نحو حوار يحاول أن يكون موضوعيا

نحو حوار يحاول أن يكون موضوعيا
محمد قاسم ابن الجزيرة

بين الفينة والأخرى يبادر بعض المثقفين العروبين إلى التعبير عن مواقف انفعالية – وربما -متعصبة تجاه الكرد ، عبر شاشات التلفزة أو الصحف والمجلات أو الكتب …الخ.
وعلى الرغم من أن بعض المثقفين العرب يقفون في الجهة المقابلة(1) ويحاولون إنصاف الكرد، ونحن نشكر لهم ذلك، إلا أننا نشعر بالحاجة إلى تناول هذه المسألة وطرحها بشكل فكري حواري ؛ نجهد أن نستبقيه في المسار المتعارف عليه بآدابه ودوافعه وأهدافه، لا منة وتفضلاً ، وإنما لأننا نؤمن أساساً بأن هذه هي الصيغة التي يجب أن يكون الحوار عليها أولاً، ولأن المصلحة المشتركة بين العرب والكرد تتطلب مثل هذا النمط والمسار؛ واقعياً ومنطقياً وأخلاقياً، فضلاً عن التاريخ الذي يتضمن قروناً طويلة من الاشتراك في الدين والثقافة والعيش ومتطلباته ومنها الجوار الجغرافي …
وكما نرى: فإن المشكلة في هذه المسألة تكمن في جانب نفسي أساساً(2). ومن ثم في فهم مختلف لقراءة التاريخ والراهن أيضاً، (إذا تجاوزنا خلفيات ترتكز إلى ارتباطات -من نوع ما-مع دوافع ونتائج تيار عالمي، براغماتي يتعامل مع الكون كله من منظور مصالحي، ويرى كل سلوك مبررا، إلى الدرجة التي تتوافق فيها مع مضمون القول الشائع والمنسوب إلى ((نيقولا مكيا فيلي)) صاحب كتاب (الأمير): ((الغاية تبرر الوسيلة)). أو ما يسمى بـ((واقعية السياسة)) أو (( سياسة الأمر الواقع )) .
ولكي لا نقع في أسلوب الرد والرد المعاكس، والذي يؤدي– غالباً ما-إلى الجدل المذموم، فإننا ننوي تحديد الحالات الإشكالية الأساسية في نظر شريحة مثقفي العروبة -أصحاب النظرة السلبية إلى الكرد -استناداً إلى ما يرد في تعبيراتهم شفاها أو كتابة.
وسنسعى – ما وسعنا الجهد -أن نحاورهم بشأنها، ودون الزعم بأننا نمتلك الحقيقة دوماً، وإن كنا نسعى إليها.
ولعله من بديهيات الأمور لدى المثقفين بأن امتلاك الحقيقة مسألة نسبية، ولذا فسينصب سعينا على التعرف على المساحة المشتركة بيننا، والتي ينبغي أن نتفق بشأنها، وفرزها عن المساحة التي هي موضع اختلاف، وسنحاول بذل ما يمكن من الجهد؛ للحوار حولها، وفق معطيات في إطار مستلزمات الحوار الموضوعي وهي: 1- النهج المنطقي (العلمي). 2-والأسلوب الأدبي (الأخلاقي).
منطلقين من دوافع تتسم بالنبل والاستحقاق المشروع، وعلى قدر الطاقة البشرية.
(فالطاقة البشرية ليست مطلقة كما يعلم الجميع).
وللاستئناس، وتكوين مناخ مبدئي للمنطلقات في الحوار؛ لا نرى بأساً من إيراد بعض آيات من القرآن الكريم، أو بعض من أحاديث للرسول () أو بعض خلاصات من الفكر البشري في هذا الموضوع. ولعلها تحقق الفائدة المرجوة؛ من حيث تكوين المناخ الايجابي للحوار.
قال تعالى في سورة النساء: ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساء)). وفي سورة الإسراء يقول:( (ولقد كرمنا بني أدم)) وفي سورة الحجرات يقول: ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم)) وفي سورة النحل يقول: ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن)).
وفي رواية للترمذي يقول الرسول(ص): (( ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء)).
ويقول أحد الشعراء مخاطبا متكبرا من بني البشر :(3) (إيليا أبو ماضي)
نسي الطين ساعة أنه طيــــــن حقير فصان تيها وعربد.
…………………………………………………….
يا أخي لا تمل بوجهك عني ما أنا فحمة ولا أنت فرقد
……………………………………………………
أيها الطين لست أنقى وأسمى من تراب تدوس أو تتوسد
لا يكن للخصام قلبك مأوى إن قلبي للحب أصبح معبد
أنا أولى بالحب منك وأحرى من كساء يبلى ومال ينفد
نسوق هذه الأقوال كنماذج فقط؛ للدلالة على: الاشتراك في المعنى الإنساني بين بني البشر جميعا. ولعل سرد هذه الحقيقة بأمثلة واقعية واضحة؛ تتبعها أمثلة أخرى في السياق؛ سيبين لهؤلاء المثقفين العروبيين مدى المغالطة في كثير من رؤاهم وتحليلاتهم، ومن ثم تذكر أنهم ليسوا فوق هذا المعنى.
ولقد حاول قبلهم فلاسفة النازية والفاشية -وربما غيرهم أيضا-أن يجدوا بأسلوب يسخِّر ما لديهم من التقدم العلمي، منفذا أو متكأ يستندون إليه في تصنيف الشعوب على أساس عرقي، ليتخذوا منه سندا في اعتبار أنفسهم أعلى قيمة في سلم التصنيف هذا، ولكنهم لم يفلحوا …! إذ خذلهم النهج العلمي – فضلا عن الدين والأخلاق-ولقد أدخلهم هذا الاتجاه العرقي في حربين كونيتين لا يخفى على أحد ما أنتجتاه من الويلات والمآسي…! (4)
فالقول بسواسية الناس كقيمة بشرية يعتبر تحصيل حاصل إذاًً. أما الاختلاف بين بني البشر فليس سوى نتائج تأثيرات الظروف التي أحاطت بالأفراد أو الشعوب(الأمم). ((وقد فطن “ابن خلدون” إلى أن نضج الحياة العقلية أو اضمحلالها مرجعه إلى الظروف السياسية والأحوال الاجتماعية والاقتصادية التي يحيا فيها الشعب وليس مرده إلى طبيعة العقل عند الشعوب)). (5)
هذه حقيقة أقرتها الأديان وأقرها العلماء والحكماء من شعوب مختلفة وفي أزمنة مختلفة فضلا عن كونها مدرَكة من كل ذي فطرة سليمة.

عوْدٌ إلى البدء:

من هم الكرد؟!
– أصلهم، تاريخهم، بلادهم، وهل لها امتداد في حدود الخارطة المرسومة للوطن العربي حاليا؟
– ثقافتهم، هل هي أصيلة؟ أم هي مزيج من بقايا ثقافات مختلفة؟ ما صلتها بالثقافة الإسلامية؟
– العلاقة بين الكرد والعرب، ما مدى مشروعية مطالبهم وطموحاتهم تاريخيا وراهنا؟
– اتهامات من مثقفي العروبة ومدى مصداقيتها؟
– ملاحظات!
وسنحاول مناقشة هذه المحاور بشكل سريع منطلقين من عدة اعتبارات أهمها:
1- عقيدة التساوي بين الناس – شعوبا وأفرادا -من حيث العرق واللون والأوطان المختلفة لهم، وبأنه لا يمَّيز بينهم إلا التقوى والعمل الصالح على مستوى الدنيا وعلى مستوى الآخرة معا.
2- أولوية الراهن على الماضي، مع البحث فيما يوصل بينهما، ويوفر لهما معنى الاتصال، والامتداد، والتجانس، لمصلحة الحاضر والمستقبل…! فالماضي انتهى دوره، وما استعراضه إلا للمعرفة من جهة، ولأخذ العبرة من جهة أخرى.
3- المرونة في عرض الأفكار والقناعات، باعتبار أن الحقائق نسبية، خاصة فيما يتصل بالتكوين الاجتماعي التاريخي…
4- احترام رأي الآخرين بالغا ما بلغ، ضمن آداب الحوار.
5- التمحور حول الغاية وهي جلاء الحقيقة بقدر ما يمكن والهدف، التوصل إلى قاسم مشترك في قضايا الحياة للانطلاق منه إلى تصور نمط تعايش وتفاعل مفيد للجميع.
أولا: من هم الكرد؟
إذا حاولنا البحث في أصول الكرد سنضطر إلى العودة إلى مراجع مختلفة تتناول أصل الكرد كما هو الشأن تماما في البحث عن أصول الأقوام الأخرى. وسنجد ذلك ملخصا في:
أطر عامة معتمدة بدرجة ما، وتفاصيل مختلفٍ عليها إلى حد التناقض أحيانا، ويبدو أن هذا هو طبيعة البحث في القديم(التاريخ) خاصة إذا بعدت المسافة كثيرا، وكانت المصادر إشكالية لسبب ما (جهل، تحيز، تحريف، فقدان الوثائق، نزوع سياسي…الخ).
ولكي أوفر على نفسي وعلى الإخوة القراء جهدا ووقتا؛ فقد غلّبت اللجوء إلى مرجع واحد وهو كتاب: )) خلاصة تأريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية وإلى الآن)).
تأليف ((محمد أمين زكي بك)) نقله إلى العربية وعلق عليه ((الأستاذ محمد علي عوني))
الناشر ((حسين قاسم قاسم)) مطابع زين الدين / القرية/ لبنان-ط 1405ﻫ/1985م.
وقد نستعين ببعض المصادر الأخرى إذا وجدنا لذلك حاجة.
من وصف المترجم للكتاب في ص /ج:
((وهو في الحق كتاب قيم فريد في بابه، صحيح في أسانيده، وغني بمصادره لا يستغني عنه، الكاتب الاجتماعي والرجل السياسي والعالم المحقق…)).
ويقول المؤلف في ص/يب:
((لقد بذلت الجهد الكثير. وسعيت سعيا حثيثا لإحياء موضوع التاريخ الكردي القديم، لدرجة أني أعدت البحث مرارا وتكرارا، واستأنفت العمل من جديد أربع مرات كاملة…))
((وإني لا أدعي أن هذا كتاب تاريخ للأمة الكردية، يخلو من النقص والقصور، بل أعتقد أن فيه نقصا كبيرا. رغم أنه نتيجة البحث والدرس لمائتين وخمسين مجلدا من الكتب الإنجليزية والفرنسية والألمانية والعربية والتركية والفارسية…)).
موضوعات الكتاب:
∎الفصل الأول: كردستان ، موقعها …الكرد في إيران،الكرد في تركيا،الكرد في العراق، الكرد في روسيا، الكرد في سوريا،الكرد في بلوجستان والهند والأفغان.
∎الفصل الثاني: منشأ الكرد وأصلهم.
