أنا إنسان،فهل يمكنني أن لا أتفاعل مع الأحداث..؟!

أنا إنسان،فهل يمكنني أن لا أتفاعل مع الأحداث..؟!
محمد قاسم ” ابن الجزيرة ”
m.qibnjezire@hotmail.com
يقول أحدهم –ربما ايمرسون-: “العالم قريتي”.
• في ظروف الحياة العادية -مهما كانت طبيعة النظم الحاكمة- ينشغل المرء بقضاياه اليومية،ويدع لأحلامه وتطلعاته ومعتقداته الفكرية والسياسية والاجتماعية… زاوية صغيرة قد يعود إليها عندما تتاح له فرصة لذلك بعد أداء أعماله الروتينية، ماعدا الذين يحترفون السياسة مهنة في حياتهم –بغض النظر عن الأسباب-.
هذا السلوك أصبح منهجا فرضته السلطات المستبدة على شعوبها لئلا يزاحموها في التطلعات السياسية.
فالسياسة في هذه النظم ليست سوى ممارسة التحكم في الشعوب وإدارتها وفقا لرغباتها. ومن المؤسف أن هذه الرغبات ليست سياسية وإنما أنانية بحتة، وتتخذ أشكالا مغرقة في التخلف كالأنانية،والقبلية ، والطائفية، والتحزب المشوّه …الخ، وحتى في حالتها الحزبية التي تكثف العمل السياسي فإنها تتحوّل الى نمط قبلي من نوع جديد في طبيعة العلاقة الحزبية ،حيث تسود النفس والميول البدائية…!
وهذه جميعا لا تنتمي الى السياسة كمفهوم يدل على شعور بالمسؤولية في تطلع الى إدارة المجتمع في قضاياه الكبرى –الرئيسة،-على الأقل- من الناحية النظرية والمبدئية.
المفترض–وكما هو الأصل في عمل السياسة- ان لا يتدخل الحكام في حياة الشعوب التفصيلية، وإنما يهمه منها فقط الالتزام بالقوانين الناظمة للعلاقات في مختلف مستوياتها وتجلياتها.، ولما ينظم حياتها ويحقق مصالحها بإدارتهم.
هذه القوانين هي التي صيغت بالتعاون مع الشعب؛ في ظروف النضال من أجل توفر الحرية والممارسة الديمقراطية لتجسد مصالح الوطن والشعب معا –بما فيهم الذين يديرون البلد. إنهم – في الحصيلة- من أبناء الوطن،ناشطون يختزنون القوة الفكرية والحيوية والذكاء والفاعلية والشعور بالمسؤولية تجاه أنفسهم ووطنهم وشعوبهم. ويستمدون وجودهم في الحكم من شرعية القبول الشعبي لهم عبر الانتخابات الصحيحة والنزيهة.وما لم يكن كذلك فإنهم يهيئون ،عامدين او جاهلين لمشكلات تهدر الكثير من معاني وقيم الحياة المريحة.
1- ما يحدث في الكثير من بلدان الشرق الأوسط والبلدان العربية في كليتها أنها تخضع للثقافة القبلية-اختزال شيخ العشيرة-القبيلة- الشعب في شخصيته. وزاد الطين بلة؛ نظام الخلافة الذي اعتمد الخليفة الأموي” معاوية” فيه نظام التوريث -ولاية العهد- تماما كما ينتقل حكم القبيلة الى ابن الشيخ فيها.
ولقد تشربت هذه الثقافة تيارات دينية كبعض مشايخ الصوفية مثلا حيث أصبح أبناء شيخ الطريقة يرثون المشيخة من أبائهم. ويفرضون مذهبهم على الآخرين بالقوة عندما يمتلكونها، وبالإيحاءات والوسائل المعنوية في الحالات المختلفة.
وتبنت الأحزاب التي يفترض أنها قائمة على التطوع والاختيار الفكري –السياسي… هذا الاتجاه،ووجدت فيه وسيلة تحقيق المطامع الأنانية ، وكذا النظم الحاكمة في البلدان المتخلفة..!
