هل هي ذهنية أم مصلحة؟!

هل هي ذهنية أم مصلحة؟
محمد قاسم
اليوم : الأحد 13 شوال/7 كانون الأول 2003
لا ادري كيف اصف وقع الخبر على نفسي عندما قرأته على شاشة التلفزيون (( أنباء عن اعتقال الرئيس العراقي المخلوع )) أو (( أنباء عن اعتقال رئيس النظام العراقي البائد صدام حسين )) ..وصيغ أخرى .
دغدغ الخبر مشاعري ولم اعرف رد فعلي خاصة وان الخبر لم يتأكد بعد . كانت الساعة حوالي الحادية عشر والنصف ظهرا . قلبت مفتاح التلفزيون من قناة لأخرى : الجزيرة و العربية , أبو ظبي , الكويت , سوريا , الجديدة , lbc ..الخ ..
كل الاتصالات كانت تدور حول خبر لم يتأكد بعد ..ولكن إحدى المذيعات سألت محللا سياسيا ( أو ربما كان المذيع /إبراهيم قاسم / من قناة العربية ) : بما أن الإعلان عن اعتقال الرموز السابقة غالبا ما تم من مصادر كردية وكان صحيحا , فلم لا يكون هذا الخبر أيضا صحيحا وقد أعلن عنه السيد جلال الطالباني عضو مجلس الحكم , أمين عام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وكان هذا التساؤل بمثابة تأكيد على صحة الخبر ..- بالنسبة إلي –فقد بدا مقنعا .
شعرت بمشاعر اقرب إلى الفرح إلى درجة ضاغطة على نفسي , فلم أتمالكها حتى بادرت إلى إخبار بعض من معارفي كنوع من التخفيف من عبء الخبر …ثم تابعت الأخبار حتى تأكد النبأ عبر اتصال مع السيد نصير الجاد رجي واحمد ألجلبي وهوشيار زيباري والذين تبادلوا عبر (العربية) التهنئة، وقال هوشيار زيباري 🙁 هذا اسعد خبر سمعته في حياتي )) ثم كتبت عبارة منسوبة اليه على شاشة ( العربية ): ((هذا اسعد خبر انتظرناه طويلا ))!
وشغلت القنوات بعدها، بتحليلات، واتصالات، وعرض صور، و سجالات ….
وكنت أتابع ما تعرضه الشاشات المختلفة , ولاحظت الاختلاف في التفسيرات والاستنتاجات والتعبيرات والمواقف ..الخ. ولكن الذي لفت انتباهي في ذ لك كله هو الأسلوب( أو الذهنية ) الذي كان يعبر به ( أو يتبعه )- هو أسلوب سماه احد المتابعين ( مدرسة غير متزنة ). ومن أهم ممثليها شخصيات مختلفة من العروبيين ولعل أبرزهم بعض من لهم صلة بحزب البعث ( رفيق أبو موسى ) أو الصحفيين الذين كانوا على صلة مع النظام البائد ورئيسها واعتبرها البعض انتفاعا ومن هؤلاء مثلا : ( عبد الله السناوي) و ( مصطفى بكري ) و ( عبد الباري عطوان ) أو بعض المحللين الذين يغلبون اعتبارات خاصة على واقعية المجريات ( الموضوعية ) مثل ( د.عماد الشعيبي ) والذي علق على إحدى مداخلاته الكاتب الصحفي اللبناني ( سمير قصير ) بقوله (( يبدو أن البعض يريد دفع السياسة السورية الى اتجاهات مخالفة لطبيعتها البراجماتية لدى النظام )). وغيرهم عدد غير قليل. وإنما أشرت إلى هؤلاء , وهم من الذين يظهرون بكثرة في البرامج التلفزيونية ولا ادري إن كان ذ لك مقصودا – وهو الأرجح – أم انه غير مقصود .؟!
لاحظت في أسلوب هؤلاء , والذين يتفاخرون بالعروبية عادة, إنهم اقرب إلى صياغات لفظية خطابية تتسم بجزالة الألفاظ وتلون النبرات , والتفنن في إخراج الحروف والكلمات من مخارجها نحويا مع الصوت العالي النبرة , والسريع الإيقاع , إضافة إلى استخدام كلمات أو عبارات تقترب من الشتيمة , بل هي شتائم في بعض الحالات كما فعل (الركابي ) عندما أطلق على محاور عبر تلفزيون ( ؟ ) وهو قيس العزاوي بأنه ((حشرة )) وكانت هذه آخر كلمة منه في البرنامج، مع أن السيد قيس هذا، لم يخرج عن إطار كلام نقدي يتعلق بـ (صدام حسين ) .
