أنشطة مثقف-أحلام وواقع

أنشطة مثقف
بين السياسة والثقافة صلة قربى تتصاعد باضطراد كلما كان وعي كل جهة لأهمية الأخرى أكثر وضوحا ورسوخا. مع ملاحظة البعد القيادي الميداني المباشر في السياسة، والبعد البحثي الاستكشافي غير المباشر في الحالة الثقافية. وربما تنتج مشكلات بينهما عن هذا التمايز. فالمنشغل بقضايا الثقافة.
وعلينا ان نذكر هنا بان الثقافة لها فهم على مستويين:
-مستوى تحصلي معرفي
– مستوى تعبيري فردي واجتماعي المنشغل بالثقافة يهتم بالمعرفة ومنها فقه اللغة والفلسفة ومنها المنهج المنطقي وروح البحث المبني على التأمل والمغامرة في استكشاف الحقائق وبالعلم في فروعه (أقسامه المختلفة والذي يجمع في منهجه بين المنطق الصوري (توافق العقل مع ذاته) وبين المنطق التجريبي ونتائجه الأكيدة (توافق العقل مع ذاته ومع الواقع والوقائع فيه من خلال القوانين المستخلصة من نتائج التربية).
في الغالب، السياسة لا تستهوي المثقف ولكنه إذا أراد ان يمارسها يستطيع أن يخدم في سياق نهج ثقافي يفيد المنظومة المفاهيمية فيها الى جانب احتمال النجاح في الجانب الميداني فيها. يحدد ذلك، التكوين الذهني والنفسي (الثقافة) للشخصية. والمأمول منه في هذه الحالة الارتقاء بالرؤى والمستوى الأدائي الأكثر التصاقا بمصالح الأمة بحكم عمق الوعي والشعور بالمسؤولية الأخلاقية-افتراضا-. والاستراتيجيا في الرؤية المستقبلية.
بسبب هذا الفارق بين المنهج السياسي (والثقافة السياسية) والنهج الثقافي الهادف الى معرفة الحقائق وكشف الأسرار الكونية (ومنها البشرية) كغاية قصوى، فقد اختار ان يكون مثقفا بالدرجة الأولى. لكن نهج ثقافته يشمل –في جزء منه-الاهتمام بالمجتمع ومشكلاته والبحث في الصيغ الأفضل للأنشطة التي يمكن لها ان تخدم معالجة المشكلات ورسم الدروب لما يسهم في تطور المجتمع. كل انسان فيه جذوة –قد تختلف قوتها من شخص لآخر-وفيه روح للمساهمة إيجابيا في الحياة. والحياة الاجتماعية بشكل خاص. إذا لم يكن يعاني من مؤثرات وانعكاسات سلبية أدت الى تعطيل هذه القوة فيه (النزوع نحو البناء وممارسة الخير). فالقوة التي خلق عليها العقل هي القوة الكثر حسما إذا قيست بما في الميول والغرائز…-على الأقل في المستوى الاستراتيجي للسلوك الإنساني-من هنا كانت بداية الاختيار –والذي يبدو كأنه تبلور من خلال تراكم في المعرفة (معلومات، حقائق علمية، تكوّن انطباعات وقناعات…الخ.) فرسخ الاتجاه أكثر. وقد يكون لنمط البنية النفسية –ان صح التعبير-المائلة الى السلم ونبذ العنف بتأثير كبير من مفاهيم السلام الإسلامية وسلوك شخصي لرموز دينية وسياسية ومنهم المهاتما غاندي الذي قرأ كتابا عنه في المرحلة الثانوية ثم سمع وقرا وشاهد أفلاما عنه زادت نموذج شخصيته قوة ورسوخا في تكوين تفكيره. ربما لأن حياة غاندي كان لها جاذبية في ظروف المآسي التي خلفتها –ولا تزال-الحروب بمعزل عن التجاذبات الدينية باعتبار أن غاندي كان يترفع على الخلافات والاختلافات التي تفرق البشر على أسس عرقية او دينية او تفرعاتها. وساهم في منع الخراب(الحروب) ان تزداد بين الهندوس والمسلمين وبالتالي تشكلت دولة باكستان بمساعدة واضحة منه.
المرء يتأثر دوما بنموذج ما –ويكون هذا أكثر في مراحل العمر الاولى او بعد ظروف فشل تدفع للتأمل والتفكير …وللصدف او القدار دورها أيضا. هذه الفكرة ذكرت بقصة تحت عنوان (موكب الأقدار) في أحد أعداد مجلة المعلم السورية. تحدث أحيانا عوامل كثيرة ذات تأثير في تكوين الشخصية وثقافتها لكننا قد ننسى او نتجاهل دور التربية الأساسي في هذا التكوين او التشكيل. وأيا كان العامل الحاسم في صياغة الشخصية بملامحها الجوهرية (عناصرها الأساسية) ولعل أسوا تأثيرات التربية الخاطئة هي تلك التي تعطل او تطفئ جذوة الحيوية في الشخصية وعفوية ردود الأفعال لديها (فيها) فتصبح الطاقات فيها –خاصة الإبداعية-حبيسة تردد منشؤه الخجل او الخوف او غيرهما من عوامل ضعف الثقة بالنفس. وقد يصل الى درجة العطالة في التفكير وفي التقرير. وتتلاشى قوة الإرادة الفاعلة في النفس او لديها.
