك” كما قيل منذ القديم. والفلك-والزمن- دوار..!
– تنظيم العلاقات ضمانا لتبادل أفضل التعاملات وتحقيق أفضل شروط الاستقرار.
– وفي ظل هذه الظروف يحصل التطور ،وتنمو المقدّرات المختلفة في الشعوب. لتوفير حياة فيها روح الشعور بالطمأنينة، ونوع من لمسات السعادة..!
ومن الجميل أنه في المجتمعات المتقدمة تتلاشى الاعتبارات التي ينمو التخلف في أرضيتها باستمرار؛ كظواهر ثقافية القبلية وتداعياتها العاطفية ..وهي ظواهر –للأسف- لا زالت تشكل نسيج الثقافة في المجتمع المتخلف –العربي وغيره-.
وإذا كانت ظاهرة القبلية تتلاشى- حكما -بالتطور الثقافي، والتفاعل مع معطيات العصر التكنولوجية، والمصالح المتشعبة؛ فإن الخطورة تكمن في حالة أن تكون النظم الحاكمة ذاتها مبنية على شيء من هذا القبيل، وفي بنيتها..!
وبالتالي تصبح هذه النظم هي المكرسة لقيم التخلف، والمعيقة للتطور الثقافي المنفتح، والمؤدي إلى الانفتاح والتقدم في مجمل العلاقات؛ وعلى رأسها العلاقات السياسية والإدارية عموما..
والمهم في هذا كله أمر واحد جوهري هو الحفاظ على القيمة الإنسانية في الإنسان وفي أي موقع وظرف،ورعايتها.وهو ما يدرج اليوم في ثقافة العصر على أنها ” حقوق الإنسان”.
وسواء استغل هذا الشعار من قبل البعض أو لم يستغل، فهو شعار صحيح..ولا يبرر لأحد تجاوزه بحجة كذا وكذا؛ ما لم يكن هناك فعلا خرقا لقانون صيغ بآلية حرة وديمقراطية.. شارك فيها الشعب بأكمله في ظل الممارسة الحرة لحقه في التفكير والتعبير والممارسة..
هذا الحديث كان تداعيات حدث أثارني..فقد طرق البوليس بابي قبل فترة ،وأبلغني بشان مراجعة إحدى الدوائر المدنية (لأن دوائر الأمن تكتفي بالاستدعاء عن طريق الهاتف كما هو معلوم.وقد اعتدنا على ذلك رضينا أم أبينا).
المهم بعد التأكد من هويتي قال: عليك بمراجعة الدائرة الفلانية ..قلت:نعم..قال: ابصم هنا..ضحكت وقلت: ولم أبصم؟ أنا احمل شهادة الليسانس-الإجازة الجامعية..!ّ
قال وعلامات الخجل بادية على ملامحه،وهو يتأمل شعري الأبيض وسنين العمر التي توحي إليه بالحرج: والله أستاذ هكذا جاءنا أمر من الوزير بعدم قبول التوقيع إلا من فئة محدودة جدا من بينها المحامين. ..ولم يكمل…!!!
بالطبع لم ألح عليه..لكنني فعلا صُدمت…فكما اعرف، الشيكات المالية -وبمبالغ كبيرة- تصرف على أساس التوقيع..!!
فلم- إذا مجرد تبليغ لمراجعة دائرة-أيا كانت – تتطلب بصمة حامل إجازة جامعية وقد تخطى عقودا من السنين عمرا، فضلا عن المستوى الثقافي والاجتماعي…
وإذا كانت المحاججة لضمان الاعتراف باعتراف البصمة تخضع للتحليل،فإن قابلية تحليل التوقيع قائمة وبنفس القدر ربما..!
أوصل الأمر بنا إلى تحكيم عقلية عسكرية في كل مفاصل الحياة، ودون ضرورة ، ،والى درجة تجاوز كل الملامح المتطورة –و والقيم المفترضة –في الحياة الإنسانية؟!!.
…………………..
بوصلة
في اللغة الكردية يقال للجهاز المشير الى اتجاه الجنوب-القبلة- ب “قبلة نما”
أو “قبلة نامه” ربما. المهم هو أن هذا الجهاز يؤشر الى اتجاه يمكن لمن يصلي ان يطمئن إليه ..أثناء تأدية الصلاة فيتجنب الوقوع في دوامة الشك فيما إذا كان اتجاهه صحيحا أم لا .فيفقد اليقين في نفسه تجاه أهم شعيرة يؤديها وهي ركن الإسلام الأول وعموده..الصلاة..
