استراتيجيا
محمد قاسم
بالنظر إلى واقع الأمة الكردية التي نالها التقسيم بموجب سياسات دولية توافقت مع سياسات إقليمية أنتجت كردستانا ممزقا… موزعا بين عدة دول، تختلف في سياساتها،وثقافتها، وتركيبتها الديموغرافية، والاجتماعية …الخ. وقد انعكس ذلك، على كل الواقع الكردي.. والواقع الإقليمي.. والدولي أيضا.
على كل حال.. ليس هذا ما نريد؛ إلا بقدر ما يخدم في التقديم لما نريد.. وهو:
كيف ينبغي أن يفكر الكرد في سبيل حقوقهم المهضومة..؟ وقبل ذلك،حقوقهم المغتصبة…؟!
يتنازع الأمر، نظريتان متباينتان، وأفكار تتداخل معهما بشكل أو بآخر..
النظرية الأولى تقول:
-إن تاريخا طويلا من بقاء الأجزاء الكردستانية متباعدة عن بعضها.. إلى درجة انقطاع الصلة العملية في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية ..الخ؛ قد افرز حالة ثقافية شاملة من الاختلاف بين سكان هذه الأجزاء ..مما يتطلب نوعا من التدرج في التفكير السياسي نحو حلم كردستان الكبرى..! لا سيما.. وإن السياسة الدولية، والإقليمية، وربما الظروف الداخلية أيضا، لكل دولة تحتضن الكرد –بكردستانـ(هم)- فيها..! لا تنسجم في مصالحها مع تكوين كردستان كدولة موحدة ومستقلة..!
فلا يستسيغ التركي الذي عاش قرنا أو أكثر يرى في الكرد -وخاصة كردستانـ(هم) إذا جاز التعبير- جزءا من الدولة التركية لا يتجزأ( الكرد أتراك الجبال)…ويرى الفرس ذلك أيضا وتنسحب النظرة ذاتها على الحالة العربية أيضا( الكرد العرب).
ومن ناحية أخرى، فإن الثقافة المكوّنة لدى أبناء الأمة الكردية ذاتها،هي في حالة إشكالية بدرجة ما.. من حيث أسلوبهم في التفكير..والتحليل.. والموقف.. والسلوك… في الحصيلة..!
من هنا، ترى هذه النظرة: ضرورة التدرج نحو تحقيق الحلم، وعبر آليات ديمقراطية.. يتوقع أصحابها أن يتم تطبيقها في واقع هذه البلدان(الدول) كنتيجة لمختلف العوامل التي تتفاعل هذه الأيام..وينعكس تفاعلها على مجمل أوضاع العالم( انتشار فكرة العولمة) بعد إذ كاد العالم أن يصبح قرية واحدة..! (هذا القول الذي ربما كان”ايمرسون “هو أول من استخدمها عندما قال: “العالم قريتي”. وإن كان المقصود بقوله هذا،-حينها- هو الرابط الأخلاقي “الإنساني” أساسا).
ولذا.. فالنضال ينبغي أن يكون منسجما مع هذا التطلع المتفائل..! وتجنبا لكوارث محتملة بخلاف ذلك…
النظرية الثانية تقول:
على الرغم من كل ما قيل – وربما- صحته كتشخيص تاريخي…إلا أن تسارع الأحداث والتطورات في العالم، وظهور مؤشرات على تغييرات في الخارطة الدولية – كما حصل في سايكس بيكو- مطلع القرن العشرين..يجعل من الفطنة أن يستوعب الكرد هذه الحالة الزاحفة على واقع المنطقة (الشرق الأوسط) شاؤوا ذلك أم أبوا…!
وبخلاف المحاولات التي يبذلها المنتفعون للمحافظة على الواقع الموجود لما في ذلك من خدمة لمنافعهم السلطوية، ولمنافع حاشيتهم الساندين لهم بسببها(وهي نظرية تبلورت في البيئة العربية بشكل خاص، واستدامت، بل وتكرست كـ(يقين) في (الذهنية العروبية) مما أفقدها المرونة والقدرة على التأقلم مع المتغيرات بشكل سوي…
وقل الأمر نفسه بالنسبة للقوميات الأخرى المستعمِرة- بكسر الميم- لكردستان،فـ ” كردستان مستعمرَة دولية ” كما يقول البروفيسور التركي المعروف، إسماعيل بيشكجي في كتابه الذي يحمل العنوان نفسه).