∎الفصل الثالث: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور إلى الميديين: لوللو،كوتي،كاساي، ميتاني، خالدي، سو باري،نايري.
ومن عهد الميديين حتى ظهور الإسلام، ميدي 105{هكذا في الكتاب}. من ظهور الإسلام حتى الإغارات التركية {وهكذا حتى الفصل السادس} الكرد لغاية اليوم، الكرد في القرن العشرين.
∎وأما الفصول الباقية (السابع والثامن) فهي تتناول ما يتعلق بطبائع الكرد وديانتهم ولغتهم وعشائرهم في الأقاليم المختلفة.. (ينبغي التنبيه إلى العبارات الموضوعة بين إشارتي { } من عند الكاتب للفت الانتباه.
إننا لا نريد الغرق في أبحاث تاريخية وإنما فقط أشرنا إليها لأن البعض-وعلى الرغم من سويَّتهم الثقافية-غافلون، أو قاصرون عن معرفة ما يتعلق بالكرد وإن اختلفت الأسباب. إذ لا عذر- كما اعتقد – لمن يعبر عن نفسه باحثا في موضوع ما ولا يملك معرفة عنه{ وهذا الأمر ذاته – وللأسف – أي (عدم الإطلاع المقصود في الغالب استصغارا للموضوع، أو تعمية عليه) هو تعبير عن نزعة عصبية ((عروبية)) ساهمت في منع كل ما يتعلق بالكرد من مصادر وكتابات وممارسات ثقافية…الخ، إلى درجة أن بعض المكتبات الجامعية- وهي مراكز ثقافية عالية المستوى ويفترض أن تكون حرة أيضا – شددت في حجب الكتب التي تتناول الكرد، عن طالبيها، بل وكانت توحي بنظرة أمنية لمن يطلبها في البلدان التي يتواجد فيها الكرد أحيانا (سوريا مثلا)}.
لذا فإننا سننطلق من واقع وجود الكرد راهنا.
فالكرد (أو الكورد) شعب(أوأمة)مقسم بين عدد من الدول بموجب تقسيمات قام بها دول الغرب الاستعمارية في مراحل مختلفة، آخرها ((سايكس بيكو)). ولمن شاء الإطلاع عن كثب-بالإضافة إلى المصادر النظرية-فليقم بسياحة تشمل شرق تركيا، وشمال العراق، وغرب إيران، وشمال سورية، وجنوب روسيا، ليجد شعباً يعرف بـ (الكرد). ويقدر عددهم بأكثر من (أربعين ) مليونا،(6) يتحدثون بلغة متميزة- اللغة الكردية- وإن تعددت لهجاتها، ويمارسون أنشطة حياتية متقاربة المظهر وخاصة الزراعة وتربية الحيوانات في الريف ومختلف الأعمال والتجارة والمهن…في المدن- وقد سهلت الفضائيات أمر متابعة مثل هذه الأمور – ولدى الجميع؛ الشعور بالانتماء إلى أصل قومي واحد، ودون المبالغة في التعصب العنصري – لدى المثقفين على الأقل – ولديهم طموح في العيش المشترك ضمن منظومة اجتماعية على أساس قومي وطني إنساني، ولكن ولتقدير الظروف- أمر الواقع المجبول بحالة تاريخية، وتمنّع سياسي من حكامهم من غير الكرد،وطبيعة المصالح الدولية – فإنهم يقبلون العيش ضمن ظروف الواقع (أمر الواقع) والذي جعلهم يعيشون مع شعوب ( تركية وفارسية وعربية وروسية …الخ) وفق صيغ حياتية تتيح لهم ممارسة حياتهم؛ بعناصرها المختلفة، وكما خلقهم الله عليها، والعيش برضا مع هذه الشعوب؛ شريطة الاعتراف بهم، وإعطائهم الحقوق التي يستحقونها وفق ما قررته الشرائع ومنهاج الأمم المتحدة…وغيرها. والمعروف عنهم؛ أنهم دخلوا الإسلام(7)، وساهموا فيه بقوة وصدق؛ إلى درجة أصبحوا فيها حالة مستغلَّة لصالح قوميات إسلامية لا تزال حتى هذه اللحظة تغمطهم حقوقهم؛ حتى في مستوياتها الأدنى. مثل: إعلانهم عن شعورهم القومي، ممارستهم للغتهم وثقافتهم. ناهيكم عن الاضطهاد البغيض، والمتجلي في إبقاء مناطقهم متخلفة، على الرغم من الادعاء من الحكومات بأنها جزء من الوطن، ومنع ممارسة كل ما يبرز خصوصيتهم القومية، إلى درجة سحب الجنسية منهم، أو بناء مستوطنات لأبناء الشعوب الحاكمة لتحقيق تغيير ديمغرافي… وغيرها(8)، والأمثلة أصبحت مكشوفة وصارخة بعد سقوط نظام صدام وما ظهر من خفايا ممارساته؛ والتي هي الممارسات نفسها في الدول الأخرى – ربما مع فارق في الدرجة والمدى أو الضجيج الإعلامي…-.
هذا الشعب(الكردي) له سياق تاريخي لا يمكن إنكاره؛ وان كان قد تعرض لأنواع من تجاهل مقصود” بدوافع تعصبية، أو مصلحيه” أو غير مقصود” نتيجة لاعتبارهم مسلمين” والكتابة عنهم بصفتهم الإسلامية، والتي كانوا، ولا يزالون يشعرون بصلتهم الوثيقة بها، واعتزازهم أيضا بها…تشهد بذلك مساجدهم الكثيرة، وعلماؤهم، ومظاهرهم الإسلامية، والتزامهم بأخلاقيات الإسلام، وحرصهم على ديمومته بخصائصه النقية– ربما – أكثر من الذين يتهمونهم بمناسبة وبدون مناسبة-إذا استثنينا بعض ردات الفعل حديثة العهد بسبب المواقف الغريبة من العروبيين ومنها موقفهم من (حلبجة والأنفال) وغيرهما من الأحوال الفظيعة التي تعرض الكرد لها!!.
حقائق تنطق بها مراجع تاريخية مختلفة ذكر السيد/ محمد زكي بك / مائتين وخمسين من هذه المراجع، ويمكن لمن يريد العودة إليها، إضافة إلى مراجع بدأت بالظهور بعد انحسار نسبي لموجة التجاهل التي مارستها الأنظمة الحاكمة لها، بسبب المستجدات في المنطقة. وإذا حصل اختلاف في هذه المراجع حول بدايات أصولهم فليس ذلك بدعة خاصة بهم وحدهم، وإنما هي حال جميع الشعوب في المنطقة، بسبب ما تعاقب عليها من الجماعات والشعوب والحضارات والحروب والتي يعرف الكثير منها؛ كل من له متابعة لهذه القضايا، نذكر منها فقط حروب الاسكندر المقدوني(9)، والذي مات في هذه المنطقة. وذكر المؤرخ اليوناني (اكزينيفون) بعضا من تفاصيلها، ومنها إشارته إلى الكرد باسم ((الكاردوخ)) والذي يعتبره بعض المؤرخين من أصول التسمية الكردية(1). وبالمقارنة بينهم وبين شعوب أخرى عاشت في هذه المنطقة، لعلهم الأكثر قدرة على الحفاظ على خصوصيتهم الكردية بمختلف مكوناتها (لغة، شعور قومي يتجه للعيش معا، نضال من أجل البقاء…الخ) على الرغم من الظروف الصعبة التي عاشوها، ولا يزالون يعيشونها ضمن الحاكميات التي ذكرت سابقا.
ولقد وصفهم كثيرون بالشجعان ومنهم: الصحافي الأمريكي: دانا آدمز سميث صاحب كتاب (رحلة إلى رجال شجعان في كردستان) بل ويرجح البعض بأن تسميتهم بالكرد تعود إلى (معنى الشجاعة) الذي تدل هذه اللفظة(كرد) عليها.
يقول المؤرخ الكردي الدكتور جمال رشيد – في لقاء معه نشرته مجلة (كولان العربي عدد/28/ أيلول 1998م بعد تعريف بالمؤرخ وما يجب أن يكون عليه…:((إذا بحثنا باختصار عن من هم الكورد! إنهم نتاج مأساة تاريخ بلاد الكورد، فهناك مآسي كثيرة لها ارتباط بتاريخ كوردستان)).
((في التاريخ الحديث عندما قدم السلاف إلى أوروبا واستوطنوها كانت هناك عشائر ألمانية لا يفهم السلاف لغتهم، لذا كانوا يطلقون عليهم اسم (نيمس) أي الأخرس، و(نيمس) الآن هي النمسا، وهي دولة يتحدث شعبها الألمانية)).
((وقديما وجدت هذه الحالة في كوردستان. فبعض الناس يقولون إن لفظة الكورد جاءت من (كوتي، جي وجي-أي قال، وهذا وذاك) وأنا أجزم بأن لا علاقة لهذه اللفظة بتلك الألفاظ. فربما هناك تشابه بينهما من ناحية الإخراج الصوتي، فعندما كانت لفظة (كوتي) موجودة فإن الكورد أيضا كانوا موجودين فلماذا لا تكون هذه اللفظة (كورد) هي نفسها وليست مأخوذة من (كوتي)؟
((إن مناطق فيشخابور وعامودا، قامشلي في سوريا حتى تصل إلى زاخو كانت تسمى بلاد الكورد، لكن لفظة كورد في تلك الفترة كانت لها دلالة توبومية وليست إثنية، فكما أن (بارسو) في منطقة كرمنشاه تعد (و) تنوينا لها وتبقى في الأصل (بارس) إن اسم (ماك كورداك) الذي دون في العصر الأكدي باللغة المسمارية والذي عثر عليه الباحثون البلجيكيون، دليل جيد جمعته. وقد ورد ذكر (كوردا) في 22 موضع كدلالة على منطقة.
وفي تلك الكتابات مكتوب ملك كوردا، منطقة كوردا، مدينة كوردا، أي أن كل تلك المسميات مرتبطة باسم الكورد في وقت أن الشعب الكوردي سكن المنطقة بعد هجرة الهندو آريين الذين كانوا يسمون بالميتانيين، بعدها ظهرت الدولة الميتانية، وكانت عاصمتها في منطقة بلاد الكورد. أي أنه علاوة على التسمية القومية فإن اللغة الكوردية أيضا والتي هي لغة هندو أوروبية تظهر في نفس المنطقة. وتصبح بذلك المركز الذي ظهر فيه الكورد. فعلى هذا الأساس نجد مينورسكي وباسل نيكيتين قد ذكرا في كتبهما ((إن الشعب الكوردي ظهر في وسط كوردستان)).
((إن ظهور الشعب الكوردي في هذه المنطقة كان نتاج كارثة تاريخية قبله فالشعب الكوردي من ناحية اللغة والعرق ليس هندو أوروبيا ولا ساميا بل له عالمه الخاص)) انتهى قول الدكتور جمال رشيد.