ولكنها ذهنية لا تقبل اختلاف الآخر في نظرية معها … وهذه هي الحالة التي لاحظتها في مثقفي هذه المدرسة أو التيار، فكأنهم قد وضعوا أنفسهم طبيعيا في الترتيب الأعلى في سلم القيمة الإنسانية , لمجرد أنهم (( عروبيون )) وهي نظرة عرقية سبقهم إليها (هتلر ) وبعض فلاسفته , مما يجعلهم دوما خارج عملية النقد أو الانتقاد , فتجدهم عندما يتحدثون على ( العروبة ) يخلطون بينها وبين ( الإسلام ) وتراثه؛ بطريقة فيها تجاوز واضح على الحقائق، وخاصة عندما يجعلون من الإسلام ومكتسباته بعضا من خصائص العروبة. وبذلك يصادرون معنى الأممية في الدين الإسلامي الحنيف, ويصادرون جهود كل المسلمين غير العرب في مختلف مظاهرها: خدمة اللغة ( أبو خليل الفراهيدي- سيبويه – الكسائي ) تطوير الشعر ( المولدون ) أمثال ( بشار بن برد – الحسن بن هانئ – ابن الرومي – أبو العتاهية – ..) والعلماء: ( البيروني – عمر الخيام ) المحدثون ( البخاري – مسلم …).أصحاب المذاهب ( الحنفي – الحنبلي ) القواد العسكريون ( أبو مسلم الخراساني – طارق ن زياد – صلاح الدين الأيوبي) الفلاسفة ( الفارابي – ابن سينا ..) إلى آخر القائمة .
صحيح أن هؤلاء استخدموا اللغة العربية ولكن ذلك لدوافع إسلامية، باعتبارها لغة الدين الإسلامي عبر القرآن الكريم , والحديث النبوي الشريف ..
ولكن الفهلوة التي تميز بها هؤلاء(العروبيون) جعلتهم يعكسون الحقائق بخطابات إنشائية، وإيقاعات متعالية، دون الانتباه إلى واقع الحال الذي يعيشونه على مستوى: الفكر الذي أنكر المؤرخ العراقي وجوده عربيا .
وعلى صعيد الارتباك في العلاقات الاجتماعية؛ ومنها السياسية، وغياب الديمقراطية، والتي يسعون إلى فبركتها بطريقة ذاتية، لتتلاءم مع مستوى النظام المستبد، والذي حاربه/ عبد الرحمن الكواكبي / منذ قرنين تقريبا.
وعلى صعيد المواجهة مع القوى الأخرى؛ وخاصة الغرب ..فهم دوما يفتقرون إلى ما يمكن تسميته: بـ ( الواقعية السياسية ). لأنهم لا يعترفون بالواقع، بل يفرضون تصوراتهم، ومنطلقاتهم على الآخرين – وبغض النظر عن مدى صحتها – وما على الآخرين الا أن يتقبلوها، ويتكيفوا معها , ولذلك تجد المشاكل في المنطقة العربية مزمنة ومتفاقمة, والفضائيات تظهر الكثير منها بشكل مباشر، وأحيانا يكون التعبير عنها بلغة شديدة المباشرة ( المغرب – الجزائر – السودان – العراق – سوريا – مصر …الخ
وتساءلت ولازلت أتساءل ..
لم هذا النمط من التفكير والسلوك ؟.
لم هذه الذهنية ؟.
هل هي ارث تاريخي أنتجته الصحراء والبداوة- سواء من حيث الضحالة أو من حيث البعد التعويضي النفسي المرتبك؟.لا أدري لماذا…!
ولكن الذي أدريه وبّين : فإن هذا ألأسلوب البهلواني في الحديث والكتابة ( وتجاوزا، التحليل، التشخيص، والتصور …!) لم يضف إلى الواقع العربي شيئا مفيدا, بل على العكس افرز نمطا فكريا مرتبكا ( خياليا – أنانيا – بهلوانيا – انفصاميا ..الخ ). مما انعكس على الواقع مشاكل اجتماعية ( فقر . أمية. استبداد في العلاقات ) وسياسية ( دكتاتورية الحكم ) واقتصادية( تخلف في الإنتاج والتطور التقني …) وغير ذلك من النتائج السيئة على نسيج التكوين الفكري والسلوكي العربيين، ومنذ آماد طويلة …!!
يذكرني هذا بحالة فكرية – أو نفسية – يعيشها البعض من الإخوة السريان ..ولا اعلم إذا كانت هذه الصفة المشتركة بينهم وبين العرب , مردها الجذور الواحدة في تكوين الجميع، وهي(السامية) وهل هذه الجذور تمتد إلى اليهود أيضا ،باعتبارهم ساميين؟.