من سوء الحظ –او ربما من حسنه-ان الرابط بين المعرفة (العلم) وغزارتها وبين قوة تنفيذ ما فيها ليس كبيرا ما لم يساهم المرء نفسه من خلال تربية نالها من اهله ومن محيطه الاجتماعي
او ساهم هو في صياغة عناصرها والتربية المتحققة في بيئة اجتماعية صحية أكثر سهولة وعفوية وراحة من تعهد المرء نفسه بتربية خاصة في الكبر-على ما للعمل من أهمية وإنجاز-لتوفر ما ذكر من اوصاف في الحالة الأولى (السهولة-العفوية-الراحة….
وغيابها في الحالة الثانية –او لنقل اقل حضورا بسبب الاكتساب على كبر. ومنذ القديم قيل: ” العلم في الصغر كالنقش على الحجر”.
كما ان عبارة “الطبع يغلب التطبع” تشير الى الفارق بين ما يدخل في نسيج طبيعة الانسان العفوية وبين ما يلحق بها –او يدخل اليها-عبر التجربة الخاصة التي قد تكون –وهو الغالب-متأثرة بالعقل المفكر مما يجعله في خانة الاستدلال بدلا من الحدس او هو حدس يتأثر بالعقل المفكر او الاستدلال مما يفقده عفويته ومباشرته والمسافة على صعيد السلوك واضحة بين الذي يتصرف صحيحا بعفوية وبين الذي يتصرف بشيء من التفكير. هل يعني ذم التفكير؟ لا طبعا لكن السلوك الصحيح العفوي أسهل وامتع وربما أكثر تأثيرا أيضا.
………………………………………………………………….
………………………………………………………………….

واقع وأحلام
محمد قاسم ” ابن الجزيرة”
m.qibnjezire@hotmail.com

في تأمل ومتابعة “الواقع” يمكن رصد كلما جرى في العالم تاريخيا، وتلك المجريات التي لا يزال الإنسان يقوم بها عمليا…
لكن التخيل الحالم-نائمين أو يقظين-أو في “الحلم” يقتضي تساؤلات:
– هل كل ما قام به الإنسان -وتحت مسميات مختلفة أهمها، “الحضارة” هو مشروع، وفق معيار أو منطق الحياة؟
– هل الأبهة –وما يشابهها- من لوازم الحياة الطبيعية، ام أنها تطور مشوّه لمعنى الحياة، أو فهمها ؟!
– هل التضحية بالقيمة البشرية ، والحياة البشرية أيضا ، عبر أي سلوك… مشروع من اجل نزوع نفسي نحو شعور العظمة –أو جنون العظمة-بالتعبير الأكثر تداولا ملاءمة…؟!
– هل إزهاق أرواح البشر، أو حرمانهم،أو تعذيبهم…أو أي شيء شبيه، هو سلوك حضاري، وإن كان ذلك من اجل بناء العمارات الشاهقة، والقصور الفخمة والأهرامات وتاج محل-عجائب الدنيا السبع؟!
– هل استئثار القلة بثروات العالم- أو الأوطان- تحت أي مسمى كان – وجوع الكثرة…صيغة صحيحة في حياة البشر؟!
أسئلة كثيرة جدا، ليست جديدة،ولا مبتكرة،ومتخصصة،ولا خيالية…. ولكنها متجددة دائما….وقد طرحت في القديم، وفي كل زمان ومكان،ولا تزال تسأل،ولا تجد لها جوابا لدى الذين يتجاهلون الظروف التي تنشئ الخلل في نظام حياة هادئة وعادلة…!
هؤلاء الذين يحملون طباعا سيئة -مهما كانت الأسباب – منذ الحثالة –كما تسمى- ومرورا بكل مستويات التجاوز على الحياة البشرية، وبمختلف الأساليب؛ وتدرج مستوياتها…وصولا الى القمم في السلطة، ومدّعوا- أو طالبوا- المجد، بمظاهر مختلفة: زعامات ثراء،قوة متنفذة ذات سيكولوجية منحرفة وان اعتمرت البيريه أو لبست الزي المشرف عسكريا أو امنيا أو غير ذلك.،….الخ.وهنا الخطورة عندما تتحول النظم الى عصابات أو تحكم العصابات تحت عنوان الدول…وهي خاصة شرق أوسطية تكاد تكون ثقافة عامة مع اختلاف في البنية والهيكلية والصورة المعلنة…
– هل من الضروري لكي يُشبع بعضهم رغبات مشوهة؛ كالقمار أو السكر أو التسلية في الملاهي…-أيا كان وفي أي موقع- ينبغي أن يجوع الكثيرون، ولا يجدون لقمة العيش، أو رقعة تستر أجسادهم العارية؛ حماية لها من حر، أو دفئا في قرّ… ؟!
