أنا إنسان
فهل يمكنني أن لا أتفاعل مع الأحداث..؟!
محمد قاسم ” ابن الجزيرة ”
m.qibnjezire@hotmail.com
يقول أحدهم –ربما ايمرسون-: “العالم قريتي”.
• في ظروف الحياة العادية -مهما كانت طبيعة النظم الحاكمة- ينشغل المرء بقضاياه اليومية،ويدع لأحلامه وتطلعاته ومعتقداته الفكرية والسياسية والاجتماعية… زاوية صغيرة قد يعود إليها عندما تتاح له فرصة لذلك بعد أداء أعماله الروتينية، ماعدا الذين يحترفون السياسة مهنة في حياتهم –بغض النظر عن الأسباب-.
هذا السلوك أصبح منهجا فرضته السلطات المستبدة على شعوبها لئلا يزاحموها في التطلعات السياسية.
فالسياسة في هذه النظم ليست سوى ممارسة التحكم في الشعوب وإدارتها وفقا لرغباتها. ومن المؤسف أن هذه الرغبات ليست سياسية وإنما أنانية بحتة، وتتخذ أشكالا مغرقة في التخلف كالأنانية والقبلية، والطائفية، والتحزب المشوّه …الخ، وحتى في حالتها الحزبية التي تكثف العمل السياسي فإنها تتحوّل الى نمط قبلي من نوع جديد في طبيعة العلاقة الحزبية، حيث تسود النفس والميول البدائية…!
وهذه جميعا لا تنتمي الى السياسة كمفهوم يدل على شعور بالمسؤولية في تطلع الى إدارة المجتمع في قضاياه الكبرى –الرئيسة، -على الأقل-من الناحية النظرية والمبدئية.
المفترض–وكما هو الأصل في عمل السياسة-ان لا يتدخل الحكام في حياة الشعوب التفصيلية، وإنما يهمه منها فقط الالتزام بالقوانين الناظمة للعلاقات في مختلف مستوياتها وتجلياتها. ولما ينظم حياتها ويحقق مصالحها بإدارتهم.
هذه القوانين هي التي صيغت بالتعاون مع الشعب؛ في ظروف النضال من أجل توفر الحرية والممارسة الديمقراطية لتجسد مصالح الوطن والشعب معا –بما فيهم الذين يديرون البلد. إنهم – في الحصيلة-من أبناء الوطن ناشطون يختزنون القوة الفكرية والحيوية والذكاء والفاعلية والشعور بالمسؤولية تجاه أنفسهم ووطنهم وشعوبهم. ويستمدون وجودهم في الحكم من شرعية القبول الشعبي لهم عبر الانتخابات الصحيحة والنزيهة. وما لم يكن كذلك فإنهم يهيئون، عامدين او جاهلين لمشكلات تهدر الكثير من معاني وقيم الحياة المريحة.
1- ما يحدث في الكثير من بلدان الشرق الأوسط والبلدان العربية في كليتها أنها تخضع للثقافة القبلية-اختزال شيخ العشيرة-القبيلة-الشعب في شخصيته. وزاد الطين بلة؛ نظام الخلافة الذي اعتمد الخليفة الأموي” معاوية” فيه نظام التوريث -ولاية العهد-تماما كما ينتقل حكم القبيلة الى ابن الشيخ فيها.
ولقد تشربت هذه الثقافة تيارات دينية كبعض مشايخ الصوفية مثلا حيث أصبح أبناء شيخ الطريقة يرثون المشيخة من آبائهم. ويفرضون مذهبهم على الآخرين بالقوة عندما يمتلكونها، وبالإيحاءات والوسائل المعنوية في الحالات المختلفة.
وتبنت الأحزاب التي يفترض أنها قائمة على التطوع والاختيار الفكري –السياسي… هذا الاتجاه، ووجدت فيه وسيلة تحقيق المطامع الأنانية، وكذا النظم الحاكمة في البلدان المتخلفة…!
لقد استمر هذا النظام طيلة عهود الخلافة الإسلامية-ما بعد الراشدة-حتى انهيار الخلافة العثمانية على يد الطورانيين –كمال أتاتورك وصحبه-
ودون أن ننسى صفحات مشرقة في بعض مراحلها التاريخية سواء لجهة الامتداد الحضاري أو لممارسة نمط مقبول من العدالة بمقاييس عصرها.
الخلاصة: ان الذهنية المسيطرة في ثقافة المجتمع المسلم –والعربي خاصة-هي تفرد الحاكم في الحكم، بعون من بطانة هي غالبا؛ من الأقرباء المقربين، وممن لا شعور بالمسؤولية لديهم تجاه الوطن والشعب؛ لسبب ما، يكمن في طبيعة انتمائها، أو ظروف تكوينها الثقافي والتربوي…-أوضح ابن خلدون ذلك في مقدمته الشهيرة-وتبعية الشعب له.
لذا لا نستغرب ظاهرة التصفيق الميكانيكي لدى هذه الشرائح والفئات والطبقات… عموما، إلى درجة انه تصبح ثقافة عامة؛ تجمع الحالة الذهنية الى الحالة السيكولوجية اليومية.
وهي ظاهرة ينتشي لها الحكام عادة، ويشجعونها…حتى يؤسسوا-ويعززوا-سيكولوجية شعبية تتقبل طواعية، الشعور باستثنائية الحاكم، بوسائل مختلفة كلها نفسية منها الرغبة والرهبة. وزرع الخوف في النفوس بان الحاكم إذا تغيّر فمنذا الذي يخلفه؟!
وما هي الكوارث المحتملة بعده؟!
ويستجيب لثقافة هؤلاء المتسلقين الوصوليين، الذين لا هم لهم سوى إشباع غرائز –مهما كانت – فهي مشوّهة.
هذا المناخ الذي يجهد الحكام في تشكيله في حياة شعوبهم لا تؤتي أكله على المدى البعيد القريب-إن جاز التعبير-وها هي تجارب الشعوب تشير-بشكل فاقع-الى فشله.
بل إنه يعيد الشعوب إلى الوراء سنين طويلة في مختلف مناحي الحياة بما فيها الثقافة… منذ تشكيل وانهيار الاتحاد السوفييتي-الأقوى والأطول بقاء زمنيا– ومرورا بالدول المرتبطة بها، وها هي تعبر عن نفسها في تونس، ولم يتعظ نظام مبارك بها، ليدفع ثمنا باهظا ..لاسيما الشعب الفقير والمظلوم .
فهل يتعظ بها الغير ممن بقي من الحكام، أم سيستمرون في نهج أثبت فشله تجاه قوْمة الشعوب. ؟!
والجميع –في النهاية يدفعون الضريبة، الحكام والمحكومون.!
…………….
لماذا يستسهل البعض اتهام الآخرين..؟! (بالخيانة أو العمالة أو غير ذلك من الأوصاف المشينة)
ابن الجزيرة(م.قاسم)
ibneljezire@maktoob.com
ظاهرة استسهال اتهام الآخرين بصفات مشينة كالخيانة أو العمالة، أو الكذب، أو غير ذلك..
ظاهرة متفشية في المجتمعات المتخلفة، ذات الثقافة القبلية (البدائية) وخاصة لدى الأنظمة الشمولية(المستبدة) والتي تحتكر هذه المعاني بحسب رؤيتها الأيديولوجية، و لا تعترف بحق الآخرين في الاختلاف…! وتستغل ذلك لضرب المخالفين له والتنكيل بهم تحت غطاء قانوني يجنبها ملامة الآخرين-بحسب تصورها على الأقل-.
(وقد يحصل-في شعوب الغرب -اتهام في المستوى السياسي بمناسبة الانتخابات مثلا. ولكنه سرعان ما ينحسر بانتهائها. وفي حال تجاوزها لمعايير القانون فإنه يحاسب عليها).
وربما يكمن سبب هذه الظاهرة في الحالة النفسية التي يعيشها أبناء هذه المجتمعات، كنتيجة لنمط التربية التي يعيشها، وهو-على الغالب-نمط قبلي الطابع (ثقافة ترتد في جذورها إلى التكوين النفسي القبلي) على الرغم من القالب العصري الذي يتبدى فيه، وذلك يشابه حالة. (أمي جاهل يلبس جبة عالم…!).
وهل لبس الجبة يغير من التكوين النفسي لهذا الأمي الجاهل. ؟!.
وبنوع من التحليل يمكن ترشيح الاحتمالات التالية لوجود هذه الظاهرة.
– لعل هذه الظاهرة تبرز أكثر لدى أولئك الذين يقل ثقتهم بأنفسهم من الناحية السيكولوجية.
– أو لعل السبب في عقيدة لديهم، تبنى على أن اتجاه الحقيقة واحد (أو للحقيقة وجه واحد)(1) وأنهم فقط الذين يمتلكون هذه الحقيقة…!
يظهر هذا لدى الكثيرين من الذين يرون في أنفسهم متدينين، أومن أصحاب الأيديولوجيات القومية بشكل خاص، وهؤلاء يشكلون مشكلة حقيقية لها تأثير في عمق الذهنية والنفسية التي تحرك أصحابها، وتأتي الإجراءات العملية في السياسة الواقعية-كما تسمى-لتزيد من حرارة هذا السلوك الذي يسمى عمليا أيضا…! – أو لعلهم ممن لا يتمتعون بالقيم المنطقية، والأخلاقية، التي تمنعهم من اتهام بلا دليل، لغرض مصلحي (وهذه تظهر لدى السياسيين أكثر من غيرهم، للأسف).
– أو ربما هم ممن يرتبطون بهذه الخصائص (الخيانة، العمالة، الكذب، العلاقات المشوهة …الخ) فيعكسونها – سيكولوجيا، وتسمى الحالة بالـ (إسقاط)-على الآخرين. – أو لعلهم يفعلون ذلك تحت ضغط الضاغطين عليهم، وهم لا يفهمون احترام حقوق الآخرين الأخلاقية، والقانونية، والطبيعية…! (أو لا يعطونها اعتبارا).
– أو غير ذلك من الاحتمالات الممكنة. وعلى رأسها الأسلوب الشمولي في إدارة البلاد والذي يستند إلى رؤية أيديولوجية فيعتبر القائمون عليه بأن كل من يخالفهم (خونة أو عملاء او غير ذلك. لنلاحظ السجون لدى هذه الأنظمة مثلا إنها مليئة بالناس وخاصة أصحاب الرؤى المخالفة لها(سجناء الرأي، والسجناء السياسيون..). ولعلي أقصد هؤلاء أكثر من غيرهم.
في حصيلة الأمر، هؤلاء المستسهلين لتوجيه الاتهامات إلى الآخر، هم أناس لا يتمتعون بمصداقية الاتهامات هذه-على الأغلب-وربما هم ممن يعانون من حالة نفسية مرتبكة، لسبب ما.، أو يخافون على مراكزهم ومواقعهم ومناصبهم..
ولعل السبب الـ” تربوي “-هو الغالب-في بروز هذه الحالة. لأن صيغة التربية غير المسؤولة، تؤثر سلبا على تكوين النفوس لدى هؤلاء. فهم” يقولون” دون شعور بالمسؤولية عن “القول”. وهم “يفعلون” دون شعور بالمسؤولية عن “الفعل”… الخ. ببساطة، لأنهم لم يُربَّوا على الشعور بالمسؤولية بشكل عام-والشعور بالمسؤولية تجاه حقوق الآخرين بشكل خاص-أو الشعور بالمسؤولية الأخلاقية. إنهم لم يربوا على فكرة أن الحياة: حق للجميع، باعتبار الخَلْق هو فعل إلهي. وليس فعلا بشريا يغيِّر فيه متى شاء، أو يعدله وفق مزاجه، أو وفق مصلحته، أو غير ذلك..
(ولعل الحكاية التالية ذات مغزى:
كانت “أربعة ” جثث -على الأقل-ممددة في المستشفى، وهم أبناء قرية واحدة، وكان السبب-ظاهرا-خلاف على موقع بناء دار ..! . والسؤال:
لماذا استسهال القتل…؟ ولماذا استسهال الاتهام…؟ ولماذا استسهال التخوين…؟.الخ
هل تساوي الدنيا كلها روحا زهقت بغير حق.؟
وهل يبرر قتل الروح البريئة، حالة نفسية (مزاجية انفعالية مستسهلة…؟).
مع ذلك ، فليس هنا مغزى الحكاية.. بل المغزى هو في ما يلي: شخص يتهم في سويته الفكرية بدرجة ما، وقف عندي، وقال:
أستاذ، ما القصة؟
قلت أربعة جثث ممدودة (مقتولة).
-: لماذا؟.
-: يقال خلاف على قطعة أرض للبناء.!
-: وهل يحق للإنسان أن يزهق روح إنسان خلقه الله.؟!
هنا في هذا السؤال مغزى الحكاية…!
هل يحق لإنسان (مخلوق) أن يقتل إنسانا “خلقه الله”.؟!
هل يملك الإنسان حق اتخاذ قرار بقتل روح بشرية خلقها الله…؟
ومن أين يستمد القاتل شرعية عمله…؟
الأمر نفسه ينسحب على اتهام الآخرين بدون أدلة ثابتة…!
التهمة السيئة، تشبه القتل في بعض وجوهها – وربما في الوجه الأهم منها-وهو: هل يحق للمرء أن يستسهل اتهام الآخرين.؟!
ولماذا يفعل ذلك…؟
نحن هنا لا نتحدث عن الذين تلاشت في ذهنيتهم القيم. لأسباب خاصة (الجريمة وما شابه) أو من مات لديهم الضمير-كما يصنفهم علماء الأخلاق-…!
نحن نتحدث عن أولئك الذين تبدو عليهم حياة طبيعية يعيشونها، ومنهم من يحمل ألقابا اجتماعية، أو علمية، أو دينية، أو سياسية، أو إدارية، أو هم في موقع الحكم… الخ.
هؤلاء الذين يستسهلون الأحكام القاطعة –قتلا أو تجريما أو تشخيصا أو اتهاما…الخ.
وهؤلاء عندما يصدرون أحكامهم لا يدركون (أو يدركون ولكن لا يشعرون) بسبب نمط التربية التي عاشوها ويعيشونها، أن كل حكم هو: – إما صادر عن قيم يؤمن بها..
– وإما أنه سيتحول إلى قيمة توضع في ساحة تداول الآخرين. وسيتحول إلى تراث مستقبلي- إذا جاز التعبير- ومنهم من لا يقدّر عواقب فعله. ومنهم من يختصر المسافة بين العقل والمسؤولية، إلى أمل يعيشه، أو تصور يصبو إليه، وربما كان السبب هو حالة يأس انتهى إليها في حياته – لسبب ما-
إذا..ليست المسألة بتلك السهولة التي يقوم البعض فيها بكيل اتهامات قياما وقعودا، وكأنهم وحدهم الذين يملكون هذا الحق..! وربما لبعض خطأ في تربيتهم، أو ربما لغباء بعضهم، لا ينتبهون إلى أن الذين يشتمونهم، يملكون لسانا يشتمون به، ويردون عليهم به..! وما أعظم مغزى الحديث الشريف القائل ما معناه:
إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه.قيل وكيف يا رسول الله ..قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أم الرجل فيسب أمه.
لم إذاً هذه الأبواق المفتوحة ليلا ونهارا وعلى مختلف وسائل الإعلام بعبارات يخجل منها كل شاعر بمسؤولية الكلمة.