لقد استمر هذا النظام طيلة عهود الخلافة الإسلامية-ما بعد الراشدة- حتى انهيار الخلافة العثمانية على يد الطورانيين –كمال أتاتورك وصحبه-
ودون أن ننسى صفحات مشرقة في بعض مراحلها التاريخية سواء لجهة الامتداد الحضاري أو لممارسة نمط مقبول من العدالة بمقاييس عصرها.
الخلاصة: ان الذهنية المسيطرة في ثقافة المجتمع المسلم –والعربي خاصة- هي تفرد الحاكم في الحكم،بعون من بطانة هي غالبا؛ من الأقرباء المقربين، وممن لا شعور بالمسؤولية لديهم تجاه الوطن والشعب؛ لسبب ما، يكمن في طبيعة انتمائها، أو ظروف تكوينها الثقافي والتربوي…-أوضح ابن خلدون ذلك في مقدمته الشهيرة- وتبعية الشعب له.
لذا لا نستغرب ظاهرة التصفيق الميكانيكي لدى هذه الشرائح والفئات والطبقات… عموما،إلى درجة انه تصبح ثقافة عامة؛ تجمع الحالة الذهنية الى الحالة السيكولوجية اليومية.
وهي ظاهرة ينتشي لها الحكام عادة، ويشجعونها…حتى يؤسسوا- ويعززوا- سيكولوجية شعبية تتقبل طواعية، الشعور باستثنائية الحاكم، بوسائل مختلفة كلها نفسية منها الرغبة والرهبة. وزرع الخوف في النفوس بان الحاكم إذا تغيّر فمنذا الذي يخلفه؟!
وما هي الكوارث المحتملة بعده؟!
ويستجيب لثقافة هؤلاء المتسلقين الوصوليين،الذين لا هم لهم سوى إشباع غرائز –مهما كانت – فهي مشوّهة.
هذا المناخ الذي يجهد الحكام في تشكيله في حياة شعوبهم لا تؤتي أكله على المدى البعيد القريب-إن جاز التعبير-وهاهي تجارب الشعوب تشير- بشكل فاقع- الى فشله.
بل إنه يعيد الشعوب إلى الوراء سنين طويلة في مختلف مناحي الحياة بما فيها الثقافة… منذ تشكيل وانهيار الاتحاد السوفييتي- الأقوى والأطول بقاء زمنيا– ومرورا بالدول المرتبطة بها، وها هي تعبر عن نفسها في تونس،ولم يتعظ نظام مبارك بها،ليدفع ثمنا باهظا ..لاسيما الشعب الفقير والمظلوم .
فهل يتعظ بها الغير ممن بقي من الحكام، أم سيستمرون في نهج أثبت فشله تجاه قوْمة الشعوب. ؟!
والجميع –في النهاية يدفعون الضريبة،الحكام والمحكومون.!

…………….
لماذا يستسهل البعض اتهام الآخرين..؟!
(بالخيانة أو العمالة أو غير ذلك من الأوصاف المشينة)
ابن الجزيرة(م.قاسم)
ibneljezire@maktoob.com
ظاهرة استسهال اتهام الآخرين بصفات مشينة كالخيانة أو العمالة، أو الكذب، أو غير ذلك..
ظاهرة متفشية في المجتمعات المتخلفة، ذات الثقافة القبلية (البدائية) وخاصة لدى الأنظمة الشمولية(المستبدة) والتي تحتكر هذه المعاني بحسب رؤيتها الأيديولوجية، و لا تعترف بحق الآخرين في الاختلاف..! وتستغل ذلك لضرب المخالفين له والتنكيل بهم تحت غطاء قانوني يجنبها ملامة الآخرين-بحسب تصورها على الأقل-..
(وقد يحصل- في شعوب الغرب – اتهام في المستوى السياسي بمناسبة الانتخابات مثلا.. ولكنه سرعان ما ينحسر بانتهائها.. وفي حال تجاوزها لمعايير القانون فإنه يحاسب عليها).
وربما يكمن سبب هذه الظاهرة في الحالة النفسية التي يعيشها أبناء هذه المجتمعات،كنتيجة لنمط التربية التي يعيشها..وهو- على الغالب- نمط قبلي الطابع(ثقافة ترتد في جذورها إلى التكوين النفسي القبلي)على الرغم من القالب العصري الذي يتبدى فيه،وذلك يشابه حالة.. ( أمي جاهل يلبس جبة عالم..!).