وأما مشاعرهم تجاه العرب فقد كانت مغموسة بالروح الإسلامية الفياضة؛ والتي تعتبر العرب مادة الإسلام، وأصحاب الفضل في نشره، إلى درجة أن عقيدة الشعور بالاحترام للعرب بلغت درجة مبالغا فيها، فانصهر كثير منهم في الإسلام بثوبه العربي-إذا جاز التعبير-. ومن المؤسف أن العروبيين فسروا هذا الشعور بطريقتهم الخاصة، فدمجوا بين العروبة والإسلام بحيث اعتبروا أن كل ما هو عربي إسلامي، وكل ما هو إسلامي عربي، بطريقة انتقائية بعيدة عن القياس المنطقي الصحيح، ولصالح نمط فكري عروبي قوموي عنصري؛ أشار إليه كثير من المنصفين من العرب أنفسهم(11).
فالعروبة – فعلا-هي الآن قومية، ولها -كمفهوم ثقافي-تقدير لدى المسلمين بشرط أن لا يحولها العروبيون إلى ميزة قومية، يتعالون بها على الآخرين كما يفعل التيار العروبي المتطرف (البعثيون بشكل خاص)، و كانت قبل الإسلام مجرد مشاعر قبلية متعصبة ولزمن طويل (عصرا لجاهلية) إلى أن جاء الإسلام ليلملم هذه المشاعر، ويصهرها في بوتقة عقيدة كونية؛ كما فعل مع شعوب أخرى تحت شعار كوني هو ))إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)). ولكن الفهلوة التي تميز بها العروبيون؛ والذين انفصلوا في تفكيرهم عن الواقع – كما يبدو-أصبحوا ينسجون ما يشاؤون من النظريات والمنظومات الفكرية (الأيديولوجية) ليجعلوا الإشارة إلى الدين الكوني؛ هي إشارة إلى القومية العربية فاعتبروا((الأمة)) هنا؛ هي (الأمة العربية) بدلاً من (الأمة الإسلامية). وفسروا الآية الكريمة (( كنتم خير أمة أخرجت للناس)) على أن المقصود بها هو((الأمة العربية )). والبعض منهم يعكس قول الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): ((لقد اعتز العرب بالإسلام)) إلى القول: لقد اعتز الإسلام بالعرب. مثلا:

وبدلاً من سريان المعنى الإسلامي الأممي (أو الكوني) الذي يتجاوز الحواجز القومية والعرقية والقبلية -ودون تجاهل لها، باعتبارها خاصة اجتماعية واقعيا -. فقد أفْرغ هذا المعنى من قبل العروبيين من مضمونه لصالح مفهوم العروبية المتعصبة، والذي تبناه هؤلاء -وربما بمباركة أو إيحاء من قوى غربية أو(غريبة) -مستفيدة من تكريس هذا الاتجاه في تفسير العلاقة بين الإسلام والعروبة منذ سقوط الدولة الرومانية والفارسية، ومروراً بالمراحل المختلفة للصراع بين الدولة الإسلامية وأعدائها، والذين تجسدوا في الغرب المتعصب دينياً، والذي حاول استباحة الشرق المسلم بحجة حماية (القدس) والمراكز المسيحية المقدسة فيها، بزعمها، فيما بات يعرف بـ ((الحروب الصليبية)). وهي تسمية أطلقها الغرب نفسه عليها؛ لاستنهاض المشاعر الدينية المسيحية لدى أبناء قومياته المختلفة. وهي حروب معروفة تاريخيا، ً والمراجع الباحثة فيها كثيرة. ولكن الذي يهمنا -ونحن في سياق الحديث عن الكرد-هو معركة (حطين)الفاصلة، والتي قادها البطل الإسلامي الكردي ((السلطان صلاح الدين الأيوبي)). والذي يشير إليه العروبيون – كما يشيرون إلى غيره من ذوي الشهرة العسكرية والعلمية من أصول كردية وغير كردية أيضا-باعتبارهم (عرباً) في أدبياتهم المختلفة، ولهم في ذلك فلسفتهم الخاصة، والتي تتجاهل وقائع التاريخ وحقائق الواقع؛ ودون حرج من هذا النهج المغرق في الذاتية، لخدمة هدف خاص وبإيحاء من غرباء – كما أسلفنا-ولعل الغرب من أهمهم!.
ففي هذه المعركة الحاسمة-حطين-كان التلاحم واقعاً معاشاً بين قوميات عديدة (كردية وعربية وتركية وشركسية وفارسية … الخ) وعلى رأسه قائد كردي. ولكن الجميع كانوا يقاتلون تحت راية واحدة هي راية الإسلام. وقبل ذلك كانت القيادة لـ (رجل تركي) وتحت الراية نفسها؛ وهو القائد الزاهد (نور الدين زنكي ). وقبل ذلك كانت القيادة لـ (عرب باسم الخلافة العباسية والأموية والراشدة. وفيما بعد؛ الدولة الأيوبية، حكم المماليك واشتهر منهم (الظاهر بيبرس) الذي قاد معركة عين جالوت وانتصر فيها على المغول. وهكذا فقد كانت الظروف ومكوناتها الواقعية تلعب دورها في قيادة هذا أو ذاك، لكن الجميع كانوا يسعون إلى رفع راية واحدة هي راية الإسلام وتحت عنوان واضح هو ((إنما المؤمنون إخوة)) ويزيد الأمر تفصيلا ((ولقد جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم)). وفيما عدا ذلك؛ فلا تفاضل بين الشعوب. يقول الرسول(ص): ((كلكم لآدم وآدم خلق من تراب)). وظلت هذه التقاليد الإسلامية هي السائدة حتى عصرنا خارج الممارسة العروبية، فمثلاً (يتزوج أحد العلماء الأجلاء في دمشق-وهو كردي-من امرأة تركية، ويتزوج ابنه – وهو عالم جليل أيضا -من امرأة تركية، ثم امرأة عربية، ويتزوج حفيده امرأة كردية وهكذا…) فالنسب هنا للإسلام لا للقومية، ودون نكران لاستحقاق معنى التمايز القومي في نطاق معنى ((التعارف)) لا معنى ((التفاضل العرقي)).
وإذا شئنا التحقق في تتبع أثر الدين في تجاوز التمايزات هذه -ما عدا تلك التمايزات الطبيعية التي هي في نطاق ما خلقها الله لها-نلاحظ أن الأديان الأخرى (أو الشرائع الأخرى بمعنى أدق) لها النظرة نفسها. كما أن الأفكار الإنسانية عموماً ونخص منها: (الأممية الماركسية) في شعار ((يا عمال العالم اتحدوا)) وبغض النظر عن موقفنا من أساليبها في التعامل مع السياسة والاقتصاد والعقائد …الخ. فإنها تجاوزت التمايز القومي – نظريا على الأقل – إلى الأفق الإنساني الأممي، ولا ننسى طبعاً أن نذكِّر بأسبقية الإسلام للفهم الماركسي هذا للدعوة إلى الأممية بقرون عديدة، ولكن بمعنى ونهج مختلف؛ نراها أكثر واقعية إذا صفيت من الشوائب التي أساءت إليه –بغض النظر عن المتسبب فيها.والعروبيون على رأس القائمة في الإساءة إليه -بسبب ما ذكر فيما سلف عن أساليبهم في استثمار الدين لمصلحة الاتجاه القوموي – ويمكن القول مصادرة الدين لمصلحة هذا الاتجاه.
……………………….يتبع
_______________________________________

القسم الثاني:
حوار يحاول أن يكون موضوعيا
محمد قاسم (ابن الجزيرة)
لا بد من كلمة:
في القسم الأول من البحث حاولنا أن نشير إلى الإشكالية التي تعاني منها الذهنية العروبية – لا العربية- في النظرة إلى تكوين معنى القومية لدى أصحابها ومن ثم نظرتهم الخاصة للأقوام الأخرى وخاصة الأقليات التي تعيش بين ظهرانيها ومنها الكرد على الخصوص وبينا كيف أن هذه النظرة المتعالية والتي فشل في تثبيتها كفلسفة طبيعية فلاسفة النازية ،لا تزال الأساس لدى أصحاب الذهنية العروبية –لا العربية- مستثمرين العلاقة بين الدين الإسلامي والعرب بطريقة انتقائية لا يؤيدها المنهج الإسلامي ولا حقيقة الدين الإسلامي والآن نحاول أن نستمر في استكمال البحث متسائلين:
تتمة البحث:
…… والسؤال الذي يلح علينا في هذا المقام: لماذا نلاحظ اليوم هذه النزعة القومية والتي بذرها الغرب أصلا، وكذلك بعض المنتفعين في الأوساط الاجتماعية المختلفة، وأينعت هذه البذور في ظل رعاية غربية استعمارية عندما توجهت الإرادة الاستعمارية إلى: 12)
1-تفتيت القوى الإسلامية الموحدة عبر تفتيت شخصية الخلافة العثمانية-وبغض النظر عن حالة عدم التوازن بين القوميات المختلفة بسبب طغيان العنصر التركي، وخاصة في الفترة الأخيرة – وذلك بقصد تسهيل التغلغل والسيطرة، مستغلة أمرين أساسيين:
أ-ترهل النظام السياسي في الخلافة العثمانية، ومنعكساته على أدائه في أحوله المختلفة؛ ربما لطول فترة الحكم الذي امتد إلى أربعة قرون، ولم يستطع تجديد ذاته بطاقاتها الطبيعية وفق مستجدات العصر، مما جعل – إضافة إلى الترهل-العنصر التركي يرى تماهيا بين الإسلام كدين وبين التركية كقومية، تماما كما يفعل العروبيون اليوم. ومنهم بعض التيارات التي جعلت من نفسها وصية على البشر باسم الإسلام (وهذا التماهي بين الإسلام وبين القومية الحاكمة في الشرق الأوسط (العرب والترك والفرس وغيرهم) يدفع باتجاه الاستعلاء من الناحية السيكولوجية والممارسة الحياتية خاصة في المستوى السياسي؛ وهو مخالف تماما لروح الإسلام – ((الناس سواسية كأسنان المشط)) حديث شريف.
ب-تناغم هذا المسعى الغربي مع هوى بعض القوميين من غير المسلمين – من العروبيين خاصة-وقد هيأ هذا الواقع الفرصة لأصحاب هذه الأهواء ليصوغوا الموازين لصالحهم على أساس جديد.