أم أن الانتساب اليهودي إلى السامية هو نفسه (أسطورة ) كما يريد بعض مفكري العرب أن يقولوا؟.
هذا المزج الغريب والمصلحي – إذا جاز القول – بين الاعتقاد الديني والانتماء إلى القومية, حالة خاصة لدى كل من العروبيين، وهذا البعض من السريان مع اختلاف في الأسلوب .
فالعروبيون يرون الإسلام بكل نتاجاته المعتقدية، والفكرية، والفلسفية، والأدبية، والعلمية، والتاريخية …الخ. هو ملك لهم، يضاف إلى تراثهم، و حجتهم أن ذلك بلغة عربية , فذهبوا في تمجيد اللغة مذاهب شتى، لتبرير هذه الرؤية الذاتية.
وهذا التيار من السريان يسخّر حرمة الدين، وحساسيته، لتحقيق مكاسب على مستوى فردي، واجتماعي، وأحيانا قومي أيضا , عندما يبتعدون في سكناهم من المناطق العربية(المهاجرون إلى أوروبا خاصة …!).
وإذا ظهر بعض اختلاف فيها حول الموضوعات المبحوث فيها وخاصة فيما يتعلق بالكرد وغيرهم في المنطقة ، فالاختلاف من طبيعة الإنسان , لاسيما إذا كان الموضوع المبحوث فيه أنسانيا، سواء لجهة التاريخ أو الانتروبولوجيا أو السوسيولوجيا أو غيرها . ولعل تدخل البعد السياسي يجعل الاختلاف اشد في أحوال كهذه، ويمكن اللجوء إلى قراءة كتَاب لا ينتمون إلى أطراف الخصوصية – إذا جاز التعبير – وهنا نستشهد بما كتبه السيد ( يحيى الخشاب ) في مقدمته للترجمة العربية لكتاب ( شرفنامه ) للبدليسي (10)وكانت ترجمته هذه بتكليف من الإدارة العامة للثقافة في وزارة التربية والتعليم . يقول في الصفحة /7/ الفقرة /5/ :
( ويرى سفرستيان safrastionفي دائرة المعارف البريطانية /1944/ أن الكرد لم يخضعوا للدول المتعاقبة قبل الإسلام , وأنهم اكتسبوا الصفات الآرية كاملة أيام الا كمينيين ).
وفي الصفحة السادسة , الفقرة /3/ :
( ولا يشير هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد إلى اسم كهذا ,الا أنه يقول أن الإقليم الثالث عشر من الإمبراطورية الا كمينية قد الحق بأرمينيا , واسمه بوخته يوخ التي يربطها بعض المستشرقين باسم بوختان ( بوهتان ) .
ويذكر جز ينفون xenophon (4001-400 .ق.م )اسم شعب كردوك الذي يسكن شرقي كنتريتس (بوختان)
وبعد هذا كثر ذكر هذا الاسم في المنطقة بين الشاطئ الأيسر لدجلة وجبل الجودي فقد سماها المؤرخون كوردوئين . وسمي هذا الإقليم بالآرامية ( حوض كاردو ), وأطلق اسم ( كازار كاي كاردو ) على مدينة جزيرة ابن عمر الحالية . وفي القديم عرف الأرمن هذه المنطقة باسم ( كوردوز ) وعرفها العرب باسم ( بقروي ) . ويذكر ياقوت الحموي نقلا عن ابن الأثير أن بلاد( بقروا ) جزء من جزيرة ابن عمر )) انتهى كلام يحيى الخشاب .
من الممكن طبعا الإكثار من الأمثلة كهذه ومن بطون كتب ومراجع كثيرة ومختلفة . ولكننا لا نبغي هذا، وإنما فقط للتدليل على الوجود الكردي التاريخي في هذه المناطق، ولا يزال هذا الوجود مستمرا وبقوة حتى هذه اللحظة, فضلا عن الثورات وحالات حكم , والابادات التي تعرض لها (11).
