من سمات الخطاب السياسي الكردي في سوريا
ابن الجزيرة
يبدو أن الخطاب السياسي للقوى الحزبية الكردية في سوريا يعتمد على أمرين أساسيين- ربما – :
1 ـ الصيغة الأدبية التي تكاد تكون مثالية فيها ،وذلك من خلا ل بذل الجهد لكي تأتي العبارات أنيقة مراعية للقواعد اللغوية(( النحوية والإملائية 000إضافة إلى الاستزادة في الصور البلاغية ، التي تدغدغ الخيال في غفوة العقل 00)؟! ويتناسى الكتاب في هذه الأحزاب ، أنهم ، إنما بصد د كتابات سياسية تفترض الجدية والتحد يد في قالب من الإيجاز والوضوح ، لإيصال رسالة ذات مغزى ومطلب000وفي الحالتين، مؤثرة بحسب ما كتبت له، ولمن كتبت لهم. ibneljezire@maktoob.com
2ـ القيم الأخلاقية التي تتبناها في صيغ التعبير . وكأنها إنما تخطب في جامع، أو تلقي موعظة الكنيسة في يوم الأحد، ناسية أو متناسية، أنها إنما تخاطب قوى سياسية تكونت على أسس مصلحية أساسا، وتحت مظلة شعارتية قد تكون صادقة فيها، أو لا تكون كذلك، وفي الحالات الأغلب إنها لا تكون كذلك ، وهي تمارس ما تمارسه عن سبق تصور وعمد وإصرار، وهي تدرك ما تفعله , وما سينتج عن سلوكها وأفعالها 00وهي -إضافة إلى ذ لك- تمتلك من القوة ما يجعلها تصم أذانها عن ما تسمع وما ترى 00فيصبح هذا الخطاب كسهم يرتد على راميه، بما يتركه من اثر في نفوس ووجدانات أفراد أحزابها بشكل سلبي ، فضلاً عن قصور هذا الخطاب في : الوجود المكثف حسب المتطلبات ،والوصول في الوقت المناسب ووحدة التصور في تناول الموضوع ذاته (أو على الأقل تقارب التصور ) فإذا أضفنا الى ما سبق ،ضعف القدرة أو عدمها، في استثمار معطيات هذا الخطاب في الواقع ( تحويل النظري الى تطبيق عملي) 00عندئذ نستنتج ما يلي : إن هذه الأحزاب إنما تدور حول نفسها في فراغ، أكثر مما تقدمه من فعل مؤثر يؤدي إلى تغيير في الواقع وتطوره . وان كان ضئيلاً. بعبارة أخرى يصبح فعل الأحزاب ـ في الإجمال ـ نوعاً من التعامل مع الورق و الحبر ، أو بتعبير (( مروان صواف)) المذيع التلفزيوني السوري : ” عالم من ورق ” .يكثر الكلام والتلوين فيه، بل والحماس أحيانا، ولكنه لا يتحول إلى تأثير فعلي في النفوس، ولا إلى ترجمة في الواقع00! مما يفقد الأداء النضالي مبرراته أحيانا ، فضلاً عن مغزاه 00! إنه خطاب يكاد يوصف بالفني 00ولكنه بأي حال لا يكون خطاباً بالمواصفات اللازمة، ليسمى خطابا سياسياً، يجمع بين المقومات العلمية، والأفق الفلسفي، فلماذا ؟
بتقديري إنه بسبب تخلف المرتكز الثقافي المتوازي مع سوية العصر -كلياً أو جزئياً- لدى أصحاب الأقلام في المنشورات الحزبية لسبب ما ( ربما ضعف السوية الثقافية أساسا، أو ربما ضعف الاهتمام بهذه السوية كسلاً أو تكاسلاً أو مللاً حتى 00!) لان المناخ السائد في المجتمع الكردي لا يقد ر للثقافة أهميتها ود ورها في حياة الشعوب ،لغلبة الأمية فيه (شأنه شأن كل مجتمع تغلب فيه الأمية ، والعرب كذلك أيضا)00ولأن الشريحة الإدارية -ولا أقول القيا دية- في هذه الأحزاب.. غالباً ما، قد تما هت مع مواقعها ، فقد أفلحت ـ ومهما كانت الأسباب ـ في تحد يد سقف السوية السياسية، لذا يصعب اختراقها0لأن أي محاولة لذلك سيجعل صاحبها في مواجهة مباشرة مع الحواجز التي نسجتها هذه الإدارات ، وأضفت عليها نوعاً من المسوغ الفلسفي-إذا جاز التعبير- في أذهان المرتبطين بهم ، حتى ليكاد ان يصبح عقيدة يمكن التشبيه لها بما بين الشيخ والمريد (حيث لا يجوز للأخير النظر في وجه الأول فكيف بمناقشته00!!).أي خلق حالة نفسية سكونية عن الإداري الحزبي ، والذي- كما يبدو- قد اكتفى بما وصل اليه،لا يطيق من يخترق سويته هذه00ربما بدوافع اعتياد وأنانية أيضا إن لم يكن غير ذلك0وكذلك خلق حالة نفسية سكونية عند الذين يديرونهم،والذين وجدوا في الاتكال على الإداري نوعاً من تبرير السلوك، وشرعيته ، حيال عقولهم، ووجدانا تهم، وأخلاقهم00والتي تفترض سوية أعلى دوماً.