وهل لبس الجبة يغير من التكوين النفسي لهذا الأمي الجاهل..؟!.
وبنوع من التحليل يمكن ترشيح الاحتمالات التالية لوجود هذه الظاهرة..
– لعل هذه الظاهرة تبرز أكثر لدى أولئك الذين يقل ثقتهم بأنفسهم من الناحية السيكولوجية.
– أو لعل السبب في عقيدة لديهم، تبنى على أن اتجاه الحقيقة واحد(أو للحقيقة وجه واحد)(1) وأنهم فقط الذين يمتلكون هذه الحقيقة..! يظهر هذا لدى الكثيرين من الذين يرون في أنفسهم متدينين، أومن أصحاب الأيديولوجيات القومية بشكل خاص، وهؤلاء يشكلون مشكلة حقيقية لها تأثير في عمق الذهنية والنفسية التي تحرك أصحابها، وتأتي الإجراءات العملية في السياسة الواقعية- كما تسمى- لتزيد من حرارة هذا السلوك الذي يسمى عمليا أيضا..!
– أو لعلهم ممن لا يتمتعون بالقيم المنطقية، والأخلاقية، التي تمنعهم من اتهام بلا دليل، لغرض مصلحي(وهذه تظهر لدى السياسيين أكثر من غيرهم، للأسف).
– أو ربما هم ممن يرتبطون بهذه الخصائص(الخيانة، العمالة،الكذب، العلاقات المشوهة …الخ) فيعكسونها – سيكولوجيا، وتسمى الحالة بالإ(إسقاط)- على الآخرين.
– أو لعلهم يفعلون ذلك تحت ضغط الضاغطين عليهم، وهم لا يفهمون احترام حقوق الآخرين الأخلاقية، والقانونية، والطبيعية…! (أو لا يعطونها اعتبارا).
– أو غير ذلك من الاحتمالات الممكنة..وعلى رأسها الأسلوب الشمولي في إدارة البلاد والذي يستند إلى رؤية أيديولوجية فيعتبر القائمون عليه بأن كل من يخالفهم (خونة أو عملاء او غير ذلك..لنلاحظ السجون لدى هذه الأنظمة مثلا إنها مليئة بالناس وخاصة أصحاب الرؤى المخالفة لها(سجناء الرأي، والسجناء السياسيون..). ولعلي أقصد هؤلاء أكثر من غيرهم..
في حصيلة الأمر..هؤلاء المستسهلين لتوجيه الاتهامات إلى الآخر، هم أناس لا يتمتعون بمصداقية الاتهامات هذه- على الأغلب- وربما هم ممن يعانون من حالة نفسية مرتبكة، لسبب ما..!أو خوف على مراكزهم ومواقعهم ومناصبهم..
ولعل السبب الـ” تربوي “- هو الغالب- في بروز هذه الحالة..لأن صيغة التربية غير المسؤولة، تؤثر سلبا على تكوين النفوس لدى هؤلاء.. فهم” يقولون” دون شعور بالمسؤولية عن “القول” وهم “يفعلون” دون شعور بالمسؤولية عن “الفعل”.. الخ..! ببساطة.. لأنهم لم يُربَّوا على الشعور بالمسؤولية بشكل عام- والشعور بالمسؤولية تجاه حقوق الآخرين بشكل خاص- أو الشعور بالمسؤولية الأخلاقية. إنهم لم يربوا على فكرة أن الحياة: حق للجميع،باعتبار الخَلْق هو فعل إلهي.. وليس فعلا بشريا يغيِّر فيه متى شاء، أو يعدله وفق مزاجه، أووفق مصلحته، أو غير ذلك..