وندلل فقط على أن هذا الوجود استمرار لوجود طبيعي وتاريخي , وليس نزوحا سياسيا كما يزعم السيد شمعون . ويمكن لمن شاء الإطلاع فان المراجع لم تعد مقبورة في مكتبات سلطات تحاول إخفاءها , إضافة إلى الواقع على الأرض . – وطبعا لا نتجاهل حركة الشعوب لأسباب مختلفة –
وأما بشأن تهجير السريان , وقبل ذلك تعريبهم، وخاصة في العراق وسوريا، وكما يزعم السيد شمعون وخاصة في الجزيرة السورية فلنا فيه قول :
1- أن غالبية السريان في الجزيرة هم منتمون لحزب البعث العربي على اعتبار كونهم عربا وربما للاستفادة من مزايا هذا الانتساب، كالتوظيف، والانتفاع، وتبوء المراكز الإدارية، والسياسية …الخ. بل أن طموح بعضهم كان مغاليا فيه، إلى درجة رفع شعار تسرب الى الأوساط الشعبية في بدايات الانقلاب البعثي، واستلام السلطة وهو : (( سنبني دولة على أكتاف البعث )) ولعل شيئا غير قليل من هذا قد تحقق . فغالبية الوظائف والإدارات والمراكز المهمة في الجزيرة لا تزال بيدهم , وتستغل هذه الحالة أحيانا لمصالح ذات بعد عنصري – وربما أكثر.
2- وأما هجرتهم، فلعل الحكاية التالية ستكون إجابة على جزء منها – على الأقل – وهي أن مناسبة جمعت بين جمع مدرسي الجزيرة أثناء قيامهم بتصحيح أوراق البكالوريا في طرطوس عام / / وبين عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري ( المراقب المالي ) بناء على رغبة من السيد المرحوم محمود داوود (12
وكان من بين المدرسين الشاعر المرحوم جورج سعدو (13) . فسأله المضيف بعد إذ عرفه سريانيا من القامشلي :
ما الأصل اللغوي لأسماء : عمريت ..اوغاريت ..الخ ..فرد قائلا :هي أسماء آرامية (سريانية )….
فقال المضيف : ما لسبب إذا أننا نرى في مناطق مختلفة آثارا للآراميين ولكننا لا نرى لهم وجودا معاصرا فعليا؟
واستمر المضيف مفسرا – وهو مسيحي وربما سرياني، بتقديري- : ((أن السريان لم يتشبثوا بأرض ليتخذوها وطنا، بل كانوا ينزحون دائما إلى حيث يشعرون بالأمان، والعيش الهادئ، وربما حفاظا على عقيدتهم ..)) (14).
هذا قد يفسر جزءا من واقع الهجرة لديهم – وربما تتدخل عوامل أخرى أيضا، ليس المجال هنا للبحث فبها، وأما تهجيرهم – المزعوم – فلنا أن نسأل :
إذا كان في مدينة صغيرة (كالمالكية ) (15) وهي مركز منطقة ممتدة غالبية سكانها كردا – أكثر من الثلثين واقعيا – ومع ذلك فرئيس مجلس المدينة – سرياني – والمفاصل الإدارية في المجلس بيد السريان , وغالبية أعضاء المجلس سريان، ومفروضون من قبل الدولة، وتحت غطاء الانتماء إلى البعث، ’وهذا نموذج عن مختلف المؤسسات والدوائر السلطوية، وإذا كان رئيس المركز الثقافي سرياني بكل طاقم أعضائه، ما عدا شخص واحد له خصوصية ظرف وجوده .
وإذا كان رئيس المشفى والمفاصل الإدارية فيه من السريان ضمن كثرة من الكرد .
وإذا كانت إدارة المدارس :
ثانوية البنين، وثانوية البنات، وثانوية الصناعة، وثانوية التجارة والفنون، والاعداديات أو (التعليم الأساسي )وعددها أكثر من ثلاثة , وكل المدارس الابتدائية، وعددها يفوق سبعة، جميعها بإدارة أناس سريانيين، ماعدا مدرسة واحدة، أيضا لها خصوصية الظرف في شخصية مديرها ( وهو بعثي ) ورئيس دوائر التربية، وأمين مستودع الكتب، وأمين مستودع الأثاث, ومدير المال، و مديرة المصرف الزراعي، ومدير مصرف التسليف الشعبي، وغير ذلك من المفاصل الرئيسية في هذه المراكز، جميعهم سريانا، فضلا عن المراكز الحزبية، والوظيفية، وكراج السيارات بأنواعها, والمحال التجارية، والمقاصف، والمطاعم، وملكية الأرض التابعة أساسا لكنيستهم- وبغض النظر عن طريقة امتلاكها – وكم ثم لمجلسهم المللي ولأغنيائهم ))…الخ (16).