فالبوصلة –إذا –هي ذلك الجهاز الذي يعين الإنسان على معرفة الاتجاهات سواء القبلة أو غيرها..فكل احد أو جماعة أو شعب أو وطن له الاتجاه الذي يفترض أنه يتوجه إليه..
وبالتأكيد فإن الاتجاه الذي يتجه إليه الـ”مناضل” السياسي والحزبي خاصة..هو اتجاه ذو أهمية محفوفة بالأخطار –في منطقة الشرق الأوسط والمناطق المتخلفة الأخرى في العالم كإفريقيا والشرق الأقصى والأدنى وأمريكا اللاتينية..لن الذهنية في هذه المناطق.. ذهنية مرضعة بحليب الأنانية النفسية..وضمور العقل في موقعه المفترض من تكوين النفس..فيصبح تبعا للرغبات والغرائز والمعتقدات المشوهة-بمعاير المنطق على الأقل-
ويبدو أن ا لبوصلة المصممة من الحكماء و العلماء والفلاسفة..قد رتبت وفق أعلى مواصفات تحديد الاتجاهات..ولذا فإن التعامل معها واستخدامها يتطلب مهارات خاصة ينبغي أن يتمتع بها المتعاملون والمستخدمون لها.. بمعنى ان الذي يتعامل مع البوصلة –القبلة نامه- عليه أن يوفر نفسه المعطيات التي يتطلبها عمل البوصلة.
فإذا أخذنا من السياسة مثالا..والسياسة الكردية عموما وفي سوريا خصوصا..حقّ لنا أن نتساءل:
هل وفر المتعاملون مع السياسة-الحزبيون خاصة- المعطيات التي تعينهم على استخدام صحيح للبوصلة لمعرفة الاتجاهات التي يفترض أنهم يعملون للوصول أليها ..؟
من بديهيات الأمور في العمل النضالي السياسي..:
1-تقدير بل وتحديد حقيقة القوة الميدانية التي يتمتع بها المناضل السياسي..فلا يحمّل نفسه مالا يطيق..ويرتب عليه أعباء لا يحسن التعامل معها باستعداد كاف..
خاصة ما يترتب على مواقفه من أخطار يتحملها الشعب..الذي كله ليس سياسيا ولا لديه القدرة على التعامل مع الظروف القاسية التي يرتبها الخطأ السياسي في التشخيص والمواقف والسلوك الميداني..والحياتي عموما
2- التأكد من انه يسيطر على إدارة قواه النفسية –العقلية والعاطفية والانفعالية…-فهو يعرف كيف يتكلم ويصدر بيانات ويتخذ مواقف..متنبئا بحدس ذكي خبير ..النتائج المترتبة –ايجابيا طبعا- والمفروض معرفة السلبية أيضا..حتى يحسن تقدير الأمور بحساب دقيق صبور للربح والخسارة..
والأهم أن لا يغامر بحياة أبناء مجتمعه بخطوات غير مدروسة..لا لجهة الاستكانة والخنوع ولا لجهة المغامرة ..والطيش.
3-

…………………..
بين الحكمة والتسرع للنشوة
مسافة تحتاج توقفا متأملا
معروف في أدبيات الإسلام ان الزنا من الكبائر، والكبائر من الخطيئات المحدودة والعظيمة…مع ذلك فقد اشترط الإسلام لإثبات الزنا وجود أربعة شهود يعتد بشهادتهم وفقا لمواصفات تصب جميعا في العدل والمصداقية…وكل من يدقق في الشروط سيخرج بنتيجة مفادها صعوبة-ان لم استحالة – تواجد أربعة شهداء بهذه المواصفات في اللحظة نفسها لمشاهدة حالة زنا…فلماذا إذا هذه الشروط المعجزة او التعجيزية؟
ببساطة ،”لئلا تشيع الفاحشة” من خلال استسهال الاتهام،بلا حساب للمحاسبة فتصبح الفكرة متداولة عبر ألفاظها والحديث عنها واتهام “المحصنات “بلا حساب…الخ.
إن التوقف على هذه القضية وتأملها بدقة ومحاولة فيهم ما فيها من الحكمة في نهج التعامل معها يشير بوضوح لا لبس فيه انه النهج الأفضل للتعامل مع القضايا الكبيرة والمؤثرة في السلم الأهلي وحسن العلاقات بين الناس..