والكلمة الصوتية المسموعة مسؤولية.
والكلمة المكتوبة مسؤولية.
والفعل (أو السلوك) مسؤولية…!
بتقديرنا، إن تغليب الأسلوب السياسي(الأيديولوجي) في التفكير، هو المسؤول الأكثر تأثيرا في هذا الميدان. فالمعلوم أن السياسة – بطبيعتها-ذات خصوصية ينبغي على من تصدى لها أن يفهمها، وعليه أن يكون في مستوى ذكائي يؤهله لهذا الفهم، وأيضا لاتخاذ القرارات وتنفيذها(للتصرف) وعليه قبل هذا وبعده، أن يكون من الذين يتمتعون بسعة أفق ملائمة لمستوى وجوده في(موقعه) ولمستوى طموحه(أهدافه) ولمستوى(مسؤوليته) الاجتماعية والسياسية …الخ(المصداقية).
وبخلاف ذلك يكون القول رأيا، أو انطباعا يحدد أسلوب الطرح ومضمونه. قيمته الفعلية، ولا يدخل بحال من الأحوال في خانة التفكير من المستوى العالي. ولا يرتب حقا لأحد في اتهام مبتذل لا سند واقعي له – قانونا وشرعا…الخ.
لا نريد أن نزج بأسماء للتدليل على أننا اعتمدنا الواقع، ولسنا فقط متخيلين للأفكار-كما كان يغلب في مرحلة ما من مراحل ثقافة البشر-فكانت التصورات. أو التخيلات – وربما الأوهام أيضا-هي التي تتحكم في التحليل والتشخيص…إننا نتابع ما يكتب، وما يقال، والوسائل أصبحت في متناول الأيدي بسهولة (الصحافة بأنواعها، الإذاعة المرئية والمسموعة، الهاتف الجوال بميزاته الهائلة، الكمبيوتر وقدراته المتجاوزة للتصورات أحيانا ..وغير ذلك، وهي جميعا أصبحت في متناول الأيدي بدرجة أو أخرى، وأصبح المرء قادرا على المقابلة بين المختلفات، واستنتاج الصواب من غير الصواب، وأصبح ممكنا، الكشف عن المغالطات التي تغلب في نمط التفكير، ونوع الحديث الذي يغلب في حياة المجتمعات المتخلفة- ومنها العربية- وخاصة لدى ممتهني اللغط والمغالطة من الحكام الذين أوجدوا مدارس –إن لم نقل حوّلوا كل المدارس القائمة- مهمتها إنتاج المغالطات، وتصديرها لشعوبهم، عبر السيطرة على وسائل الإعلام، بحجج واهية لا تصمد أمام حقائق الواقع…!
ومن ثم يوزعون الاتهامات يمينا وشمالا، مبتذلا ورصينا، لكي يبرروا بعض سلوك لا يتوافق مع الصيغة المنطقية للحياة…!
كل ذلك لتحقيق ما يتصورونه مكاسب – وهي خبائث-في حياتهم ومستقبل أيامهم دون حساب للفترة المحدودة التي سيعيشونها، ودون حساب للآثار السيئة التي يخلفونها على حياة الأوطان والعباد من بعدهم، ودون حساب للأذى الذي يتسببون به لخلفتهم من بعدهم…الخ.
ألم يكن صدام سببا فيما وقع لأبنائه، وأحفاده، وزوجه وبناته…؟!
ومثله مثايل –كما يقال باللغة الشعبية-. ؟!
…………………………………………………………………………….
(1) وهو قول قد يكون صحيحا في إطار هذه الصيغة، ولكنه يصبح خاطئا عندما يتصور قائله انه وحده يمتلك الحقيقة، ففهم طبيعة الحقيقة، وأسلوب التعبير عنها قد لا يكون في نفس النموذج لدى الناس المختلفين في مستوى فهمهم، ومديات الخبرة لديهم، وظروف التربية التي عاشوها..الخ مما يفترض سوية عالية من قدرة استخدام العقل للحكم وفق مبادئ متفق عليها بحكم وحدة العقل عند البشر- وإن كان هذا فيه اختلاف أيضا-
………………………………………………………………………………………………………………………………………………….
…………………………………………………………………………………………………………………………………………………..
ثقافة القتل المشينة
هذا الضجيج الذي يملأ الإعلام العربي أصبح جزءا من حياتهم وداخلا في نسيج ثقافة تولد من رحم ثقافة كانت ديدنها الضجيج دوما بالشعر والمديح والذم حتى غلبتا جميع ((أغراض الشعر)) العربي اللهم سوى الرثاء الذي هو توأم المديح أو الابن الشرعي له.
لقد جعلت الثقافة العربية كل القيم الجميلة في خانة ظليلة فيما كان نور ساطع يسلط على القيم التي تمجد القتل والدم والغزو والثارات ويجعل منها بطولة وعظمة…الخ. وإني أتساءل: أين العظمة في قتل بالغدر، أو اختطاف، وبأسلحة نارية تطلق عن بعد من خلف حائط أو ساتر ما دام الذي نود قتلهم ليسوا في خندق مقابل لنا لنواجههم-وفي المواجهة، عندما نكون على حق-بعض شجاعة هي القبول بالموت من اجل قضية عادلة ومشروعة، دون أن نتجاوز حقوقنا المنصوص عليها في الشرع (الأذن بالأذن والعين بالعين والجروح قصاص. فمن عفي له عن أخيه فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) و(العفو أقرب للتقوى…)؟
إن كان للشجاعة معنى هنا فهو في إرادة القدرة على القتل، لأن القتل عند الله عظيم، ولأن الله خلقنا لنعيش ونبني، لا لنموت بدون أسباب مبررة ومحددة في الشرع، ولا لندمر ما بناه الآخرون قديما وحديثا…!
فكل انفجار هو قتل وجرح عشرات البرءاء، وتدمير سكن ومنازل… بذل في بنائها الدم والعرق، فضلا عن ما استهلكه من أموال يصعب الحصول عليها وجمعها إلا بشق الأنفس. وهذا المال والمنازل والسكن جميعا رصيد المجتمع الإقتصادي الذي يحقق حالة تراكم اقتصادي يسهل الحياة على الملايين من المحتاجين والفقراء وذوي الحاجات المختلفة بدلا من طوابير العاطلين عن العمل بسبب هدر الإقتصاد في غير محله إضافة إلى السرقة المنظمة لأموال البلاد التي يقوم بها الأنظمة المستبدة – ملكية او جمهورية-
إن بناء الدول عمل تراكمي سواء في القيم المختلفة او البناء المختلف دورا ومنشآت ومؤسسات…!)
فلم إذا هذا الميل الغريب – غير المفسر سوى فيما ذكر-إلى القتل الفظيع، وتمجيده؟!
هذا التمجيد هو الذي أنبت هذا القتل الذي يمارس تحت مسميات عدة (المقاومة-الدفاع عن…) ولذا ترى التعامل مع القيم الحياتية (الحب-الغزل-الموادعة-نشر السلام-مقابلة الشراسة بنوع من الهدوء ورباطة الجأش وإدارة المشكلات مع الجاهلين …الخ) أصبح خوفا أو جبنا أو عيبا- في أحسن الأحوال-بل لقد بلغ الأمر ببعض القبائل وعلى مستوى الثقافة الرسمية يتزينون بالخناجر في مجالس الأفراح ومناقشة قضايا الشعب(البرلمان) بل إن رجل الدين المعمم يتوشى به وهو المطلوب منه السعي لإحلال السلام الذي اشتق منه اسم دين الإسلام ذاته.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أفشوا السلام بينكم)). ويقول: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال وخيرهما الذي بدأ السلام)).
أين هذه القيم من قيم القتل العشوائي بتفجيرات لا تميز طفلا عن كبير ولا رجلا عن امرأة ولا مقاتلا عن مسالم ولا مجرما عن بريء…؟!
أين هذه القيم من قيم قطع الرؤوس، وتعذيب الأجساد، وحالات الاغتصاب. وهي كلها منافية لأبسط القيم الإنسانية الفطرية قبل القيم الدينية المنزلة من السماء…؟!
لا بأس قتل من قتل-ربما لسبب ما لا نعلمه-فلمَ تعذيبه؟! ولمَ قطع رأسه بعد قتله؟! ولمَ رمي جثته في العراء بدلا من احترام الموت ودفن هذه الجثث ،حتى في مقابر جماعية – كما اعتاد الكثير من هؤلاء القتلة- صدام حسين نموذجا، والآن خلفاؤه في العراق؟!
هذا القتل – وبهذه الطرق – لا يمت لا على الشجاعة، ولا على المشروعية-مهما كانت-ولا إلى الدين-أيا كان-
إنه فقط قتل من أجل المال، أو بدوافع حقد عميق هو من مكونات ثقافة القاتل-عبر صيغة قبلية أو أسلوب استخباراتي تلجأ إليه أنظمة لا تحترم القوانين ولا حقوق الإنسان.
صحيح يمكن أن يمارس هذا النوع من القتل الحاقد أجهزة استخباراتية – في الشرق وفي الغرب-ولكن الفرق واضح في الكم وفي المساحة. فالإستخباري الغربي قد يفعل ذلك ولكن بحذر الخائف من اكتشاف أمره ومحاسبة القوانين له بشكل ما، فهو حريص على قلة القتل وعلى عدم القتل إلا للحاجة الماسة إليه. أما القتل في بلادنا فهو غير مسؤول خاصة إذا كانت الاستخبارات خلفه، وكان القبليون أدواته…فلا هؤلاء يخشون القانون الذي يستحوذون على مفاتيحه بالحكم الاستبدادي، ولا هؤلاء يخشون المحاسبة ماداموا محميون من قوانين يملك مفاتيحها مكلفوهم بالقتل. ودوما الأفظع في القتل هم الأسوأ في التفكير والسلوك والخائفون جبنا. وهم الذين – باعتبارهم لا يعرفون قدر أنفسهم-لا يعرفون قدر الآخرين أيضا. هذه هي طبيعة الأذلاء وطبيعة الخائفين والمتسلطين بدون استحقاق(المستبدين).
في تراث الإسلام: ((لا تخونوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا، ولا شيخا كبيرا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة. ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيرا إلا لمأكله)). *
…………………………
القتل الحاقد
هكذا يمكن وصف كل حالات القتل التي لا تراعى فيه الأسس الأخلاقية، والتي تعتبر الإنسان مكرما لا يجوز في حقه ما يحط من هذه الكرامة. ولعل هذا هو السبب في إيجاد المحاكم والقوانين واستمرار بذل الجهود لتحسينها بما يتوافق مع خدمة الكرامة الإنسانية.
وبالعودة إلى الكتب الدينية جميعا -وبلا استثناء-فإننا لا نرى سوى تعابير الرحمة، واحترام الحياة، واحترام الأموات. وكل ما يخالف ذلك فهو مما تفرزه مكنونات النفس. والتي فقدت خصائص الإنسانية الأصيلة في ذاتها. وحتى القتل الذي يحصل في ميادين المعارك، فإنها تكون وفق ضرورات الحرب عند النبلاء، ولكنها تصبح حالة تشف عند الذين يحملون في نفوسهم حقدا …! أما الذين يحملون في نفوسهم همة الرجال. فلا يتجاوزون في أي فعل، ما يحتاجه الأمر. وفي أي موقع. من هنا قيل عن البعض من هؤلاء “نبلاء” وعن بعض هؤلاء “جهلاء” أو “شاذون” أو “منحرفون”…الخ.
في شرع الإسلام مثلا. يُسمح بذبح الحيوان لأكل لحمه، ولكن من شروط الذبح أن تُراعى فيه الرحمة، كأن يُحد الموس، وألا يَرى الحيوان الموسى قبل المباشرة بالذبح، وأن يكون الذابح ماهرا، و…الخ
ومن جهة أخرى فإن قتل الإنسان غير مسموح إلا في حالات خاصة. تندرج جميعا تحت عنوان الدفاع عن النفس. كفرد، أو جماعة، أو وطن، أو عِرض، أو مال… إلخ
من قتل نفسا واحدة بدون حق فكأنما قتل الناس جميعا، وإن دمار الكعبة-أقدس مكان على الأرض عند المسلمين-سبعين مرة أهون من أن تراق دم بغير حق. هذه هي أدبيات المسلمين (أو الإسلام بصورة أدق).
ويأتي الفيلسوف “كانت” ليقول: لو أن سعادة البشرية مرهونة بقتل طفل بريء لما جاز قتله.
وفي الإنجيل من ضربك على خدك الأيمن، فأدر له الأيسر (ويفتخر المسيحيون في أحوال عديدة بأنهم دين سماحة).
فما هو السر – إذا-في هذا القتل الحاقد لدى البعض؟
لنأخذ أمثلة مما يجري في العراق مثلا:
“وجدت جثث مقطوعة الرأس، وعليها آثار التعذيب” فجر انتحاري ((أو فدائي، أو غير ذلك من أوصاف)) نفسه في شارع مكتظ بالعمال، بالمتسوقين-وهم من فئات مختلفة-فأدى إلى مقتل 20 شخصا وجرح العشرات…الخ. ” انفجرت عبوة ناسفة بسيارة راح ضحيتها جميع من كان فيها.” انفجرت سيارة أو عدد من السيارات في لحظة ذروة ذهاب الأطفال إلى المدرسة. فقتل منهم العشرات، وجرح المئات…الخ”
هذه أمثلة قليلة من أمثلة كثيرة تتحدث عنها وسائل الإعلام المختلفة، ويتناول البعض هذه الأنباء وكأنها نوع من البطولة الخارقة. سواء ورد ذلك على لسان بعض المذيعين، أو على لسان بعض المفكرين أو المحللين “الاستراتيجيين”…الخ.
ترى لما هذا التعطش إلى رؤية الدماء النازفة، والجثث والأشلاء. ؟!
هل هو حقا شعور بأن أصحابها على حق؟
لماذا هذه الظاهرة تنتشر أكثر بين العروبيين من غيرهم ممن لهم المطالب ذاتها ؟! هل فعلا يبيح الإسلام مثل هذه السلوكيات الشاذة؟ نحن لم نقرأ عن زمن رسول الله شيئا من هذا.
لنقرأ وصية أبي بكر الصديق لأسامة بن زيد رضي الله عنهما ((لا تخونوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا، ولا شيخا كبيرا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة. ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيرا إلا لمأكله)).
ولنحلل هذه الوصية باختصار:
– لا تخونوا (بعد وعد أو عهد)
– ولا تغدروا بعد اتفاق
– ولا تمثلوا (بعد مقتل)
– ولا تقتلوا طفلا (لا يقاتل، أو قد يقاتل كرها عنه)
– ولا شيخا كبيرا (لا يستطيع مقاتلة، ولا يقاتل فعلا)
– ولا امرأة (فالمرأة قاصر عن القتال، لظروف مختلفة منها: الحمل، والولادة، والالتزام بالبيت …الخ)
– ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه (فالخضرة إحياء للحياة، وزاد للمسافرين في أيام السلم والحرب وفيء.)
– ولا تقطعوا شجرة مثمرة (فالثمرة زاد للرائح والغادي، مصدر حياة للناس)
– ولا تذبحوا شاة أو بقرة أو بعيرا إلا لمأكله (ضمن الضرورة).
فأين من الإسلام أصحاب القتل الحاقد. ؟!