(ولعل الحكاية التالية ذات مغزى:
كانت”أربعة ” جثث -على الأقل- ممددة في المستشفى،وهم أبناء قرية واحدة،وكان السبب- ظاهرا- خلاف على موقع بناء دار ..! والسؤال:
لماذا استسهال القتل..؟ ولماذا استسهال الاتهام..؟ ولماذا استسهال التخوين..؟..الخ
هل تساوي الدنيا كلها روحا زهقت بغير حق..؟
وهل يبرر قتل الروح البريئة، حالة نفسية (مزاجية انفعالية مستسهلة..)..؟
مع ذلك.. فليس هنا مغزى الحكاية.. بل المغزى هو في ما يلي:
شخص يتهم في سويته الفكرية بدرجة ما، وقف عندي، وقال:
أستاذ، ما القصة؟
قلت أربعة جثث ممدودة (مقتولة).
-: لماذا؟.
-: يقال خلاف على قطعة أرض بناء..!
-: وهل يحق للإنسان أن يزهق روح إنسان خلقه الله..؟!
هنا في هذا السؤال مغزى الحكاية..!
هل يحق لإنسان (مخلوق) أن يقتل إنسانا “خلقه الله”..؟!
هل يملك الإنسان حق اتخاذ قرار بقتل روح بشرية خلقها الله..؟
ومن أين يستمد القاتل شرعية عمله..؟
الأمر نفسه ينسحب على اتهام الآخرين بدون أدلة ثابتة..!
التهمة السيئة، تشبه القتل في بعض وجوهها – وربما في الوجه الأهم منها- وهو: هل يحق للمرء أن يستسهل اتهام الآخرين..؟!
ولماذا يفعل ذلك..؟
نحن هنا لا نتحدث عن الذين تلاشت في ذهنيتهم القيم.. لأسباب خاصة(الجريمة وما شابه) أو من مات لديهم الضمير- كما يصنفهم علماء الأخلاق-..! نحن نتحدث عن أولئك الذين تبدو عليهم حياة طبيعية يعيشونها، ومنهم من يحمل ألقابا اجتماعية، أو علمية، أو دينية، أو سياسية..أو إدارية..أو هم في موقع الحكم.. الخ.
هؤلاء الذين يستسهلون الأحكام القاطعة –قتلا أو تجريما أو تشخيصا أو اتهاما..الخ،وهؤلاء عندما يصدرون أحكامهم لا يدركون(أو يدركون ولكن لا يشعرون) بسبب نمط التربية التي عاشوها ويعيشونها، أن كل حكم هو:
– إما صادر عن قيم يؤمن بها..
– وإما أنه سيتحول إلى قيمة توضع في تداول الآخرين..وسيتحول غلى تراث مستقبلي- إذا جاز التعبير- ومنهم من لا يقدّر عواقب فعله.
ومنهم من يختصر المسافة بين العقل والمسؤولية، إلى أمل يعيشه، أو تصور يصبو إليه، وربما كان السبب هو حالة يأس انتهى إليها في حياته – لسبب ما-
إذا..ليست المسألة بتلك السهولة التي يقوم البعض فيها بكيل اتهامات قياما وقعودا، وكأنهم وحدهم الذين يملكون هذا الحق..! وربما لبعض خطأ في تربيتهم، أو ربما لغباء بعضهم، لا ينتبهون إلى أن الذين يشتمونهم، يملكون لسانا يشتمون به، ويردون عليهم به..! وما أعظم مغزى الحديث الشريف القائل ما معناه:
إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه.قيل وكيف يا رسول الله ..قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أم الرجل فيسب أمه.
لم إذاً هذه الأبواق المفتوحة ليلا ونهارا وعلى مختلف وسائل الإعلام بعبارات يخجل منها كل شاعر بمسؤولية الكلمة.. والكلمة الصوتية المسموعة مسؤولية..
والكلمة المكتوبة مسؤولية..
والفعل(أو السلوك) مسؤولية..!
بتقديرنا.. إن تغليب الأسلوب السياسي(الأيديولوجي) في التفكير، هو المسؤول الأكثر تأثيرا في هذا الميدان. فالمعلوم أن السياسة – بطبيعتها- ذات خصوصية ينبغي على من تصدى لها أن يفهمها، وعليه أن يكون في مستوى ذكائي يؤهله لهذا الفهم، وأيضا لاتخاذ القرارات وتنفيذها( للتصرف) وعليه قبل هذا وبعده، أن يكون من الذين يتمتعون بسعة أفق ملائمة لمستوى وجوده في(موقعه) ولمستوى طموحه(أهدافه) ولمستوى( مسؤوليته) الاجتماعية والسياسية ..الخ(المصداقية).