فهل وعى –وعمل بها- الناس هذه الحكمة؟
بالطبع لا في معظم ثقافات العالم لاسيما ان التواصل ووسائله سهل الاطلاع الناس على كل منشور في المطبوعات والشاشات ومختلف وسائل الاتصال والتواصل..
وهنا لا بد من الإشارة ان أساس هذه الأجهزة وابتكارها كان من الغرب الذي انتفض على قيم الكنيسة بروح التحدي وربما أكثر …فغلب النزوع الى الحرية الشخصية وسهلت الأجهزة ذلك مع ما خالطها من اتجاه نحو الرفاهية التي يوفرها الاقتصاد –والمال-عموما.فبتنا نرى تحللا من قيم ضابطة تحت مثل هذه العناوين وهي صحيحة كمبدأ لكن المنهج يحتاج بحثا متجردا من المؤثرات النفسية والرغبية والغريزية..الخ.فنحن في عالم بشري يتميز بوجود عقل واع مميز يستشرف المستقبل ويدرك آثار السلوك على مسار الحياة.
فلنتوقف قليلا على بعض ما ينشر في مختلف وسائل النشر المسموعة والمرئية والمطبوعة…الخ ومنها المسلسلات والأفلام وصور ومشاهد الحروب المباشرة…الخ.إن الإعلام لا يراعي النتائج التربوية المفترضة باعتبار الفن وسيلة يفترض به ان يسهم في تطوير قيم تعود بالفائدة العامة والإستراتيجية على الحياة الكونية وما فيها..بل عن النوازع النفسية الفردية او الجماعية أحيانا هي التي تقدر النتائج والتي غالبا ما تستجيب للنوازع الذاتية القصيرة النظر مما يجعل المؤثرات السلبية اكبر ومنها اعتياد الأخطاء الخطيئات والمناظر التي يفترض للذائقة الراقية ان تنبو عنها كالقتل والفحشاء المباشر…
………………
تأملات “1”
محمد قاسم ” ابن الجزيرة ”
m.qibnjezire@hotmail.com

احد الفلاسفة الغربيين-لا يحضرني اسمه الآن- قال:
نحن دوما نزور الناس مجاملة ترى متى كانت آخر زيارة قمنا بها لنفسنا -أو لأنفسنا-؟!
عبارة فيها حكمة إن لم نقل حكيمة…
اعتدنا الحديث عن الشرق والغرب وأحيانا الأرض والسماء، ولكننا قلما نتحدث عن نفسنا أو نحاورها…! مع أن هذه النفس- والتي نعبر عنها بصيغة “أنا”- هي المحرك لاتجاهاتنا وسلوكياتنا وتعبيراتنا المختلفة، وان استقامة هذه النفس-الأنا- هي أهم عنصر لاستقامة كل ما يصدر عنها فكرا وسلوكا…!
يقول مفكر غربي آخر “دايل كارينجي” : ” كن نفسك”. ويشرح ذلك بالقول: الناس مختلفون في طبيعة ثقافتهم وتكوين شخصيتهم وبالتالي بما يصدر عنها ..ولذا فعلينا تقبل ذواتنا كما هي مع السعي الدائب لتعديل ما نراه بحاجة إلى تعديل وفق معايير قد تكون منطقية وقد تكون اجتماعية –أخلاقية أو عرفية…الخ.
فالحياة –كما يرى أتباع الفلسفة الوجودية- مشروع تعديل وتكامل دائم.
