المشكلات في الشعوب المتخلفة، ثقافية أساسا

المشكلات في الشعوب المتخلفة ثقافية أساسا
من الإجراءات المنطقية في معالجة المشكلات هي: أن تحلل هذه المشكلات وفقا لبرنامج أكاديمي، متسلسل، مشتق من نتائج التجربة البشرية العامة والخاصة. وروح إبداعية –ذات قوة حدسية – تجمع نتائج التحليل إلى نظرة كلية؛ نافذة، عميقة، ساطعة… للكشف عن السبب –أو الأسباب-سواء على شاكلة الاستبصار، أم الانبثاق الطبيعي عن صحة التحليل، وخطواته المنطقية التي مرت بها العملية…
فإذا قبلنا هذه المقدمة، يفترض بنا أن نتقبل النتائج المنطقية-الموضوعية-لها أيضا، انسياقا مع القاعدة المنطقية القائلة: “بحسب المقدمات تكون النتائج”.أو بتفصيل أكثر:
“المقدمات الصحيحة تؤدي إلى نتائج صحيحة، والمقدمات الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة”.
انطلاقا من هذا –المبدأ -أو المسار المنطقي نحاول أن نبحث في أسباب المشكلات التي تحصل في المجتمعات المتخلفة عموما –والمتقدمة أيضا – ومن ثم رد الفعل –أو الموقف – منها في الفهم والمعالجة…مع ملاحظة أن المجتمعات المتقدمة امتلكت هذه الآليات –وعيا نظريا، ونتائج الخبرة العملية …لذا فهي مبادرة دوما في علاج مشكلاتها وغالبا –أن لم نقل دائما-تحسن المعالجة. بخلاف المجتمعات المتخلفة المترددة والحائرة –وغالبا –الخاطئة في خطواتها في التعامل مع مشكلاتها.
ولنأخذ المجتمع العربي نموذجا باعتباره الأقرب من جميع النواحي ألينا فنحن نعيش فيها، ونعرف الكثير من أساسيات ثقافتها المترجمة أدبيات نظرية، وسلوكا عمليا يجسد تطبيقاتها.
ولكي تكون الصورة أوضح دعونا نفرق بين بعض المفاهيم المتداولة ودلالاتها:
– مفهوم العرب وكل ما يشتق منه باعتباره يمثل عنوانا-اسما-لجماعة بشرية سمها شعب، سمها امة، أو سمها مجتمع…. فهي جميعا تعني جماعة اجتماعية في أوجه مختلفة من حيث الدلالة الاجتماعية أو السياسية…ومن هذه الاشتقاقات مفهوم “العروبة” وتعني روح العرب.
– مفهوم “العروبة” السياسية؛ والتي بدأ تبلورها بقوة في فترة ظهور المد القومي في الشرق، إثر تشكله كعنوان للتأسيس للمرحلة السياسية الأوروبية منذ ظهور البورجوازية؛ كقوة صناعية وتجارية، استلزمت انتهاء الحالة الإقطاعية المعيقة للنمو الاقتصادي- بحسب تحليل البعض-..واستمرت حتى الربع الأخير من القرن العشرين؛ ليتجه نحو مفهوم المواطنة، والتي تتجاوز القومية، ومن ثم اتساعها لتبلغ مستوى تجاوز الوطنية؛ إلى وحدة الشعوب-أو ائتلافها بشكل ما- ضمن مفهوم جديد كما حصل في أوروبا مثلا “الوحدة الأوروبية” والتي بدأت اقتصاديا في ملامحها العامة، و انتقلت إلى بلورة الشق الاجتماعي، والثقافي رويدا رويدا، على الرغم من بعض المعيقات–ذات الطبيعة الثقافية والتاريخية- والتي لا تزال تعرقلها بطريقة ما …
هذا المفهوم ” العروبة” أصبح سياسيا –ذاتيا- بامتياز، على يد الأيديولوجيين القوميين العرب؛ ابتداء من الناصرية ومرورا بالبعثية –بل وانتهاء بها أيضا..فقد استثمرت هذه الاتجاهات القومية المتطرفة، هذا المفهوم –وربما بإيحاء غير مباشر من اتجاه غربي، لغرض في نفس يعقوب- وبالغت في تمجيده وتعميمه كثقافة أنتجت شعورا مرتبكا في الثقافة العروبية –بهذا المعنى- وامتدت بدرجة أو أخرى إلى الثقافة العربية القومية الطبيعية-المشار إليها سابقا- في ظل هذه الحالة …
ومن المؤسف أن هذا الامتداد إلى بنية الثقافة العربية جعلها تخضع لمفهوم (العروبة السياسية) على حساب مفهوم العروبة الاجتماعية الطبيعية –لغويا، ومعنى ثقافيا مترجما إلى سلوك-.