وبخلاف ذلك يكون القول رأيا، أو انطباعا يحدد أسلوب الطرح ومضمونه.. قيمته الفعلية، ولا يدخل بحال من الأحوال في خانة التفكير من المستوى العالي .. ولا يرتب حقا لأحد في اتهام مبتذل لا سند واقعي له – قانونا..شرعا..الخ.
لا نريد أن نزج بأسماء للتدليل على أننا اعتمدنا الواقع ، ولسنا فقط متخيلين للأفكار- كما كان يغلب في مرحلة ما من مراحل ثقافة البشر- فكانت التصورات. أو التخيلات – وربما الأوهام أيضا- هي التي تتحكم في التحليل والتشخيص…إننا نتابع ما يكتب، وما يقال ، والوسائل أصبحت في متناول الأيدي بسهولة (الصحافة بأنواعها،الإذاعة المرئية والمسموعة، الهاتف الجوال بميزاته الهائلة،الكمبيوتر وقدراته المتجاوزة للتصورات أحيانا ..وغير ذلك، وهي جميعا أصبحت في متناول الأيدي بدرجة أو أخرى، وأصبح المرء قادرا على المقابلة بين المختلفات، واستنتاج الصواب من غير الصواب Kوأصبح ممكنا، الكشف عن المغالطات التي تغلب في نمط التفكير، ونوع الحديث الذي يغلب في حياة المجتمعات المتخلفة- ومنها العربية- وخاصة لدى ممتهني اللغط والمغالطة من الحكام الذين أوجدوا مدارس –إن لم نقل حوّلوا كل المدارس القائمة- مهمتها إنتاج المغالطات، وتصديرها لشعوبهم،عبر السيطرة على وسائل الإعلام، بحجج واهية لا تصمد أمام حقائق الواقع..!ومن ثم يوزعون الاتهامات يمينا وشمالا،مبتذلا ورصينا، لكي يبرروا بعض سلوك لا يتوافق مع الصيغة المنطقية للحياة..!
كل ذلك لتحقيق ما يتصورونه مكاسب – وهي خبائث- في حياتهم ومستقبل أيامهم دون حساب للفترة المحدودة التي سيعيشونها، ودون حساب للآثار السيئة التي يخلفونها على حياة الأوطان والعباد من بعدهم، ودون حساب للأذى الذي يتسببون به لخلفتهم من بعدهم..الخ.
ألم يكن صدام سببا فيما وقع لأبنائه.. وأحفاده..وزوجه وبناته..؟!
ومثله مثايل –كما يقال باللغة الشعبية-..؟!

(1) وهو قول قد يكون صحيحا في إطار هذه الصيغة، ولكنه يصبح خاطئا عندما يتصور قائله انه وحده يمتلك الحقيقة، ففهم طبيعة الحقيقة، وأسلوب التعبير عنها قد لا يكون في نفس النموذج لدى الناس المختلفين في مستوى فهمهم، ومديات الخبرة لديهم، وظروف التربية التي عاشوها..الخ مما يفترض سوية عالية من قدرة استخدام العقل للحكم وفق مبادئ متفق عليها بحكم وحدة العقل عند البشر- وإن كان هذا فيه اختلاف أيضا-
…………………………………………………………………………………………………………………………………….
ثقافة القتل المشينة

هذا الضجيج الذي يملأ الإعلام العربي أصبح جزءا من حياتهم وداخلا في نسيج ثقافة تولد من رحم ثقافة كانت ديدنها الضجيج دوما بالشعر والمديح والذم حتى غلبتا جميع(( أغراض الشعر))العربي اللهم سوى الرثاء الذي هو توأم المديح أو الابن الشرعي له ..