 2-وكنتيجة للصراعات المستمرة عبر تاريخ طويل لأنظمة الخلافة في الإسلام، وإثارة النزعة العروبية من قبل بعض المنكفئين على أنفسهم –إضافة إلى غير المسلمين، عروبيون ومدعوا عروبية – والذين لم يستطيعوا إثبات موجود يتهم عبر أداء متقدم، وعلى مختلف الصعد-ومهما كان السبب-فقد لجأوا إلى ابتكار مفهوم يتناغم مع السيكولوجية القوموية وهو((الشعوبية)) للدلالة على من لم يقبل الانصهار مع العروبية، والتي حاولوا تغليبها (أي العروبية) على الإسلام بوسائل شتى. (شيء شبيه بمعاداة السامية)
وبالعودة إلى أحداث التاريخ؛ نجد الدعم الغربي الاستعماري واضحا لهذه الدعوات القومية المفتتة للإسلام، وكذلك الدعوات الدينية لطوائف مختلفة تصب في هذا الاتجاه، والهدف واحد هو: تفتيت الخلافة العثمانية الإسلامية (باعتبارها تمثل الوحدة والقوة الدينية الإسلامية حينذاك). وبطبيعة الحال كانت هذه المساعي تخدم-بشكل مباشر أو غير مباشر-مصالح سياسية واقتصادية معينة إضافة إلى النزعة التبشيرية ذات الهدف المزدوج:
(تسهيل العمل للقيام بالاستعمار من جهة، واستخدام الواقع الاستعماري لدعم النزعة التبشيرية المتكاملة معها من جهة أخرى).
أما الشأن الأخطر، والذي قد يغيب عن انتباه البعض، فهو تغلغل المفاهيم الغربية والتي أنتجها الواقع الموصوف سابقا ضمن المنظومة الفكرية والأخلاقية لسكان الشرق الإسلامي؛ وخاصة الجزء العربي منه؛ وبسهولة تدعو إلى الريبة بشأنها، ربما للأسباب التالية:
❶ سيطرة النزعة السكونية في التفكير لدى العروبيين؛ سبّبت تحميل الإسلام تفسيرا خاطئا – قصدا أو بدون قصد- وانعكس ذلك؛ تعزيزا لهذه النزعة السكونية؛ كان من آثارها السيئة –وربما أسوئها-: إيجاد شرخ عميق بين معنى الإسلام، كدين كوني يوحد بين البشر في القيمة البشرية، ويجعل معيار الحساب عند الله هو التقوى؛ وبين الفهم القومي العروبي لدور الإسلام بجعله أداة للتمايز و التعالي على البشر. وهذا ما وجه ضربة قاصمة لروح الإسلام السمحة، ومضمونه العالمي.
❷ وجود بقايا ملوك وأمراء وعائلات حكمت سابقا…الخ. من الأقوام غير العربية –فرس، روم… استمرت على أمل استرداد ماضي آبائها وأجدادها، بل وسعت إلى تحقيق أحلامها متجاوزة الأسس الإسلامية للعمل أحيانا. وإن كانت هذه أقل تأثيرا قياسا إلى الأثر السلبي الذي تركته النزعة العروبية في قولبة معنى الإسلام. ولا نستبعد احتمال شعور بالمعاناة -من نوع ما-بالنسبة لبعض العروبيين، كنتيجة لحالة التخلف الحضاري التي كانوا يعيشونها في مرحلة البداوة الصحراوية قبل الإسلام-مرحلة الجاهلية-، مما انعكس شعورا بالتعالي – لا شعوريا -ثم تبلور إلى حالة شعورية فيما بعد، بل وأيديولوجية أيضا. حدث هذا باعتبار أنهم كانوا الحاضن الأول للإسلام -اعتناقا ونشرا وإدارة لمدة لا بأس بها … وذلك كنوع من التعويض للشعور بالنقص حيال الحضارات التي كانت تجاورهم-لدى الفرس والرومان وغيرهم-فضلا عن كون هذا الشعور حاجة واضحة في أشعارهم وخطبهم ومختلف أحاديثهم – ربما لاستعادة التوازن النفسي-إذا جاز التعبير. (13) ولا يزال هذا الأسلوب غالبا في حياتهم (أشعار وخطب مثيرة للحماس في كل الظروف، شعارات تكاد تحل محل العمل والأداء….)
❸ وجود عناصر غير مسلمة – عربية أو غير عربية- ومنها بعض اليهود والمسيحيين وغيرهم؛ جعلت همها إضعاف الإسلام لما يخدم مصالحها المتظاهرة بلبوس ديني بشكل ما، وما يتصل بها في إطار البلدان التي يسكنون فيها كنوع من الصراع الداخلي على المصالح، وكانت رغبتهم هذه تتناغم مع مساعي الدعم الخارجي – وخاصة الروم والفرس- هذا الدعم الذي اتخذ حالة صراع دائم عبر التاريخ وبأشكال مختلفة، ولا تزال تأثيراته قائمة، وإن كنا نلاحظ أن توفير الحرية والوعي وممارسة الحقوق والواجبات الديمقراطية تمثل حاضنا عمليا لنمو جديد في كل الاتجاهات، نلمس بعض الآثار واقعيا في السنوات الأخيرة!!
❹ استمرار التقاليد الديمقراطية في الغرب والتي ترسخت منذ الثورة الفرنسية ، سهل عليهم:
أ‌- التعامل المنظم دائما مع الدولة الإسلامية عبر تاريخها الطويل (أساليب التجارة –الدبلوماسية-الحروب-التبشير-الرحلات…الخ-)
ب‌- الانضباط بقواعد الانتخابات الديمقراطية في اختيار ممثليهم في المؤسسات المختلفة ومنها مؤسسات الحكم-برلمان، مجالس الشيوخ، الرئاسة…الخ إضافة إلى الممارسة الحرة لمختلف الفعاليات الفكرية والعقدية والحياتية بشكل عام. وهو ما لم يتح للمجتمع الشرقي عامة، والعربي خاصة، في أي مرحلة. مما حدا بهم –الشرقيون والعروبيون -إلى اللجوء دوما إلى الانتحال والمبالغة في مدح الذات القومية. ولعل الميول الشعرية المتكئة على ما ذكر من ظروف الحياة القاسية المعاشة ومتعلقاتها النفسية؛ قد ساهمت في تعزيز هذا المنحى لديهم.
ت‌- هذه التقاليد أتاحت للعناصر المتنورة في الغرب – علماء، ساسة، مصلحون اجتماعيون ودينيون، رحالة، مستكشفون…الخ-أن يستثمروا ما حققته الدولة الإسلامية في بعض مراحل تاريخها-عندما وفرت، لسبب أو آخر، بعض الحرية في كيانها-من تقدم في العلوم والفكر والأدب وغيرها، وخاصة في عهد كل من الرشيد وابنه المأمون – لاحظ أن الحكام/ الوزراء والإداريون / في هذه المرحلة كانوا في الغالب ليسوا عربا-(14)
واستطاع هؤلاء الغربيون أن يضموا إلى ما كان لديهم-قل أو كثر – إرثا غنيا، أنتجه الإسلام بفضل عالمية نزوعه (حيث تفاعلت القوى العرقية المختلفة بثقافاتها الغنية والمتنوعة) لصياغة نمط جديد من الفكر والوعي والسلوك؛ هو مضمون الإسلام كما يرونه، إرضاء للإله الواحد ((رب العالمين)). غير أن الحالة العروبية النزاعة إلى الانتحال بسبب السيكولوجية التي أشرنا إليها سابقا؛ كانت تدفع هذه القوة نحو التآكل والتفتت ببطء، (والبطء هنا، خاصة اجتماعية طبيعية للتغير) كما هو معلوم ما لم تتدخل عوامل مفاجئة، حتى نضجت الظروف، فتداعت الدولة الإسلامية على يد الأتراك –الذين حاولوا المساعدة على يد عدد كبير من خلفائهم الذين ارتضوا الإسلام نهجا-ولكن نمو الغرب في القرون التالية كان لهم بالمرصاد وبكل الوسائل؛ ومنها:(15)
تشجيع محاولات(قرّصو) والذي هو – بحسب وصف الدكتور محمد سعيد البوطي، في رسالته المسماة((حقائق عن نشأة القومية )) الصادرة في رجب 1382 عن قسم النشر في لجنة جامعة دمشق برقم(41): ))…الثري الماسوني الكبير …فقد قال له إذ ذاك بالحرف الواحد: (إنني قادم مندوبا عن الجمعية الماسونية راجيا جلالتكم بأن تقبلوا خمسة ملايين ليرة ذهبية هدية لخزينتكم الخاصة، ومائة مليون كقرض لخزينة الدولة بلا فائدة، على أن تسمحوا لنا ببعض الامتيازات في فلسطين) فما هو إلا أن اربد وجه السلطان، والتفت إلى مرافقه الذي دخل بواسطته قائلا:(أفما كنت تعلم ماذا يريد هذا الخنزير؟) ثم نظر إلى قرص وصاح في وجهه: اخرج من وجهي يا سافل!…
فخرج من عنده قاصدا إلى إيطاليا، ومن هناك أرسل إلى السلطان عبد الحميد البرقية التالية التي لا تزال صورها محفوظة بالزنكوغراف في كثير من التاريخ التركية (ربما المقصود المتاحف التركية-الباحث)
أنت رفضت عرضنا، ولكن هذا الرفض سيكلفك أنت شخصيا، ويكلف مملكتك كثيرا).
وفي هذه الأثناء قابله زعيم ماسو ني آخر،هو((هرتز،يرافقه الحاخام((موسى ليفي)) وراح يرجوه في تزلف أن يبيع أراضي فلسطين بالثمن الذي يريد. فقال له السلطان عبد الحميد رحمه الله بالنص:
(إن هذه الأراضي قد امتلكها المسلمون بالدماءـ وهي لا تباع إلا بنفس الثمن)). انتهى. ومنذ دخول اليهود إلى فلسطين بدعم غربي (وعد بلفور) فإن العروبيون، -الحكام خاصة-يستغلون قضية فلسطين، خدمة لمصالحهم السلطوية، على حساب حياة وكرامة وخبز شعوبهم!!!؟.(حياة شعاراتية خالية من المضمون التطبيقي فعليا). انظر موقف الزعيم التركي المسلم وقارنه بمواقف كثير من العروبيين!!!
ولعل من المصائب والمحن التي ابتلي بها الفكر الشرقي، والعروبي خاصة، هو:(سيطرة أفكار ومعتقدات وأساطير…الخ كونت الأساس لحالة فكرية نفسية؛ لا تزال قائمة حتى هذه اللحظة، مما أفرز خطابا يتعامل – بشكل أكثر- مع المكونات النفسية الدنيا مثل إل ( غرائز-عواطف- مصالح ضيقة- نزعات قبلية – ردود أفعال…الخ) موفرا بذلك، المناخ أو الاستعداد لكل ما يردها من الغرب؛ وعبر مكوَّنات غير إسلامية، أو إسلامية منبهرة بالغرب لسبب ما، يدفعها إلى ذلك – ربما-غياب تعامل ديمقراطي يوفر لها الأمن والطمأنينة والعيش الكريم …الخ، إضافة إلى الاتجاه الذي يستمدون تكوينه من خصائص ثقافتهم الخاصة.