وقد يعترض البعض علينا لجوؤنا الأكثر إلى الاستشهاد من الثقافة الغربية بدلا من الثقافة ا لشرقية –والإسلامية تحديدا- وهذا حق لهم، ولكن لنا أيضا حق الشرح والتفسير وقبل ذلك المعتقد- بحسب الثقافة الشرقية الإسلامية ذاتها…
ما يجعلنا نستعين بتراث ثقافي غربي هو انه تراث اعتمد الحرية شبه المطلقة في التفكير والبحث في عصوره الأخيرة…وهذا أعطى الفرصة الكبيرة للعقل أن يمارس قواه وطاقاته إلى أقصى حدودها –في حالتي الفشل والنجاح-
والمهم انه مارس فعاليته بحرية ..ونجح في ميادين فاعلة ومؤثرة ومفيدة … وللأسف هذا ما لم يتحقق في الثقافة الإسلامية –خاصة الثقافة العربية في سياقها-. فقد استغلت طبيعة الدين الغيبية إلى أقصى ما يمكن لتسخيرها للمصالح السياسية وتطويع المفاهيم الدينية العادلة- إلى تفسيرات وفتاوى تخدم النظم الحاكمة غالبا-وحتى في حالات لم تستجب لذلك فقد بقيت رهينة اجتهادات-وفتاوى- لا تناقش من قبل الآخرين –باعتبارها تستند إلى غيب مطلق يملك هؤلاء مفاتيحه من دون الآخرين…وحتى إذا قبلنا أن البعض لا يحملون مؤهلات فهمية-إذا جاز التعبير- فإن حقهم في التفاعل يبقى موجودا –وبالتالي فإن المحاسبة على ما يقعون فيه من أخطاء نقديا مبرر،أما أن نحجر على تفاعلهم ومحاولة فهمهم على قدر ما يستطيعون فنترك ذلك لقوانين ناظمة لكل من يتجاوز ما يحدده هذا القانون بمشاركة من الجميع وهذا ما حققه الغرب ولم يصل إليه الشرق ومنه المسلمون حتى اليوم-على الأقل ضمن النظم التي تحكم باسم الإسلام أو التي دينها الإسلام في دساتيرها …الخ.

تأملات في الحياة
محمد قاسم
29/10/2010
كل إنسان مشروع تجربة خاصة وفريدة…–إضافة الى ما يشترك فيه مع الغير –
فكما أن بصمات الناس لا تتوافق –أو لا تتطابق- كذلك هو نمط الحياة التي يعيشها كل فرد مختلف عن كل الآخرين..
فالمعروف في دراسات علم النفس وعلم الاجتماع…وكل البحوث التي تتصل بحياة الناس تكوينا في الرحم، وولادة، ونموا… حتى اللحظة الأخيرة لحياته.ونتائجها أيضا..
إن الخصائص المشتركة في تكوين الإنسان، لا تلغي الخصوصية التي ينفرد بها كل إنسان..بسبب خلق الله البشر فرادى…!
لذا يقال الولادة فردية والمحاسبة يوم القيامة تكون فردية،بل والمسؤولية فردية -مع الاعتبار لدور البعد الاجتماعي في تكوين خصائص الشخصية- كجانب معرفي..لأن الإنسان –مهما حاول أن يركز على المجتمع ودروه يبقى هو المسؤول الأول عن سلوكه،وبالتالي يتحمل نتائج ما يقوم به..ولا يجوز تحميل الغير مسؤولية سلوكنا “ولا تزر وازرة وزر أخرى”الآية.
وما الهروب الى التركيز على البعد الاجتماعي –على ما فيه من مساحة كبيرة من الواقعية- ليس سوى محاولة تنصل من المسؤولية الفردية من قبل الأفراد.
من هنا فإن قراءة- أو دراسة- أو البحث في..- هذه الحالات الخاصة لكل فرد-خصوصيةَ تميّز كل فرد عن الآخر.. سيكون لها الفائدة التي يفترض أن تضيف شيئا جديدا الى معرفة مكونات الحياة وأنماطها..بتقديري..!
وبحسب ما أرى فإن خير وسيلة لذلك بشكل عملي ،هي أن يُشجّع كل فرد على كتابة سيرته – أن استطاع- يوميا أو أسبوعيا أو شهريا أو سنويا أو حتى في أواخر الحياة –كما اعتاد كتاب المذكرات أن يفعلوا..!
وان لم يحسنوا الكتابة فليعتادوا مراجعة سيرتهم في محطات تأملية يومية أو أسبوعية أو شهرية..يخلو فيها الى نفسه لتقديم كشف حساب عن نفسه لنفسه..
لتكون المدونات –أو التأملات – مرجعا للمرء يعود إليها بين الحين والآخر..فيقيّم مجريات حياته فيها..ويحاول العمل على تقويم المعوج فيها،وتثبيت الصحيح فيها وتعزيزها.
ومن المؤسف أن هذا الأمر قليل الحدوث.. سواء في صيغة المراجعة الكتابية أو صيغة المراجعة اليومية –أو المنتظمة عموما، بغض النظر عن الفترات المعتمدة- مباشرة بلا كتابة..أو محطات تأمل .
من هذا المعنى أنطلق في كتابة بعض مجريات حياتي ..كما عشتها..وأنصح غيري أن يفعل ذلك.