بخلاف هذه المحاولات، فإن الموج قادم لا محالة (و النتيجة محققة كما كانت في الظروف السابقة). لذا فمن وجهة النظر هذه: إن مواجهة الحقائق خير من الالتفاف حولها، وتضييع الوقت والجهد فيما لا طائل منه. فمثلا –ودائما بحسب هذه الرؤية- : لا يتوفر الحد الأدنى من احتمال التغيير في ذهنية القائمين على السلطة في البلاد التي ألحقت أجزاء من كردستان بها(الترك والفرس والعرب…) هكذا أكدت التجربة العملية تاريخيا، بل و بالعكس.. فإن هذه السلطات ، حتى هذه اللحظة ، تسعى -ما وسعها الجهد- للطمس على الحقيقة الكردية بكل خصائصها الإثنية..!!
فلماذا –إذا- لا يستفيد الكرد من هذه الظروف التي يمكن استثمارها لمصلحة القضية القومية الكردية في كردستان بأجزائها الأربعة.. حتى وإن قدمت تضحيات لابد منها، كثرت أو قلت..؟!
تتواجه هاتان النظرتان وتتصارعان أحيانا، وخاصة بين الاتجاهين في التيارات السياسية (الحزبية) الكردية في سوريا، وغير سوريا. ويبدو أنه صراع بين نظرة غلبت فيها النظرة الكلاسيكية للعمل الحزبي، وبين نظرة تستعجل قطف الثمر –كما ترى-.
(ولا ينبغي تجاهل التطور المتسارع في الرؤى والمفاهيم السياسة والاجتماعية والاقتصادية …في العالم، مما يرشح حالة جديدة في العالم تتلمس طريقها عبر أطروحات لعل (العولمة) أهمها في الحالة الراهنة).
وفي الحالتين يبدو أن الضحية هي الاستراتيجيا..!
فمثلا في النظرة الكلاسيكية – وهنا ينبغي ملاحظة أمر مهم – لا تزال القيادات كلاسيكية.. تأقلمت مع مواقعها وفق ظروف القسوة.. والظلم.. والسجن.. والتعذيب، والتي كانت سائدة في البداية من تاريخها في إدارة العمل الحزبي بشكل خاص.. فهي تشربت بجرعات – ربما زائدة – من حسابات الخوف .. ليس بالضرورة خوفا شخصيا – فقد تكون خشيتها من تجاوز ما هو متاح من هذه السلطات القامعة، مما قد ينعكس سلبا على أوضاع الكرد وفي تجليات مختلفة، أو ربما لأنها تماهت مع مواقعها، فنظرت إلى العمل النضالي وكأنه مردود عليه وحده من حيث التأثير والمنعكسات والتي لم يعودوا مستعدين لها في أشكالها المؤلمة كاحتمال قريب جدا.ومن أمثلتها في سوريا:
إحصاء عام 1962 ، والحزام العربي، و مفرزاتهما المختلفة، فضلا عن السجون والتعذيب- كما حصل بعد 12 آذار 2004- حيث تم إطلاق الرصاص الحي، فاستشهد- نتيجتها- العشرات من شباب في مقتبل العمر، وجرح المئات دون اكتراث من السلطات بذلك..! بل لاحقت السلطات الناس بدلالة جروحهم وعاهاتهم الناشئة عن إطلاق الرصاص عليهم، لزجهم في السجون بطريقة لا تخلو من وحشية، عبرت عن طبيعة التكوين النفسي والأخلاقي لهذه السلطات، وعبرت عن أسلوب نظرتها إلى الكرد ، وسيق الآلاف إلى السجون، واستشهد بعضهم تحت التعذيب، ونال البعضَ إيذاءٌ نفسيٌ عميقُ الأثر، إن لم نقل الكثيرين منهم ،إضافة إلى الإجراءات العسكرية في المناطق الكردية …الخ.