وهم الوحيدون الذين ينادون بشعارات تقدمية، بعثية، اشتراكية، أو شيوعية …أو غيرها، ومع ذلك هم الوحيدون الذين يمارسون باسم الطائفة مصالح مختلفة ..وهم الأكثر غنى بالمال ومن خلال مواقع إدارية ووظيفية ونمط حياة خاصة …الخ
إذا كان هذا واقعهم – وهو واقع على مستوى الجزيرة كلها – ماعدا حالات قليلة وحديثة، برزت في نوع من التنافس معهم من قبل بعض عرب المنطقة، بتأثير من سياسة البعث التعريبية، والتي استمرت في سياستها التفاضلية – بتفضيل العنصر العربي على السريان – وهم جميعا رفاق في حزب البعث ..ولا علاقة حقيقية للكرد بذلك، بسبب الحظر الذي وضعوه من خلال سيطرتهم على السلطة، عب الانتماء للبعث، ويتعاونون معا عل الكرد – الا تلك الحالات الخاصة التي تخلى بعض الكرد عن خصوصيتهم القومية وأصبحوا تبعا لهم بشكل أو بآخر – وبعض الحالات التي تسامت في وعيها القومي السرياني أو الأخلاق الفردية…!
تقول إذا كان هذا واقعهم؛ فهل هم مهاجرون أم مهجَرون على الأغلب ؟
أم يصح في تفسير هجرتهم ما قاله ذلك المراقب المالي في عضوية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري) ؟
ونزيد في إيضاح بعض من سيكولوجية هذا النمط من السريان، بالاستعانة بقراءة في مداخلة من احد مشاهير السريان في الجزيرة، وهو ينشرها في الانترنت / موقع عامودة / تحت عنوان ( كي يبقى الحوار منهجيا لتعزيز الوحدة الوطنية ) ويوقع عليها باسمه الصريح( عبد المسيح قرياقس) مع تعريف بنفسه ( سجين سياسي سابق بعثي قديم ) (17) .
نقتطف من مداخلته فقرات، ثم نعلق عليها ، (ودون أن ننسى التنويه بالفارق الأخلاقي والثقافي بينه وبين السيد شمعون) يقول : ” أنا بعثي قديم، سجنت 17 عاما امتدت من عام 1975 وحتى نهاية عام 1991 ”
وهو لا يذكر سبب سجنه، والذي كان أشبه بمحاولة في رسم سياسة بعثية لمصلحة ما سماه رفاقه الساجنون ل” حركة البعثي” . وعلى كل ليس هذا ما تريده الآن فلنسمع أو نقرا ما كتبه :
“البعثي شجرة تمد جذورها عميقا في تاريخ المواطن والأمة فتمتص منه كل حضارته وكل ديانة …..فيولد في داخله الإنسان العربي الجديد …”(18) .
وبعد استفاضة في الحديث عن جانب من تجربته ومكونات فكره السياسي والأخلاقي والربط بين السريانية والعروبة – وغيرهما كفلسفة خاصة –يقول:
(( إن العشائر التي تعتبر الأجداد القدماء للأكراد أعانوا الآشوريين على إسقاط الإمبراطورية البابلية لتصبح العاصمة نينوى أقرب إلى مواطن سكناهم…))
ويريد بذلك الوصول إلى فهمه الخاص((…ولكن حتى لو كانت العروبة سلالة ، فالعرب يعتبروننا من صلبهم ويرون فينا أجدادهم وجذورهم،فالسريان لا يمكن أن يكونوا مستعربين…فبالإضافة لكوني سريانيا، وأتشرف بهذا وأتباهى، وأعرف أن سريانيتي هي أكبر جواز سفر لأكون العربي الأول باستحقاق. أقول بالإضافة لذلك فأنت تعلم إني أنا وآبائي وأجدادي ومنذ أكثر من ألف عام نتكلم اللغة العربية…))
ويمضي مؤدلجا نهجه بالشكل التالي، متخذا موقفا ليس غريبا عن نمط الفكر البعثي، إذ يقول:
(( لكن ما قلته عن الأكراد أردت به أن أضمهم إلى عروبتي لتكون أكثر إنسانية…ولأن الأكراد جزء حاسم وأساسي في عروبتي ووطني، وهم حصتي، ولا يمكن أن أتركهم أو أسمح أن يكونوا حصة للأجنبي، أو لأعداء أمتي)).ولعله ينبئ عن شيء من الازدواج لدى بعض هؤلاء الذين يمثل السيد شمعون نمط فكرهم وسلوكهم، إذ يقول في معرض إجابته عن شاب آشوري انتقده على تصريحات إيجابية عن الكرد صدرت عنه في ندوة أقامه الكرد ودعوه إلى المشاركة فيها-: ((ولست أدري الآن لماذا أغاظك مدحي للشعب الكردي، رغم أنك حليف للأحزاب الكردية هنا، وأمثالك متحالفون مع الأحزاب الكردية في شمال العراق، ويناطحون معها للفوز برضا وقلب أمريكا، الرحيمة، المحبة للحرية ولحقوق الشعوب المظلومة….))19
وهو باتجاهه هذا – أو عقيدته الفكرية والسياسية- ومع اختلاف غذته التجربة –وربما سعة أفق وإطلاع- يكاد ينهج نهجا متوازيا مع هؤلاء الذين يريدون اعتبار أو جعل كل شيء سريانيا في هذه المنطقة( الأرض-التاريخ – الشعوب الماضية والحاضرة بكل تفاعلاتها- الحضارة بكل مكوناتها…الخ 20
وعلى الرغم من الاحترام الشديد للسيد الأستاذ عبد المسيح قرياقس، إلا أنه يشتم من مكونه التراثي الفكري النفسي ما يبرر هذا الشعور، استنادا إلى ما ورد في مداخلته هذه، وربما في بعض طلائع مكوناته الفكرية – مع التأكيد على ضرورة التفريق بين هذا المكون التراثي الفكري النفسي لديه، وبين حياته المعاشة عمليا (سلوكه) والتي صقلتها سنون السجن، وما أثرت فيها من ممتصات الثقافة المكتسبة.