لأن كتابة كلِّها شيء مستحيل –مهما كانت الأسباب-
فلأبدأ سيرة رجل بدأ الحياة بصرخة عند الولادة ولا يزال –ربما –يصرخ، وربما سيصرخ الى اليوم الأخير من أنفاسه ونبضات قلبه.تعبيرا عن وجع يناله من الحياة في صورة معاناة صحية ربما،في صورة معاناة مالية ربما،في صورة ظلم اجتماعي في وجهيه السياسي والاجتماعي..ربما..في عجزه عن تجاوز مشكلاته –مهما كانت الأسباب- ربما… وربما…الخ ذلك من الموجعات في حياة المرء..!
أنطلق من فكرة أن تثبيت أحداث سيرتي في الحياة سيكون مناسبة لكي أحفظ مفرداتها، وعمومية السلوك فيها…فأعرف من أنا مذ كنت طفلا على حافة التذكر وحتى اللحظة هذه والتي أكاد أكون فيها –أيضا- على حافة التذكر.فإذا كانت حافة التذكر طفلا كانت نحو النمو فإن حافة التذكر الآن هي نحو الضمور والتلاشي..!
حافة التذكر في الطفولة تبدأ –في الغالب- منذ الرابعة من العمر بحسب علماء النفس، ويبدو أن الواقع يصدّق ذلك؛ مع مراعاة خصوصيات قد تكون حافة التذكر لديها قبل ذلك أو بعد ذلك بقليل..وحافة التذكر في الكبر قد تبدأ مبكرا أو تتأخر –بحسب طبيعة تكوين المرء ثقافيا –لنقلها تجاوزا-أجارنا الله من الخَرف.
الأبحاث العلمية أكدت–مؤخرا- على أن الخرف وهو (نوع من عدم القدرة على التحكم بالذاكرة وتنظيم مخزوناتها، فتختلط الأفكار والذكريات مع بعضها بحيث لا يستطيع صاحبها أن ينظم ترتيبها منطقيا كما هو الأصل) فضلا عن تصلب أدوات التفكير والتذكر الجسدية-المادية- من أعصاب وشرايين وغيرها من الأوعية التي لها دور في حيوية عمل الدماغ والتذكر والحفظ والفعالية عموما ..وصلة ذلك بحيوية النفس وتوهج فعاليتها –بغض النظر عن التفسير الفلسفي للعلاقة بين الدماغ والعقل-أو النفس-..
القصد أن حالة التذكر ومساحتها في الإنسان ليست مطلقة، ولا ممتدة دون حدود. وقد لا يفطن الى ذلك في خضم أحداث الحياة في مختلف تجلياتها،فلا ينتبه غلا بعد أن يكون الأوان قد فات. وربما من المفيد أن نتذكر –هنا- أن امتداد سيرة حياة الإنسان الفرد –والجماعي أيضا- من عوامل خلوده في ذاكرة الزمن والأجيال..وهذا ذاته قد يشكل الحافز القوي لتثبيتها..
المعنى يجر المعنى..
إن الخلود طموح بشري منذ فجر التاريخ.ولكن هذا الطموح –أحيانا وربما غالبا- قد دفع الى أساليب فيها معنى الخلود سلبي ،يقتصر على الذكر أو الذ1كر مضافا إليه سوء الفعل ..كما العتاة في التاريخ.عموما.بخلاف الأنبياء والمفكرين والفلاسفة والبانين عموما في ميدان العمارة المادية أو في ميدان التطوير الفكري –الفلسفي والقيم المعنوية عموما.
إذا الحياة تبدأ بصرخة،احتار الفلاسفة والمفكرون في طبيعتها من ناحية التفسير الفلسفي، لكن العلماء حسموا أمرهم فربطوا بينها وبين استنشاق الهواء خارج الرحم لأول مرة فتنتج الصرخة –طبعا بشكل آلي- لا يد للمولود فيها.
ولسنا في معرض بحث فلسفي أو علمي للصرخة وباعثها لكن الشيء يذكر عندما نمر عليه في سرد يمسه بشكل ما.ربما إذا توقفنا لبرهة لنفكر فيها، وفي معانيها؛ يكون منتجا على صعيد تأمل حدَثٍ بدأنا به الحياة، وشكّل نقطة أساسية في مسيرة الحياة .إننا هنا نحاول أن نسجل مجريات حياتنا، في بعدها الفردي الخاص،وفي امتداداتها الاجتماعية …ونتوقف في محطات هامة فيها من وجهة نظرنا –أو بحسب تأثيرها – ..!