ولكن يبدو أن هؤلاء لم ينتبهوا إلى أن هذه الأحداث -التي كانت جهات سلطوية وراءها- قد نقلت القضية الكردية في سوريا إلى موقع متقدم، وضاغط بشكل ما، على – ليس فقط السلطة- بل المعارضة أيضا ، بل وقد كشفت هذه الأحداث عن طبيعة الذهنية العروبية في كل المستويات السلطوية والمعارضة؛ للعالم.
أي أن التجربة – على الرغم من مرارتها- قد أنتجت أكثر مما استطاعت أن ينتجه – سياسيا – خمسون عاما من الأداء السياسي(الحزبي) الكردي بالوسائل الكلاسيكية.(النضال على الورق) في سوريا خاصة.وان كنا لا نلغي القيمة النضالية التراكمية خلال هذه الفترة الطويلة بسلبياتها وإيجابياتها .. بل من الضروري تلمس الممارسات السلبية فيها لتجنبها في المراحل القادمة.
ومن الناحية الأخرى.. فإن أصحاب النظرية الثانية، و التي اعتمدت أسلوب النضال الميداني- سلميا أو عسكريا- لم يحضِّروا لهذا العمل ذهنيا وسيكولوجيا وفقا لحسابات الاستراتيجيا، والتنظيم الدقيق في العمل، ليجنبوا الشعب منعكسات سلوكٍ سلطويٍ متحاملٍ ومسكونٍ– ربما– بشيء من التخلف.. والكيدية تجاه الكرد، ولأسباب هي ذاتها، أنتجتها.. وتبنتها (وهذه ظاهرة في التكوين الذهني والسيكولوجي العروبي والتركي والفارسي وللأسف). أسلوب دائري في التفكير، يصبح الأساس لتكوين ذهني، ونفسي يقيد إمكانية التغيير فيها(فكر سكوني). والأشد إيلاما في هذه الذهنية هو: عدم القدرة على قبول الآخر-على الرغم من الصفحات الغزيرة المملوءة عن إنسانية الفكر العروبي وحضارة الفرس والترك والتي تمتلئ بالحديث عنها خزائن كبيرة من الكتب والتصريحات والمحاضرات والأرشيفات…الخ..
وكانت النتيجة، أن الخسائر كانت أكبر من المتوقع-شهداء حركة الشارع في سوريا،وشهداء العمل العسكري في تركيا،وفي العراق في ظل نظام صدام ..وعلى الرغم من أن ذلك هو مسؤولية القتلة..إلا أنه لا يعفي أصحاب النظرية هذه، بل وحتى أصحاب النظرية الأولى أيضا (الكلاسيكية) من مسؤوليتهم تجاه أحداث كادت أن تبتلع الكثير الكثير من الحقوق، في شكل أرواح تحصد، وأجساد ونفوس تعذب، وأموال تهدر من غوغاء، تحت سمع وبصر سلطة تعتبر الحامل الأكبر للمسؤولية، كسلطة تمثل الحالة القانونية بأي اعتبار كان. والتي هي ـ تفتقد الرؤية الإستراتيجية لمعالجة قضية حُمِّلتها، ولم تعرف كيف تتعامل معها، بل استحسنت إجراء يمكن تصنيفها تحت بند التجاوز بدوافع مصلحيه سلطوية(وإطار ذهني) تحت أسماء شتى: قومية، تاريخية، فلسفية.. الخ. ودون أن تنتبه إلى البعد الفخي- نسبة إلى الفخ إذا جاز التعبير- فيها، من الذين يجرونها إلى سلوكيات تبرر لهم التدخل بشؤونها.(مثال: قضية دارفور، أخطاء صدام المختلفة،نهج النظام السوري في لبنان..نهج إيران السياسي.. الوضع الجديد لتركيا..الخ). هكذا غابت أو ضاعت الأستراتيجيا في الحالة الكردية- وفي الحالة العربية أيضا وربما الفارسية والتركية أيضا- في الجهات الأربعة من كردستان..و من كل من المناضلين من جهة، ومن السلطات من جهة أخرى…وكانت النتيجة.. صراعات ذات بعد نفسي.. أنتجت دمارا في التكوين التربوي للإنسان في المنطقة.. وفي جميع أبعادها (الاجتماعية..الفكرية.. النفسية..السياسية..الخ).
وإذا عدنا إلى تراث يكرر العروبيون(والإسلاميون أيضا) اعتزازهم به، فلا نجد توافقا بين هذا الاعتزاز وبين ما يمارس في الواقع..!