ربما في هذه النقطة -والتي هي بمعنى ما- امتداد للثقافة العرقية القبلية قبل الإسلام- تكمن مشكلات المجتمع العربي-أو المجتمعات العربية- بمعنى أدق لأن الحالة الثقافية تختلف من مجتمع عربي خليجي مثلا عن المجتمع المصري أو السوري أو الليبي العربي…عموما، بسبب اختلاف ظروف نمو الثقافة في كل منها –بغض النظر عن الأسباب-.
وهناك من المجتهدين في علم الاجتماع السياسي من يستخدم مفهوم “الشعوب العربية” وان كان المنظرون الأيديولوجيون يعترضون على ذلك. فمن الشطط الذي يرتكبه الأيديولوجيون أنهم يُخضعون الواقع إلى ثقافتهم- النظرية- دون الاعتبار لدور وتأثيرات الواقع…
ولعل الأمر عند هذا الحد ليس مشكلة كبيرة ربما فيما يتعلق بالطموح إلى تحقيق الوحدة ، فكل الشعوب تنحو نحو أن تكون وحدة ضمن وطن، والطموح نحو وحدة عربية ضمن وطن عربي واحد متكامل الثقافة والاقتصاد …الخ. طموح مشروع منطقيا وثقافيا ونضاليا …
ما هو غير مشروع أن يستثمر الأيديولوجيون هذه النظرية للتحكم بقيم اجتماعية وثقافية تخدم منهجهم السياسي، والذي ينتهي –عادة-إلى تحكم واستبداد في المناطق-والبلدان والشعوب –التي يحكمونها، كما حصل مع الناصرية في حقبة ما، وكما حصل مع البعث في العراق وفي سوريا، والتوجه الأيديولوجي في الحركات القومية المتطرفة حيثما كانت.
هنا-ربما-تكمن المشكلات الأساسية التي تعاني منها الثقافة العروبية عموما بشقيها القومي الطبيعي والقومي الصنعي-اذا جاز التعبير-على أساس أيديولوجي يمثله مفهوم العروبة السياسية.
………………………………………………..
……………………………………………….
كيف ينبغي أن تمارس الشخصية أداءها؟
محمد قاسم
ربما كان الاستمرار في البحث في الشخصية أمرا مفيدا،خاصة عندما تصبح الأفكار مادة للحوار ..
فقد تطرقنا إلى المعرفة في حياة الناس،ومن ثم الشخصية ومكوناتها الأساسية..وربما كان التطرق إلى الشخصية في حيويتها أو أدائها…يكمل ما بدأناه..ويجعل الحلقات الثلاثة متكاملة ..تخرج بتصور متناسق عن الشخصية في تكونها ودور المعرفة في ذلك،ومن ثم حركة الشخصية في الواقع الذي تكون البيئة الطبيعية والاجتماعية حاضنتها..ومناخها..ومنطلق حيويتها أيضا..!
هذا التكامل –واقعيا- يتجاهله الكثير..وبذلك فإن الشخصية لا تأخذ أبعادها اللازمة والمتوازنة ..وينشا عن ذلك؛ ارتباك في السلوك، ينعكس على كل أداء الشخصية .وخاصة الأداء ذي البعد ألعلاقاتي –إذا جاز التعبير-
وما يأتي كان بحثا سريعا سبق أن نشرته في مواقع مختلفة ..ولكني عدت إليه فوجدت انه يصلح أن يكون المادة المتكاملة مع البحثين السابقين..بعد إدخال تعديلات وإضافات تجعله موائما للغرض..وهذا ما فعلته.