فنظرته إلى الكرد في محصلتها، نظرة سياسية ذات طابع وصائي و رعائي (من الرعاية) وتحليله للكرد – تاريخا وواقعا- أنهم أدوات بيد الآخرين، ولا ضمانة لهم سوى أن يحتموا بالنزعة البعثية(السريانية العربية) بحسب ما يمكن فهمه من مداخلته 21
وإننا نوجه إليه عتبا خفيفا ودودا، بشأن هذا التوجه الذي نراه متحيزا، ولا موضوعيا، مع التقدير لمواقفه السلوكية العملية بالرغم من كل شيء. فللمواقف حقوقا قد تكون أكبر من الأفكار أحيانا…!
ولا نريد التعليق كثيرا على مداخلة السيد عبد المسيح بعد تبيان بعض ما جمع بينه وبين السيد شمعون(مع ما ذكرنا من التحفظ في المقارنة بينهما) ولكننا نفضل العودة إلى أسلوب السيد شمعون دنحو وصاحبه الذي استعان استشهادا بالسيد سليم مطر، وخاصة كتابه (الذات الجريحة) وقد استمعت إليه في إحدى حلقات الاتجاه المعاكس في قناة الجزيرة التلفزيونية لنقول:
هذا الأسلوب مردود عليك للأسباب التالية :
1- إن الواقع أهم من الماضي بكل ما في هذا الماضي من إشكاليات التفسير الذاتي لتاريخه(والوهمية أحيانا)
وهذه المنطقة كما هو معلوم عنها؛ ميدان للتشارك، والتفاعل، والتصارع تاريخيا، وهي الآن ميدان يفترض أن يكون للتشارك، والتنافس الإيجابي، والتفاعل، باعتباره حالة واقعة، وهنا أنوه بان السيد الأستاذ عبد المسيح يعي هذا الأمر، وأحسن التعبير عنه، لو أنه تخلى عن فرض نظرته الخاصة (البعثية) على الآخرين، أو حتى فهمه الخاص لهذا الأمر.
2- هؤلاء السادة – شمعون دنحو وصاحبه سليم مطر وغيرهما من هذا النمط- لا يصنفون مناضلين بدلالة هجرتهم إلى الغرب وتركهم شعوبهم في يد العروبيين الذين(( قدموا أكبر الخدمات للقومين الأكراد في العراق وسورية)) بحسب زعمهم. ثم أشغلوا أنفسهم بإثارة نزعات عرقية وطائفية من مهجرهم، وفي أحضان ترفهم وانسلاخهم- ربما خدمة لجهات في ذلك المهجر.
والأولى بهم – بتقديري- إما أن يأتوا إلى هذه الأرض(( العزيزة عليهم)) يساهمون في عمارها بوعي وأسلوب أخلاقي (شعور بالمسؤولية) و إما ليموتوا، أو يسجنوا، دون غاصبيها إذا كانوا فعلا مخلصين، وأصحاب مبادئ وقيم. وذلك – بتقديرنا- خير لهم من مزايدات لا تقنع حتى أقرب الناس إليهم، ممن يفكرون بواقعية ومنطقية…
3- منطقيا، من الذي يقبل اتهامات بنيت على تخيلات – وربما دسائس- بالقول مثلا (( عندما ركزت الحكومات العراقية المتعاقبة على إضعاف التركمان والسريان في شمال العراق، ودفعهم للهجرة من مناطقهم التي تتحول تلقائيا إلى كردية)) ونتساءل أو نسأل:
من الذي تعرض لحملات الأنفال، والأسلحة الكيمائية، والإبادة الجماعية، والتهجير إلى صحارى العراق؟
هل كانوا كردا أم سريانا وتركمانا ؟
هل كان هؤلاء السادة يتابعون مشاهد الهجرة المليونية للكرد، في التسعينات من القرن الماضي على شاشات التلفزة العالمية؟ ناهيكم عن الآلاف المهجرة إلى الغرب وما تعرضوا له في قوارب، وسفن، من الغرق، أو الموت برصاصات الجندرمة22؟!