يقول سبحانه تعالى(( …ولقد خلقناكم شعوبا وقبائل لتتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)) ويقول (( كنتم خير أمة أخرجت للناس ……تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)).
ونرى ان أسئلة مشروعة تطرح نفسها:
-هل اغتصاب الحقوق من الأمر بالمعروف؟!
-وهل قتل النفس التي حرم الله قتلها من التقوى؟!.
-وهل الحياة حقوق ينبغي أن توصل وتصان..؟
أم هي سياسة تغتصب وتبرِّر الاغتصاب؟!
-وهل السلوك العسكري المتطرف والمبالغ فيه في القتل والتشريد وتدمير القرى والمدن …هو سلوك حضاري..؟!
لئن لم يحاول المتشددون في القوموية- العروبية والطورانية والفارسية- استيعاب رسالة السماء..! فأين موقع وموقف المؤمنين بها –إذا- من أبناء هذه القوميات المتجاوزة ؟!
ومن جهة أخرى ما العدة التي تسلح بها الكورد لمواجهة أسوأ الاحتمالات من حكومات لا تعرف سوى البطش والقمع تحت عناوين غريبة ومختلفة،انسجاما مع الذهنية المشوهة والمنحرفة عن مسار تراثها -الإسلامي افتراضا-..؟!
ما هي إستراتيجية الأداء الكردي يا ترى؟!
……………………………………………………………………….. ……..
………………………………………………………………………………..
الآثار السيئة لتغييب دور الثقافة
في تكوبن المناخ الصحيح للتفاعل البشري
محمد قاسم
من طبيعة الأمور أننا نستحضر التاريخ عبر وقائع أو تفاعلات اجتماعية بأبعادها المختلفة: العسكرية الدينية أو الاجتماعية أو الأخلاقية أو السياسية أو الاقتصادية أو الفولكلورية..الخ. لكي نعتبر بها، أو منها، ومن نتائجها السلبية أو الايجابية..!
المشكلة أن هذا الهدف يكاد-الاعتبار بالتاريخ-يكاد يغيب ضمن الصخب الإعلامي الذي يطغى على أسلوب التنافس –غير البريء-في استحضار الماضي..
وخاصة استحضار حياة العظماء في حياة وتاريخ الشعوب، سواء شعوبنا التي ننتمي إليها،أو شعوب العالم المختلفة وتجاربها الغنية والمختلفة ..وهذا الغياب يحدث –غالبا –عندما تتبنى جهات سياسية (نظام –حزب…)فعل ذلك..
من هنا فإن الاهتمام بمثل هذه الأمور في الإطار الثقافي المتمتع بالحرية الكافية- قانونيا وواقعيا..تربويا_وبأدوات ثقافية، سيكون المناخ الأفضل ..لذلك-بتقديري..!
ذلك لأن التربية المعاشة في ظروف القهر لا تتيح للشخصية نموا طبيعيا فينتقل القهر الخارجي إلى داخلها ..وتتقزم القوة الطبيعية فيها إلى درجة الخوف المزمن –الفوبيا-.
ذلك لما في طبيعة الثقافة – المتكونة من قيم علمية -من الحرص على الحيادية ،والموضوعية وتوخي الدقة، والمصداقية في تناول الماضي-والحاضر والمستقبل أيضا- وتحليل أبعاده، لأخذ العبرة.
بخلاف الحالة السياسية التي تسخر لاتجاهاتها العملية المباشرة؛ كل شيء ومنها:استحضار الماضي وعبره؛ ليوظفها لغايات سياسية ..وهذه واحدة من المشكلات التي تبقي التوتر والتخاصم والصراع في الحياة بين المجتمعات المختلفة..إضافة-طبعا-إلى المصلحة المحركة لهذه النزعات السياسية.
وعلى الرغم من أنها كثيرا ما تكون مصلحة وطنية أو قومية أو إنسانية حتى..-في جوهرها كما يفترض-إلا أن غلبة الميول الخاصة في المجتمعات المتخلفة ؛ تؤثر على اتجاهات العمل الوطني والقومي والإنساني بشكل عام.