ساهم في ذلك، التشارك في المشاعر الدينية في بعض الحالات. والمصالح في بعضها الأخرى، والطموحات السياسية والتي زرعها الغرب وتقبلها الشرق بسهولة – وبسبب المناخ المذكور سابقاً –. وذلك كله بقصد استقطاب هذه القوى وتعبئتها لمصالحها. وهذا ما حصل فعلاً عبر الإعلان عن الدفاع عن المسيحيين حيناً، و دعم دولة يهودية في فلسطين، وإذكاء النزعة القومية العنصرية لدى بعض التيارات العروبية ومنها ((الاستعلاء القومي)) والذي تبناه حزب البعث كفلسفة رسمية حاول عبرها تذويب كل ما هو غير عروبي، أو إزالته في حالة الإخفاق حينا آخر، انظر قول (ميشيل عفلق ) في: (نقطة البداية أحاديث بعد الخامس من حزيران):
((إن أكثرية الكورد موجودة في بلدان غير عربية والقسم الموجود في العراق هم أقلية صغيرة نسبيا، وطوال قرون عديدة، الكورد هم مواطنون عرب مسلمون كغيرهم من العرب المسلمين. لا يوجد أي فرق بينهم. عندما كانت البلاد العربية تشكل دولة أو دولا عربية إسلامية في العصر الحديث كانت الدول الغربية الاستعمارية هي البادئة بإيجاد الفروق وعوامل التمييز بين العرب والكورد، سواء باضطلاعهما بمهمة التنقيب عن المميزات التاريخية واللغوية والمصرفية للكورد لتكون من ذلك منطلقا للانقسام في بلدان المنطقة))،
انظر إلى هذا القول الذي أفرز نتائج مغرقة في الشوفينية-مع التوصيات (الثمينة والتقدمية جدا) للسيد المقبور محمد طلب هلال-(17):
1- منع التكلم بغير العربية وتعريب أسماء القرى والمدن والمحلات…الخ؛ غير العربية.
2- توطين قبائل عربية في مناطق كردية على حساب أصحاب هذه المناطق، بنزع يدهم من الأرض وتسليمها إلى هؤلاء ((المستجلبين)) من مناطق مختلفة وتحت أسماء مختلفة ((لعبة سياسية للتعريب))0
3- منع الكرد من التوظيف والتطوع في الجيش واستلام المراكز السياسية ما داموا مقرين بخصوصيتهم الكردية(18) 0
4- الأساس في استلام الدوائر والوظائف العليا هو الانتماء إلى الحزب ومباركة الدوائر الأمنية (المواطنون في التصنيف الرسمي درجتان، مواطن درجة أولى ومواطن درجة ثانية وربما ثالثة أيضا.) 0
ودراسة الناس وتقويماتهم تتم عبر هيئات حزبية ودوائر أمنية مختلفة، تشكل كلها (عراقيل لأنشطة المواطنين، ووسيلة لإذلالهم لنزع روح الشعور بالمواطنة وما تستلزمه، ومورد كسب غير مشروع لهذه الأجهزة، أيضا) يمثل الموقف قول الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
يدفع المواطن –بما يسن من القوانين لهذا الغرض-إلى العجز عن الانسجام معها ليحاسب على مخالفتها؛ (ممن لا يلتزم بها ولا بذهنه أن يلتزم بها، فهي خادمة له –وسيلة-لعضل الآخرين).
5- ولعل الأمر الأكثر غرابة وربما لا مثيل له في العالم كله إعطاء درجات في الامتحان إلى إعطاء(طلاب) في منظمات تابعة للبعث وقد تصل هذه الدرجات إلى/ 28/ درجة أو أكثر للقبول في الفروع الجامعية على حساب غيرهم من الطلاب-. ولسنا بصدد تعداد هذه الممارسات وإنما لإيراد أمثلة للقول: إن القوى الطورانية التركية وقعت في ممارسات كهذه مع القوى غير التركية، والآن تفعل القوى ((العروبية)) ومهما كانت تسميتها-الممارسات نفسها، ومع ذلك تستنكر ردة الفعل من الآخرين بصيغة تدعو إلى العجب-ربما لأن تجاهل الواقع والذي أصبح جزءاً أساسياً في تفكير هؤلاء، قد جعل الزيف أو التزييف جزءاً طبيعياً في مسار هذا التفكير سواء كان ذلك مقصوداً أو غير مقصود، فهو من المفرزات الطبيعية لمثل هذا النمط-منطقياً-
مثل هذه الأحوال دفع القوى غير العربية ((أو العروبية)) إلى تبنى مواقف وسلوكيات يسهل على الغرب استثمارها مادامت المصالح تتناغم بينها وبينه. فمثلاً: أن يحاول الكرد في تركيا والعراق التفاعل مع الغرب لتأمين حقوقهم خير لهم من واقع يعيشون فيه وهم فاقدين لكل شيء0
وما الضير إذا كان الغرب يتفاعل مع جميع الدول((العالمثالثية)) ومنها الدول العربية و((التيارات العروبية)) فوجود كل الأنظمة في هذه الدول هو: حالة مقايضة مع الغرب بالمحافظة على مصالح الغرب لقاء دعمه لبقائها –وبغض النظر عن الواجهات الشعاراتية وتزييف الحقائق! ما الضير أن يفعل الكرد كما يفعل العرب ((والعروبيون)) أنفسهم مادامت الأنظمة التي تحكم في بلدن الشرق عموماً وتتفهم مصالح الغير وحقوقهم ضمن بلدانهم، ولديها تصنيفات على أساس قومي وديني؛ إلى مواطن من الدرجة الأولى أو من الدرجة الثانية أو حتى الثالثة، ومادامت الأقوام التي تحت حكمها-من غير القومية الحاكمة-لا تشعر بأمنها ولا بكرامتها ولا بثوابت قانونية تتعامل على أساسها مع النظام الحاكم. وأحياناً-وبفعل الامتداد الحزبي-مع الشرائح الشعبية ايضاً0
وإذا كان القرن التاسع عشر هو قرن القوميات في أوروبا والقرن العشرين هو قرن القوميات في العالم الثالث فيبدو أن القرن الواحد والعشرين هو قرن الأقليات المختلفة (القومية والدينية…) والشعوب المغلوبة على أمرها كالشعب الكردي وغيره. ولكن مما يؤسف له فإن ذلك سيكون بصياغة غربية ترجح مصالحها…!
عبر هذه السياقات (أو السياق العام) تتفاعل الأفكار والآراء والتطلعات والطموحات…
وتنمو آمال التمتع بمعنى الحياة المتكافئة مع الآخرين.
وما دامت عناصر الارتباط الأساسية بين شعوب يجمعها الإسلام قد تضعضعت، فلا مبرر لإنكار حقوق الآخرين. وإذا كان العرب – بتأثيرات مختلفة -هم المستفيدون الأكبر من واقع وجود نظام إسلامي وقد فرطوا فيه؛ وفي ما يستتبعه من فوائد، وإذا كانوا هم المستفيدون الأكبر من مساهمات شعوب إسلامية غير عربية في تعزيز واستمرار النظام الإسلامي بإدارة عربية أو تكاد. و قد أهملوا- أو أنكروا- هذه المساهمات –في بعض الحالات على الأقل، فضلا عن انتحالها- من أجل إقامة نظام قومي عروبي ؛فما المانع من أن يتبنى الآخرون مثل هذا التوجه الذي هو حق لهم، كما هو حق لغيرهم، ومنهم الكرد مثلا؟!.
وعلى الرغم من أن هذا الفكر القومي العروبي لم يحقق واحدا من أهدافه من جهة، كما كرس من جهة أخرى -كنتيجة للفكر الأيديولوجي والسكوني -سلوكيات مليئة بالتشوهات الفكرية والأخلاقية – ربما لن تستقيم لمدد طويلة-فلا زالت تتمسك بأيديولوجيتها القوموية!!
{ولأن هذه الأفكار والرؤى ليست خافية على أحد، فلم نجد الحاجة إلى أمثلة للتدليل على صحتها، خاصة وإنها تتردد على ألسنة المفكرين والمصلحين والمثقفين …العرب قبل غيرهم، عبر الفضائيات والصحافة الإلكترونية (الأنترنيت) والو رقية …الخ}.
مؤدى القول: أن الوعي الذي تكون بين العروبيين بتأثيرات قومية عروبية هو نوع من الوعي الزائف في أغلبه، وتحول إلى فلسفة حياتية قوامها غزارة في الحديث، وسبك العبارات والمصطلحات والخيال…الخ. ولكنه قليل الفعل والتأثير في الواقع؛ مما أفرز حالة من التشويش في الذهنية العروبية، حول العلاقة بين تعددية الانتماء الطبيعية عند الإنسان عموما، وخاصة تلك التي تتناول العروبة والإسلام. بمعنى: إن فهم العلاقة بين حالات الانتماء المختلفة-الإسلام، العروبة، القبيلة، الحزب إلخ-وضرورة التكيف معها، عبر تنسيق بينها؛ اتخذ منحى تنازع بين حالات الانتماء هذه، ومن ثم اللجوء إلى منطلقات وصيغ تفتقر إلى أسس منطقية (نهج علمي موضوعي) . ولقد استغل المستفيدون هذا الارتباك؛ لصالح ثقافة وتربية عروبيتين؛ ارتكزتا إلى فلسفة عرقية في أصلها، مستثمرة صلة الإسلام بالعروبة؛ كبيئة حاضنة (الرسول، لغة القرآن العربية، دور الصحابة في نشر الإسلام. الخ.) وهذا كله صحيح في الواقع، وفي الوجدان الإسلامي عموما. فلا يوجد مسلم واحد على وجه البسيطة راهنا وتاريخيا من لا يقر بهذا الدور للعرب. ولكن ما هو محل اختلاف؛ استثمار هذا الدور لمفهوم قومي عروبي لا يتوافق -في تشخيصه-مع مضمون رسالة الإسلام الكونية، وإن القبول به يعني إلغاء لمضمون آيات كثيرة مثل قوله تعالى)) الحمد لله رب العالمين)) أو قوله تعالى ((يا أيها الناس إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)) أو قول الرسول صلى الله عليه وسلم ((كلكم لآدم وآدم خلق من تراب)) …وغير ذلك من الآيات والأحاديث الكثيرة. فضلا عن الحس السليم، وعن مواثيق حقوق الإنسان المتفق عليها من قبل شعوب الأرض قاطبة – على المستوى النظري على الأقل-. وإن إصرار العروبيين على كون الإسلام ميزة قومية عروبية يعني تزييفا لمعنى الدين وهدفه وحقيقته…ومن ثم تحويله إلى مجرد خاصة قومية عربية يحد من مضمونه الكوني، مما أدى إلى خلق الحواجز بين العرب وغير العرب من المسلمين، ومنهم الكرد الذي دخلوا إلى الإسلام منذ العام /18ھ -بدخول (كابان) ومن معه في الإسلام.
