تداعيات أفكار
من وحي ما كتب عن مؤتمر هولير”1″.
حاولت قراءة بعض المداخلات بشأن مؤتمر أربيل-هولير- فجعلتني أفكر قليلا قبل أن أقدم على هذا المقال-المداخلة-
لقد وجدت الأغلب ممن كتبوا؛ مثقفين مستقلين -إن لم أكن مخطئا- وهذا يفترض وجود مشتركات بيني وبينهم أكثر من المتحزبين…وربما هذه المشتركات ذاتها تشجع على إبداء ملاحظات حول نهج بعضهم، من وجهة نظر شخصية مستقلة –وازعم أنها ذات أرضية تمكّن من تفاعل مفيد مع الواقع الاجتماعي الكوردي بتوجهاته المختلفة، وقبل ذلك بواقعه وتكوينه النفسي عموما …
معظمنا يعلم –خاصة المهتمون- أن كل مجتمع له خصوصيته في طبيعة الحياة، ونمطها المعاش عموما، وهذا ما يفرق بين مجتمع وآخر في نهج الحياة بتفاصيلها المختلفة؛ منذ اللغة والعادات والتقاليد ونهج التفكير السائد والمزاج العام والحالة النفسية وكل ما يتعلق بشؤون الحياة العلمية ،والفنية، والدينية، والاجتماعية عموما… الخ.
لذا فإن النمط السائد في حياة كل مجتمع يجعله مختلفا عن مجتمع آخر، وهو ما نعبر عنه بكلمة “ثقافة”، وأحاول دائما أن أذكر بأن كلمة “الثقافة” تعني حصيلة القوة “الذهنية” و ” النفسية” –الاجتماعية والفردية- لكي لا يفوتنا الفهم- أيا كان السبب- في بعض الحالات حول دلالة “الثقافة”. ومن الطبيعي أن مفهوم الثقافة له بعدان : (بعد إنساني عام) و (بعد اجتماعي خاص) .
وإن ثقافة الفرد جزء من ثقافة المجتمع ، مع ما لها من خصوصية فردية إلى جانب البعد الاجتماعي لها–
كما تكون (ثقافة المجتمع( –أي مجتمع- (جزءا من الثقافة الإنسانية العامة)؛ إلى جانب خصوصيتها الاجتماعية …!
يفترض-ويفرض- فهم هذه العلاقة فهما حيويا باستمرار للمصطلحات والمفاهيم ؛ كدلالات حية، ونامية، ومتغيرة شكلا ومضمونا.
من هنا نلاحظ جانبين: (معنى الاشتراك) من جهة و(معنى التفرد) من جهة أخرى، سواء في علاقة (ثقافة الفرد) بالثقافة الاجتماعية. أو في علاقة (ثقافة المجتمع) بالثقافة الإنسانية…
مع الأخذ بعين الاعتبار أن من أهم الميزات للثقافة بمعناها السليم هو: مرونة الفهم والتفاعل، و إمكانية الانتقال من ثقافة مألوفة إلى إطار أوسع –كالانتقال من حالة فردية محدودة إلى حالة اجتماعية أوسع والانتقال من تلك إلى حالة إنسانية أِشمل.
أو بتعبير آخر: بالانتقال من الحالة “المحلية” ثقافيا ،إلى الحالة ” العالمية”.
وقد يكون هذا التعبير متداولا أكثر، في ميدان السينما والفن عموما، فالممثل “عمر الشريف” المصري مثلا؛ يوصف بأنه نجم عالمي، لأنه تجاوز في مستوى الأداء في العمل، واقع مستوى الأداء في البلدان العربية، إلى مستوى أشهر: هوليود وغيرها من مدن التمثيل العالمية…
وقد يستخدم في ميدان الفكر والفلسفة والرؤية السياسية كحالة “المهاتما غاندي” الذي احتفلت الأمم المتحدة قبل سنين بذكرى مولده…كشخصية عالمية. وأغلب حمَلة جائزة نوبل يُعتبرون متجاوزين المحلية في شكل ما…
فإذا انتقلنا من الأفراد إلى المجتمعات (أو الشعوب والأمم) وهي كلمات ذات دلالة واحدة؛ ولكنها تختلف قليلا- فالمجتمع يغلب فيه معنى الجماعة في حركية مجتمعية داخلية غالبا والشعب هو المجتمع نفسه في حالة تعبير سياسي….وقد تكون الأمة أكثر من شعب، أو شعبا كبيرا تجمع ثقافات متباينة تتفاعل في إطار الأمة…هذا بشكل سريع…أما التعريف الأدق والأكثر دقة فنجده في معاجم المصطلحات السياسية والاجتماعية…
ونحن كجماعة كوردية- نعرف ب”القومية الكوردية” كتعبير سياسي واجتماعي- أو “الشعب الكوردي” كتعبير يغلب فيه المعنى السياسي- أو “الأمة الكوردية”. كتعبير أوسع وأشمل من المجتمع والشعب، يحتوي دلالتهما معا –إذا جاز التعبير-.