وحتى إذا كان قد تعرض بعض السريان والتركمان لقمع حكومي بسبب عيشهم مع الكرد، وسواء تساكنا أو تحالفا…!
تحضرني الحكاية التالية عندما حدثت انتفاضة الشعب العراقي –والكرد منه – في عام 1991 وكانت نتيجتها المقابر الجماعية ولهجرة المليونية للكرد إلى ثلوج الجبال، هاجر بعض من أمثال السيدين شمعون ومطر مرورا بالمنطقة الكردية حيث نقلوا بأمان إلى الحدود السورية وزودوا بما يصلح من أحوالهم وفي الضفة الغربية لدجلة تلقفهم بعض من الكرد لينقلوهم إلى المالكية وقد تهيؤوا لتوفير بعض الطعام ولكن سؤال المسؤول الأمني لهولاء، أرجأ سعيهم ليسمعوا الإجابات، فماذا كانت؟
سؤال: لماذا هاجرتم؟ جواب: هربا من الأكراد، فقال الكردي الواقف بجانبه، والمتهيئ لتوفير الطعام له، وكان قد نقلهم بسيارته: ألم تعبروا دجلة عبر المنطقة الكردية ؟ قالوا بلى !. قال: ألم يساعدوكم في الانتقال إلى هنا؟ قلوا بلى. قال: فلم إذا هذا الكذب عليهم؟ وهنا تدخل المسؤول الأمني قائلا: لو لم تكن أفاقا لكنت الآن مع غيرك من الباقين ذودا عن حقوقهم!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش وتعليقات وإحالات ..
1- د . عبد الحليم السيوطي طبيب مارس مهنته متنقلا بين ( تر بسبي ) و (ديريك ) و (الحسكة ) وتوفي في الأخيرة منذ سنوات .
وقد هذبنا في ياغة فوله انسجاما مع معايير الاحترام في القول والكتابة
2- بالعودة إلى كتب التاريخ يلاحظ أن هذه المنطقة ( ميزوبوتاميا ) أو ما يسمى أحيانا بلاد ما ببين النهرين , وغيرها وهي منطقة سكنتها شعوب وأقوام مختلفة وسادت فيها حضارات وبادت وهاجمها الفرس حينا والروم حينا ..الخ فلا ندري ما الذي يستند إليه في زعمه السيد شمعون دنحو لإلصاق صفة وحيدة الاتهام بها متجاهلا الآخرين ..أم ربما هو يعتمد مقولة 0 لقد مروا من هنا ) ؟!! وربما لمثل السيد شمعون دور في هندسة هذا والكاتب نفسه يعرف أن الحدود الحالية هي حصيلة ( سايكس بيكو ) وليست طبيعية , كما انه يعلم أن الأسر على طرفي الحدود العراقية والتركية هي اسر منقسمة بسبب هذه الاتفاقية ..
3- ينطلق بعض هؤلاء المتقولين من صيغة وجود ( الوعي السياسي ) كرديا في إلصاق التهم بالكرد ولكنهم أبدا يتناسون سلوكياتهم السياسية تجاه الكرد , حتى في اللحظة الراهنة .لقد ملأت محاولاتهم التقول على الكرد وتشويه سمعتهم زورا الأصقاع والآفاق . ولكن من حسن الحظ أن الحقائق لم يعد الغربال قادرا على إخفائها – كما يقال – .
فهم يفسرون الحوادث الفردية بتفسيرات سياسية , بل هم يضيفون إليها ما يجعلها تخدم مثل هذه الأغراض فمثلا:
اختلف شخصان حول قضية زراعية وتشاجرا ونتج عن ذلك شج راس (السرياني )فتطوع , بتعبئة من هؤلاء , بعض الشخصيات الدينية لتصدير الحادثة على أنها اضطهادية سياسية
4- حتى على مستوى الاختلاف بين طلاب المدارس أحيانا يحوَر هذا الاختلاف لخدمة هذا التوجه من قبل البعض .وهذه صيغة فكرية سلوكية مكتسبة – أن لم نقل تاريخية – لدى هذا النمط من أمثال شمعون دنحو وغيره وتمارس بأسلوب اقرب إلى الصفاقة وتجاوز القيم الاجتماعية والأخلاقية المتعارف عليها .