من هنا فان المناخ الذي تشكل وغلب في حياة الأحزاب وعلاقاتها هو مناخ أشبه بمناخ راكد معطل الطاقات و الطموح معاً000ان التغيِر في حال الإنسان يصبح صعباً في المراحل الأخيرة من حياته إن لم يصبح مستحيلاً0 ما لم يكن في الأساس كائناً حيوياً نامياً في ملكاته. هذه حقائق تؤكدها نتائج أبحاث علم النفس و الذين يختصرونها في القول :(العادة طبيعة ثانية )0وقد قال القدماء:(يمكن للجبل أن يتغير عن مكانه أما الطبع فلا) ولقد أدركت هذه الحقيقة، الشعوب المتقدمة- ومنذ العصور الأولى من التاريخ- فصاغت دساتيرها بحيث تمنع ارتهان الوطن والمواطن (المجتمع)لفلسفة وأسلوب إدارة شخص واحد (0الجمهوية الفرنسية ذروة هذه المجهودات) مما يفقد الجهد مبرراته أحياناً فضلاً عن مغزاه 0لذا فان المناخ الذي يسود كنتيجة لما سبق ذكره هو: مناخ راكد، معطل للطاقات و الطموح معاً، لأن احتمال التغيير في هذه الإدارات يبقى ضعيفاً.. وخاصة في السنين الأخيرة من العمر ماعدا حالات استثنائية 0فمثلاً المعلوم أن دستور الولايات المتحدة لا يسمح بالترشيح للرئيس لأكثر من دورتين مجموعهما ثماني سنوات 0وحتى في الحالات التي لم يضبط الدستور ذلك في المجتمعات المتقدمة، فإنها تنضبط بقوانين وقيم ديمقراطية، لا يسهل على من يود التحايل اختراقها بسهولة 0فبحسب تعليق لأحد المحللين السياسيين على فشل المستشار الألماني (هيلموت كول)السابق :((لم يفشل هيلموت كول ولم يرتكب خطأ سياسياً يبعده عن الحكم سوى بقائه مدة طويلة جعلت الشعب يمل استمراره ،ويسعى الى التغيير فقط )).
التغيير إذا من ضرورات التطور على أي صعيد 0وينصح علماء النفس بالتغيير في جميع أحوال الحياة ضمانا لراحة النفس وتجددها0أما أنظمة الشرق -ومنها الإدارات الكردية للأحزاب – فلا يوجد في ذهنها أي تغيير، بل ربما تتوهم بأن عجلة الحياة و النضال لا يمكن أن تدور الا بوجودها، لمالهم من ضعف ثقة بشعوبها وجماهيرها، ولما وصلت اليه أنانيتهم من التضخم ((وربما المرضي )).لذا فان الجهد المكرس من هؤلاء للإبقاء على الأمر الواقع في أنظمتها هو جهد يفوق – ربما – ما هو مكرس لتطوير شعوبها وأحزابها ..!
ربما هذا هو السبب الأساسي والذي يحجب عن شعوب الشرق إمكانية التطور، و بالتالي بقائها دوماً تحت وهم نظرية المؤامرة قاصدة أو غير قاصدة0وطبعاً لا يمكن إغفال دور الشرائح الفاعلة وخاصة منها المثقفة في عملية التغيير0وكما درج القول 🙁 قيل لفرعون من فرعنك؟ فقال :هامان)0
……………………………………………………..
-هذا المقال نشر في مجلة Jin ولشعوري بأنه لا يزال موافقا للواقع فقد ارتأيت أن أنشره عبر الانترنيت.
……………………………………………………………………………………………………………………………………………………..
……………………………………………………………………………………………………………………………………………………..