هذه المشكلة المزمنة تسبب مشكلات كبيرة ومؤثرة تلاحظ في حياة الشعوب والأمم ومن تجلياتها مثلا: الحروب المختلفة، وتحت أسماء مختلفة وعناوين مختلفة وأهداف مختلفة …!
من هذه المناسبات والوقائع في حياة الشعب الكردي مثلا مناسبة: تأسيس أو ل حزب كردي في سوريا، ومنها مثلا –وفي الوسط الكردي- الاحتفال بمناسبة وفاة المرحوم الخالد مصطفى البار زاني،ومنها الاحتفال بعيد النيروز الكردي في 21 آذار من كل عام.
إذ تتحول هذه المناسبات إلى نوع من تجاذب المناسبة -بدوافع حزبية خاصة- ولمصلحة حزبية خاصة لا تصب –غالبا-في مجرى المصلحة العامة للشعب الكردي..بل قد تتحول إلى مناسبة تتجدد فيها الاختلافات بين الكتل والأحزاب و الاتجاهات السياسية..وينعكس ذلك سلبا على حياة الشعب والجماهير أيضا.
كنا نأمل أن تكون المناسبات المهمة في حياة الشعب الكردي محطات يلتف حولها أبناء الشعب الكردي ويتخذوها منطلقا لتطوير العلاقات الكردية والاتجاهات الفكرية الكردية على كل صعيد،وعلى صعيد السياسة خاصة.-بل وتطوير هذه العلاقات مع القوى غير الكردية ضمن الوطن…
ما يحدث في الواقع لا يرتقي إلى هذا المستوى –للأسف- وهذا ما يقلق المهتمين واليقظين إلى أهمية هذه الأحداث التي يجب أن تستثمر للتقارب الكردي، ولتوحيد الوجدان القومي الكردي ،بدلا من بعض المظاهر التي”لا تسمن ولا تغني من جوع”.
،بل ربما تكون من أسباب تعميق الاختلافات، وتشتيت النزوع الوجداني والعاطفي نحو مفاهيم الشرذمة.
وهذا الأمر ينعكس واقعا مسيئا لغاياتهم أيضا، فالقيادي الذي يقود حزبا ضعيفا لا يستطيع أن يكون مؤثرا في ميدان نشاطه السياسي…
والقيادي الذي يتخذ أسلوب “المسك باليد الموجوعة ” في تدبير شؤونه السياسية الضحلة في وسط شعبه ،لا يستطيع أن يكون سوى مراوغ في حياة سياسية لا تفيد القضية التي يناضل من اجلها –افتراضا..
والقيادي الذي يهدف –فقط- ليكون له لقب (سكرتير…أمين عام..سكرتير عام …الخ .دون أن يكون مؤثرا ليتوافق اللقب مع العمل والتأثير .. لا يكون سوى هيكل أجوف ..قد يكون جميلا كتمثال…ولكنه بلا حياة وفاعلية في السياق الذي وضع نفسه فيه..
بل هناك من وصل إلى درجة تخوين القوة الفاعلة –ثقافيا واجتماعيا ..وكيل التهم جزافا لهم.إما إسقاطا لما يشعر به في نفسه..أو شعورا بالعجز عن القيادة ..فيعلق فشله على كل ما يمكن التخفي خلفه..وهذه مهمة نضالية عجيبة وغريبة لم نجدها إلا عند الأنظمة –والأحزاب المستبدة..والتي تفشل في إنتاج الفعل والفاعلية وتحقيق نتائج مفترضة…!!
ولعل الغيورين على حياة الشعوب والمجتمعات ،بل الإنسانية في كل أصقاع الأرض يتنبهون إلى هذه الحقيقة، فيلتفتوا نحوها، يتعاملون معها بطريقة منطقية ومبدعة، تنطلق من المعطيات الواقعية أساسا..
لعل هؤلاء يساهمون بوسائلهم الخاصة –والعامة-
فالخصوصية هي في طبيعتها الأصلية متعانقة مع العمومية .وبتعبير بعض المسلسلات الكارتونية “الكل في واحد والواحد في الكل”. أو بحسب موضوع علم النفس العام..الخصائص النفسية المشتركة بين الجميع(ذاكرة –فكر- عاطفة في عموميتها-..)ولكن الخصوصية والتميز هو في استخداماتها فيما يسمى –أحيانا –الجانب الفني في الفاعلية والممارسة. .