وقد لعب الكرد أدوارا هامة في التاريخ الإسلامي، ولكن العروبيون يصرون على أن يعتبروا كل من خدم الإسلام وفي أي جانب فإنهم عروبيون، ويفلسفون الأمر على أن العربية هي مضمون الإسلام بدلا من أن يعتبروا الإسلام هو الحاوي لجميع المنضوين تحت لوائه…!
من كتاب علم الاجتماع العربي(السياسة)ط1983/ 1984 دمشق/سوريا: ((أما القومية العربية فهي بريئة من كل شائبة عنصرية، إنها تقوم على أساس من التجانس الفكري لا التجانس العرقي أو الدموي…كما أنها لا تهدف إلى شيء من العدوان أو الطغيان وإنما تهدف إلى ردهما، وهي تؤمن في الوقت نفسه بأن لجميع القوميات الأخرى حقوقا مماثلة لحقوقها على أرضها وثرواتها كما تدعو إلى قيام علاقات دولية يسودها التعاون والتقدير المتبادل في السلام والإخاء بين جميع البشر)).
وكما تلاحظ فإن هذه النظرة مؤدلجة بطريقة ذاتية لبلوغ فكرة أن العربية والإسلام شيء واحد، وللتخلص من عدم التطابق بين الدين الأممي، والقومية الخاصة، ابتكروا فكرة أن العروبة مقصود بها حالة فكرية… والسؤال: من الذي يقرر حقيقة يشترك فيها معظم الشعوب المسلمة من غير العرب ..؟!
وفي كتاب التربية القومية الاشتراكية-مرحلة التعليم الأساسي ط2004/2005 مطبوع لأول مرة عام 2002/2003 ومعدل في 2003/2004، فيه (20) درسا. يتناول الدرس الأول والثاني النضال الوطني في سوريا ينهيهما بعبارة: وفد كان لنضال حزب البعث العربي الاشتراكي دورا كبيرا في توعية الجماهير والمطالبة بالاستقلال التام لسورية وإنهاء أي تواجد لفرنسا على أراضيها، والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية لمصلحة الجماهير)) {ولم يقل الكادحة هنا} وفي الدروس الثمانية عشر الأخرى حديث عن حزب البعث نشوءا ودورا في كل ما حدث في سوريا، متناولا بعض الأحداث فيها لتجييرها لمصحة ودور هذا الحزب في كل مفصل.
(أليس أمرا غريبا؟ هل كان يوسف العظمة بعثيا…؟ وهل كان السلطان باشا الأطرش بعثيا…؟ وهل كان أحمد مريود بعثيا…؟ وهل كان إبراهيم هنانو بعثيا…؟ وهل…وهل…؟!
إن اختصار فاعلية الأحزاب والقوى الاجتماعية، والمثقفين…وغيرهم في نتائج دور البعث “العروبي” لهو نوع من الاستخفاف بقيمة العقل البشري عموما، وبعقل الشعب السوري والعربي – بل العالم كله-…!
يفرق الدكتور علي خشيم – الليبي-بين العربية كمفهوم قومي والعروبة كمفهوم ثقافي، مبررا بهذه النظرة الرؤيوية استحقاق العرب تسمية الأمور كما يشاؤون ومن ثم استثمار ذلك قوميا باعتبار العرب هم أصحاب ثقافة الإسلام الممتدة 14 قرنا(ومنتحلا مساهمة المسلمين من غير العرب).
وهي نظرية تكاد تتوازى مع النظرية النازية أو الفاشية العرقيتان والتي رفض العلم نتائج ما ذهبتا إليه..!
.يقول الدكتور عبد الكريم اليافي في كتابه: تمهيد في علم الاجتماع
ومن الأسماء البارزة في التاريخ الإسلامي مثلا (السلطان صلاح الدين الأيوبي) الذي لا يزال عربيا في كتب التاريخ الرسمية لبعض البلاد العربية. ومنها أيضا أبو مسلم الخراساني الذي يهجوه الشاعر أبو دلامة بقوله:
أبا مجرم ما غير الله من نعمة على عبده حتى يغيرها العبد
أفي دولة المنصور حاولت غدره ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد
(ورد هذان البيتان في كتاب حياة الحيوان للدميري مطبعة مصطفى محمد صاحب المكتبة التجارية الكبرى بمصر، في مادة الأسد في آخر الصفحة 7. وفي الصفحة 8 يرد القول الآتي (سطر 12): “واختلف في نسبه فقيل من العرب، وقيل من العجم وقيل من الأكراد… وكان أبو مسلم مميت دولة بني أمية ومحيي دولة بني العباس.). وفي البيتين دلالة راجحة على أصله الكردي. وبغض النظر عن الحكم على موقفه السياسي. ألا تستخدم عبارات من النوع ذاته تجاه الكرد اليوم…؟ ما المانع أن تكون هذه التهمة مجدولة على هذا الأساس بالنسبة إليه أيضا. ؟!

وفي القرنين الماضيين مثل: سليمان الحلبي، العائلة التيمورية المشهورة في مصر ومنها الكتاب، ومحمد كرد علي الذي أسس للمجمع العلمي العربي، والشعراء الرصافي والزهاوي وأحمد شوقي والمقرئ عبد الباسط، إبراهيم هنانو، حسني الزعيم د. محمد سعيد البوطي، أحمد كفتا رو مفتي سوريا السابق …وغيرهم وغيرهم قديما أو حديثا. ولكن هؤلاء جميعا يقدمون في الثقافة العروبية على أنهم عرب. (لم نكتب الحواشي الدالة على نسبهم خشية الإطالة، ولأن الموضوع ليس إثبات أصولهم فضلا عن أن أغلب المثقفين المتابعين يعلمون هذه الحقائق.)
(انظر كتابات عروبية رسمية وغير رسمية بهذا الشأن).
………………………..يتبع
;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;
القسم الثالث
حوار يحاول أن يكون موضوعيا
محمد قاسم(ابن الجزيرة)
كلمة بداية:
في القسم الثاني كان الحيث استمرارا للعلاقة بين الإسلام والعرب وكيف ان العروبيون استثمروا هذه العلاقة في نهج مغالط انعكس سلبا على العلاقات بين الإسلام والشعوب الداخلة فيه باعتباره دينا كونيا لا يفرق بين أمة وامة، بل يرى أن الأمة هي الأمة الإسلامية بجميع تكويناتها المختلفة قوميا، ثم أشرنا إلى بعض علاقة بين الكورد والإسلام وكيف ان العروبيون تجاهلوا مساهمة غير الغرب والكورد منهم أو انتحلوا هذه المساهمات تحت عنوان العروبة التي فلسفوها بطريقة توفر لهم ادعاءاتهم العروبية هذه. ونستمر في القول:
تتمة البحث:

………إننا لا ننكر وجود بعض الحالات التي ربما انسجمت مع اللغة العربية بدوافع دينية، أو بدافع الإعجاب الشخصي باللغة العربية أو غير ذلك. فهذه حالات طبيعية تحصل بين كل الشعوب. ولكن الاتجاه المهيمن في الثقافة العروبية-وكما حصل لدى الفرس والترك تجاه الكرد-يحاول تزييف الحقائق بتحريفها، أو بإغفالها لتنحرف كما يحصل في المناسبات المختلفة عندما يجري تعريف بعض هؤلاء. ومن المؤسف أن هذا الاتجاه لا يزال مهيمنا، بل لقد استعرت على يد أحزاب قومية عروبية في النصف الثاني من القرن العشرين. وخاصة تلك الأحزاب ذات الإخراج الماركسي إذا جاز التعبير، كالبعثيين والناصريين والقوميين السوريين وبعض الشيوعيين …الخ فسيست الثقافة والتعليم منذ الصف الأول الابتدائي (الطلائع، الشبيبة، فرض الانتماء إلى الحزبية بربط الدراسة والتوظيف والمناصب …بهذا الانتماء الحزبي… الخ. تصنيف المواطنين إلى درجة أولى ودرجة ثانية عبر تقييمات أساسها الانتماء العروبي، أو الولاء المطلق للنظام الحاكم…!
إضافة إلى النزعة الشوفينية في التعامل مع الكرد على وجه الخصوص-أشرنا إلى ملامح منها سابقا-ونتساءل هنا: إذا كانت النزعة القومية العروبية ترى لنفسها الحق في هذا الأسلوب من الاعتزاز والحقوق بادعاء كل ما هو إسلامي مرغوب لديهم على أنه عربي؛ فكيف تغفل أو تتجاهل استحقاق الآخرين بالشعور بذواتهم كنزوع قومي خلقهم الله عليه، ولا يد لهم في خلقه، ولا قدرة (ولا حق) لهم على إنكاره ؟!.
ولعل من غرائب الأمور أن النزعة العروبية هذه لا تقبل أية موازين في الحكم سوى ميزان واحد هو ((العروبة)). ولقد شاهدت شاشة التلفزيون في بلد يحكمها نظام عروبي تستضيف مثقفين عربيين كلاهما بمرتبة(دكتوراه)، أحدهما مدرس في جامعة بلده، والأخر من ذات البلد ولكنه مهاجر إلى أوربا(ألمانيا) حيث يرأس اتحاد الكتاب في مقاطعة فيها؛ دون أن يسأله أحد، لم ترأس اتحاد الكتاب في بلد هو مهاجر إليه، باعتباره أصبح مواطناً في ذلك البلد ؟!. ولكن محاوره يطلب منه أن يبقي ولاءه لعروبته!! وعندما يقول له: لمَ لا أوازن بين بلدي الأصلي الذي تركته منذ 20 عاما، وبين البلد الذي أنتمي إلى مواطنيته؟! يرد عليه بقول يشكك في حقه في العروبة! كنت أتابع الحوار وأنا أتساءل: أهذه هي ذهنية المثقف العربي؟
(من سكن من غير العرب في بلد عربي فعليه أن يذوب في العروبة وثقافتها ومن هاجر من العرب إلى بلاد أخرى فيجب عليه أن يبقى عربياً في ولائه. بل من ضمت أرضه(موطنه) إلى بلد عربي عليه أن ينسى شعوره نحو هذه الأرض(الموطن)!! ولا يسمح له بالقبول بالتعبير الدارج في الثقافة الغربية وهو :((أمريكي من أصل عربي )) أو (( فرنسي من أصل عربي )) ولا يسمح أيضاً بحرية رأي يخالف ما يراه العروبيون (أحزاباً وأفراداً وحكاماً)!!
نزعة استبدادية (غريبة) تعيشها الثقافة العربية (ذهنية وسيكولوجية.
ومن حسن الحظ أن وعي هذه الحقيقة يزداد (أو يزداد التعبير عنها في الأصح) في الأوساط الفكرية والثقافية، بفضل الأحداث الدراماتيكية التي حصلت في العالم، بدءاً من سقوط الاتحاد السوفييتي، ومروراً بتحركات أمريكا العسكرية واحتلال العراق، وقبلاً ضربه في حرب الخليج الثانية، وضرب يوغسلافيا وغيرها، ونتائج أحداث 11 سبتمبر (ضرب البرج التجاري الأمريكي) … الخ.