لقد جعلت الثقافة العربية كل القيم الجميلة في خانة ظليلة فيما كان نور ساطع يسلط على القيم التي تمجد القتل والدم والغزو والثارات ويجعل منها بطولة وعظمة…الخ.وإني أتساءل : أين العظمة في قتل بالغدر،أو اختطاف،وبأسلحة نارية تطلق عن بعد من خلف حائط أو ساتر ما دام الذي نود قتلهم ليسوا في خندق مقابل لنا لنواجههم- وفي المواجهة ، عندما نكون على حق- بعض شجاعة هي القبول بالموت من اجل قضية عادلة ومشروعة ، دون أن نتجاوز حقوقنا المنصوص عليها في الشرع( الأذن بالأذن والعين بالعين والجروح قصاص.فمن عفي له عن أخيه فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) و(العفو أقرب للتقوى…)؟. إن كان للشجاعة معنى هنا فهو في إرادة القدرة على القتل، لأن القتل عند الله عظيم، ولأن الله خلقنا لنعيش ونبني،لا لنموت بدون أسباب مبررة ومحددة في الشرع،ولا لندمر ما بناه الآخرون قديما وحديثا..! فكل انفجار هو قتل وجرح عشرات البرءاء، وتدمير سكن ومنازل… بذل في بنائها الدم والعرق، فضلا عن ما استهلكه من أموال يصعب الحصول عليها وجمعها إلا بشق الأنفس.وهذا المال والمنازل والسكن جميعا رصيد المجتمع الإقتصادي الذي يحقق حالة تراكم اقتصادي يسهل الحياة على الملايين من المحتاجين والفقراء وذوي الحاجات المختلفة بدلا من طوابير العاطلين عن العمل بسبب هدر الإقتصاد في غير محله إضافة إلى السرقة المنظمة لأموال البلاد التي يقوم بها الأنظمة المستبدة – ملكية او جمهورية-
إن بناء الدول عمل تراكمي سواء في القيم المختلفة او البناء المختلف دورا ومنشآت ومؤسسات..)
فلم إذا هذا الميل الغريب – غير المفسر سوى فيما ذكر- إلى القتل الفظيع، وتمجيده؟!
هذا التمجيد هو الذي أنبت هذا القتل الذي يمارس تحت مسميات عدة(المقاومة-الدفاع عن..) ولذا ترى التعامل مع القيم الحياتية (الحب-الغزل-الموادعة-نشر السلام-مقابلة الشراسة بنوع من الهدوء ورباطة الجأش وإدارة المشكلات مع الجاهلين …الخ) أصبح خوفا أو جبنا أو عيبا- في أحسن الأحوال-بل لقد بلغ الأمر ببعض القبائل وعلى مستوى الثقافة الرسمية يتزينون بالخناجر في مجالس الأفراح ومناقشة قضايا الشعب(البرلمان) بل إن رجل الدين المعمم يتوشى به وهو المطلوب منه السعي لإحلال السلام الذي اشتق منه اسم دين الإسلام ذاته.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أفشوا السلام بينكم)).ويقول: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال وخيرهما الذي بدأ السلام)).
أين هذه القيم من قيم القتل العشوائي بتفجيرات لا تميز طفلا عن كبير ولا رجلا عن امرأة ولا مقاتلا عن مسالم ولا مجرما عن بريء…؟!
أين هذه القيم من قيم قطع الرؤوس، وتعذيب الأجساد، وحالات الاغتصاب..وهي كلها منافية لأبسط القيم الإنسانية الفطرية قبل القيم الدينية المنزلة من السماء..؟!
لا بأس قتل من قتل- ربما لسبب ما لا نعلمه- فلمَ تعذيبه؟! ولمَ قطع رأسه بعد قتله؟! ولمَ رميت جثته في العراء بدلا من احترام الموت ودفن هذه الجثث ،حتى في مقابر جماعية – كما اعتاد الكثير من هؤلاء القتلة- صدام حسين نموذجا،والآن خلفاؤه في العراق؟!
هذا القتل – وبهذه الطرق – لا يمت لا على الشجاعة، ولا على المشروعية-مهما كانت- ولا إلى الدين- أيا كان-
إنه فقط قتل من أجل المال، أو بدوافع حقد عميق هو من مكونات ثقافة القاتل- عبر صيغة قبلية أو أسلوب استخباراتي تلجأ إليه أنظمة لا تحترم القوانين ولا حقوق الإنسان.