نحن كقومية كوردية ؛ لنا خصائصنا الثقافية المتفردة بالمعنى الذي سبقت الإشارة إليه، إلى جانب التفاعل الذي أنتج تواصلا وتفاعلا يجعل الدروب سالكة بين انتقال عادات وتقاليد وطبائع وأمزجة ومظاهر وخصائص …الخ..بيننا وبين الثقافات الأخرى.
مع الاعتبار لحقيقة أن الشعوب-المجتمعات-الأمم- الأكثر تخلفا، تقلد تلك الأكثر تقدما، في ظاهرة تسمى “التقليد” ويرى بعض علماء الاجتماع في هذه الظاهرة-التقليد- بأنها ذات دور بالغ في انتشار بعض الصفات والخصائص والميزات والممارسات-بغض النظر عن سلبيتها أو كونها ايجابية…وهذا ما يدفع البعض دائما إلى فهم العلاقة بين (التراث القديم) و (السلوك الحاضر) اجتماعيا- والتقليد يكون داخل المجتمع وخارجه…!
والمهم أن نحاول كـمجتمع كوردي أو “شعب أو امة” ، أن نجد لنا موطئ قدم بين المجتمعات و(الشعوب والأمم)الأخرى.. بحيث نعيش نمطا ونهجا من الحياة، والتفاعل فيها، ينفعنا ويعيننا في الارتقاء بذاتنا الاجتماعية، في مختلف أدائها الفكري، الثقافي، الإنتاجي،… التفاعلي، ضمن منظومة اجتماعية متميزة .
ولكي لا نُصنّف في خانة تقلل من شأننا في نظر الآخرين، ونستطيع الاعتزاز بأننا حافظنا على “ذواتنا الفردية” وذاتنا الاجتماعية(القومية) في نسق منسجم مع الدور المفترض لنا في سياق حياة النسق البشري…
نساهم على قدر ما نستطيع، في عمارة الكون-لا تدميرها – وفي تنقية الحياة من أكدار ورواسب تعكر تجلياتها، ومساراتها، وفي نهج التفاعل المنتج ايجابيا…
ببساطة، فإن هناك مجتمعات تكاد تصبح عبئا على الحياة كنتيجة للنمط الذي تعيشه من مشكلات مزمنة، وحروب دائمة، وعلاقات مشوّهة… تنعكس جميعا على الاستقرار والأمان اللذين يهيئان الظروف للعمل النافع، وحيوية التقدم.
ومجتمعات -إلى جانب ذلك- تعيش ثقافة(سيكولوجية وذهنية) تعيسة ، تنتج باستمرار مناخَ قلقٍ، وعدم استقرار، وبالتالي فهي، تساهم في مشكلات مستمرة تنتج دمارا في الأرض، يطال البشرية وكل ما ينفعها…
و مجتمعات بلغت أوجا علميا تكنولوجيا مترافقا مع الكثير من تطور نظم الحياة، والحياة السياسية خاصة، ولكنها لا تزال تعيش روحية الاستغلال، واستضعاف المجتمعات الصغيرة أو المتخلفة …
لا نريد أن نكون واحدا من هذه المجتمعات..بل نود أن نكون : مجتمعا يحاول الجمع بين الروح الحضارية التي تسعى لعمارة الكون-ومنها أرضه- والتلاؤم مع الظروف المتفاوتة لكل الشعوب، في تبني ورعاية ثقافة همها:
البناء، والتحرر من ازدواجية الأحكام، والاختلاف بين القول والفعل…!!