ولا ننسى الدور الإيجابي للفضائيات العربية وخاصة ((الجزيرة)) والتي كان لها السبق في اقتحام مخادع المستبدين عبر برامجها ((الاتجاه المعاكس)) و ((بلا حدود)) و ((بين السطور)) وغيرها وفيما بعد ((العربية)) وغيرهما. لكن من المؤسف أن نوعا من الارتداد عروبيا حصل في الجزيرة على الرغم من أننا لا نزال نحترم قدرتها المهنية ودورها النشط.
من حسن الحظ أيضا، أن الكرد كان لهم نصيب من نتائج هذه التحولات؛ سواء في تركيا وشروط انتمائها إلى الوحدة الأوربية ، أو في إيران التي أصبحت هدفاً أمريكياً يتطلب تغييراً يجنبها المواجهة ، أو في العراق الذي عاش الكرد تحت حماية بدأت أمريكية أوروبية ولكنها انتهت أمريكية، إلى أن عادوا إلى تبوء مقاعدهم في العراق كمواطنين متميزين- بعد سقوط الصنم – أو في سورية والتي اضطرت للإعلان عن انفتاح وإصلاح ، وإن لم تتوفر – بعد – معطيات تحقيقها؛ بسبب الذهنية السائدة، والتي اعترف الرئيس السوري نفسه بها في مقابلة صحفية. بتأثير من أحداث 12 آذار 2004(انتفاضة القامشلي)
ولكن النصيب الكردي من نتائج التحولات العالمية هذه لم يرق في أعين الكثيرين من العرب – وللأسف – وكأن الكرد وحدهم لا يستحقون العيش كغيرهم ( وهذه ظاهرة محيرة في سيكولوجية العروبيين تجاه الكرد، حتى تاريخيا..!). إلاّ أن ما يبعث على الأمل من جهة أخرى؛ انبعاث تيار ثقافي عربي يرفض النزوع العروبي هذا، ويرفض الواقع الاستبدادي والإلغائي للآخرين؛ هذا الواقع السائد في الوضع العربي، فظهرت ملامح حوار – إذا جاز لنا تسميته كذلك – بين الكرد وبين العرب على المستوى الثقافي خاصة، وهذا حسن، ولكن متابعة هذا الحوار تظهر أنه لا يزال في بدايات خجولة، بسبب نمط الفكر العروبي السائد في ذهنية المثقف العربي، وصعوبة التغيير فيها لأنها مشدودة دوما إلى “ماض تليد”(العيش في أمجاد التاريخ المؤصل حسب رؤيتها). مثال: أكاديمي وخبير اقتصادي من لبنان اسمه : د. جورج قرم، ينشر مقالاً بعنوان : مشكلة الهوية- الانتماء القومي عند العرب-( في العدد/ 537/ من مجلة (العربي) الكويتية الشهيرة) يقول فيها (( … وبطبيعة الحال فإن الرسالة النبوية الشريفة والديانة الإسلامية هي إحدى الركائز المهمة جداً في تكوين الشخصية العربية …إنما لا يمكن أن يكوّ ن الانتماء الديني ، الرابط القومي الأساسي… و إن كان للدين تأثيراً في تركيب الهوية إنما هو عامل من بين عوامل عديدة في صياغة الهوية الجماعية … أصبح العالم يجهل حقيقة الهوية العربية… فالهوية الإسلامية طغت على الهوية العربية في نظر الكثير من العرب إلى ذاتهم، وفي نظر الآخرين للعرب…. والحقيقة في الأمر أننا كعرب لم يفارقنا هاجس الهوية منذ بداية انهيار السلطنة العثمانية حيث فقد نظام الحكم الذي كان يجمع بيننا ويبقى الحدود مفتوحة بين المقاطعات العربية المختلفة للسلطنة. ومنذ رحلة الطهطاوي إلى باريس في بداية القرن التاسع عشر أصبح الهاجس العربي المشترك تحديد الهوية الجماعية للشعوب الناطقة بلغة الضاد” ” إن تفريق العرب إلى دول مختلفة …أدى إلى التعايش الصعب في الذهنية العربية بين الولاء للدولة القطرية والطموح في تحقيق وحدة العرب …ومن جراء كل هذه التطورات أصبحت مشكلة الهوية في العالم العربي مصدر قلق وانفصام في الشخصية العربية …)) مثل هذه الذهنية –لرجل غير مسلم-تنحو مع متعصبي العروبة؛ منحى تمجيدياً للعروبة على حساب الإسلام نفسه، ناسين ما كان عليه الواقع العربي قبل الإسلام، وناسين أيضا – وعمدا-المساهمة الإسلامية عبر شعوب غير عربية. وهذه الذهنية نفسها هي التي ساهمت في انهيار الخلافة الإسلامية العثمانية بوحي أوربي عبر إنعاش النزعة القومية العروبية وغيرها …وهي ذاتها التي أنتجت تياراً عروبيا بأسماء شتى منها :البعثية بكل ما هو معروف عنها من أفكار عنصرية شوفينية ومفرزاتها- نظراً وواقعاً- عانى الكرد من نتائجها ما عانى : إهمال ،تعويق ، صهر، نزع الجنسية ،تمليك أراضيهم للغير ،الأسلحة الكيميائية، التهجير الداخلي القسري و كذلك الخارجي القسري في شكل يبدو طوعيا (كونت مادة تجارية من أطراف سلطوية أشبه ببيع العبيد في القرون الماضية ..الخ).
بل إن هذه الذهنية هي التي فرضت على الغير-ومنهم الكرد -أن يفكروا بطريقة قومية؛ ربما تتجه لدى البعض إلى المستوى المتشدد لدى العروبيين كرد فعل طبيعي – ولقد أثبتت هذه الذهنية على مدى أكثر من سبعين عاما ًفشلها، كما اعترف (د.قرم) نفسه وعلى كافة الصعد: الثقافية والاقتصادية والاجتماعية وعلى رأسها السياسية! ومثل هذه الذهنية تعتبر أسبانيا “الأندلس العربية ” لأن الإسلام فتحها، أو لنقل العرب بفضل الإسلام، وكان القائد البربري المسلم (طارق بن زياد)، ذو الدور الأبرز في هذا الفتح. ولكنه” عربي” مادام “مسلماً” والإسلام نفسه ليس سوى ” إحدى الركائز المهمة جدا ًفي تكوين الشخصية العربية ” والعثمانيون عندما حكموا المنطقة كانوا “مستعمرين” وهم مسلمون…! ولكن العرب “المسلمين ” كانوا “فاتحين” في أسبانيا، تلاعب بالألفاظ دون مراعاة للمنطق والواقع؛ سوى مراعاة الميزان العروبي المعروف. فأي أرض وطئها، أو مر بها العروبي فهي عربية، !! ومن حكم العرب فهو مستعمر، وإن كانت الشروط نفسها في الحالتين. (والغريب أن أصحاب صياغة هذه الرؤية ليسوا مسلمين في الأغلب…!)
ارتباك في تحديد العلاقة بين الانتماءات المختلفة ومحاولة استثمار الأحوال جميعاً لخدمة نزعة عروبية متعصبة؛ أنتجت الكوارث في حياة المجتمع العربي، بل لقد اصطبغ التدين لدى بعض العروبيين بالتشدد والمبالغة فحرفوا الإسلام عن رسالته بفهم خاص “بن لادنً ومختلف الفرق التي تقتل وتذبح باسم الإسلام بطريقة مخالفة لكل تعاليم الإسلام مثلا0عشرات المنظمات باسم الإسلام-وربما هي مخترقة غربيا وتستمد تعاليمها من بوابات الاختراق هذا- . هذه الذهنية التي أسميناها في المرحلة السابقة بـ (الفكر السكوني) هي ناتج أساليب وسلوكيات؛ عبر ثقافة وممارسات أدت إلى تجميد في الذاكرة الشعبية العربية، وإلى صيغ تربوية سياسية تناولت الطفل منذ مرحلة الحضانة؛ لتلقينه شعارات من نوع: ((بالروح بالدم نفديك يا زعيم يا قائد يا جلالة. يا …الخ)) وحولت المواطن إلى مجرد ((رعايا)) بحسب تعبير المفكر المصري ((خالد محمد خالد)) في أكثر الدول ((تقدما)) كما تسمي نفسها ((جمهورية اشتراكية ديمقراطية شعبية …)) فما بال الدول ((الملكية أو الإماراتية أو غيرها))؟ وأصبح وظيفة المواطن أن يموت ليحيا الحاكم، بل يموت الشعب ليعيش الحاكم. “بالروح بالدم نفديك يا…”
حري بالمثقفين العرب ((لا العروبيين)) والذين غسلنا منهم أيدينا، كما يقال-حري بهم أن يتجهوا إلى انتهاج أسلوب يعتمد الواقعية، والحقائق العملية والموضوعية؛ في البحث والتحليل، وقراءة التاريخ، وتصور المستقبل؛ بعد تشخيص الواقع، بدلاً من التطبيل والتزمير-ارتزاقا-أو الهروب واللجوء من ظلم الحكام أو مما يغيب الفرصة لنهوض ثقافي عربي؛ يساهم في نظام عربي سياسي معاصر، وواقعي وديمقراطي؛ يفهم روح العصر، ويقرأ التاريخ بوعي ومصداقية، وينتهج الديمقراطية اعترافاً بالجميع، ومنهم المختلف.
والكرد شعب مختلف عن العرب في لغته وتكوينه النفسي وفولكلوره وتطلعه ومعاناته؛ على الرغم من التاريخ الإسلامي المشترك والذي أساء العروبيون فهمه وتفسيره، وتحديد دوره في بناء الحاضر. ومن سوء الفهم هذا؛ ما يردده البعض ومنهم الرسميون (في النظام السوري مثلا): ((الكرد لاجئون)) أو ((الكرد غرباء)) أو ((الكرد ضيوف)) …الخ بخلاف منطق التاريخ والجغرافية، أو كما يقول الباحث إبراهيم محمود ((الجغرافيا تحاكم التاريخ)). ومن ثم مفاهيم مغلوطة: ((الكرد انفصاليون)) أو ((الكرد خائنون)) أو ((الكرد أدوات يستخدمها الغير)) …الخ.
فالكرد عبر الواقع والمراجع المختلفة؛ شعب يعيش في موطنه منذ فجر التاريخ، وإذا كانت حركة المجتمعات قد دفعتهم هنا أو هناك، أو دفعت غيرهم إلى سكن مناطقهم كأمر واقع عبر هذه الواقع؛ فهذا لا يلغي حقوقهم بحسب المعايير السائدة. ويبدو أن المعيار الأظهر في هذه اللحظة هو معيار القومية (الوطنية) في بعد إنساني، لا ينبغي أن ينسى أبدا.