فالمألوف والمعلوم أن كل عمل يقوم به الإنسان، يحتاج إلى مخطط نظري يسبق محاولة تطبيقه على الواقع.وهذا يتطلب خيالا مميزا بقدر ما يكون قوياً ، بمعطياته الذاتية (بخصائص نفسية تتصل بذكاء صاحب الخيال….) أو بمعطياته الواقعية ( العناصر التي يحتاجها لتحقيق العمل ، سواء أكانت أدوات أو مادة للعمل هذا )فإنه يساهم في الإبداع عموما.
وبقدر ما يكون هذا الخيال قوياً ومبدعاً،بوساطة المعطيات المذكورة، يمكن له أن يتوصل إلى أفضل صيغ ومستوى ينبغي للعمل أن يكون فيها. في مخططه وإنجازه النهائي . يتعلق هذا أيضاً ، بالمناخ الذي ينمو فيه الخيال !!
بعبارة أخرى 🙁 البيئة التي يتربى فيها الإنسان).
فالبيئة التي تؤثر في المرء، هي البيئة الطبيعية، والبيئة الاجتماعية..وكلاهما متكاملتان..ولكن الثانية هي الأكثر فاعلية في تحديد الإطار الذي تتحرك الشخصية ضمنها،وبتأثير من معطياتها..!
فإن كانت البيئة تعتمد على تحريك الطاقة الفكرية عند أفرادها ، وتتوفر فيها أساليب حياتية مرتكزها: الصيغة المنطقية، والموضوعية المتناغمة مع القوى النفسية الأخرى ، والتي لا مجال لعزل الإنسان عنها ( عواطف-معتقدات- ميول…الخ).
عندما تتوفر هذه البيئة ، فإن الممارسة الحياتية ، وبالوسائل المقبولة والمنتجة ، تصبح في متناول اليد ، وعلى أي صعيد كان . وذلك لأن الانخراط في معمعة الحياة بسلاح قوي هو (الوعي) يسهل على المرء حسن الدخول ،وحسن الإنجاز أيضاً.
أما المدخل السيئ إلى المعالجات – أياً كان المشكلة – فإنه يعقد المشكلة أكثر.وليس الوعي سهل المنال أبدا..فالفارق كبير بين القراءة والكتابة وتنميق الحديث…وبين الوعي الذي توفر التربية (الأسرة والمدرسة والمجتمع..) والتجربة الذاتية؛ الأسس الصحيحة لهذا الوعي. شريطة توفر مناخ صالح للحرية.
وقد يجد الاختلاف طريقا له حول هذه المفاهيم في تفصيلاتها –وهو أمر طبيعي في طبيعة التركيبة البشرية- وهو اختلاف يمكن التفاهم حوله عبر الحرية نفسها؛ عندما تمارس ديمقراطيا..ولعل القارئ يلاحظ أننا نتجه نحو حالة دائرية –بمعنى ما-
الوعي يحتاج حرية،والحرية تحتاج إلى ديمقراطية..والديمقراطية تحتاج إلى وعي لممارستها..وهكذا ..فكيف نتجاوز هذه الدائرية .؟ ومن أين نبدأ…؟ لعل الدكتور “خالد محمد خالد” كان يريد هذا عندما ألف كتابا بعنوان :”من هنا نبدأ”.
والبداية –دائما –هي ممارسة الحياة بحرية وفق ما يفهمه المرء..ألم يقل “عمر ابن الخطاب” –الخليفة المسلم الثاني-: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟).
ففي ممارسة الحياة الحرة نختزن التجربة..والتجربة تغني الوعي -في علاقة جدلية- وكلاهما يفرز صيغا جديدة للمفاهيم بمرونة تتفاعل مع المتغيرات باستمرار.وربما هذا هو مسار التطور والتقدم في حياة المجتمع(عملية تراكم معرفي وتجاربي ووعي…).ونظرة إلى تاريخ المجتمعات المتقدمة تعيننا على تمثل هذا المعنى..
ولا ريب أن لكل مدخل أدواته (وسائله ) التي تتناسب معه.
والمدخل إلى العمل… والمدخل إلى ممارسة الفعالية الاجتماعية (السياسية خاصة ) يحتاج إلى أدوات لعل أهمها:
• فهم الواقع
• والتعامل معه بتوفر الخيال القوي المبدع في رسم الطريق للبداية، ولما ستكون عليه النتائج (بتصور صحيح لها).