وما الذي يبرر لهؤلاء ما يفعلون إذا ربطنا الأمر بالإسلام ..؟!
بتقديري، فإن هؤلاء الذين يفعلون ما يفعلون هم أصحاب سيكولوجية تسخر بعض مفاهيم الإسلام لأيديولوجيتهم (التكفيريون، الصداميون المؤدلجون؛ الحاقدون باسم الإسلام والإسلام لا يتقبل حقدا، دليلنا في ذلك:
– سلوك الرسول مع الناس وهو معروف لكل مطلع ومن أمثلته:
فتح مكة وقوله لقريش: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم
قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وقول أبي أبكر السالف، يمثل أخلاق الإسلام حربا فكيف به سلما.!
إذا إنها سيكولوجية قبلية، توفر مصدراً لهذه الحالات. ولكن تحت اسم الإسلام…
استقطابا لمشاعر العامة وما أكثرهم مع النسبة العالية من الأمية…!
تمويها لسلوك الجريمة لديهم. بربطها بدين يتأثر الملايين به..وقد لا يحسنون التفريق بين الصدق والكذب في حالة تتيح الخلط بين المفاهيم..!
…………………………………..
القتل العبثي
يقال ان المرحوم البارزاني مصطفى قال لمن أوصاه بقتل بعض المخطئين سياسيا بحق الثورة الكردية التي كان يقودها منذ 1961 وحتى العام 1975 :
((إذا قتل العدو الجيدين من أبناء شعبنا،وقتلنا نحن السيئين فإن شعبنا سيباد..))وعفا عنهم.
وقد نفع العفو في التغيير في النفسية والرؤى التي كان هؤلاء يعيشون فيها..وساعد العفو على تطهير النفوس.وعلى استعادة المخطئين بعض كيانهم الصحيح..بل وقد فعل الكرد –مسعود البارزاني –ذلك بعد انتفاضة 1991 وفي العام 2003 عندما سقط النظام العراقي البعثي الذي يرأسه الرئيس صدام ..! فقد غلب العفو على الحساب والعقاب وأوصى العراقيين بذلك تجاه بعضهم بعضا..ونبه ان العفو قد نفعهم في كردستان العراق فليتعظوا بذلك..ومنذ القديم يقال في التراث العربي الإسلامي:”لأن تخطئ في العفو خير من ان تخطئ في العقوبة”.
كما ان الوصفة المجربة هذه اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم في فتح مكة،عندما جمع القرشيين وقال لهم: “ماذا تظنون أني فاعل بكم..؟! قالوا: “خيرا واخ كريم..! قال: “اذهبوا فأنتم الطلقاء..!
بل وفي خطبة الوداع،اعتبر كل دماء الجاهلية موضوعة ..
اتجاه العفو دوما هو الطريق الى استتباب الأمان والسكينة واستقرار النفوس..!.ولكن..!.
المجتمع ذو التركيبة العشائرية المتخلفة ..والذهنية القبلية المتأخرة عن مفاهيم العصر. والمشبعة بروح الثار القبلية والتي تقتل من أبناء الجيل القادم الى سبعة أجيال ثارا –كقيمة قبلية- فضلا عن الاتجاه ألشعاراتي الغالب في البنية النفسية (الثوروية) لم يلق بالا لنصيحته، بل وزوّّر وحوّر أقواله و صورة أفعاله..وقلب المفاهيم لتسخر ضده بدوافع الحق والكراهية وحب المصلحة الخاصة…
ووصل الأمر والحقد الأعمى الى درجة أصبح عندها قتل الإنسان مهمة طبيعية..ومحببة ..بغض النظر عن من يكون الشخصية المقتولة ..أستاذ جامعي..؟. طبيب اختصاصي..؟.
ضابط كبير..؟. عالم نووي..؟. مدرس..؟. محام..؟. قاض..؟. وكلها خبرات قومية ووطنية لا تعوض..فكل مهنة او اختصاص ..يقتضي أكثر من عشرين عاما من عمر الإنسان في حده الأدنى..فمن أين يمكن ان تعوض هذه الكفاءات..؟!. ولماذا لا يهرب أصحاب العقول البشرية الى الخارج..؟!. ومن ناحية أخرى ..الطفل….الحامل..المرصع..الشيخ..المريض..البريء ..ويسمون هذه السلوك القاتل بأسماء شتى تزكيه..مقاومة..جهاد..تحت عناوين صاعقة للنفسية البسيطة في تكوينها والبريئة في بنيتها..!
إذا كانت هذه الحالة تشكل ثقافة يقودها من يلبس عمامة –لا خبرة ميدانية له- أو ذو لحية أو جبة او غير ذلك..ولهم تأثيرهم النفسي –استمدادا من الديني- فيفتون-وهم ينسون او يتناسون انسياقا مع غلبة الطبع على الفكر السليم والمبادئ التي يسخرونها مشوهة لاتجاهاتهم النفسية الخاطئة –عمدا أو بدن قصد..!
..كيف سيتطور مجتمع(وطن) هذه خصائصه الغالبة في حياته الاجتماعية وكرسته كثقافته سائدة..؟!.
إن ذلك يشكل اتجاها في الحياة لا يسهل تجاوزه ما لم تبذل جهود كبيرة وحثيثة ..وصادقة.ولعل الخصلة الأخيرة أهمها..الصادقة.من هنا تنبع أهمية الزعيم الذي يتمتع بقدرة تخيلية استشرافية تحسن قراءة الحاضر وتصور المستقبل الممكن والمحتمل..وقيادة الاتجاهات نحو ذلك.
من استقراء سريع وبسيط لطبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية خاصة نلاحظ ان شخصية القائد في المجتمع تلعب دورا محوريا في تماسك المجتمع وإدارة صحيحة له..ينحو به نحو التقدم.. وكل مختص كادر يقود قطاعا ما في المجتمع..
فالمدرس الجامعي هو ركيزة العلم والثقافة في المجتمع..والمعلم الابتدائي هو ركيزة بناء شخصية الطفل الذي سيغدو رجلا..(جامعيا).والقاضي هو ركيزة تحقيق العدل والسلام ومعالجة المشكلات..والمهندس والعامل والمهني عموما..ركيزة البناء الميداني لقضايا تهم الحياة وأسلوب عيشها..الخ.
فما الذي نجنيه من قتل هؤلاء سوى الخسران والفراغ والعودة الى مراحل متخلفة سابقة تجاوزها الزمن والناس..؟!
…………………………………..
أثر السياسة في المجتمع(مقدمة عامة)
قيل: بين العبقرية والجنون شعرة..( وأقول:ودقيقة أيضا..).
- لا أدري ما هي المناسبة التي قيل فيها هذا القول.. ولكن الذي أدريه أنه قول يتكرر، خاصة عندما يوصف شخص متميز بقدرات ذكائية؛ إذا صدر عنه سلوك ما،يلقاه الناس غريبا، وربما مستهجنا أيضا من حيث أنه لا تسنده حالة منطقية مألوفة، مما يجعل القبول بهذا المعنى غير معقول و غير معتبر..!. - والذكاء صفة تطلق – عادة- على من يحسن الفهم والتصرف بشكل عام، أو على من ينطبق عليه تعريف صاغه أحد علماء النفس بالقول:” الذكاء هو مرونة التكيف مع البيئة”*.
ولكن التدقيق في معنى الذكاء قد يفتح أمامنا أبوابا لا نحسن في النهاية إغلاقها.. لكثرة تشعبانها، وكثرة الاجتهادات فيها،باعتبارها صفة بشرية،لا ما دية ” يُتفق على تحديدها في العموم ويُختلف في تفاصيلها” .
وهذه خاصة مميزة لموضوعات العلوم الإنسانية عموما،ولا يعيبها ولكن ينبغي تفهمها.
لماذا هذه المقدمة..؟
- في أبحاث علم النفس يوضع السياسيون الناجحون في أولى درجات الذكاء عادة، وذلك بسبب صعوبة التعامل مع الكائن البشري، العاقل، النامي، المتغير، والاجتماعي. . -ذي الجنسين المختلفين” المتكاملين أو المتضادين أيضا” .وذي الفئات العمُرية، والثقافية، والاختلافات الاثنية عموما…- فضلا عن التكوينات النفسية المتراوحة بين الكبت والتعقيد والأريحية..الخ.
فالتعامل مع كائن بهذه المواصفات، طابعه التمرد و الانزياح … يقتضي قدرة ذكائية فائقة، تسمح بتأطير تلك الحالات البشرية المختلفة، وتوجيه طاقاتها المترجرجة نحو مجرى سياسي عام؛ يقوده السياسي (الناجح) نحو بناء شامل لمكونات الحياة العامة في قطاعه الحزبي” القومي أو ألأممي..الخ”. والسؤال الذي يتوارد في الخواطر:
هل تمتع السياسيون – دوما – بهذه الخاصة..؟
من هنا نبدأ…
ولكي نحسن الابتداء لا بد من تأطير بعض المفاهيم التي سنظل نتكئ إليها في البحث، ولتكون مسارا للتصورات لدينا-كاتبا وقارئا- منضبطا بهذه الأطر.
1- السياسة:
هي تعريفا (فعل الممكنات في إدارة الحياة الاجتماعية في شكلها الأعم والأرقى..)
وبغض النظر عن تفاصيل البحوث التي تناولت هذا المعنى ، والتعريفات المتعددة ، والتي أخرجها المهتمون بالأمر مثل: – العلاقة بين الجانب العلمي والفني في السياسة. – أو كون السياسة هي “الوظيفة العليا في إدارة المجتمع وقيادته”…الخ.
بغض النظر عن ذلك، فإن التأطير المبين أعلاه قد يغني حاجة مسعانا في هذا البحث بشكل عام.
2- المجتمع: (مجموعة بشرية من الجنسين والفئات العمرية المختلفة، ذات ثقافة منوعة، تؤطره اتجاهات عامة، وعلاقات تفاعل شاملة اقتصادية، سياسية، اجتماعية…الخ. تعيش على ارض واحدة(ضمن جغرافية محددة) لها بعدها التاريخي. وبالطبع فإن تعريفات كثيرة يمكن إيرادها،إلا أننا نرى أن يكون الإطار الذي أوضحناه هو المعتمد في تصورنا المشترك..
3- القومية..(شعور أبناء المجتمع بانتمائهم إلى تاريخ مشترك في بناء حياتهم الاجتماعية وتطلعهم إلى الاستمرار في هذه الحياة المشتركة(وحدة المشاعر والعيش المشترك). بروح جامعة بينهم يسميها هيجل(روح الأمة)(1) ويتضمن هذا الشعور، اعتزازا بالانتماء هذا، واستعدادا للعمل من أجله حتى التضحية الكبرى .
4- الوطنية: (حب الأرض، والتمسك بها، والاستعداد للدفاع عنها..باعتبارها المكان الذي يعيش فيه أبناء المجتمع الواحد(القومية الواحدة).ويمكن وصفها بعلاقة الإنسان مع الأرض، وهي علاقة تبنى على العواطف،والألفة والمصلحة (الشعور بالأمان،وتوفير عناصر المعيشة المباشرة…)أي عناصر مادية ومعنوية.
5- الأمة..مفهوم واسع الدلالة ويعني: (الإطار الأوسع لمعاني القومية، والشعب (أو الشعوب)، في مرحلة متطورة من الحياة الاجتماعية الشاملة للقومية والوطنية، في جوانبها الاقتصادية والثقافية..الخ أي في الحياة السياسية).
6- الشعب: ( مجموعة بشرية ذات خصائص مشتركة ..تاريخ..وإرادة..حياة مستقبلية..). أو هو( المجتمع في معناه الأكثر سياسية..).
ويلاحظ أن هذه المفاهيم جميعا متداخلة.. ومتفاعلة.. ومتطابقة أيضا في حالتها النموذجية. مع الانتباه إلى الأثر( أو الجانب) المادي والمعنوي فيها جميعا…
وهذه المفاهيم نفسها تتمايز، إذا وجدت ظروف غير طبيعية كتجزئة واستعمار وحالات التخلف الشديد..الخ.
وكما أسلفنا القول فإن هذا التأطير قد لا يكون دقيقا في الإطار ألاختصاصي ، ولكنه يبقى صحيحا في السياق الذي نحن فيه، هادفين إلى إلقاء الضوء على فكرة:
(القادة السياسيون في نمط التفكير ألذرائعي(النفعي)المباشر وانعكاس الأمر سلبيا على حياة الناس(المجتمعات) في جانبها التربوي خاصة، ومن ثم العملي لا سيما على المدى البعيد).
إن مقولة مكيا فيلي التي تلخص فلسفته السياسية في كتابه الشهير” الأمير ” وهي: (( الغاية تبرر الوسيلة))(2) ربما تصلح ضمن ظرف معين.. في زمن معين.. وفي حالات محدودة..ولكنها قطعا تفقد قيمتها تماما إذا تجاوزنا المحدودية في الظرف.. والمكان.. والزمان.. وخلافها. لأنها في هذه الحال – حقيقة- لا تخدم سوى حالات أنانية(في مستوى فردي أو جماعي..) أي استغلال من فرد لآخرين (فردا أو جماعة) أو استغلال من جماعة لآخرين(أفرادا أو جماعات.. كبيرة أو صغيرة) مهما كان شكل الاستغلال هذا..
وإذا كانت الحالة الاقتصادية هي الأبرز،إلا أن الحالة النفسية – بتقديري- تظل الأعمق والأخطر تأثيرا..!(3)
القادة السياسيون – على الرغم مما قد يتميزون به من الذكاء، فإنهم في الغالب الأعم، أسرى نزعاتهم الأنانية.. إلى درجة تبرير تسخير الآخرين لهذه النزعات.. (أفرادا ومجتمعات “شعبا أو امة..الخ)
ولكي ينجحوا في هذا المنحى.. فإنهم يوظفون ما لديهم من ذكاء وقدرة في غرس مفاهيم تخدم هذه النزعات الأنانية، حتى وإن اضطروا إلى اللجوء إلى سلوك يستنكرونه في الظاهر.. كالرشوة.. والكذب.. والنفاق.. والقتل..الخ.
بعبارة أخرى.. فإن( الفصل الحاد بين السياسة والأخلاق) من مصادر المشكلة التي نحن بصدد محاولة تشخيصها.. وتلمس السبل لمعالجتها.. على الصعيد النظري على الأقل.
لا نزعم أن هذه ظواهر فاتت انتباه السابقين إليها.. أو أنهم لم يحاولوا معالجتها.. وإنما نريد فقط إحياء محاولاتهم وتجديد نتائجها..
إن العودة إلى الأبحاث والدراسات القديمة في هذا المجال.. سواء تلك التي أنتجتها عقول شرقية ..أو غربية.. فإنها توضح تراكما هائلا من هذه الدراسات والأبحاث..
إذا ما هي المشكلة..؟
أين تكمن الأزمة..؟
في الواقع تكمن الأزمة (أو المشكلة) في خاصة بشرية قد لا ينتبه إليها البعض .. إنها تدخل في نسيج التكوين النفسي بمعناه العام..وتبدو جلية إذا تتبعنا المتمايزات بين المجتمعات من جهة.. وبين الجيلين (أو الأجيال) ضمن المجتمع الواحد..!! ذلك أن الإنسان كائن عاقل.. نام.. متغير.. ومتطور في إطار اجتماعي. ولكن العقل والنمو.. والتغير.. والتطور جميعا بحاجة – دوما- إلى توفير المناخ الملائم الذي يحقق هذه الخصائص، ويعطيها البعد الصحيح. أو بتعبير أفضل:
مناخ يصلح لأن تنمو فيه هذه الخصائص، وتتبلور في صيغها الأكثر جلاء، والأفضل تحققا، وبجهود مزدوجة: – بعضها يعود إلى ما يوفره المجتمع من حوافز، وتسهيلات، ومعطيات مختلفة لازمة.. عبر مؤسساته المختلفة(نظام الحكم، المجتمع المدني، الوحدات الاجتماعية..