ذهب إلى دهوك كاتبا وعاد إلى الوطن معتقلا
ابن الجزيرة
بناء على دعوة من اتحاد الأدباء الكرد- دهوك؛ ذهب الكاتب عدنان بشير من( ديرك) المعربة إلى ( المالكية) للمشاركة في الفيستفال الذي أقامه هذا الاتحاد لمدة ثلاثة أيام للفترة من 22-24/9/2005 شارك فيها بمداخلة عن الأدب الكردي، ولكن المشكلة أن العقلية المشككة التي تدار بها الأمور في سوريا والتي استمدت منها السلطات الأمنية صلاحيات تجاوزت المقبول والمعقول، لم يرق لها أن يتم نشاط يخص الثقافة الكردية من مواطن سوري ما لم يكن بتوجيه منها –كما يبدو وكما اعتادت أن يتحرك كل مواطن تحت وصايتها -.
في الواقع مذ وعيت فإنني أسمع هذه الأمور إلى درجة أنها أصبحت جزءا من حياتنا اليومية، وأصبح التدخل الأمني في حياة المواطن أكثر قانونية من القانون نفسه. ولقد استنتجت – واستنتاجي هذا مؤيد بالواقع الذي تعيشه هذه الشعوب التي جردت من الشعور بالحرية في كل أبعادها ما عدا المؤدية بها إلى حالة تخدير عن التفكير، وخاصة التفكير السياسي- إلى درجة أن من الأدبيات الشائعة (( شو بدك بالساسة ومشاكلها)) وهم على حق فالسياسة في البلاد العربية من المحرمات إلاَ للمتنفذين بوسائل غير سياسية للأسف – استنتجت بأن التخلف الذي ظلت الشعوب العربية تعيشها على مدى القرون الطوال هو بسبب هذه الأساليب التي استطاع الآخرون أن يتجاوزوها عندما اكتشفوا الأثر السيئ لها في مسيرة التطور. الخ. (العروبيون) استحلَوْا هذه اللعبة الخطرة لما فيها من استجابة لطبيعة سيكولوجية تغمر كيانهم، سيكولوجية التعالي واستباحة حقوق الآخرين باسم الدين والعروبة والتاريخ و…الخ . وكونهم شعباً اختاره الله لرسالة خالدة جدّلوها كشعار يستبيحون به الحقوق والقانون في كل الاتجاهات…!
ولو أنها خدمت المصالح الحقيقية لشعوبهم لقلنا: استثمروا الآخرين ظلما ولكنهم نفعوا شعوبهم، إلاَ أن المشكلة – وهي مشكلة حقيقية –هي في أنهم فقط نفعوا شرائح قليلة من شعوبهم وحولوا الباقين منهم إلى أميين في القراءة والكتابة، وأميين في ثقافة الحقوق الإنسانية، وأميين في العلاقات السياسية…بل لقد حولوا كل الوسائل –حتى التربوية منها – إلى أسلوب متخلف في الأداء، مما انعكس سلبا في كل المناحي والاتجاهات…!
ويبقى السؤال: لماذا اعتقل الكاتب عدنان بشير في خضم هذا التحليل؟
إذا أخذنا الأمور بمنطقها فأن هذا الاعتقال طبيعيا في ظل هكذا تفكير وسلوك…!
ولكن !
يبقى السؤال: لماذا اعتقل الكاتب عدنان – وهو معلم مرب أيضاً-؟!.
ألأنه كردي؟ ألأنه كتب بالكردية لغة ممنوعة ؟ ولماذا هي ممنوعة أصلاً؟
ألأنه ذهب إلى كردستان العراق؟! والثقافة العروبية لا تستسيغ لفظة اسمها كردستان أو الكرد؟!.
ألأنه انتقد اضطهاد اللغة الكردية ومضمونها الثقافي في سوريا في وقت يسعى اليونسكو للبحث والمحافظة على اللغات التي تتجه إلى الانقراض، فما بالك إذا كانت هذه اللغة هي لغة يتكلم بها عشرات الملايين من البشر ؟!.
هل خيف من عدنان بشير أن يتآمر على أمن الدولة وهو رجل مسالم وكاتب لا يملك سوى القلم والورقة التي يكتب عليها ( قدرة الكلمة)؟!.
كل ما يحيط بسوريا من الضغوط الدولية لا يبدو منها تأثير(( على زعزعة الاستقرار فيها ولا على الوحدة الوطنية)) ولكن عدنان ربما يفعل هذا ؟!!!!!
يا لغرابة التفكير…. ويا للسلوك الأغرب….!
هل نحن في القرن الواحد والعشرين (الألفية الثالثة) ؟ أم في أي زمن نحن؟!.
هل وصل الأمر بنا إلى نوع من الانفصام فيما بين القول والعمل ؟! التحدث عن الإصلاح !! عن التطوير !! عن التحديث !! عن المستقبل الرغيد للشعب !! عن مكافحة الفساد!!عن وعن !!
أم يأتي من يقول –كما قالها أحد المسؤولين عن مفرزة أمنية في يوم ما- هذه أشياء تقال ولا تنكتب؟!!.
ibneljezire@maktoob.com