فمن جهة نكون قد صوّرنا حياتنا كذكرى نعود الى مفرداتها نستعرضها فقد ننتشي بذلك،وقد نستوحي منها بعض حكمة أنتجتها تجاربنا ومعاناتنا..
لذا سأستكمل ما بدأته وهي الصرخة الأولى والمتكررة في ظروف مختلفة ولأسباب مختلفة.. نمر في فترة لا نعي فيها ولا نتذكر ريثما تتكامل نمو الأعضاء الجسدية ومنها الجملة العصبية..فيبدأ الإحساس بعد شهور قليلة وينمو الى شعور وبعض فهم وتذكر في منتصف السنة الثالثة أو بدايات الرابعة..ويظل النمو يتزايد حتى يصبح المرء مستكملا لملكاته العقلية في مرحلة المراهقة لكن تظل التجربة تنقصه وتمده بالنضوج المتزايد بحسب استعداداته وقابلياته ومدى استثمار ذلك.وللتربية دور في ذلك.
ما ـذكره من طفولتي أو بدايتها الأولى أنني كنت طفلا مدللا لدى جدتي،لا ادري لماذا بالضبط،لكنني أظن أن السبب أنني كنت سميّ ابنها الذي فقد حياته اثر مرض ألم به لم تنقذه معالجة مستشفى في الموصل،حيث لم يكن لدينا مشافي لا في ديرك ولا في قامشلي.. فضلا عن بعد المسافة بيننا وبين قامشلي فلم يكن السفر هيّنا في غياب وسائل النقل ووعورة طريق ممتد الى حوالي مئة كيلو متر – كانت تعد مسافة بعيدة جدا وشاقة حينها..فكان الموصل أقرب وأكثر تجهيزا وخدمة للمرضى ..كما سمعت من الكثيرين من ذهبوا إليها للمعالجة..
وأذكر أنني كبرت ولا زلت أنام في حضن جدتي ودفء حنانها ..

……………………
تأمل في مظاهر من الطبيعة
محمد قاسم
25/9/2008-الخميس
هناك ليس بعيدا شجرة سرو أفقي تشكل مخروطا رأسه مدبب وقاعدته عريضة.. تشعب أغصانها منفردة في محيط دائري تعبر عن خصوصيتها في إطار الكل.. مشكلة خضرة تمثل مثلثا في مساحة من الفضاء..
وفي مسافة أقرب خضرة تميل إلى نحو اللون الفاهي..تحجب بعض مساماتها ولكنها تبدو مختلطة معها مشكلة معا تدرجا لونيا متعانقا..وفي المسافة الأقرب منها –على يمينها وعلى يسارها- شجرتا نخيل الزينة..بأوراقها المدببة والمثلثة المتطاولة ترسم منظر مراوح تشكلها أغصانها، فتنعكس صورة، ولونا مختلفا، تلتقي جميعا في لوحة أمامية تتدرج فيها المعطيات شكلا ولونا.. ولكنها تظل تعبر –في النظر-وحدة متكاملة..جميلة.لاسيما أنها ليست معزولة عن محيط من المعطيات المختلفة..فهناك دار ذات سقف قرميدي، يشكل جملونا إلى يسارها، وهناك دار في نقطة ابعد وعلى يمينها؛ ترسم مثلثا من لون يميل إلى الصفرة..المحمرة..كلون الصدأ..فيما يقف في حذائها دار أخرى من لون الاسمنت..الأسود المطلي بأبيض فتتته عوامل التعرية ،من أمطار ..وبرودة.. وحرارة.. ورياح… فاستحال لونا باهتا..بين سواد لون الاسمنت وبقايا لون أبيض باهت..!
وفي المكان -حيث مقعدي- مساحة خضراء منوعة، ومتدرجة في اللون، مابين شجرة رمان لم يبق عليها سوى بعض ثمرها ،متدل بلونه النحاسي الجميل..وشجرة زيتون بأوراقها الخضراء الداكنة،والتي تبدو في أكثر من لون :
لامعة في اتجاه انعكاس أشعة الشمس..وداكنة في الاتجاه المعاكس لها..وخضرة متجددة تميل إلى القرب من صفرة خضراء..لأن الأوراق تجدد نبتا ولونا..لا تبدو من أثمارها سوى بعض حبات سوداء تكاد لا تبين..بين أوراق تحتضنها..!