– وبعضها يعود إلى الاستجابة الفردية من أبناء الجيل الجديد دوما..وقابلية استيعاب الواقع، والتفاعل الإيجابي معه،لتحقيق تلك الخصائص(البعد الشخصي في نمو الذات).
في هذه النقطة (أو المرحلة أو الحالة …) تطرح المشكلة نفسها: مشكلة الفصل الحاد بين السياسة والأخلاق.
أثر السياسة في المجتمع (2)
(مشكلة الفصل الحاد بين السياسة والأخلاق)
…في المقال السابق توصلنا إلى أن المشكلة في بعض الخلل في العلاقة بين السياسة والمجتمع ، ربما كان سببه الفصل الحاد بين السياسة والأخلاق.
وسنحاول أن نعالج هذه العلاقة بحسب ما يتاح لنا من المقدرة في فهمها وتحليلها- وتبسيطها أيضا- وهذا يقتضي منا أن نعود إلى تأطير لمفاهيم معينة مرة أخرى..ذلك لأن تأطير المفاهيم من ضرورات الفهم والتفهيم..فالتأطير.. يحدد لنا الفكرة في (مصطلح) يحدد المعنى ويوضحها..فتصبح مفهومة ممن يعبر عنها، وتصبح مفهومة ممن يسمعها (أو يقرأها). ولعل هذا هو المقصود بالتواصل والتفسير كإحدى وظائف اللغة(1)
سبق أن حددنا معنى السياسة (أطّرناه) ونحن بحاجة إلى تأطير معنى جديد هو الأخلاق ..فماذا تعني هذه الكلمة(أو المصطلح)..؟
أولا- ((الأخلاق موضوع دراسة الأطيقا(*): وشكل من الوعي الاجتماعي،ومؤسسة اجتماعية، تقوم بمهمة ضبط وتنظيم سلوك الناس))
((ففي أي مجتمع تنسق أفعال عدد غفير من الناس في نشاط جماعي إجمالي، وتخضع،على تنوعها، لقوانين اجتماعية معينة. وتأتي الأخلاق لتقوم بوظيفة التنسيق هذه، جنبا إلى جنب مع الأشكال الأخرى من الانضباط الاجتماعي …. فالأخلاق تنظم سلوك الإنسان في كافة مجالات الحياة الاجتماعية بدون استثناء-في العمل، والمنزل، وفي السياسة، وفي العلم، في الأسرة، وفي الأمكنة العامة…))(2)
ثانيا- ((..من بين الأنواع الكثيرة من البحوث التي أطلقت عليها كلمة ((الأخلاق)) في فترة أو أخرى،يمكننا أن نتخير ثلاث مجموعات من المسائل باعتبارها أهم المسائل التي ينبغي تمييزها بعضها من بعض وهي:
(أ) المسائل الخلقية، ومن أمثلتها ” هل ينبغي أن أفعل ذلك الفعل؟ ” و” هل تعدد الزوجات خطأ؟ ” و ” هل زيد من الناس خير؟ ” وفي هذا المعنى يكاد الجانب العملي والجانب النظري من معنى كلمة ” خُلقي ” أن يتلاقيا في مدلول واحد تقريبا “.
(ب) مسائل عما هو واقع فيما يتصل بآراء الناس الخلُقية، ومن أمثلتها: ” ماذا يعتقد (أو ماذا يقول) المسلم (أو ماذا تعتقد الطبقة المتوسطة البريطانية أو ماذا أعتقد أنا نفسي) في واقع الأمر فيما يتعلق بصواب تعدد الزوجات أو خطئه؟ “.
(ج) مسائل تتعلق بمعاني الكلمات الخلُقية (ومنها على سبيل المثال ” ينبغي ” و ” صواب ” و ” خير ” و ” واجب ” ) أو تتعلق بطبيعة المدرَكات أو ” الأشياء ” التي ” تشير إليها ” هذه الألفاظ، ومثال ذلك ” ماذا يعني المسلم حينما يقول إن تعدد الزوجات ليس خطأ؟ “.ولما كانت هذه الأنواع الثلاثة من المسائل متميزة فيما بينها تمام التميز، فإن استخدام كلمة ” الأخلاق ” لتشمل ، بدلالتها، المحاولات التي ترمي إلى الإجابة عن جميع هذه الأنواع الثلاثة، لا بد أن يكون مثارا للخلط ولذا يتجنبه، مَن أقرب إلى تحري الدقة من الكتاب المعاصرين،على انه لم يظهر بعدُ، مصطلح فني يصلح لإقامة التفرقات الأخلاقية الضرورية ويتفق على قبوله الباحثون جميعا))(3)
ولكي نتفق على تصور مشترك فدعونا نعرف الأخلاق- وعلى ضوء التعريفين السابقين) من موسوعتين فلسفيتين مختلفتين(معجم علم الأخلاق” الماركسي النزعة”- الموسوعة الفلسفية المختصرة ” الغربي النزعة “) بأنها:
سلوك بشري (وفق مبادئ وقيم نظرية محددة، اجتماعيا،ذات بعد فلسفي وتطبيقه العملي) يكون هذا السلوك ترجمة لها .ويتمثل ذلك في العادات والتقاليد والقيم المستندة إلى رؤية ضميرية.
بمعنى آخر:
الأخلاق :مجموعة قيم ومبادئ وضوابط يؤمن بها الإنسان ويطبقها وفق درجة إيمانه بها، ومستوى تمثله لها، في تكوين ذاته النفسية خاصة، وقد تكون إيجابية أو سلبية..
المهم أنها:( تشكل مصدر السلوك، وملهما له).
من هنا تأتي أهمية الالتفات إلى هذا البعد الأخلاقي في تكوين البنية النفسية، والمؤثرة في تبني الاتجاهات.. و اتخاذ المواقف.
وطبعا كان هذا (أثر الأخلاق) حالة ممارسة واقعيا في بدايات العلاقات البشرية في أيام السلم- وإلى حد كبير في أيام الحرب أيضا،باعتبار الحرب أمر مفروض لحماية مبادئ و قيم وتجلياتها الواقعية – لذا فإن تقييم السلوك بهذا المعيار: عادل- طيب –رحيم-..الخ.-للملك غالبا، كقائد للحياة في جوانبها المختلفة وحتى تمثيله للإله في بعض الحالات..!.
إلا ان تطور العلاقات باتجاه بناء السلوك على المصلحة – كمعيار- غيّر المفهوم الأخلاقي عبر اختلاف فلسفي حول مدار معناها (مصلحة شخصية ،مصلحة اجتماعية :قومية.. حزبية.. دينية.. الخ
وتقدمت أولوية حرية الفرد بالنسبة للحياة الاجتماعية على أولوية الحرية الاجتماعية (حرية المجتمع) التي كانت سائدة في مرحلة القبيلة
تجلى هذا -كقيمة فلسفية اجتماعية نفسية- في أوروبا منذ القرنين السادس عشر والسابع عشر، وربما في القرن الثامن عشر بشكل أوضح.
كما احتدم الصراع بين الملك – كرمز للسلطة الزمنية- والكنيسة – كرمز للسلطة الدينية- ،والذي حسم في نهاية الأمر للسلطة الزمنية ( وإن تغيرت هذه من الملكية إلى الجمهورية بشكل عام) أي ظهر دور جماهيري عبر صناديق الاقتراع، وقد نجح الغربيون في تكريس ذلك تحت مفهوم الديمقراطية الذي يجمع بين معنى حرية التصرف وحرية الاختيار..ولكن المجتمع الشرقي- وخاصة العربي- لا يزال يناقش هل الديمقراطية تصح في بلداننا أم لا..؟! وهي مناقشة غبية اخترعتها الأنظمة وفرضتها على أذهان شعوبها عبر سلسلة من الإجراءات، منها الربط بين أسلوب نحتها للمفاهيم..وبين مشاعر شعوبها القومية المتخلفة (القبلية الصيغة) إضافة إلى احتكار كل وسائل التعلم والتوعية بدءا من المدارس ومرورا بوسائل الإعلام المختلفة والمؤسسات المالية .. وانتهاء بحجز الحريات المختلفة بتأثيرات إجرائية تحت تسمية “الأمنية” تصل إلى مصادرة حياة الناس في أقبية أمنها ومحاكمها الصورية التي طالما اتهموا الاستعمار بها في كتبهم المختلفة..!!.
على كل حال ،لم يبق من الصيغة الملكية للحكم- في البلدان المتقدمة- سوى رمزية متوافقة مع ظروف بعض البلدان(المملكة المتحدة – السويد- أسبانيا…الخ).
– ونحن لا نشير إلى الحال العربية، وبعض البلدان العالمثالثية، لأنها لم تكن فاعلة، ولم تساهم في تشكيل الصيغة الاجتماعية والسياسية هذه، لأنها هي ذاتها من مفرزات التشكيل الأوروبي لها.(صيغ أوجدتها النظم الاستعمارية الغربية ولا تزال تحافظ عليها أو تحاول تغييرها إلى صيغة تتوافق مع ظروف مصالحها وفق نمط الحياة العصرية) وما حرب العراق- وهي تحرير بمعنى ما – او مشاكل لبنان، او الصومال، او شرق آسيا ..الخ. إلا نمطا جديدا لهيمنة غربية بطريقة جديدة ،ومع ذلك فإنها تبقى أهون على الشعوب، من هيمنة النظم المحلية المتخلفة في صيغ حكمها(الاستبدادية، التوتاليتارية، الفوضوية، الملكية المستبدة، جملكية ..الخ).
–كما لا نشير إلى الحال الأمريكية أيضا في تلك المرحلة،لأن الدور الأمريكي لم يظهر في أوروبا والعالم الثالث إلا مع مساهمتها في تشكيل الجبهة الرأسمالية حيال الأيديولوجية الماركسية التي كان الاتحاد السوفييتي أهم تجلياتها.. إضافة إلى الصين ويوغوسلافيا وغيرها..الخ.
كان لتطور العلاقات هذه والتي تأثرت لتطور التكنولوجيا المتسارع… الأثر الهام في:
تكوين اتجاه الأداء الحياتي- السياسي خاصة- بطريقة وجهه(أي الأداء) نحو الاهتمام بالمصالح المادية.. وصيغة أمر الواقع (العملي) وهو ما سمي بـ( البراغماتية، الذرائعية، أو النفعية، أو العملية، كأسلوب تفكير وعمل(أداء).
وكان للإبداعات العلمية المتتالية والتي أنتجت كثيرا من المخترعات المفيدة، كان لها دورها في تكريس وتعميق هذا النزوع (غلبة تأثير التكنولوجيا في إدارة التفسير).
و ربما كان لفشل الأيديولوجيات المختلفة (الدينية الملتحفة بالأخلاق،والسياسية المتمظهرة بها، والقومية التي اختبأت وراءها…الخ) دور مؤثر – ولا أقول مقنعا – لتقوية هذا النزوع.. فأصبح (الواقع وحده) المعيار للعمل ،واستبعد دور الأخلاق (النظرية) وعلى الرغم مما بذله علماء الأخلاق والفلاسفة الأوروبيون للوقوف في وجه هذا التيار الجامح ولكن جهودهم صنفت تحت عنوان (أخلاق البرجوازية ذات البعد الكاذب الذي يخفي خلفه العمل على مصلحة الرأسماليين). وكان هذا كافيا لكي تصفق لها، الجماهير البسيطة الجائعة.. والأمية. أو الشباب الذي يتمتعون بخبرة قليلة. وليس هذا تبرئة للنظم السياسية والاقتصادية الغربية التي نمت فيها النزعة ذاتها بعناوين أخرى..المهم أن الواقع غلب الفكر ، وضعف دور الفكر النظري كالمبادئ والقيم والمعايير.. – على مستوى الأخلاق- في حياة الناس. وهذا ما عنينا به الفصل الحاد بين الأخلاق والسياسة.
ولعل الجميع يرى نتائج (لم تتبلور – بعد – بما يكفي ولكن معالمها واضحة) في صراعات وحروب وإبداعات تجارية.. أصبحت معممة، بخلاف ما كان سابقا، حيث كانت السلوكيات السلبية تعاني من نوع من الحصار لها، فكانت تعاني من صعوبة الملجأ، والتوجه، في حين أنها أصبحت مما يُتبنى بصراحة وكأسلوب من الشطارة لفاعليها- وربما كان للسلوك السياسي دوره المهم في هذا التأثير.
نلاحظ هذا في مختلف بلدان العالم. ولعل العراق النموذج الأوضح..
فما معنى ان يقتل أناس على الهوية مثلا..؟! وما معنى أن تظهر أعداد من الجثث التي عليها آثار التعذيب وهي مقطوعة الرأس..؟! أو غير ذلك.. من أشكال التمثيل بها من جهات تزعم أسماء إسلامية، ،مع ان الإسلام يقول على لسان خليفة رسول الله أبي بكر الصديق في وصيته لأسامة بن زيد رضي الله عنهما: (( لا تخونوا.. ولا تغدروا.. ولا تمثلوا.. ولا تقتلوا طفلا، ولا شيخا كبيرا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة. ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيرا إلا لمأكله)).
ولنحلل هذه الوصية باختصار:
– لا تخونوا ( بعد وعد أو عهد).
– ولا تغدروا بعد اتفاق.
– ولا تمثلوا (بعد مقتل).
– ولا تقتلوا طفلا ( لا يقاتل، أو قد يقاتل كرها عنه).
– ولا شيخا كبيرا (لا يستطيع مقاتلة، ولا يقاتل فعلا).
– ولا امرأة (فالمرأة قاصر عن القتال-غالبا- لظروف مختلفة منها: الحمل، والولادة، والالتزام بالبيت ..الخ).
– ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه (فالخضرة إحياء للحياة.. وزاد للمسافرين في أيام السلم والحرب وفيء..).
– ولا تقطعوا شجرة مثمرة (فالثمرة زاد للرائح والغادي،مصدر حياة للناس)
– ولا تذبحوا شاة أو بقرة أو بعيرا إلا لمأكلة (ضمن الضرورة).
ألا يبدو – هنا – دور الأخلاق – ليس في السياسة فقط، بل وفي الحروب أيضا..؟
ولا بد من التذكير بأن السياسة كانت مشبعة بضوابط أخلاقية تدل عليها هذه الوصية وغيرها الكثير الكثير..والمهم ان التوافق بين القيم النظرية والسلوك العملي كان هو الواقع والمراد في ظل فلسفة دينية – إذا جاز التعبير- غلب فيها البعد الأخلاقي على البعد الواقعي (الذي باسمه تصبح السلوكيات السلبية مبررة بمعنى ما).