5- لمن شاء الاطلاع على واقع الكرد والسريان وغيرهما في الجزيرة فليقم بزيارة ليوف الحقائق معاينة علما بان التوجه الفكري والسياسي والذي تمتلئ به أدبيات السياسة الكردية – الحزب الاثوري يمثل السياسة الاثورية – هو السعي إلى النقاش والتآزر .
6- لم يعد خافيا اثر الفكر على البعض وخاصة في صياغة رؤى سياسية مستندة إلى تربية خاصة تكاد تتقاطع مع نمط الفكر الصهيوني في الإغراق في الذاتية التفاضلية – إذا جاز التعبير – مما يجعل المعتقدين أو ( المتأثرين به ) به يستهلون أي سلوك مادام يوصل إلى ما يرغبون فيه وبغض النظر عن مستوى صلاحيته أخلاقيا ( ) ولعل هذا المسلك هو مصدر بعض النكبات والفواجع تاريخيا
7-أصبحت الشخصية لدى هذا النموذج هلامية تنساب مع المواقع والمواقف والحالات التي يرى فيها مصلحة والتي هي نفسها ذات طبيعة هلامية – الاستمتاع – تحقق الاجتهاءات النفسية والجسدية … الخ – ومستلزماتها الأخرى وتستخدم كل الامكانات لهذه الغاية ومنها الإطار القومي والمعتقد الديني
8- نتمنى على السيد شمعون دنحو أن يجري دراسة بين هؤلاء المهاجرين السريان ( المهجَرين بزعمهم )بتأثيرات من الكرد ) ليحدد من فيهم بدون هوية وطنية ( أجانب ) هل هم السريان ام الكرد ومن فيهم المحرومون في أوطانهم من الوظائف والمراكز الإدارية – وأحيانا الشهادات المدرسية – هل هم الكرد أم السريان ومن ثم أيهم هاجر مضطرا وفي ظروف معاناة مالية قاسية ولا يزال الكثير منهم مديونين لاثمان هجرتهم وإنهم لا يزالون يحتفظون بأملاك وعقارات وهم في مهاجر هم
9- السياسة في الأصل إدارة اجتماعية راقية لرعاية مصالح عامة على الأغلب ( قومية – وطنية – إنسانية ) وبالتالي فان الأسس الأخلاقية لسلامة الأداء فيها هي وجود مبادئ تجع بين الواقعية والتطلع المثالي في تطويرها وليست مجرد شهوات أو إفراغ شحنات انفعالية أو خدمة الجهات بأجور
10- شرفنامه البدليسي ربما هو أول كتاب عن تاريخ الكرد وقد ترجمه إلى العربية محمد علي عوني
11- ليست حلبجة الشهيدة ببعيدة عن أنظار وأسماع الجميع لقد أصبحت رمزا للابادة الجماعية في العالم بعد حوادث ناغازاكي وهيروشيما
12- معلم من الحسكة عضو اللجنة المنطقية للحزب الشيوعي السوري توفي في حادث سيارة أثناء عودته من دير الزور حيث شارك بالاحتفال ب17 نيسان( عيد الجلاء )
13- مدرس اللغة العربية في القامشلي وشاعر المهتم باللغة السريانية توفي في القامشلي
14- مع الاعتراف بكون السريان يتمتعون بخصائص مساعدة على حسن العمل والاستثمار الا أن الميل إلى الهجرة نحو معيشة أفضل وآمنة هي الغالبة لدى بعضهم
15- مجرد أمثلة بسيطة للدلالة على عدم صحة ما ذهب اليه السيد شمعون لتفسير الهجرة إلى الخارج
16- كنا نود أن لا نخوض في حديث كهذا الا أن السيد شمعون وغيره قد فرضو علينا أن نقوم بهذه المداخلة
17-
18- يقول الله سبحانه وتعالى ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) ويقول ( ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )
19-المفروض أن يقرر كل فرد أو جماعة مصيره بنفسه
20- يتنازع تحديد انتماء السريان نظريتان , إحداها تعتبر السريان عربا , والأخرى تعتبرهم قومية مستقلة
21- لماذا هذه النظرة الوصائية نحو الكرد وما هو المعيار المنطقي باعتبار أن البعث العربي له الحق في رسم نمط وطريقة حياة الآخرين