وخلفها شجرة دفلى خضراء تعانق أوراق لوبيا متسلقة..في حميمية غريبة..فيما شجرة اصطلح على تسميتها هنا ،شعبيا – شجرة كردستان- ذات أغصان متفرعة وأوراق ابريه، تتربع على نهايات بعض الأفرع السامقة زهرة جميلة، تجمع ألوانا هي مصدر تسميتها بشجرة كردستان. فهي ذات لون اصفر واحمر واخضر..-وهي ألوان العلم الكردي-في توليفة بديعة خلاقة..تنبئ عن ما أودعها الخالق فيها من جمال.
وفي المساحة التي تحتضن جذور الأشجار جميعا..أعشاب خضراء لا تبقي للتربة منظرا سوى بعض بقع صغيرة استعصت على امتدادات الأعشاب..وأصرت على أن تبقى تعبر عن ذاتها، وجودا.. ومنظرا دالا على أنها هي الحاضن لكل هذه المخلوقات المتسامقة على حسابها.
وهنا وهناك نباتات قصيرة القامة، تحمل أنواعا مختلفة من أزهار برتقالية اللون تغطي (تزين) حواف أغصان غزيرة متكاثفة..فيما شب الليل (أو عاشق الليل)
وتشكل صفحة السماء الزرقاء الخفيفة نتيجة انعكاس أشعة الشمس وقد ارتسمت عليها قطع غيوم بيضاء تتقارب وتتجاور في بعضها وتباعد في بعضها الأخرى..تصغر في بقعة وتكبر في بقعة أخرى..وكأنها بخار ابيض متكاثف ذات السن مختلفة طولا وقصرا فتشكل جميعا كما لوحة فنية أو تكوينا خلفية الأعلى سماء..زرقاء منقوش الغيوم بيضاء..وخلفية الأدنى أرضا تغطيها النباتات والأشجار بتجليات مختلفة وصفنا بعضها ..
يتكئ على قاعدة كرمة ملتفة على حالها متكورة وقد التئم شمل وريقات أزهارها الملونة بالأصفر والأحمر تنتظر قدوم المساء لتفتح في أشكال وألوان بهية تجمع بين الكثيرين على غصن واحد..وهذا ما يميزها..
فإذا تسلق النظر ساق الكرمة اتجه به إلى عريشة فوق سرير عال تستريح فوق أغصانها وتتدلى فروعها المورقة حاملة وحامية عناقيد من عنب متدلية في منظر أخاذ بحباتها المحمرة المتجاورة في غير تداخل ولا انفصال..بل متجاورة..متلامسة بروح حميمة.تشتهي النفس مذاقها ويمتع البصر بمنظرها..
وحلي في الاتجاهات كلها تتلاقى أفرع خضراء ما بين زيتون ورمان وسرور وصنوبر جميعا في علاقة تبدو وكأنها تتعانق أو تتكامل لتشكل منظرا بديعا أخاذا ملونا وفق انعكاس أشعة الشمس الساقطة على أوراقها لمعانا أو ظلالا في الجهة المقابلة بتدرجات تجعل النفس تحار في إدراكها وفهمه نسيجها..
سبحان ربي مبدع الأكوان بما فيها: حجرا.. وشجرا.. كائنات حية مختلفة..وجعل البشر الموكل بها رعاية حماية واستثمارا..!

………………………….
تداخل الزمن(الأزمان) المراحل
محمد قاسم
يولد الإنسان طفلا يطلق صرخته الأولى في الحياة،ويقال لأنه أول مرة يتنفس بعد الحبل السري الذي كان يمده بكل شيء. وخلال أكثر من أربع سنوات –تقريبا –يعتمد على والديه في كل احتياجاته من الطعام والشراب و كيفية اللبس..وقضاء الحاجة…الخ
ومنذ الشهر الحادي عشر –غالبا-في الأحوال الطبيعية يبد
ا المشي بخطوات متعثرة، وينطق بكلمات بسيطة لكنة في لثغة أو فأفاة او ثاثاة او غير ذلك من الأحوال المعبرة عن تعثر الكلمات على شفتيه..بسبب الأصوات التي تخرج من حنجرته ببعض صعوبة نتيجة عدم القدرة على الاختيار للمناسب أصواتا وكلمات..ولعل المعاني هي الأكثر صعوبة وتأثيرا على ذلك بسبب ما في اختيارها من الصعوبة لارتباطها بحركة المخ الذي لم يزل في طور النمو ولم يكتمل الأجهزة العصبية فيه بما يكفل حسن التصور وتحديد الأفكار والمعاني..فينعكس على النطق وإخراج الكلمات..وهذا مصدر التعثر في كلامه عموما..