(1) كتاب (اللغة والتفسير والتواصل) تأليف د. مصطفى ناصيف. رقم 193 –سلسلة عالم المعرفة الكويتية- كانون ثان 1995م- رجب 1415ھ:
(( وربما لا تكون بعض استجاباتنا وأهدافنا واضحة بشكل كاف لأننا لا نولي صنوف الخبرة باللغة ما ينبغي من النقاش. إن اللغة والتفسير والتواصل كلمات ثلاث تتصدى لمشكلات عميقة عمق وجودنا….أما التواصل فقد نظر إليه طويلا بمعزل عن قضيتي التفسير واللغة، وهذا تبسيط أو اقتضاب. من خلال نوع من التعامل مع الكلمات وتفسيرها يمكن أن نكتسب وعيا أفضل بالمخاطر الأساسية وطرق معالجتها.) ويمكن لمعرفة المزيد، قراءة الفصل الأول من هذا الكتاب
(*) الأطيقا (علم الأخلاق)، “الحكمة العملية” ethics :باليونانية ethika – من ethos – عادة) علم فلسفي يدرس الأخلاق، … وقد أدخل مصطلح ” الأطيقا ” أرسطو، الذي دل به على مبحث الأخلاق. إن الأطيقا كعلم فلسفي متميز عن الوعي الأخلاقي الذي العادي يتشكل عفويا في مجرى ممارسة الناس الاجتماعية…. (معجم علم الأخلاق – دار التقدم.موسكو. ص 54)
(2) معجم الأخلاق-دار التقدم . موسكو- ط 1984
(3) الموسوعة الفلسفية المختصرة – نقلها عن الإنكليزية : فؤاد كامل و جلال العشري و عبد الرشيد الصادق ،مراجعة وإشراف وإضافة الدكتور زكي نجيب محمود- دار القلم بيروت –لبنا
………………………
-تعليق من الأستاذ موسى موسى –ألمانيا.نشر على النتن عليقا على مقالاتي هذه ندرجه للفائدة.
في السبت 23 ديسمبر 2006
موسى موسى
من خلال متابعتي لكتابات الأستاذ محمد قاسم بدقة لا متناهية، أحلل كل كلمة فيها ، فلسفياُ وسياسياً وقانونياً واجتماعياً . أفكر في الكلمة – من خلال تطورها التاريخي – و أسير بها إلى الحاضر والتأمل بما سيكون لها من تأثير من المستقبل. وافكر بما تعتورها من تطورات ليست على الكلمة المجردة والمؤلفة من عدة أحرف، بل بما تعنيها تلك الكلمة .
أرى في كتاباتك أستاذي العزيز كما في كتابات الدكتور عبد الباسط سيدا،مدرسة علها تغير الأحوال المعرفية لمجتمعنا، أو على الأقل تكون لها التأثير الفعال في تقدم المجتمع فكرياً ومعرفياً إذا ما جعل من تلك الكتابات منهلاً ثقافياً له .
استاذي الكريم، قرأت مقالتكم،أثر السياسة في المجتمع (مقدمة عامة)، وها انذا أقرأ تكملتها المعنونة ب: اثر السياسة في المجتمع – الفصل الحاد بين السياسة والاخلاق –
وحسناً فعلت في عدم الاقتصار على مفهومٍ واحد لكل من، المجتمع، والقومية، والوطنية،والامة، والشعب، حيث لكل من تلك المصطلحات مفاهيم مختلفة بحسب العلوم المختلفة، دون أن تتعارض تلك العلوم في التفسير ، فلكل علم زاويته الذي ينظر اليها من خلالها، ولكن الذي أثار اهتمامي هو الرابط بين تلك المفاهيم التي أدرجتها في مقالتك، والحالة الكردية المتأزمة بشأن مفهومين، أوردتاه الحركة الكردية في رؤيتها السياسية، رؤية الجبهة والتحالف حيث الاعتراف الدستوري بالوجود القومي الكردي . ورؤية لجنة التنسيق الثلاثي في الاعتراف بوجود الشعب الكردي .
وهنا أتساءل، إذا كانت الحركة الكردية بشأن الاختلاف في التفسير دخلت حلبة الخلاف والنزاع فيما بينها، فما هي القواعد والاسس والنظم التي يمكن الرجوع اليها لتلافي ذلك النزاع، وحله من اجل التقارب، والالتفاف حول رؤية سياسية مشتركة لكافة فصائل الحركة الكردية ؟ علماً بانني على ثقة بان القصد من كتاباتك في أحد جوانبها ولو بطريقة غير مباشرة هو محاولة توجيه الحركة الكردية للسيرعلى الطريق، الواجب السيرعليه، للإلتقاء على رؤية سياسية واحدة .
فاذا كانت القومية، هي شعور… وتطلع… ، شعور الانتماء، وتطلع الاستمرار(رغم اني لا اخالفك التفسير) فهل ما أوردتاه الجبهة والتحالف الكرديتين في رؤيتيهما المشتركة في الاعتراف الدستوري بالوجود القومي الكردي في سوريا يرادف وجود الشعب الكردي في سوريا على أرضه التاريخية ؟.
إن ما فهمته من رؤية الجبهة والتحالف، هو العمل على الاعتراف الدستوري بوجود ذلك الشعور الذي أوردته في مفهوم القومية ، وقد سبق لي وأن نشرت مقالاً بعنوان- مفهوم الشعب وتطوره التاريخي- حيث ثبت لي من خلال تلك الدراسة التي اختزلتها أخيراً في قالتي تلك، بان الوجود القومي الكردي لا يرادف وجود الشعب الكردي على أرضه التاريخية . فوجود الشعب هو وجود كائنات حية حقيقية تعيش في واقع الحال على تلك الأرض. أما الوجود القومي فهو وجود الشعور لدى تلك الكائنات من البشر، أي وجود الشعور لدى الشعب كمجموعة بشرية . وهل يصح العمل أو النضال من أجل الاعتراف بالشعور الموجود لدى جماعة من الناس- الشعب – ؟ رغماً ان الشعور هو حالة متغيرة ، أم الأصح هو النضال من أجل الحقائق والثوابت ؟ .
ولا أنكر بان ازمة الحركة الكردية في جانبها التفسيري لهكذا مصطلحات ومفاهيم. سيبقى مستمراً إذا لم يشاركهم المختصون في مختلف العلوم الانسانية، في البحث والدراسة والرأي والصياغة . ولذلك لابد من التواصل والعمل الجاد بين الجميع لإزالة تلك الخلافات التي أصبحت مرضاً تنتشرفي جسم الحركة السياسية الكردية وتنهكها، فيصبح الشعب ضحية نزاعات حركته نتيجة الإلهاء في مشكلة من السهل حلها إذا ما تم الاعتماد على الدراسات والبحوث التي بإمكان الكثير من أبناء شعبنا -على الاقل- القيام به .
ان النزعة الانانية التي يتميز بها الساسة هي نسبية،منهم من يسعى بكل ما أوتي وأنصاره من إمكانية العطاء،ليحصلوا على الاقل، الذي هوكثيرفي الحالات التي لم تكن فيها الساسة في مراكز النفوذ ،ومنهم في الطرف الاخر من البوصلة السياسية،كما في الحالة الكردية،أي الحالة التي لم يقدم فيها الساسة وأنصارهم شيئاً لمجتمعاتهم، ومع ذلك يخضعون لنزعة الاستفراد بكل شئ ، فالفكروالمعرفة تختزل عند أفكارهم – بحسب رؤاهم -، والوطنية تتجسد فيهم وحدهم، والنضال من أجل المجتمع والشعب تنتفي عند غيرهم،مع الشك بوجود الساسة في المجتمع الكردي في سوريا،والنزاع الكردي الكردي حول بعض المصطلحات يؤكد وجود الحركة الكردية في فلك ليس للعلم فيه أثر ووجود،فأية سياسة بمعزل عن العلم يكون له وجود ؟ إذ استثنينا المجتمعات البدائية.
ان نزعة التفرد بكل شيئ،حتى في العمل الحزبي ،والاكتفاء بالعيش في قوقعة تحميهم من التطور والتقدم،تلك القوقعة التي أريد لضعفاء الفكر والعمل والنضال في التقوقع فيه ،وترك المجتمع لأمواج البحاروالمحيطات للهلاك ،ما هي إل
السياسة بين النظر والواقع والمتخيل
لم يعد خافيا على الناس معنى السياسة والتي كانت تعاني من إشكال أو غموض –في أثناء صياغة مصطلح السياسة ودلالتها النظرية وآفاقها –المساحة التي تطبق فيها دلالتها-وأسلوب تطبيقها..عبر المعايير والقوانين المتفق بشأنها..الخ.
وإذا كان الاختلاف على تعريفها لا يزال يهيمن على الذهنيات..إلا أن الدلالة أصبحت واضحة عبر الإدراك الفطري والتجريبي لها..
فمثلا قد لا يستطيع أحدهم ان يعرف معنى السياسة نظريا..ولكنه يعرف ان السياسة تعني وجود حكم وحكومة ومجلس برلماني –تحت أي اسم-وإدارات ودوائر..وأحزاب..الخ.
وقد يتفاوت الفهم من مستوى معرفي إلى مستوى معرفي أقل أو أكثر-أعلى – ولكن المعنى العام يتحسسه الجميع..ذلك لأن الفطرة الإنسانية –وفقا للديانات ووفقا للدراسات النفسية الى حد بعيد،وخاصة التحليل النفسي الفرويدي- لها خاصية الإدراك العام للحياة بكل معانيها..ولكن الاختلاف يبدأ في تفاوت المستوى المعرفي والتربوي وعناصرهما..
ولذا نجد منذ القديم الاتفاق حاصل حول هذه الفكرة عند ابن خلدون-مثلا –الذي يعتبر ان العقل عند الناس واحد..ولكن الظروف والبيئة –الزمان والمكان ومستوى الثقافة..- يجعله يتفاوت في النضج..والتصقيل..ويؤيده في التحليل او التشخيص أو التفسير..عدد كبير من فلاسفة الغرب الماخرين عنه.والمتقدمين عليه أيضا.
كما ينسب الى علي بن أبي طالب قوله:
رأيت العقل عقلين === فمطبوع ومسموع
فلا يك مسموع ===إذا لم يك مطبوع
كما لا ينفع الشمس ===وضوء العين ممنوع
إذا السياسة كفكرة وممارسة بالمعنى العام..واضحة الدلالة..
ولكن الاختلاف يأتي من اختلاف الثقافات..ومن ظروف التربية الاجتماعية..(السياسية)وعند الدخول في تناول التفاصيل التي يفرضها درقة العلاقات بين البشر.
لنأخذ من الواقع –التاريخي والحاضر –بعض أمثلة..
كل مطلع –متابع،قارئ للتاريخ ..-لديه فكرة عن الظروف التي مرت بها السياسة في المجتمع الغربي منذ اليونان والرومان وما تلاهم..فقد ارتبطت ظروف التطور تلك بالطبيعة الثقافية السائدة..وكانت الحرية والديمقراطية من اهم خصائص هذه الحضارات منذ القدم فكريا ذهنيا–على الرغم من الممارسات المخلة في بعض المراحل كاستبداد حاكم..كمفاهيم تميز بين طبقات وشرائح اجتماعية قياسا الى السلوك..إدارة سياسية –الحكام والملوك- أو ممارسة القوة العسكرية للدفاع عن البلاد-الجيش والمحاربين- ممارسة مهن نظرية –طلب العلم والفكر والفلسفة- وممارسة أعمال يدوية، فلاحة صناعة وغيرها..!
وكان لكل مرحلة مفاهيم ومصطلحات تتجه عموما الى تعزيز الحرية الفردية واحترام الشخصية الفردية..ولذلك نجد كلما تقدم بهم الزمن أضافوا ..أو حذفوا..أو اقترحوا….أشياء جديدة تدخل في بنية السلطة السياسية ،وتحدد العلاقة ..أو توضحها ..بين السلطة وبين الشعب..!
كلنا يتذكر ان التعريف المدرسي لمفهوم الديمقراطية اليونانية كان (حكم الشعب نفسه وبنفسه) ولا يزال التعريف أساس كل التعريفات الأخرى..لن الفكرة هي هي ولكن آليات التنفيذ تختلف هذه الأيام –بحكم تطور المجتمعات- الى ديمقراطية تمثيلية –وفق صيغ مختلفة تحدده الشعوب بحسب مستوى وعيها، ومدى حريتها..بالنسبة الى النظام الحاكم..!
وقد أثمرت المساعي والجهود الحثيثة الى تكريس مفهوم الديمقراطية، المجسدة في الواقع –بأخطائها التي لا ينكرها أصحابها – إذ يقول احد مفكريهم ما معناه:
النظام الديمقراطي مليء بالأخطاء والنواقص،ولكننا لم نوفق –بعد-الى نظام أفضل من الديمقراطية..!
إنهم يرون في التجربة معينا لتكامل الأفكار..وهذا طبيعي في مجتمع غلب في ذهنيته الطرق المنطقية والعلمية ..وهاهم اليوم يرفلون في نعمة ممارسة الحياة الديمقراطية..الى درجة تكاد أن تكون متجهة نحو مفاهيم الاشتراكية التي لعب على حبالها الماركسيون أكثر من قرن ولم يجنوا منه سوى إبطاء تطور مجتمعهم كما ينبغي،وإن كنا لا ننكر دورهم –وحقهم-في التحريك الإيجابي للغرب نحو النتائج الإيجابية على هذا الصعيد..ولكن دورهم أشبه بدور معلمي جبران خليل جبران عندما يقول ما معناه:
ثلاثة تعلمت منهم وليس لهم علي فضل، وجدت الثرثار مكروها من الناس فتجنبت الثرثرة، والبخيل وجدته مكروها من الناس فتجنبت البخل..ويذكر ثالث لا أتذكره..!
أما المجتمع الشرقي فلا يزال يعيش فكرة دوران الشعب حول استثنائية القائد الرمز..
” بالروح ..بالدم..نفديك يا…زعيم..يا ملك..يا أمير..يا رئيس..الخ.”
وما أتعس منظر الجموع وهي تصفق حتى أدمنت التصفيق..ولقد سمعت حكاية رواها احد المخضرمين والذين عاشوا فترة الحكم في بداية الاستقلال في سوريا..بأن المندوبين حينها كان اغلبهم من الإقطاع والمتنفذين القبليين والتجار…واغلبهم أميون..لا يعرفون مداخل السياسة ومجاهلها..فكان المتمرسون بها يستغلون هذه الحالة للسيطرة على أصوات هؤلاء..في التصويت على المشاريع..والتي تتضمن بعض مصالح لهم أيضا –بعيدا عن معنى الوطنية ومصلحة الشعب- فصدف ان احدهم غفى ..حتى انتهت الجلسة وانصرف النواب..فربت المستخدم على كتفه برفق يريد ان ينبهه الى انتهاء الجلسة..فانتفض النائب وقال –وهو يرفع يده- :موافج..موافج.
ويبدو ان الصيغة نفسها أصبحت ثقافة مكرسة في كل ألأوساط منذ ذلك..وبطريقة منهجية ..ترعاها السلطة عن سبق إصرار وتصميم..!
فما هو المأمول..في هذه الحالة..؟!
حالة استبداد سلطوي ..يرتكز في استمرار البقاء على مرتزقة –وفق نظرية ابن خلدون-تحت تسميات مختلفة ،كلها منزاحة عن أصل معناها-مشوهة- تتكرس الحالة ثقافة مفروضة ،وهي في هذه الحالة لا تتخذ مسارا طبيعا بل أشبه بالولادة العسيرة..تتكيف مع ذاتها رغما عنها ..فتاتي العملية مبتسرة..وتنعكس على الشخصية فتنتجها مسلوبة الإرادة،وقد تتمتع ببعض وعي عديم الفعالية والتأثير..