– هل من الضروري أن يسكن البعض قصورا لا يحتاجونها في حياتهم، سوى من أجل ما فيها من أبهة وفخامة وبذخ … ينبغي أن يسكن الكثيرون الكهوف، أو أكواخ تتداعى، وتكاد تسقط في أية لحظة، وتقتل –بسقوطها- الأطفال والمرضى والعاجزين… وكثيرا ما حدث هذا أمام مرأى ومسمع العالم كما تظهر في التلفزيونات ومختلف وسائل الإعلام….؟!
هذا الطرح والأفكار لا يعني أنني اشتراكي، وبالمعنى المتعارف عليه –في الاتحاد السوفييتي ومعسكره مثلا، أو الدول التي اتبعت خطاهم في العالم الثالث …
إنها للأسف كانت مصطلحا سياسيا، وليس إنسانيا –كما تصور الكثيرون ممن دغدغت الأفكار والمصطلحات الموحية، أحلامهم…وكنت أحدهم في مرحلة من العمر.ولا زلت أقدر الأفكار الإيجابية فيها ولكن المشكلة وضعها في إطار منظومة أيديولوجية يجردها من قيمتها الفعلية تطبيقيا…
الحياة- واقعيا- لا يمكن أن تكون اشتراكية…لأسباب كثيرة يدركها المرء حدسا دون الحاجة الى التفلسف في شرحها لأن الاختلاف طبيعي منذ وجدت الحياة وستبقى الى الأبد..
ولكن- في المقابل- ليس بالضرورة ينبغي أن تعاش الحياة بمثل ما تعاش بها في بعض مناطق العالم ،حيث الفحش في الثراء على حساب لقمة العيش للفقراء…!
ليس لمنع احد من كسب نتائج جهوده، بل فقط تشريع ما ينظم عائدية هذه الجهود ، وتحديد سقوف-أو صيغ- يمنع تجاوزها لأنها تتضمن احتمال أن تؤدي الى خلل في الحياة…
وبعض هذا موجود واقعيا،فمثلا:عندما اتخذ قرار بتقسيم إحدى شركات الكترونية –ربما ميكروسوفت-لئلا تبلغ حد الاحتكار كان شيئا من هذا الذي نقصده هنا.
كيف؟
هنا المشكلة…
منذ آلاف السنين لم يتحقق هذا الحلم،وما تحقق منه لم يكن سوى جزء يسير جدا لا يستحق أن يسمى مشروعا إنسانيا ناجحا في هذا الاتجاه…لكن ما تحقق مؤشر على إمكانية محتملة؛ إذا توفرت لها الظروف المساعدة في شكل ما…
هذه الإمكانية هي فقط في الإنسان ذاته، وما سوى ذلك ليس سوى عوامل مساعدة في صورة ما، في مستوى ما، في درجة ما…الخ.
المشروع المستقبلي…المشروع الأخلاقي…المشروع المأمول أن يحقق بعض هدوء في الحياة…هو تربية الإنسان …
كل ما يطمح الإنسان أليه من رفاهية مشروع، ولكنها عندما تؤدي الى استعباد الإنسان، وتجريده من القيمة والمعنى الإنساني فيه، لا يعود لها مشروعية، لا تعود قيمة ايجابية، وستكون مصدر ما نشاهده اليوم من صراعات مختلفة، وعدم استقرار ووووالخ.
خيال…؟
طبعا فهنا، أنا احلم…
ولست عالما مخترعا للذرة لكي أدمر بها الحياة ثم أعود – كما فعل اوبنهايمر -للقول:”يا إلهي ماذا صنعت؟!”.
ولست مخترع الديناميت الذي يدمر البشر والحجر والشجر ..ثم أحاول التكفير عن خطاياي-كما فعل ألفرد نوبل- فأحدد جائزة هي ذاتها تتحول -فيما بعد- الى خطايا من نوع جديد ومختلف…عبر تسخيرها لأهداف سياسية في شكل ما –قل أو كثر…!
أنا أحلم هنا..وأدعو من يشاركني الحلم بفعالية توهج عناصر الحلم،لا بسكونية واسترخاء رومانسي شاعري فقط.
دعونا نقول الشعر بأسلوب آخر…!!.
……………………………………………
ملاحظة:
هذه المادة وغيرها ، المنقولة الى الموقع تحتاج اعادة نظر يرجى أخذ العلم.