وعلى الرغم من أن هذا المطلب ليس هيّنا، لكننا نعلم-أيضا-:
أن الكثير من الصعوبات عولجت في حياة الأفراد والجماعات والمجتمعات وكانت تظن أنها مستعصية..
تداعيات أفكار
من وحي ما كتب عن مؤتمر هولير”2″
نريد -كمجتمع كوردي- أن نكوّن مجتمعا يحاول الجمع بين الروح الحضارية التي تسعى لعمارة الكون-ومنها أرضه- والتلاؤم مع الظروف المتفاوتة لكل الشعوب في رعاية ثقافة همها: البناء، والتحرر من ازدواجية السلوك والأحكام، والاختلاف بين القول والفعل…ولعل هذا الانسجام بين القوى النفسية في شخصية الإنسان هو الغاية التي يتجه إليها كل آمال وجهود التربية بتسمياتها المختلفة.
وعلى الرغم –مرة أخرى- من أن هذا المطلب ليس هينا، لكننا نعلم أن الكثير من الصعوبات عولجت في حياة الأفراد، والجماعات، والمجتمعات… وكان المظنون أنها مستعصية..؟
لماذا..؟
ببساطة، لأن الإنسان –أفرادا ومجتمعات…يريد أن يهنأ بالعيش في أفضل أحواله،
ولا يتحقق ذلك إلا في ظروف الأمان والاستقرار وحرية تكفل انبثاق الإبداعات… وديمقراطية تكون منهج التعامل، والتفاعل، والتداول عموما…لتوفير المناخ الملائم لحياة؛ تكرس فعاليتها للعمل المنتج في مختلف الميادين، والاتجاهات –ضمن ضوابط قيمية: قوانين-معايير مبادئ ..الخ.
يحاول جميعها تكريس الأمان ، والبحث لتوفير الإمكانية والحافز للعمل. لكن المشكلة أن معيقات –أو عوائق- تعترض توفير هذا المناخ المطلوب والمرغوب… ونتساءل:
ما هي هذه العوائق؟
مَن –أو ما –مصدرها؟
ما دور الكائن البشري فيها؟
….الخ.
يستخدم البعض تعبير “النضال ضد الطبيعة” كنوع من العمل لمغالبة المعيقات الطبيعية المختلفة،التضاريس والأنواء والعواصف والبراكين والبحار …الخ.
لكن “الجهاد الأكبر” هو جهاد النفس .
والنضال ضد المعيقات النفسية -إذا جاز التعبير- قد لا يكون أقل –بل ر بما هي أهم من العوائق الطبيعية…
فالنضال –إذا- ضد أمرين لا بد منه:
– نضال “ضد الطبيعة”
– نضال “ضد النفس”
وإذا كان فكرة النضال ضد العوائق الطبيعية مفهومة، ومتفق عليها، فإن تركيبة النفس وأنواع العوائق فيها، ودرجة تأثيرها، وطبيعتها… لا زالت موضوعا للبحث بالرغم من قطع أشواط في فهمها.
النقطة الخلافية الأساسية-ربما- والتي يصعب التحقق منها تجريبيا هي:
هل فطرة الإنسان نقية؟
“ضمير لا يخطئ أبدا” أو “صوت سماوي خالد” بحسب تعبير جان جاك روسو. أم أن النفس البشرية نزاعة للشر والعدوان- كما يؤكد سيجمند فرويد ،من مدرسة التحليل النفسي ، ويؤيده بعض الفلاسفة “هوبز” الانكليزي مثلا.
بل وكما يرد في الآية الكريمة ” إن النفس لأمارة بالسوء”. وفي قول الرسول في جهاد النفس:” الجهاد الأكبر” في معرض قياس جهاد النفس بجهاد الحرب… فالنفس إذا خبثت كانت النتائج كارثية ، إلى ذلك كان يشير لقمان الحكيم ” عندما طلب منه أستاذه أن يحضر أخبث شيء في الجسد، فجاء ب”اللسان والقلب” وفي مرة أخرى طلب أطيب شيء فاحضر “اللسان والقلب” وأجاب حين سئل بما معناه: هما الأخبثان في الإنسان إذا خبثا، والأطيبان فيه إذا طابا…وهما يمثلان النفس –في العموم-.