……………………………………….
السياسة بين النظر والواقع والمتخيل(وضع التوافق) ..”2″
ميدانيا ماذا نلاحظ..في الممارسة السياسية ..في المجتمعات الشرقية عموما والعربية خصوصا..؟
يبدو لي ان الذهنية في البلدان الشرقية متأثرة بالمشاعر والعواطف أكثر مما ينبغي..وهذا بحد ذاته مشكلة..فالتعامل مع السياسة يقتضي مراعاة القاعدة الجوهرية فيها (التعامل مع الممكن.. أو ما يعبر عنه كتعريف للسياسة عند البعض(فن الممكن).
ولكن –قطعا-لا يعني ذلك التعامل فقط مع الممكن..بل السعي للوصول الى ما هو متخيل ومأمول..أي تجاوز الممكن الحالي(الواقعي) الى ممكن أكثر تطورا ..ليصبح واقعا..وذلك في علاقة جدلية يتعاون فيها المعطيات الواقعية مع إيجاد معطيات تساعد على تجاوزها لتحقيق واقع جديد..أفضل.!
ومن الطبيعي ان كل عمل يحتاج-لينجح-الى تصور لخطواته..في ترتيب منطقي أكاديمي..يكون مثالا أو طريقا..أو إطارا لسلوك عملي تطبيقي..!
من هنا كان العنوان (السياسة بين النظر والواقع والمتخيل(وضع توافق).
فالجميع يعلم ان العقل –وهو القوة القارئة نظريا للمعطيات – ركيزة أساسية للتفاعل معها،وتمييزها وترتيبها وتصنيفها..بل وإنتاج مفاهيم نظرية تعبر عن المعطيات الواقعية مفاهيميا..ولكن ذلك لا يحقق النتيجة المرجوة ما لم يكن متفاعلا مع حالة أخرى هي دور التخيل الذي يرافق–منطقيا-مراحل القراءة والتمييز والترتيب والتصنيف…فيتكون جهاز نفسي يقوم بمهمة هامة ومعقدة ومنتجة إبداعيا بكل معنى الكلمة..
فكيف يتم التوافق بين الأحوال الثلاثة (الواقع-النظر-التخيل)..؟!
…………
السياسيون ودورهم في تشويه الحقيقة.
نفر ق بين السياسة والسياسيين(الساسة) كما فعل المفكر الفرنسي الشهير روجيه غاروديه الذي أعلن إسلامه وتسمى ب”رجا غارودي”.إذ قال:
الحمد لله أنني أسلمت قبل ان أرى المسلمين.وكان زار عددا من البلدان الإسلامية بعد إسلامه.
كلنا يعرف ان السياسة هي وظيفة ضرورية للمجتمعات ويختلف الناس في تعريفها لكن أعجبني التعريف الذي يحدد السياسة ب(الوظيفة العليا او الأعلى لإدارة المجتمعات). فهذه الوظيفة تمارس عبر الشخصية الأولى –الرئيس او الملك…والذين يساعدونه في إدارة الحكم أيا كانت تسميتهم …
خلال قرون –منذ الوجود البشري على وجه البسيطة…مورس الحكم بصور مبسطة تطورت مع تطور المجتمعات وتعقد شؤونها ،وكان فيها حكم رشيد وحكم شديد ومستبد…مع ما يرافق كل نوع من تداعيات معروفة تتناسب مع طبيعته.
يسجل التاريخ أسماء حكام عادلين وآخرين سيئين ومتجاوزين..فمن النوع الول مثلا الخفاء الراشدون الأربعة –او الخمسة-وصلاح الدين الأيوبي وكسرى ..وبعض رؤساء أمريكا ….وأفريقيا مانديلا ..الخ.ومن النوع الثاني مثلا هتلر والنازية والفاشيست وهولاكو…والأنظمة المستبدة التي لا تخلو –عادة من غباء وعدم تبصر …
وتزخر الحكايات الشعبية على حكايات تشير الى رموز او أسماء تمثل العدالة في الحكم كأمنيات او ربما كتمجيد لواقع بغاية دعم هذه الأمنيات وتأخذ طابعا فولكلوريا تتناقله الأجيال عبر دروب الضمير المتصلة بين الماضي والحاضر.
البشر يميلون منذ وجودهم الول الى حياة فيها استقرار ورفاهية لكن الأشقياء فيهم بما في ذواتهم من ميول أنانية لا يدعونها على هذه الحال فيتم التجاوز على الحقوق وتتصارع لميول انانية تسكنها لتنتدج سوء حال تجليه عدم الاستقرار والصراع العنفي لفظيا وعمليا حتى القتل والحرق والتدمير..الخ.
……………
التحليل السياسي والعقد المحركة .
محمد قاسم ” ابن الجزيرة ”
m.qibnjezire@hotmail.com
المنطق يفترض أن يكون المحلل حياديا في تحليله للقضايا التي تهم البشر،الاجتماعية منها خاصة، وعلى رأسها تلك السياسية.
وإذا كان لدى المحلل-أي محلل- ميوله الخاصة، أو مواقفه الخاصة، يُظهر ذلك كرأي- وهذا حقه- .
أما التحليل عموما –و السياسي منه خصوصا، فالمفترض انه يبنى على المعلومات والحقائق…خاصة أن التحليل في الأصل -يهدف إلى تنوير الرأي العام…!
وهنا يجب أن نفرّق بين المحلل السياسي المؤدلج- الملتزم- وبين المحلل السياسي الحيادي”المثقف”” “.
فالنوع الأول ليس محللا بالمعنى الدقيق، إنه محام ومدافع عن اتجاه محدد، فهو ليس حياديا إذا، وإنما يمثل مصلحة جهة محددة، فهو مهتم بأن يوحي بصحة موقف هذه الجهة –أو الاتجاه- أو يدفع عنها التّهم الموجهة إليها … وبذلك فإنه يمارس دور محام قلّما يكون مهتما بالحقيقة والحق، وإنما يهتم بمصلحتها –مع احتمال أن يكون الحق أحيانا إلى جانب الجهة التي يمثلها- .
أما النوع الثاني فهو محلل مثقف وحيادي –كما هو المفترض- وهمه أن يتوصل إلى إبراز الحقيقة كأهم وظيفة من وظائفه…ومن ثم تنوير المشاهدين أو المستمعين أو القراء بحسب النهج المتبع: إطلالة من التلفزيون أو الإذاعة أو المطبوع…!
هذا اليوم 31/5/2012. كان ثلاثة ممن يوصفون بالمحللين على قناة فرنسا 24 :
ماتوزوف المعقّد من أمريكا…ود.خالد عيسى المعقّد من تركيا والإسلام-او الإسلاميين- ود.محمد هنيدي المعقّد من النظام السوري ومن يدعمه.
وهناك “المعقّد” انحيازا إلى أيديولوجيا أو أنظمة -إذا جاز التعبير –وما أكثرهم في الثقافة العروبية الأيديولوجية- ودون البحث في التفاصيل، حول أسباب التعقيد هل هو قناعة، أم انحياز بسبب الارتزاق، أو الخوف ربما، أو أي شيء آخر… لا صلة له بالتفكير الحيادي والمنطق السليم…!
كان واضحا أن الثلاثة –وأمثالهم كثر كما قلنا- لا يحللون بقدر ما كانوا يعبرون عن انفعالاتهم وميولهم واتجاهات وربما مصالح يمثلونها…!
فالروسي “فاتيسلاف ماتوزوف” يبني أحكامه على مصداقية النظام-وهذا يتكرر غالبا- فهو من بقايا ثقافة الاتحاد السوفييتي المنهار، و لا يزال يعاني بعض حقد على أمريكا التي كان لها دور في انهيار الاتحاد السوفييتي،ولكنه يتجاهل حقيقة أن سلوك السوفييت الأيديولوجي المستبد كان البيئة الخصبة لتآكل نظامه من الداخل –وبالتأكيد للعوامل الخارجية أيضا الدور الحاسم فيها، ومنها : الدور الأمريكي.وهي لعبة سياسية تبدو مشروعة في ثقافة السياسة الواقعية-سياسة المصالح-
كما يبدو انه منتفع في شكل ما من هذا الدور والموقف..!.
أما “د.خالد عيسى” فهو عضو في هيئة التنسيق السورية لجهة ميوله لحزب العمال الكردستاني- أو ربما صلة مباشرة- ويتعامل مع تركيا انسجاما مع سياسة هذا الحزب . فهو يرى بحسب رؤية زعيمه السيد “عبد الله أوجلان” أن معظم الكورد في سوريا مهاجرون؛ سواء أولئك الذين هاجروا مع صلاح الدين الأيوبي، أو الذين هاجروا نتيجة اضطهاد عثماني في الربع الأول من القرن العشرين.
وبالتالي فهو يتبنى سياسة عودة الكورد المهاجرين إلى شمال كوردستان –كوردستان تركيا-. لذا فسوريا أصلا ليست موقعا هاما في سياسة هذا الحزب الذي بنى كل حيثياته على عداء تركيا في نوع من تقاطع المصلحة بينه وبين النظام السوري –على الأقل من وجهة نظره…” ”
وكان محمد هنيدي يعبر عن شعور قومي عربي- وربما عروبي- فيه معاناة، وهو يشهد ما يجري في بلد يعتبره عربيا وشعبه عربيا ومسلما …فهو يتعاطف مع ما يرى انها ثورة شعب يحاول النظام قمعها بمعونة من إيران وحزب الله والقوى المتحالفة مثل روسيا وفنزويلا والصين..الخ.
في تقديري ،لقد خرج المشاهدون بنتيجة غير مجدية من خلاصة التحليل –إذا جاز تسميته تحليلا- وهذه مشكلة ثقافية في المنطقة العربية خصوصا.والشرق عموما.
وعلى الرغم من أنني لست متفقا على الكثير من عناصر الثقافة الغربية خاصة ما يتعلق منها بالمناهج والسلوكيات الأخلاقية…إلا أنها تبقى ثقافة تهتم بالواقع والواقعية أكثر من محاولة ادلجة …!
وكأنما التلفزيون نفسه لم يكن معنيا كذلك بالنتيجة الحيادية بقدر إشغال برنامجه…
لاعتبارات تخدم مصلحة القناة من زوايا ما..ربما مادية أكثر…أو ربما تخدم سياسة معينة لهدف معين…
وفي اليوم التالي 1/6/2012 كانت قناة العالم –الإيرانية التي تعكس وجهة نظر النظام السوري؛ تستضيف السيدين د.خالد عيسى، ود.طالب إبراهيم، وكانت المجاملات من السيد طالب إبراهيم تعكس مدى التناغم بين اتجاهي هيئة التنسيق والنظام…إلى درجة إن السيد د.طالب إبراهيم كان يصف أعضاء هيئة التنسيق بما لم يصف به الموالين للحكومة…سواء بقصد الدغدغة السياسية، أو التعبير الفعلي عن حقيقة العلاقة بينهما..ويبدو أن ذلك كان يرضي زميله, فقد قال د.طالب لو انه وصف مجلس استانبول لما وصفه بأحسن مما وصفه د.خالد “بل إنه وصف في بعضه بأحسن مما يمكنني”.
وأنا هنا لست معنيا بهذه الواقعة إلا بقدر ما يعزز وجهة النظر القائلة: إن هؤلاء وأمثالهم، ليسوا محللين، وإنما مدافعين عن اتجاهات محددة سياسيا- بغض النظر عن توافق دفاعهم مع الحقيقة أم لا -.وهنا المشكلة..!
وهذا الدور نفسه يلعبه الإعلام – العربي خاصة- ويكاد يتحول من وظيفته في الكشف عن الواقع –كسلطة رابعة- كما يوصف عادة. إلى وظيفة تزييف الواقع لوجهة نظر محددة..!
فيا خيبة الأمل في ما يسمى تحليلا سياسيا، وهو في الحقيقة والواقع، صراع بين منتمين إلى تيارات سياسية مختلفة، ويمارس كل منهم دور الدفاع عن الجهة التي ينتمي –او يتعاطف- إليها، لا دور الباحث عن الأدلة والقرائن –المعلومات- ليبني عليها استنتاجاته ورؤاه.ومن ثم يتوصل إلى خلاصة تكون متوافقة مع الحقيقة.
ويا خيبة أمل في إعلام عرف بأنه سلطة رابعة لصالح المجتمع،يتحول إلى مجرد وسيلة رخيصة بيد النظم والقوى المهيمنة –أيا كانت..وفي أغلبه ضد الشعوب والمجتمعات.!
وهنا المشكلة والمأساة في الثقافة التي تحرك هذا النهج المؤذي لمصلحة تطوير المجتمعات عالميا، وتوفير السلم الأهلي المطلوب للحياة الآمنة وتحقيق التطور.
……………..ز
لماذا يختلف التحليل السياسي منهجيا
ما بين الثقافة الغربية و الثقافة الشرقية
(حتى في حالات تشابهها الظاهري؟!)
الأمر بسيط…في الثقافة الغربية هيمنت ثقافة متميزة من بعض خصائصها:
الإيمان بالشخصية الفردية وحريتها التي لا حدود لها سوى ما ينظمها القانون…
ولذلك فالفرد الغربي تجاوز-ثقافيا- التكتلات الاجتماعية العاطفية سواء في إطار حالة دينية أو قبلية أو طائفية أو مذهبية …الخ. وفي الحالة الحزبية فالفردية أساس عقد العلاقات والتفاعلات ضمنها..وبذلك لا فرصة للمهيمن في الحزب –أي حزب- ان يتحكم في أعضاء الحزب..وإذا حاول ذلك فإن المنهجية التي تقوم عليها العلاقات ضمن الحزب وطبيعة تكوين الشخصية الفردية التي لا تقبل الانصهار في رغبات الزعيم –كما هو الحال في الشرق- هذه المنهجية تحول دون أن ينجح في ذلك.