صحيح يمكن أن يمارس هذا النوع من القتل الحاقد أجهزة استخباراتية – في الشرق وفي الغرب- ولكن الفرق واضح في الكم وفي المساحة. فالإستخباري الغربي قد يفعل ذلك ولكن بحذر الخائف من اكتشاف أمره ومحاسبة القوانين له بشكل ما،فهو حريص على قلة القتل وعلى عدم القتل إلا للحاجة الماسة إليه. أما القتل في بلادنا فهو غير مسؤول خاصة إذا كانت الاستخبارات خلفه،وكان القبليون أدواته…فلا هؤلاء يخشون القانون الذي يستحوذون على مفاتيحه بالحكم الاستبدادي، ولا هؤلاء يخشون المحاسبة ماداموا محميون من قوانين يملك مفاتيحها مكلفوهم بالقتل.ودوما الأفظع في القتل هم الأسوأ في التفكير والسلوك والخائفون جبنا.وهم الذين – باعتبارهم لا يعرفون قدر أنفسهم- لا يعرفون قدر الآخرين أيضا.هذه هي طبيعة الأذلاء وطبيعة الخائفين والمتسلطين بدون استحقاق(المستبدين).
في تراث الإسلام: (( لا تخونوا.. ولا تغدروا.. ولا تمثلوا.. ولا تقتلوا طفلا، ولا شيخا كبيرا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة. ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيرا إلا لمأكله)).*
…………………………
القتل الحاقد
هكذا يمكن وصف كل حالات القتل التي لا تراعى فيه الأسس الأخلاقية، والتي تعتبر الإنسان مكرما لا يجوز في حقه ما يحط من هذه الكرامة.. ولعل هذا هو السبب في إيجاد المحاكم والقوانين واستمرار بذل الجهود لتحسينها بما يتوافق مع خدمة الكرامة الإنسانية..
وبالعودة إلى الكتب الدينية جميعا -وبلا استثناء- فإننا لا نرى سوى تعابير الرحمة،واحترام الحياة، واحترام الأموات.. وكل ما يخالف ذلك فهو مما تفرزه مكنونات النفس.. والتي فقدت خصائص الإنسانية الأصيلة في ذاتها.. وحتى القتل الذي يحصل في ميادين المعارك.. فإنها تكون وفق ضرورات الحرب عند النبلاء، ولكنها تصبح حالة تشف عند الذين يحملون في نفوسهم حقدا ..!
أما الذين يحملون في نفوسهم همة الرجال.. فلا يتجاوزون في أي فعل، ما يحتاجه الأمر.وفي أي موقع. من هنا قيل عن البعض من هؤلاء “نبلاء” وعن بعض هؤلاء “جهلاء” أو “شاذون” أو “منحرفون”..الخ.
في شرع الإسلام مثلا.. يُسمح بذبح الحيوان لأكل لحمه، ولكن من شروط الذبح أن تُراعى فيه الرحمة، كأن يُحد الموس، وأن لا يَرى الحيوان الموس قبل المباشرة بالذبح، وأن يكون الذابح ماهرا، و..الخ
ومن جهة أخرى فإن قتل الإنسان غير مسموح إلا في حالات خاصة.. تندرج جميعا تحت عنوان الدفاع عن النفس.. كفرد، أو جماعة، أو وطن، أو عِرض، أو مال… إلخ
من قتل نفسا واحدة بدون حق فكأنما قتل الناس جميعا، وإن دمار الكعبة- أقدس مكان على الأرض عند المسلمين- سبعين مرة أهون من أن تراق دم بغير حق. هذه هي أدبيات المسلمين(أو الإسلام بصورة أدق).
ويأتي الفيلسوف “كانت” ليقول : لو أن سعادة البشرية مرهونة بقتل طفل بريء لما جاز قتله.
وفي الإنجيل من ضربك على خدك الأيمن،فأدر له الأيسر(ويفتخر المسيحيون في أحوال عديدة بأنهم دين سماحة)..