والكرد شعب جارٌ للعرب واقعياً، وكذلك للترك والفرس. ولهم الحق أن يفكروا بعيش يتلاءم مع مقولة ((حسن الجوار)) سواء أكان هذا العيش ضمن اختيار الحياة مع كل منهم في البلد الواقع، أو في إطار مبدأ أقرته البشرية جميعها-نظرياً على الأقل-وهو ((حق تقرير المصير)) في الخطوط العامة. وأما التحديدات فإن عمرها يطول عادة في حياة الشعوب جميعها. وإن تصحيح مسار التفكير والثقافة في أي مجتمع؛ يوفر الفرصة لتصحيح الواقع بكل ما فيه من أخطاء، فـ ((ليس في حياة الأفراد أو الشعوب ما لا يمكن تصحيحه، فالرجوع عن الخطأ هو تصحيحه)) هكذا يقول المهاتما غاندي.
إننا في هذا السرد الذي قد نكون أغفلنا شيئاً فيه. أو ربما-في نظر البعض –أخطأنا فيه أيضاَ. ولكن الهدف-وكما قلنا منذ المطلع – هو نبيل. هي دعوة مفتوحة إلى كافة مثقفي العرب بتياراتهم المختلفة (القومية – الدينية – الماركسية) …إلخ. إلى وقفة تأمل عميقة لاستجلاء الحقيقة، وأن كانت صعبة في التاريخ والواقع. وكما يقول المثل الكردي: ((الآتي هو الأهم دائما)) أو ((هو الأكثر والأفضل مما مضى)). بعبارة أخرى:
((التطلع نحو المستقبل خير من العيش في الماضي الزائل)) وعلى الرغم من قيمته كتراث، ينبغي أن يستفاد منه القيمة العلمية والفكرية ….وتتخذ منه العظة والعبر أيضا.
وعذرا إذا كانت قد جاءت كلمة أو عبارة في سياق الكتابة يشتم منها رائحة هجومية، أو حصل خلل في أسلوب التخاطب. فـ((لا شعورنا)) المكبوت يفرض علينا-أحيانا- ما لا نريده عقليا ،وهذه ظاهرة بشرية عامة، ولكن ما نؤكده وبكل ثقة؛ أننا مستعدون لتقبل أية ملامة نستحقها، ونعلن سلفا اعتذارنا عن الخطأ أو المبالغة والانسياق –ربما- مع بعض العواطف وتأثيرات أنتجت ردود فعل ما لم ننتبه إليها في السياق.
……………هوامش:
1- العروبية(تعريف)
2- الأساس النفسي للمواقف العروبية- تحليل سيكولوجي للذهنية العروبية.
3- عائدية النص وضبطه.
4- النازية(العرقية) سبب الحربين العالميتين(رفض العرقية علميا) من كتاب تمهيد في علم الاجتماع.
5- مرجعية قول ابن خلدون- كتاب الفلسفة العربية
6- عدد الكرد
7- دخول الكرد في الاسلام والتاريخ
8- ممارسات تمييزية ضد الكرد(تهجير- منع ممارسة الثقافة والفولكلور والفن…- سحب الجنسية – أنفال…
9- الاسكندر المقدوني
10- رحلة العشرة آلاف-اكزينوفون
11- شهادة عربية منصفة حول الاسلام والكرد والواقع العربي
12- بزوغ الفكرة القومية وانتقالها إلى الشرق مع التنبه إلى أنها كانت طبيعية كمرحلة في الغرب وصناعية (مصطنعة)في الشرق
13- سيكولوجية لا شعورية تدفع أصحابها نحو سلوك تعويضي (استبدال) ينتج عنه شعور بالتعالي على الآخرين وخاصة القوميات المختلفة والمحكومة منها.
14- استعراض شخصيات ذات تأثير (وزراء قواد علماء..) من غير العرب في تاريخ بناء الولة الاسلامية
15- عبد الحميد وقرّصو(نشأة القومية للبوطي.
16- ميشيل عفلق في حديث عن الكرد 10/حزيران 1969
17- محمد طلب هلال – المسألة الكوردية والثورة العربية
18- أسلوب ومعاير تعيين بعض الكرد في مواقع المسؤولية(تجريدهم من الشعور بالانتماء القومي)

هذا ما ذكره الدكتور محمد سعيد البوطي في رسالته المسماة)( حقائق عن نشأة القومية)) رقم/ 41/ وصادرة عن لجنة المسجد في جامعة دمشق في:رجب 1382ھ).
هامش ص33من كتاب تاريخ السليمانية-محمد أمين زكي بالكردية- الملا جميل الملا أحمد الروزبياني.
(3) إن (أبا مسلم الخراساني) واسمه (عبد الرحمن بن مسلم) وإن كان قد عرف بأنه فارسي الأصل غير أن ذلك نتج عن عدم البحث والتمحيص، والصحيح أنه كردي الأصل ، يدل على ذلك ما جاء في أبيات (أبي دلامة) الواردة في كتاب (حياة الحيوان للدميري). (ص-10-1) في مادة الأسد حيث يقول:
أبا مجرم ما غير الله نعمــة على عبده حتى يغيرها أفي دولة المنصور حاولت غدره ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد
كتاب علم الاجتماع العربي(الساسة) طبعة1983/1984 وزارة التربية في سوريا.تأليف:
أحمد القادري –فوزي ألكيالي- سار عسكر.ص53:
((فالنظريات العرقية نظريات خاطئة لا يؤيدها العلم .لأنه ما من امة من المم القائمة اليوم تستطيع أن تدعي أنهها من سلالة واحدة ، وأن دماءها نقية خالصة لم تختلط بدماء الشعوب الأخرى التي استوطنت معها الأرض نفسها أو التي جاورتها واتصلت معها بأسباب كثيرة كالحروب والتجارة وغيرها من ناحية أخرى فإنه لم يقم أي دليل علمي حتى الآن يؤيد دعوى العرقيين بتفوق جنسهم على الأجناس الأخرى….
((إن النظرية العرقية شريرة وغير أخلاقية بما تنطوي عليه من نزعات عدوانية …وما التمييز العنصري في الولايات المتحدة وجنبي إفريقية وروديسية إلا مظهر من مظاهر الأخذ بالنظرية العرقية، وهي في دور التطبيق الفعلي والواقع العملي))

في مجلة الحوادث العدد 1989 -16/12/1994 وفي سياق مقال بعنوان حوار مع المؤرخ د.علي فهمي خشيم.ليبيا يرد قوله (( الأمة العربية الواحدة موجودة من مائة ألف سنة)) يحاول التفريق بين معنى ((العروبة)) و ((العربية)) باعتبار العروبة ثقافة والعربية قومية

ورد في الكلمة التي ألقاها الرئيس السوري السيد بشار الأسد في مؤتمر المحامين العرب المنعقد في شهر كانون الثاني 2006 شيء بهذا المعنى
والملاحظ أن هؤلاء القائلين بهذا المعنى للعروبة يقررون ولا يحاورون وهذا هو الأساس في السلوك العروبي قديما وحديثا وهذا ما نريد الحوار بشأنه
………………………..
15- كتاب تمهيد في علم الاجتماع-عبد الكريم أليافي مطبعة جامعة دمشق 1964م/ -1384 – ص 388:
((إن العرق البشري لم يكن عند الباحثين العرقين إلا فكرة غامضة أو أسطورة خرافية استغلتها وتلاطمت حولها أمواج المصالح الرأسمالية الاستعمارية إن ظاهرا أو باطنا إن خفية وإن إعلانا)).
ص353 :
(( الهجين في اللغة من أبوه عربي لا أمه و المقرف من أمه عربية لا أبوه، فالهجنة من قبل الأم و الإقراف من قبل الأب…)).
ص58 تحت عنوان: الفلاسفة يقول: ” لقد تأثر فلاسفة العرب بالفلسفة اليونانية تأثرا كبيرا..”
ص59 ” وقد استطاع المفكرون في الحضارة العربية أن يتمثلوا تلك العناصر الفكرية والفلسفية المختلفة (يعني عناصر الفلسفة اليونانية)
سطر 13 (يقصد الفارابي) بالقول: ” أيضا من اهم فلاسفة الإسلام..”
16- هذه الحالة واضحة في أسلوب طرح العروبيين ومواقفهم فهم يستهتنون بالآخرين ويرفضونهم من منطلق التعالي الذي لا يستند إلى معطيات واقعية فمثلا يظلون يستهينون بالغرب وهم تبع لإجراءاته بقصد أو بدون قصد ويستخدمون منتجات الغرب منذ الكهرباء إلى كل ادواته ومرورا بالسيارة بل والزي ونمط البناء ونع الطعام وأسلوب إدارة والعمل..الخ.
17- لأن الحالة السيكولوجية التي تشرحها تجعل الشعور بالتمايز حالة سكونية تستند إلى الانتماء..وقد سرى هذا الشعور من الانتماء الطبيعي:القبيلة إلى الشعور بالتمايز بالانتماء إلى حزب كما في حالة البعث مثلا أو الحالة القوموية العروبية بشكل عام.
18- قول مشهور وقد جعلت إحدى القنوات الفضائية العربية عنوانا لبعض برامجها وهي قناة الديمقراطية التوأم ل المستقلة.
19- الآية سورة (( وخلقاكم شعوبا و..
20- حديث لا فضل لعربي على عجمي…
21- وكنتم خير امة اخرجت…
22- حديث ليس منا من دعا إلى عصبية..
23- حديث المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه
24-……
25- مجلة كولان العربي عدد 89 كانون الثاني 2004 هوامش: الكرد في العهد الأموي..
وتقول المصادر العربية بأن أبا مسلم كان من أصل كردي(ابن قتيبة ص 140)
…………………………………………………………………………………………………….\\
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
منشور في منتديات المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

http://www.airssforum.net/forum/%D9%88%D8%A7%D8%AD%D9%80%D9%80%D9%80%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%83%D9%80%D9%80%D9%80%D8%B1%D8%A7%D8%AF/%D8%A7%D9%84%D9%80%D8%A8%D9%80%D9%80%D9%80%D9%88%D8%A7%D8%A8%D9%80%D9%80%D9%80%D8%A9-aa/%D8%B5%D9%80%D9%81%D9%80%D8%AD%D9%80%D9%80%D9%80%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%80%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%80%D8%AA%D9%80%D9%80%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D9%80%D9%80%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D9%80%D9%83%D9%80%D9%80%D8%B1%D8%AF%D9%8A/75155-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D9%8A%D8%AD%D8%A7%D9%88%D9%84-%D8%A3%D9%86-%D9%8A%D9%83%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%88%D8%B6%D9%88%D8%B9%D9%8A%D8%A7
……………………………………………………………………………………..
ملاحظة: يحتاج البحث اعادة نظر وتنسيق و….