المسألة أساسا هي طبيعة الثقافة ومدى انعكاسها في تكوين الشخصية وقناعاتها ومدى ممارستها لقناعاتها بحرية ويقين… ولا يمكن ذلك إلا في المجتمعات التي يسود فيها القانون.._وليس أي قانون..بل قانون اعتمدت فكرته و صيغت مواده على أساس ممارسة ديمقراطية في مناخ من الحرية الكافية…
وعلى الرغم من أننا لا نتوقع أن يكون سكان المجتمعات المتقدمة كلهم من الملائكة إلا أن الطابع العام الذي يطبع الحياة فيها سواء فيما يتعلق بنهج الحرية المتبع والحالة الثقافية التي نضجت فيها وفقا لقيم واضحة الملامح في البحث عن المصلحة المشتركة والتي يعيها الجميع، أو -معظمهم على الأقل- مما أفرز شخصية من أبعادها الأساسية المعلنة والممارسة الشعور بالآخرين …والاعتراف الحقيقي – وعيا يقينيا وممارسة عملية- بان الآخرين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات ضمن الوطن الواحد بغض النظر عن كونه مواطنا قديما أو حديثا –فالقانون قانون…ومادام القانون قد قبل بهم مواطنين من أين جاؤوا من أي جذر أتوا من أي دين كانوا …الخ فهم مواطنون ومن الطبيعي أنهم يتمتعون بكافة الحقوق التي حددها القانون..فإن قيل هناك نزعات ذات طبيعة دينية أو عرقية أو عنصرية بشكل عام…نقول هذا من طبيعة البشرية…فهناك اختلاف في مستوى الفهم والوعي…وهناك اختلاف في المشاعر والرؤى وهناك اختلاف في المصالح …الخ.لكن ذلك كله لا يعطل القانون في كليته..ربما تكون هناك تجاوزات تعالج عادة ..بشكل كامل أو جزئي تبعا لظروف الحالة والمستوى الثقافي لكل بيئة…
هذا يظهر جليا عندما يتقابل اثنان من المحللين أحدهما غربي والآخر شرقي –بما فيهم الروس وغيرهم…- فالأول يجهد لتحليل يعتمد- على الأقل ظاهريا- على المنطق وبنبرة هادئة تشعر المستمع –المشاهد- بضبطه لمشاعره وميوله ، واحترام عقول المشاهدين-وان كان ينوي التأثير عليه فبأسلوب يغلب فيه الأدوات الفكرية…بخلاف الشرقي الذي تشعر به متوترا-وهذه طبيعة الشخصية الشرقية عموما- ويغلّب أيديولوجيته مستهينا بعقول الآخرين، ويعلو صوته ويستخدم عبارات استهتار في شكل ما بالمقابل والمشاهدين.وكأنه وحده الذي يقرر كل شيء…وعلى الآخرين فقط أن يستمعوا بل ويتقبلوا وإلا فهم بمواصفات يطلق منها ما يشاء منذ الانحراف والتخوين والتبعية وال..و…والحقيقة أنها جميعا مواصفات تخصه وهو يخرجها إسقاطا على الآخرين ربما بوعي لغرض محدد أو ربما حتى بلا وعي فلا شعوره يقوده أحيانا كثيرة..لأن المكبوتات القاصدة أو غير القاصدة تعمر شخصيته في كل زاوية.
………………………..
التصور السياسي وفعالية تطبيقاته
بحكم كون العمل السياسي هو عمل لممارسة غدارة اجتماعية على مستوى الدولة –صغرت ام كبرت- في فعالياتها الأعلى داخل وخارج الوطن …فإن المتطلبات المفترضة موضوعيا وأخلاقيا لهذا العمل-الأداء- -نظريا على الأقل-: هي تمتع السياسيين بكفاءات مميزة على مستوى الذكاء والنباهة والوعي عموما إلى جانب الحس بالمسؤولية الأخلاقية تجاه الوطن ومن –وما- فيه.فالطبيعة الجغرافية والآثار التاريخية الشاملة –ماديا ومعنويا- لنقل ثقافيا …جميعا متكاملة وتمد البعض بأسباب الحياة المستمرة والمتفاعلة مع المعطيات والمستجدات لتنمو نحو الأفضل دائما لجهة الشعور بالأمان والاستقرار والبيئة الموفرة للفعالية والأنشطة المختلفة للعمل والإنتاج وبالتالي التمتع بالنتائج برفاهية مرغوبة ومطلوبة دائما.
في الحالات الأغلب الخصائص التي تتعلق بالكفاءة-بالمعنى الخالي من الأخلاق- تتوفر بنسب عالية وان كانت متفاوتة طبعا بين حالة وأخرى..وهي ما يرد ضمن الأدبيات أحيانا في عبارة ” الموالاة” أو “التبعية للحاكم”. وتكون عادة على حساب الخصائص الأخلاقية التي تفترض تغليب مصلحة الوطن –أرضا وشعبا وتاريخا وجغرافيا وتراثا ..الخ.
من هنا تبدأ التداعيات المؤذية لمسار الفعل السياسي المفترض كمسار مطلوب للممارسة الإدارة للوظائف العليا –الأعلى- نحاول استقصاء بعضها سراعا:
– التنازل عن الشعور بالخاصة الإنسانية المشتركة كقيمة بشرية يستمد المرء منها شعوره أهميته وتساويه-او تكافؤه على الأقل- في القيمة الإنسانية،وبالتالي تقسيم البشر إلى ذوات وعموم..على أساس غير صحي وغير صحيح هو التفاوت في القيمة الإنسانية بين البشر،ولا ينسى الحكام من مختلف التسميات ان يكرسوا مثل هذا الشعور عبر عبارات اصطنعوها لذلك-المعظم-المفدى- السمو- الجلالة- الفخامة-العظمة- الأكرم- معالي-..الخ.وحتى كلمة “سيادة” المشتركة في الجذر مع كلمة “سيد” للدلالة على حرية الإنسان –في الثقافة الغربية بعد الثورة الفرنسية خاصة- وتكافؤه القيموي مع غيره من البشر مهما علت مرتبته او وظيفته او دوره..الخ. حتى هذه الكلمة أخضعت لعملية نفسية جعلت دلالتها تختلف فمثلا يذكر دوما “السيد الرئيس” بينما لا تستخدم في مخاطبة الناس الآخرين إلا أحيانا –هذا في الشرق طبعا ، لكن مخاطبة الرئيس يكون بلفظ الرئيس وقلما تسبقها كلمة السيد الرئيس …(the president ).
– نمو ظاهرة التملق –المخالفة للمفترض في حياة الإنسان الحر،فكل من يشعر بأنه حر وله قيمته الإنسانية المتكافئة مع الآخرين –بغض النظر عن المكانة التي يشغلها كوظيفة تتطلبها عملية إدارة قضايا المجتمع لصالح المجتمع …
– ومن الطبيعي ان سيكون الكذب احد الصفات المرافقة لظاهرة التملق…وتزداد وتيرته كما ونوعا بحسب درجة الحاجة الى التملق خنوعا او تصيدا لغاية من خلفها.
– وبخلاف اعلم والثقافة التي تبحث باستمرار عن الحقائق والروابط بينها ومنهج العمل للوصول إليها مما ينتج ما يعرف بالمناهج-او النهج –المنطقية …فإن العمل في السياسة يفرز مناهج يسمونها في المجتمع المتقدم-تجاوزا- بالدبلوماسية.وهي تعني لغة خطاب وتعامل يراعي الوقوع في مشكلات سوء الفهم او التصادم بين المختلفين عبر لغة خاصة تجنب المتعاملين الوقوع في المشكلات –كما أسلفنا- وهي تتضمن في بعض رتوشه كذبا لكن بطريقة متعارف عليها غالبا…بخلاف المجتمع المتخلف –أيضا تجاوزا- الذي يحيل الدبلوماسية إلى نهج الكذب الصرف تحت مسمى الدبلوماسية.فالكذب الذي يبنى عليه العلاقات داخلها يصبح مادة فعاليتها داخلا وخارجا مع مراعاة –طبعا- المصالح بالقدر الممكن من الفهم –القاصر غالبا والأسباب كثيرة يمكن اختزالها في عدم فهم أسرار الحكم-السياسة – بموضوعية فضلا عن الضعف الواقعي اقتصاديا وعسكريا مما يجعلها دائما تحت شعور بالضعف حيال الكبار ومن ثم التصرف وفقا لذلك على حساب المجتمع والوطن في العموم.
– الحاشية المنتفعة الكفوءة والمشبعة بالعمل النفاقي والكذب …تتكاثر باستمرار مادام الحكم نفسه يتحول إلى “جملكية ” فيما تسمى الجمهوريات على الرغم من تسميات متعددة وطويلة هي جميعا خادعة “كالجماهيرية الليبية الاشتراكية العظمى” مثلا…!
– نتائج هذه الحالات ومنها ما يتصل بالحاكم نفسه من سلوكيات أفرزتها ظروف وصوله وبقائه في الحكم من انقلابات وأجهزة استخبارات –سميت أمنية تجاوزا –وهذا يذكرنا بملاحظة أخرى هي تحريف الأسماء والمسميات لتوليفها مع طبيعة تكوين الحكم –النظام…فإن ثقافة خاصة هجينة سلبيا تبرز بقوة وتصبح ثقافة المجتمع بأكمله تحت ضغط نهج الحكم لجعل الشعوب أداة بدلا من ان يكون يستمد شرعيته من تأييد الشعب…ولذلك فإن ظاهرة أخرى تبرز بقوة في مثل هذه النظم وهي:
– ظاهرة إتقان التزوير في الانتخابات وطبعا التحكم بأسلوب تعيين الموظفين والمسؤولين بمختلف الوسائل –هذا في العلن أما في السر –او شبه السر- فالأجهزة أمنية تفعل فعل النار في الهشيم…وهي تهشم الطاقات والقوى الحية في الشعوب لتصبح خاضعة للحكم-النظام-.وهذا يعمي:د
– ان اتجاه الحكم-النظام هو ليس لا خدمة الشعوب ولا الأوطان ..بل بالعكس هي تكون حارسة أمينة لمصلحتها في البقاء وهذه المصلحة بالضرورة مرتبطة برضا النظم الكبيرة-الدول الكبير- ..فيصبح عمل هذه النظم خدمة الدول الكبير ة في شكل ما..ممارسة للاستعمار المبطن –إذا جاز التعبير- باسم الوطنية وتحت شعارات تظل تتكاثر كلما زاد النظام قسوة وإيديولوجية..وتشبثا بالحكم.
الكرد بين أن يكون حزبيا أو يبقى وطنيا مستقلا
ابن الجزيرة
سؤال يظل يتكرر..هل ينبغي أن ينضم كل فرد إلى الأحزاب؟ هل يحق للفرد أن يبقى مستقلا؟ كيف تكون العلاقة بين الحزبي والمستقل؟ ما هي الضوابط الأفضل في هذه العلاقة؟ كيف يمكن الجمع بين تعدد حالة الانتماء؟ انتماء إلى القومية ..إلى القبيلة..إلى الدين..إلى الحزب..إلى أية جماعة أخرى..جماعة عمل.. جماعة رفاهية الخ؟
هي أسئلة محيرة في المجتمعات الشرقية عامة، والعربية خاصة، فيما استطاعت الدول المتقدمة( الغرب خاصة) تجاوز هذه المشكلة.. بالاتفاق على مفاهيم تشكل صوى من جهة، وضوابط من جهة أخرى (الحرية وآلية الديمقراطية الضابطة لخطواتها، التمييز بين ما هو حرية خاصة(شخصية) وضوابط قانونية منظمة للعلاقة بين الفرد والجماعة، مفهوم العلمانية(فصل الدين عن الدولة) مفهوم المواطنة كبديل عن مفهوم القومية في حالة التعارض بينهما، حقوق الإنسان..الخ. وهذه المشكلات كلها تنتظر المعالجة في البلدان العربية، وخاصة لدى الأنظمة الشمولية والتي يحكم فيها حزب واحد، أو اتجاه واحد(ديني أو طائفي، أو قومي..الخ). ومما يؤسف له أن تلكؤ تلك الأنظمة في القيام بعمليات تغيير متوافقة مع تطورات العصر (داخليا وخارجيا) قد هيأ المناخ لتدخلات غربية، بطرق مختلفة، ودون أن يمكن الوقوف في وجهها عمليا بسبب تناغم هذه التدخلات مع ما يرمي إليه شعوب المنطقة من التحرر من استبداد الحكام في صور متعددة، مما أضاف مشكلات جديدة، منها ما افتعلتها الأنظمة المستبدة ذاتها كأسلوب ضغط على القوى المعارضة لها، متلاعبة بعقول ومشاعر عامة الناس. لا سيما وإن الذهنية العروبية مهيأة لمثل هذه الإثارة (كحق يراد بها باطل..!) بل لقد أصبح هذا الأمر امتدادا ثقافيا معششا في ذهنية وتكوين نفسية الشعوب العربية التي لا تزال أسيرة أيديولوجيا العروبية(القومية) ودون الاعتبار لواقع تطور المفاهيم والأحداث..!
ومما يؤسف له مرة أخرى، أن الأحزاب الكردية قد امتصت هذه الحالة الخاطئة بدرجة أو أخرى، ولكونها في حالة ضعف بالنسبة لمقابل أقوى هو السلطة، فقد قلدت هذه السلطة في معظم أداتها السلبي تجاه أبناء جلدتها- إذا صح التعبير – فتجذرت المشاكل التي تعاني منها الأيديولوجية القومية العروبية في أسلوب الممارسة الحزبية الكردية- مع بعض اختلاف ربما هو النافذة التي ينبغي أن تكون مدخل المعالجة لدى الكرد- وهي أن الكرد بحكم كونهم تحت ظروف الظلم والاستغلال.. قد أوجد لديهم هامشا أمكن ممارسة بعض نقد مفيد عبره، وكأنني أراه يثمر في السنين الأخيرة بدرجة ما ..! وعلى الرغم من عدم إغفال احتمال البعد الدعائي فإن الدكتور عبد الحكيم بشار- كأحد الرموز السياسية التي لها الأثر السلبي نفسه بدرجة أو أخرى- كان صريحا في تشخيص هذه الحالة في مقالاته الأخيرة.
وهنا لا يجب إغفال أن الذهنية الحزبية ترى فيما يقدم عليه الحزبي علامة على ديمقراطيتهم، بينما إذا كانت الإشارة من مستقل – نحو الموضوع نفسه- تعتبر تجاوزا وتهجما لا مبرر له، إذا لم يطعن في شهادته..! وهذه أيضا من المشكلات التي أثرناها، والتي نريد لها علاجا.
ولكي لا أطيل، فإنني أسرد الحكاية الواردة أدناه لعلها تساعد على بعض توضيح.
الحكاية قديمة، ولكنها تتجدد باستمرار….بل وحاضرة في كل مجلس يدور فيه الحديث عن مثل هذه القضايا.وأحيانا تأخذ منحى شديدا وملتبسا..!
كان ذلك قبل أكثر من عشرة أعوام…
رن الهاتف، وتحدث من القامشلي أحد المهتمين بالثقافة، وليس منتميا إلى أي حزب(مستقل، ويقال وطني أيضا كمصطلح للحالة)…وجاء الصوت يدعونا إلى المشاركة في جلسات ثقافية يديرها حزب كردي، ويحضرها (مهتمون معروفون بالثقافة) من الكرد، يحاولون الإجابة على أسئلة – ربما كانت عشرة – وعندما وصلنا، علمنا بأن ذهابنا كان فيه بعض تجاوز، لأن المسؤول الأول في هذا الحزب قد اعترض على حضورنا باعتبارنا مصنفين على أحزاب أو اتجاهات-بحسب تقديره-..!
فحاولنا العودة وعدم المشاركة، ولكن الرجل الذي دعانا أحرجنا بإصراره قائلا: إذا وجد ما يعتبر حرجا فهو لي وليس لكم، لأنني أنا الذي دعوتكم، وأنا مفوض من المجلس في ممارسة حقي …!
المهم حضرنا اللقاء، وكان يجمع ما يقرب من 25 مهتما بالثقافة تقريبا. وكان يدير الجلسات من المستقلين مثقف معروف، ومن الحزب أحد أعضائه القياديين،بإشراف مباشر من المسؤول الأول في الحزب، وكانت قد نوقشت خمسة أسئلة ولكنهم أعادوها بسرعة لتعريفنا بما تم في السابق، ثم استكملت المناقشات…وفق الأسلوب التالي:
يطرح السؤال، ويعطى الدور بالتسلسل للإجابة عليه من كل مشارك. وعندما جاء دور المسؤول الأول قال:
((قال لي أحدهم: هل تعرف لماذا انتميت إلى الحزب(صرت حزبيا)؟
فقلت:لماذا؟! قال:لكي لا أموت مثل… – وذكر اسما، أو صفة، تأنف منه النفس- في الوسط الاجتماعي..!)).