ولا يخفى دلالة ذلك، فالقلب هو مصدر النية –الحسنة أو السيئة- واللسان هو المترجم لذلك حسنا أو سوءا. ويعني أن القلب هنا ليس النية فحسب، بل التفكير أيضا فأحيانا يعني القلب “العقل” وكان ذلك في في لغة القدماء.
فإن عدنا –وقد اطلنا حتى كدنا ننسى الموضوع –ورحم الله الجاحظ- إلى العنوان”حول مؤتمر هولير”
ستبرز أفكار يفترض أن نتوقف عندها قليلا:
مؤتمر هولير هو مؤتمر يجمع الجالية الكوردية السورية في الخارج، وممثلين عن الكورد في كل من سوريا…باختصار، حالة رمزية لتمثيل الشعب الكوردي في سوريا، في هذه اللحظات الحيوية والحرجة من الأحداث، وتسارعها في الشرق الأوسط، و في سوريا بشكل خاص.
ولذلك انعكاسات على الأوضاع العامة في المنطقة..وفي مثل هذه ا لظروف يصبح المناخ ساخنا، ويتبارى السياسيون خاصة، إضافة إلى القوى المهتمة الأخرى، لتبوّء المكان الأكثر راحة وكسبا في قطار الأحداث..
أما الشعب الكوردي-عموما- و في سوريا خصوصا- فهو يبحث عن موطئ قدم يعيد إليه بعض حقوق مهدورة منذ أزمنة طويلة، وفي ظروف تهتز فيها الأحوال ، كل يبحث عن نصيبه أو ما يأمله.
وهنا سنقتصر على الحراك الكوردي..ومؤتمر هولير احد تجلياته.
دفعني إلى الكتابة حوله –ربما شيء واحد …هذا النهج الذي يبتعد قليلا أو كثيرا عن مسار يؤدي إلى رعاية القضية الأهم، وهي قضية الشعب الكوردي ،والانزلاق إلى نوع من الأنانية والذاتية التي تجعل البعض ينسون-او يتناسون عمدا- هذه القضية في سياق شهوة المصالح المتصورة، سواء من بعض الحزبيين الذين لم يبذلوا الجهد الكافي لتوحيد الصف الكوردي، أو من بعض المستقلين الذي حوّلوا السعي من اجل القضية، إلى سعي من اجل الشخصية الذاتية …فاستحالت المساعي –قولا وفعلا- إلى صراع لا صلة له بجوهر القضية.
وعلى الرغم من أن بعض المطالب أو ا لتحليلات من بعض المستقلين ؛ لا تجانب الصواب، لجهة سيكولوجية الحزبيين-والأحزاب –في التعامل مع مثل هذه الحالات..فإن بعض المستقلين بدوا وكأنهم-أيضا- لا يختلفون عن هؤلاء الحزبيين-والأحزاب- في شيء.
فإن لغة الخطاب أو –التحليل لديهم. تكاد تكون متشنجة، وانفعالية، وذاتية ، وفي بعض الحالات، تكون لغة الخطاب متجاوزة لما يفترض من نهج نقدي مبرر ومطلوب ومرغوب أيضا.
فهل قدر الكورد أن تغلب النزعات الأنانية في مساعيهم وحراكهم من اجل قضية تحدد مصائرهم؟!
ونحن نعلم أن لهذه النزعات أثرها التي لا يمكن إنكارها في إفشال ثوراتهم ا لسابقة والتاريخية…فهل نعيد الكرة ونفوّت الفرص التي تبدو أنها تتبلور لصالح قضية الكورد…؟
هي ليست دعوة إلى غض النظر عن الممارسات الخاطئة..بل هي دعوة إلى بذل جهود استثنائية من اجل تحقيق نتائج عملية بدلا من التفريج عن انفعالات نفسية أو الثار وتصفية حسابات..ولا ننسى ان التاريخ له حكمه في حياة الأفراد والشعوب..
والربيع العربي شاهد…فلنتعظ !!!
…………….ز