وهكذا فالطفل يمر في مراحل متمايزة أثناء نموه الجسدي-بكل مكوناته- والنفسي-بكل مكوناته ومنها العقل.ولكل مرحلة خصوصيتها في القدرة على التكيف مع الواقع..ففي الطفولة الأولى تكون المدارك هشة..تنقصها الخبرة والتجربة..فهي غير صقيلة. فيمارس التفكير والسلوك بعفوية نسميها –عادة –براءة .لأنه لا يدرك المغزى مما يقوم به غالبا.فقد يقوم بما هو غير مقبول..ومن القرآن نأخذ حادثة امتحان موسى عليه السلام عندما قدم إليه ذهب ونار فمد يده الى النار لوهجها-بغض النظر عن الدخول في تفسيرات دينية أحيانا قد تكون غير موثقة كما ينبغي- وفي الواقع نلمس ذلك يوميا على سلوك الأطفال والذي قد يرمي نفسه من عل تقليدا لفلم كارتوني مثلا..وهنا تسجل مآخذ على منتجي ومنفذي هذه الأفلام كيف لا ينتبهون الى هذه الحقيقة ويدرسوا إنتاج أفلامهم بناء على معطيات علم النفس التربوي_لا علم النفس العام او الطفو لي المؤثر نفسيا على اهتمامهم خدمة لمكاسب مالية عادة.
وفي مرحلة المراهقة تكون القوى النفسية والجسدية في نهايات اكتمالها..وتمثل المرحلة الوسطى بين الطفولة المتأخرة وبداية الشباب..ولهذه المرحلة ميزاتها وخصوصيتها التي لم تبلغ –بعد- النضج العقلي والنفسي المتوازنين وفقد يغلب لديه النفس على ضوابط العقل ويكون التوهج العاطفي والنفسي عموما طابعه العام..ومن ثم الاندفاع يسم سلوكه على الأغلب..
ولكن المرحلة الشبابية تتصف –في الأحوال الطبيعية –بالنضج والاكتمال والشعور بالمسؤولية تجاه الفعل والتفكير والسلوك عموما..ويقتضي ذلك توازنا هاما بين ما مضى وآثارها وما سيأتي وجديده..حيث تزداد المسؤولية باستمرار وتتسع في ميدانها او ميادينها ..فقد كان مسؤولا عن نفسه وحده ثم عنه وعن زوجه فأولاده..فعمله فبلاده فالإنسانية جمعاء باعتباره-في النهاية –عضوا فيها .مهما بدا انه ضئيل الأثر في ذلك..
كوفي عنان كان طفلا إفريقيا توصل الى أن يكون أمين عام الأمم المتحدة..وكلينتون كان من عائلة فقيرة لكنه قاد أمريكا لثماني سنوات كانت قراراته مؤثرة في الدنيا كلها واليوم زوجته هيلاري اذا نجحت –ستعيده الى ممارسة دور مماثل من وراء شخصيتها كرئيس للولايات المتحدة..ومن جهة التأثير الفكري والفلسفي والعملي بدا معظم المؤثرين بدايات بسيطة او منسية ثم بلغوا أعلى مواقع التأثير..أديسون كان يبحث عن عمل يعيش منه عندما حطه القدر أما رئيس محطة للقطار لينقذ ابنه من موت محقق فيكافئه بتوظيفه..ولكن كسله اضطر مدير المحطة الى الاستغناء عن خدماته فاتجه نحو الاختراعات التي بدأت تبلور في ذهنه وكان حوالي ألف اختراع مهم على رأسها الكهربا(مصباح أديسون).
لكل مرحلة تشكيل الشخصية ضمن زمن ومحيط اجتماعي وطبيعي مختلف..لذا فهل نتوقع ان يكون الإنسان في كل مراحل عمره في نفس الإطار الفكري والنفسي والسلوكي..والأزمان مختلفة ومتداخلة(فالحاضر ينزلق الى الماضي،والمستقبل ينزلق نحو الحاضر..وهكذا..ولعل هذا هو السر في ان (الإنسان خطاء) او ان الخطأ ملازم له دائما وعليه ان يحسن تدارك أخطائه باستمرار ليستقيم أمره مع البيئة التي يعيش فيها –بشرا وطبيعة..
…………………..