فما هو السر – إذا- في هذا القتل الحاقد لدى البعض؟
لنأخذ أمثلة مما يجري في العراق مثلا:
“وجدت جثث مقطوعة الرأس، وعليها آثار التعذيب” فجر انتحاري(( أو فدائي، أو غير ذلك من أوصاف)) نفسه في شارع مكتظ بالعمال، بالمتسوقين-وهم من فئات مختلفة- فأدى إلى مقتل 20 شخصا وجرح العشرات…الخ. ” انفجرت عبوة ناسفة بسيارة راح ضحيتها جميع من كان فيها..” انفجرت سيارة أو عدد من السيارات في لحظة ذروة ذهاب الأطفال إلى المدرسة.. فقتل منهم العشرات، وجرح المئات…الخ”
هذه أمثلة قليلة من أمثلة كثيرة تتحدث عنها وسائل الإعلام المختلفة، ويتناول البعض هذه الأنباء وكأنها نوع من البطولة الخارقة.. سواء ورد ذلك على لسان بعض المذيعين، أو على لسان بعض المفكرين أو المحللين “الاستراتيجيين”…الخ.
ترى لما هذا التعطش إلى رؤية الدماء النازفة، والجثث والأشلاء..؟!
هل هو حقا شعور بأن أصحابها على حق؟
لماذا هذه الظاهرة تنتشر أكثر بين العروبيين من غيرهم ممن لهم المطالب ذاتها ؟!
هل فعلا يبيح الإسلام مثل هذه السلوكيات الشاذة؟
نحن لم نقرأ عن زمن رسول الله شيئا من هذا..
لنقرأ وصية أبي بكر الصديق لأسامة بن زيد رضي الله عنهما (( لا تخونوا.. ولا تغدروا.. ولا تمثلوا.. ولا تقتلوا طفلا، ولا شيخا كبيرا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة. ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيرا إلا لمأكله)).
ولنحلل هذه الوصية باختصار:
– لا تخونوا( بعد وعد أو عهد)
– ولا تغدروا بعد اتفاق
– ولا تمثلوا(بعد مقتل)
– ولا تقتلوا طفلا( لا يقاتل، أو قد يقاتل كرها عنه)
– ولا شيخا كبيرا(لا يستطيع مقاتلة، ولا يقاتل فعلا)
– ولا امرأة(فالمرأة قاصر عن القتال، لظروف مختلفة منها: الحمل، والولادة، والالتزام بالبيت ..الخ)
– ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه(فالخضرة إحياء للحياة.. وزاد للمسافرين في أيام السلم والحرب وفيء..)
– ولا تقطعوا شجرة مثمرة(فالثمرة زاد للرائح والغادي،مصدر حياة للناس)
– ولا تذبحوا شاة أو بقرة أو بعيرا إلا لمأكلة(ضمن الضرورة).
فأين من الإسلام أصحاب القتل الحاقد ..؟!
وما الذي يبرر لهؤلاء ما يفعلون إذا ربطنا الأمر بالإسلام ..؟!
بتقديري، فإن هؤلاء الذين يفعلون ما يفعلون هم أصحاب سيكولوجية تسخر بعض مفاهيم الإسلام لأيديولوجيتهم(التكفيريون، الصداميون المؤدلجون؛ الحاقدون باسم الإسلام والإسلام لا يتقبل حقدا ، دليلنا في ذلك :
– سلوك الرسول مع الناس وهو معروف لكل مطلع ومن أمثلته:
فتح مكة وقوله لقريش: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم
قال: اذهبوا فانتم الطلقاء.
وقول أبي أبكر السالف، يمثل أخلاق الإسلام..حربا..فكيف به سلما..!
إذا إنها سيكولوجية قبلية.. توفر مصدراً لهذه الحالات.. ولكن تحت اسم الإسلام…
استقطابا لمشاعر العامة وما أكثرهم مع النسبة العالية من الأمية..!
تمويها لسلوك الجريمة لديهم.. بربطها بدين يتأثر الملايين به..وقد لا يحسنون التفريق بين الصدق والكذب في حالة تتيح الخلط بين المفاهيم..!
…………………………………..
ملاحظة:
هذه المادة وغيرها ، المنقولة الى الموقع تحتاج الى اعادة نظر في كل ما يتعلق بها يرحى اخذ العلم