من هذه الحقيقة انطلق الفلاسفة وعلماء النفس وعلماء الاجتماع …الخ في تصنيف السياسيين الناجحين(القادة خاصة ) باعتبارهم في :الدرجة الأعلى من الذكاء. يقول الفيلسوف الألماني “إمانويل كانط” المشهور:(إن أصعب المهن على الإطلاق هي السياسة والتربية).
إنهم يتعاملون (السياسيون والمربون)مع واقع حي متغير ( الحياة الاجتماعية)إضافة إلى تعقيدات معطياته وحوادثه…
وفي حالات كثيرة ، خاصة عندما تكون التعقيدات شديدة، ومستوى الجمهور مرتبك في الفهم…يتهرب بعض الأذكياء، مما يعطي الفرصة لفئة ذات إمكانيات متواضعة من الذكاء والخبرة، والمعطيات النفسية المختلفة، ليتبوؤا وظائف قيادية في الحياة الاجتماعية ( والسياسية). أو وظائف إدارية بمستوى من الإمكانيات المتواضعة ….
فكيف تقود هذه الفئة؟!
ما هي المنعكسات ؟!
بلا شك أن ارتباك القيادة في هذه الأحوال ، يتيح ارتباكا في حياة المقودين بشكل متزايد يوماً بعد يوم ، هذا إذا أحسنا الظن بهذه القيادات على أنها تمارس وظائفها بنوع من المصداقية….؟
أما إذا أسيئ الظن بها – وهذا ممكن،وربما الأكثر وجودا في المجتمعات المتخلفة – فماذا يكون ؟
تكون الكوارث….ولكننا سنظل نفترض حسن الظن.ونعتبر السلوك المتجاوز لهولاء القادة هو ناتج مزيج من الجهل لديهم،وضعف الوعي لدى المجتمع في تركيبة متفاعلة تنتج أخطاء الممارسة.
فالمعروف أن أي قائد لأية عملية ، ما لم يشعر-شعور الشخصية الداخلي- بأنه أعلى مكانة (قيمة)مما يشغله من موقع (منصب). فسيسعى دوماً للاحتفاظ بموقعه ، لأنه يستمد قيمته الشخصية منها ، بخلاف الذي يرى نفسه أكبر من الموقع. يحضرني هنا قصة الوالي العباسي-ربما اسمه خالد القسري- والذي سئل عن السبب في تغير الإنسان عندما يشغل مركزاً ما .فأجاب قائلاً الرجال نوعان:
الأول : رجل يرى نفسه أكبر من المركز.. فلا يغيره المركز في شيء ..
والثاني: يرى نفسه أصغر من المركز. فهو لا يشعر بشخصيته إلا من خلال هذا المركز. فيتصرف بأسلوب فيه تشويه لقيمته كإنسان،ومن ثم فإنه يفعل كل ما يستبقيه في المركز،وإن أدى ذلك إلى كوارث –كما يحصل في المجتمعات المتخلفة عموما- .
ولعله يصلح معيارا جيدا لمسؤولي هذه الأيام، والذين – على ما يبدو- جلهم أصغر من المركز الذي يشغله…لذا لا يألو جهدا في استثمار سيئ لمركزه، ويحرص عليه كل الحرص، وقد يدفعه حرصه هذا إلى كوارث في حياة المجتمع الذي يقوده.
نقارن هذا بما مر به الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، حينما عرض عليه تولية ابنه عبد الله- وهو أعلم بني قريش- فقال : يكفي أن يحمل وزر هذه الأمة من آل الخطاب رجل واحد)) أو كما قال.
ترى ..أليس الأجدر أن نتساءل..ما معنى أن يتولى امرؤ ما ولاية أمر الأمة-أية أمة-..؟!
وكيف يرى هذا المسؤول المركز الذي تولاه..؟!
أليس القيمة الإنسانية هي التي ينبغي أن تكون الأساس- منطلقا وسيلة وغاية-في هذه الولاية..؟!
وما لم يكن فما هي القيمة التي تسكن هؤلاء الولاة..؟!!