…………………………………………………..
…………………………………………………..
التفكير والعمل
(النظري والتطبيقي)
ابن الجزيرة
لا يمكن للمرء أن يفعل كما تفعل النعامة، فتطمر رأسها في الرمل لكي لا ترى الصياد ..ظنا منها بان الصياد أيضا لا يراها.
هكذا تقول الحكاية..(ولسنا مهتمون بصحتها، أو عدم صحتها) .. ولكننا مهتمون بالمغزى الذي ترمي إليه الحكاية..!
فكما هو معلوم، قيمة كل عمل يقوم به المرء تتجلى في النتائج التي يحققها في الواقع- سلبا أو إيجابا-ولئن حاول صاحب العمل- أي عمل- التغطية عليه(كتمانه) لأمد ما- في الحال السلبية- فإن النتيجة لا بد أن تظهر يوما ما بشكل ما(يظهر السر..!).
المراهنة على أن الفعل الخاطئ سيبقى سرا لا يطلع عليه الجماهير- وهذه واحدة من مراهنات بعض الناس في الأداء- هي مراهنة خاطئة،خاصة إن جماهير اليوم ليست جماهير الأمس من حيث الوعي والنباهة، وأدوات اليوم ليست أدوات الأمس من حيث معرفة الأسرار ونقلها..
فإذا قاربنا بين هذه الفكرة النظرية وبين حال عملية في ميدان ما وليكن العمل السياسي – باعتباره الأخطر أثرا ومباشرة في حياة المجتمعات- تنفرد أمامنا صفحات لم تعد غامضة المضمون، فيصعب على الجماهير قراءته، ولا ممكنة الإخفاء لئلا يطلع الجماهير عليها..ونعني بالسياسة في مستوى الوطن أو في مستوى الحالة الكردية أو في مستويات أخرى تعلو أو تنحدر…!! بمعنى إن الحياة السياسية(العمل الحزبي خاصة) لم تعد تخفى على الناس بفضل الإعلام المتنوع والغزير – خارجيا على الأقل- بل وداخليا أيضا بفضل الانترنيت والفضائيات والهواتف النقالة(الموبايل) ، وبفضل روح التنافس بين الأطراف الحزبية(السياسية) ذاتها، فإنها تنشر كل ما تعرفه عن الآخرين إيجابا أو سلبا، وبفضل السيكولوجية التي تربى عليها المتعاملون بالسياسة ..فهم إما ينشرون المعلومات للتشهير بأصحابها، أو كـ (بالون اختبار) كما يسمونه في عالم الصحافة، أو لعمل دعائي – في الاتجاه السلبي أو الاتجاه الإيجابي- أو حتى للتخفيف عن ضغط الأخبار والمعلومات على النفس لدى البعض.. إضافة إلى عمليات بيع وشراء المعلومات..!
المهم من هذا القول أن لا شيء يبقى سرا لمدة طويلة، وإذا حصل أن حافظت الجهة صاحبة السر عليه فلن تعدم أفرادا يبيعونها لقاء مصلحة ما – مادية ..أو مركز.. أو غير ذلك.وبأسلوب لا تستطيع الجهات الأمنية أن تكشفها، كما حصل لذلك الوزير اليوغوسلافي في عهد المارشال جوزف بروز تيتو الشيوعي (الماركسي) والذي ورث الملك عنه (الرئيس الصربي المنتحر في سجن المحكمة الدولية في لاهاي سلوبودان ميلوزوفيتش) فكان وبالا عليه وعلى شعبه،بل وعلى بعض شعوب المنطقة أيضا. فقد لفت الروس (الاتحاد السوفييتي سابقا) انتباه المارشال تيتو إلى أن وزير الصناعة والتجارة الخارجية لديه؛ عميل أمريكي،فوضعه تحت مراقبة شديدة ولكنه لم يضبطه في أي موقف ملتبس، وعندما ألح الروس عليه، لم يجد سوى استدعاء وزيره قائلا له- وكان من رفاقه في النضال-:
أنا أعلم انك عميل لأمريكا فصدقني الخبر ولك الأمان. فقال: انا لست من يبيع نفسه رخيصا فيبيع المعلومات، وقد يكتشف ويتعرض لمواقف محرجة ..ولكني فقط موكل بـ: (وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب..). فسأله تيتو، وما هو المقابل..؟ فقال الوزير: لقاء راتب محترم يودع في بنك معروف، وبناية فخمة في مدينة لوس أنجلوس..!
فقال له تيتو: فاذهب إلى قصرك الفخم ورواتبك المحترمة..!
الأجهزة الأمنية- وعلى الرغم من قسوة سلوكها تجاه المواطنين- منشغلة بظروف فقرها وصعوبة معيشتها وتسعى لما يحسن الأحوال أكثر من انشغالها بعمل امني – غالبا ما- لا يبنى على مصلحة الوطن والمواطنين ، ورجل الأمن في النهاية مواطن، اللهم سوى حفنة من المنتفعين أو من الذين فقدوا قدرتهم على التفكير المتزن لسبب ما..
هذه حال السياسة في المجتمعات المتخلفة..لا تزال تبنى على فكرة أن السياسيين متميزون عن الغير ويجب على الجماهير أن تتذلل لها، وتحكم بتميزها القيادي كما كانت الملوك في الزمان الغابرة تفعل، وقد غير الأوربيون هذه الفكرة عن أسلوب إدارة الحكم منذ الثورة الفرنسية.. فاعتبروا الشعب مصدر السلطات عبر انتخابات أوجدوا لها آليات تقترب من الحيادية فسادت في حياة سياسييه؛ الأسلوب الديمقراطي في العمل – على ما للديمقراطية من عيوب ينبغي البحث عن مخارج لها-مما حفز هؤلاء السياسيين إلى أداء متميز يكتسبون عبره ثقة الناخبين. أما الأسلوب السياسي في المجتمعات الشرقية فهو الانقلاب والثورة والوراثة والتمسك بالكرسي..ومهما كانت النتائج وبالا على الشعب ومستقبل أجياله..! أي استعمال العنف – وتحت أي مسمى كان- للحفاظ على السلطة.
أما فيما يتعلق بتغيير أسلوب الحكم فحالهم أشبه بما في النكتة التالية من مغزى:
ذهب أحدهم إلى حديقة الحيوانات فوجد الحيوانات جميعا تضحك إلا الحمار، وعندما ذهب في اليوم الثاني إذ بالحمار وحده يضحك والحيوانات جميعا سكوت..! فسأل عن الحال..؟ فقيل له:
بالأمس أطلقت نكتة فهمتها الحيوانات جميعا فضحكت إلا الحمار واليوم فهم الحمار النكتة فهو يضحك من حيث انتهت الحيوانات من الضحك منها..!
سياسيوا المجتمعات الشرقية والمتخلفة عموما(ومنها العربية ومنها الكردية) لم يفهموا – بعد- معنى مفاهيم الثورة الفرنسية على الرغم من مرور ثلاثة قرون عليها وربما لن يفهموه بعد ثلاثة قرون أخرى- وليس فقط قرنا واحدا كما ينسب إلى هتلر انه حدده- ومن جهة أخرى أضاعوا معاني مفاهيم الإسلام في الحكم (باعتباره يمثل دين الدنيا والآخرة) والصالح لكل زمان ومكان فلا صلح – على يد هؤلاء السياسيين – للدنيا، ولا تركوا وسيلة لصلاحيته للآخرة بتدخلهم الفظ في توجيه وتفسير العلماء وقتلهم لكل من خالفهم منهم- وفي أحسن الأحوال تهميشهم والتضييق عليهم حتى في الرزق.. فأين موقع هذا النمط من السياسيين في خارطة الحياة السياسية العالمية..؟ لست أدري…! ولا أظن أنني سأدري في التاريخ المنظور..! ولكن يبقى النداء للجماهير الواعية: أيتها الجماهير..أين انتم من هذا الواقع السياسي (الحزبي) وخاصة الجماهير الكردية بالنسبة إلى ممارسات لم تعد تحترم عقلك ولا إرادتك..ولا يبدو أنها ستنفع في صياغة مستقبلك ومصيرك..!
……………………………………..
ملاحظة:
هذه المادة وغيرها ، المنقولة الى الموقع تحتاج اعادة نظر يرجى اخذ العلم.