وهنا شعرت بألم، وأسى، وانفعال ظل يتلاطم في داخلي..! وانتظرت من يتدخل، يصحح، أو يدافع، أو يحتج…ولكن…!
لم يفعل ذلك احد..! هل هو عدم انتباه؟ هل هو حرص على عدم الرد عليه احتراما؟ أو إهمالا ؟ أو حتى نوعا من الخوف بمعنى ما..؟! لست أدري..!
كنت قد قررت -حين الذهاب- ألا أتدخل، فقط سأكون مستمعا، مستفيدا من خبرة الجميع.وعندما لم يتدخل أحد وجدتني مضطرا فتدخلت، تنازعني رغبتان:
– الأولى: القوة في أسلوب الرد، والتعبير عن ذلك منفعلا ،ليكون الرد بمستوى الطرح الذي وجدته خاطئا بل ومتجاوزا بكل المقاييس.
– الثانية: الهدوء والموضوعية في أسلوب الرد، والتعبير عن ذلك بوعي يتوخى الفائدة العامة، وغلب الاتجاه الثاني، فتدخلت قائلا:
سيدي …لماذا ترون المنتمي الحزبي بهذه الدرجة من التميز، بحيث أن غير المنتمي الحزبي يكون مصيره مصير ال….في الشارع؟!
ما هي الأنشطة التي تقومون بها بمعزل عن المستقلين(غير الحزبيين)؟ دعونا نذكرها…
1- لديكم في كل عام نشاط واحد، هو الاحتفال بعيد النوروز ليوم واحد. وحتى في هذا النشاط:
– لا تتفقون كأحزاب على الاحتفال بالتشارك، وتقسمون الشارع الكردي لمصلحة حزبية أو شخصية –ربما-
– تمويل هذا الاحتفال تجمعونه من الجماهير التي تكون في معظمها مستقلة.
– زخم الاحتفال يوفره الجماهير المستقلة بالدرجة الأولى. وربما الاشتراك في بعض الأنشطة الفنية أيضا، فضلا عن التنظيم والتشجيع..الخ.
2- لديكم كل أربع سنوات نشاط واحد هو: المشاركة في الانتخابات، وفي هذا النشاط يتم ما يلي:
– المرشح حزبي ،ولا تقبلون بمرشح مستقل(غير حزبي)
– الأصوات من غير الحزبيين في أغلبها.
– الحزبيون هم الذين يستأثرون بالقرارات، وبالمزايا في كل خطواتهم، هم يركبون سيارات المستقلين، ويأكلون أطايب طعام المستقلين غالبا، ويحددون الاتفاقات وفق المصالح الحزبية، في حين المستقلون فقط يصوتون، وينتقلون بأسوأ المركبات(التراكتورات وما شابه، المشي مسافات بعيدة، نساء ورجالا ،شبابا وشيبا..).
– المستقلون يشاركون في معظم التمويل لقيامكم بانتخابات، المرشحون فيها فقط حزبيون..!
– المستقلون يشاركون في الوقوف على صناديق الانتخابات كوكلاء، أو داعمين بالطعام والشراب والحماية الجماهيرية في بعض الأحوال.فضلا عن الدعاية وخلاف ذلك…!
– المستقلون يتعرضون لكل ما يتعرض له الحزبي من مضايقات الحكومات وأجهزتها الخاصة.
3- لديكم نشاط شهري هو طباعة ونشر منشور حزبي مؤلف من ثماني صفحات من الورق العادي الصغير،تنشرون فيها أخبارا مضى عليها شهر على الأقل بالنسبة للفضائيات،وبعض مقالات، أحيانا تكون ضحلة وغير موفقة، وبعض أنشطة دعائية عن نشاطات متواضعة، تحسنون تضخيمها وإضفاء الأهمية عليها(أرسل السكرتير او الأمين العالم أو..برقية تهنئة او تعزية..- تلقى السكرتير أو..برقية شكر أو تهنئة أو تعزية..من نشاطات حزبنا في أوروبا..بعض النشطة التي يقوم بها مثقفون غالبا من غير الحزبيين:محاضرة..أمسية شعرية ..الخ).
– تجمعون في المناسبات عددا من الناس – وهم مستقلون في معظمهم – في غرفة مغلقة تتحدثون بينهم عن موضوع ما، ندوة روتينية لا تضيف إلى التركيبة الثقافية للحاضرين إلا قليلا، احتفال بسيط لا يتجاوز الحضور فيه 10- 15 أو 20 شخصا تنشرونها في صيغة موحية بإنجاز كبير ……الخ. ومن ناحية أخرى، فإن الحزبي قد يقرأ منشور حزبه فقط ، أما المستقل فهو مضطر إلى قراءة عدد من هذه المنشورات…
4- لديكم تبرعات ، يشارك الحزبي بواحدة فقط هي تبرع حزبه، أما المستقل فهو يتبرع لكل الأحزاب غالبا أو على الأقل لأكثر من حزب، ربما يصل إلى عدد الأحزاب الموجودة على الساحة الكردية. وهكذا…..!!
ففي كل نشاط منكم، المستقل مشارك بدرجة فاعلة بكل أشكال الفعالية،وبملاحظة الأمر -وبشيء من المقارنة-
نجد أن الجهد والمال والحراك والمسؤولية…الخ لدى المستقل (الايجابي طبعا) هو أكبر مما لدى المنتمي إلى الحزب، مع كل التقدير له ..! فلماذا إذاً هذا التعالي على المستقلين؟! و…!!!!
وعندما بلغه دور الحديث للمرة الثانية قال:….نعم فما نحن بفاعلين لولا الجماهير التي نستند إليها و..و..وغير نغمة حديثه ليغطي على ما شعر بأنه اخطأ فيه – لا كقناعة- بحسب تقديري – بل كأسلوب يسعى لتجنب دفع الحاضرين إلى التأفف منه.
وقلت في نفسي ..لقد صححت مفهوما خاطئا على المستوى النظري على الأقل، كما أكدت على أن المستقل ليس مجرد شخص غبي يقوده الحزبي كما يشاء، بل وليست هذه هي الصيغة الصحيحة للتفكير النضالي في سبيل شعب نستخف بقيمته…!
والغريب أنني عندما واجهت بعض المحسوبين عليه كان رد أغلبهم: لا يمكن أن يفعلها، فكنت أخرج معهم بخيبة أمل، منها تكذيبي وأنا شاهد، وتبرئته بشهادة زور، لأن الذي يشهد بشيء ليس حاضرا فيه هو شاهد زور، فكيف يمكن أن تصحح هذه الحالة؟!
………………
ibneljezire@maktoob.com
………………..
بعض موضوعية وبعض مصداقية.. أيها السادة ..!
فالحياة وجدت ليعيشها الجميع..!
ابن الجزيرة
لا أدري كيف أصف وقع الخبر على نفسي عندما قرأته على شاشة التلفزيون(( أنباء عن اعتقال الرئيس المخلوع صدام حسين)) أو (( أنباء عن اعتقال رئيس النظام العراقي البائد صدام حسين)) أو صيغ أخرى بحسب القناة التلفزيونية الناشرة للخبر.
دغدغ الخبر مشاعري، لم أعرف طبيعة رد الفعل لدي تماما، ولم اعرف كيف أصفها تماما، لا سيما أن الخبر طازج لم يتأكد بعد..! كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة والنصف تقريبا من ظهر هذا اليوم. وعندما انتقلت بين القنوات المختلفة : الجزيرة..العربية..أبوظبي.. الكويت..سورية.. الجديدة new.tv ..l.b.c …الخ كانت جميعا تتحدث حول هذا النبأ الذي لم يتأكد بعد. ولكن إحدى المذيعات سألت محللا سياسيا- وربما كان المذيع إبراهيم قاسم من قناة العربية- (( بما أن الإعلان عن اعتقال الرموز السابقة غالبا ما تم عن طرق مصادر كردية، وكان صحيحا، فلم لا يكون هذا الخبر أيضا صحيحا وقد أعلن عنه السيد جلال الطالباني عضو مجلس الحكم وأمين عام حزب الإتحاد الوطني الكردستاني؟))
ولقد كان هذا التساؤل بمثابة تأكيد على صحة الخبر بالنسبة إلي، إذ بدا مقنعا.!
بعدئذ شعرت بما يمكنني وصفه بالفرح الممزوج بمشاعر غامضة وضاغطة أيضا على نفسي، فلم أتمالكها حتى بادرت إلى نقل ما سمعته إلى أسماع بعض معارفي كنوع من التخفف من عبء الخبر عليها..! وبقيت متابعا الفضائيات حتى تأكد الخبر عبر اتصال مع السيد نصير الجاد رجي واحمد جلبي وهوشيار زيباري والذين تبادلوا التهنئة عبر( قناة العربية التلفزيونية). وعلق السيد هوشيار زيباري بالقول: هذا اسعد خبر سمعته في حياتي، ثم كتبت عبارة منسوبة إليه على شاشة العربية ((هذا أسعد خبر انتظرناه طويلا)).
وبعد تأكيد النبأ، شغلت القنوات التلفزيونية بتحليلات واتصالات وعرض صور وسجالات..الخ وكنت أتابع ما تعرضه الشاشات المختلفة..اختلافات في التفسير، واختلافات في الاستنتاج، وفي التعبير عن المواقف… ولكن الذي لفت انتباهي في ذلك كله هو: الأسلوب (أو الذهنية) الذي كان يعبر به عن القناعات، أو الآراء، أو وجهات النظر لبعض هؤلاء..ولعل ظاهرة في أسلوب البعض هي التي أوحت بهذه الكتابة.
والظاهرة نفسها في أسلوب هذا البعض هي التي أوحت على أحد المتابعين بقوله:(( مدرسة غير متزنة)) وهي التي يعتبر من أهم ممثليها، شخصيات معينة ومعروفة من مثقفي ((العروبة)). ربما كان من أهمهم مثالا: عبد الله السناوي، مصطفى بكري، عبد الباري عطوان…وغيرهم، وهم صحفيون يبدو أنهم فعلا كانوا على صلة بنظام صدام حسين- الرئيس المخلوع-. ولهذا فقد أسمى الدكتور محمد الرميحي هذه التشكيلة من المثقفين العروبيين:بـ ((أيتام صدام)) أو أيتام نظام صدام، في إحدى مداخلاته التلفزيونية. ومنهم أيضا محللون سياسيون، يحملون شهادات عليا – إضافة على هؤلاء- ولكنهم يفكرون بطريقة لا ترتقي إلى مضامينها المفترضة كمستوى –للأسف- فهم يغلِّبون اعتبارات خاصة. وبأسلوب لا يخلو من سذاجة أو استهتار بذكاء الآخرين؛ على واقعية المجريات كالسادة: د.عماد فوزي شعيبي، والذي علق على إحدى مداخلاته(الكاتب والصحفي اللبناني سمير قصير) بالقول ((يبدو إن البعض يريد دفع السياسة السورية نحو اتجاهات تخالف طبيعتها البراجماتية لدى النظام).
وهناك العديد من الذين نسوا سويتهم الثقافية – أو ربما باعوها- أو أجّروها إلى ذوي البسطة والمال…
فلعبوا دورا سيئا في تكوين أو صياغة الثقافة العربية وفق عناصر صحيحة تتسم بالواقعية والصلاحية، لتطوير حياة مجتمعاتهم نحو ما هو ممكن، ومطلوب من الصيغ المرغوبة..!
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو: هل ظهور هؤلاء وأمثالهم وخاصة الذين يحملون بصمات تربية قوموية (بعثية أو ناصرية أو غيرهما..) بنوع من الكثرة في هذه المرحلة أمر مقصود- وهو الأرجح- أم عفوي؟!
فقد لاحظت في أسلوب هذا النموذج أنه أقرب إلى صياغات لفظية خطابية تتسم بجزالة ألفاظ، وتلون النبرات، والتفنن في إخراج الحروف من مخارجها_نحويا_ مع الصوت العالي النبرات. وذي الإيقاع السريع وأحيانا الموسيقي، وفي بعض الحالات ركيك..إضافة على استخدام كلمات وعبارات تقترب من الشتيمة،بل هي شتائم فعلا في بعض الحالات كما فعل الركابي عندما وصف محاورا له بأنه((حشرة)) مع أن هذا المحاور – بحسب متابعتي له- ممن يحرصون على احترام آراء وقناعات الآخرين، ويتأدب في الحوار معهم. ولكن ذهنية التعالي والتخوين واستصغار الآخرين-وهي تربية عروبية أصيلة- هي التي تحكم لدى هذا النموذج. وهي ذهنية لاحظت وجودها لدى المنتمين إلى هذه المدرسة(أو التيار) من المثقفين فكان النزعة القوموية التي اعتنقوها قناعة، أو مصلحة شخصية سياسية، قد جعلتهم يصنفون أنفسهم –كحالة طبيعية- في الترتيب الأعلى في سلم الوجود البشري قيمة، لمجرد انتماء إلى فكرة العروبية (ولا أقول العربية) وهذه النظرة العرقية المذمومة قد سبقهم إليها هتلر وبعض فلاسفة النازية، ويمكن تلخيصها –بحسب فهمنا لها-: نظرة عرقية تنتحل مكتسبات تاريخ شعوب المنطقة المختلفة، ومنها مكتسبات الإسلام وتراثه- كدين أممي كوني -. وربما تعاني من نوع من الشعور بالنقص تجاه شعوب مجاورة لها تميزت بحضارة أعرق – وبغض النظر عن أخطائها- كالرومان و الفرس وغيرهم.. مما يدفعهم إلى انتحال وتزييف في الفهم والتعبير عن ذواتهم، مستغلين معاناة العرب التاريخية، وخاصة في القرون الأخيرة..وبشكل اخص القرن التاسع عشر و العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين- وإن كانت هذه المعاناة في الغالب نتائج لأخطاء في سلوكهم السياسي بالدرجة الأولى-. ومن مظاهر هذه المعاناة، عدم القدرة على مجاراة التطورات الحاصلة في الحياة، بسبب هذه الذهنية التي ترتد في جذورها إلى القبلية السائدة في حياتهم السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية..مما يجعلهم فريسة سهلة لما يوحى إليهم من القيم، والأفكار، وعناصر الثقافة، وخاصة الغربية. فهم يزغردون عندما يوصف الإرث الإسلامي بأنه عربي، ويطربون لكلمة(عربي) عندما تحل محل كلمة(إسلامي) ثم يعيدون صياغته بفهم خاص مرتكز على مصلحة متوهمة، وجذور نفسية قبلية تاريخيا،تحت معنى- ابتكره البعض-وأوحى به(العروبية)أو (القومية) والأصح (القوموية) وكانت الذروة في المعاناة هي هيمنة الاستعمار الغربي، ولهم في ذلك دور لا ينبغي إغفاله.التيار القومي ضد الدولة العثمانية
لنأخذ أمثلة عن عناصر هذه الذهنية المنتحلة:
أبو خليل الفراهيدي وسيبويه عربيان، لأنهما اهتما بلغة القرآن..وبشار بن برد وابن الرومي عربيان، لأنهما قالا شعرا باللغة العربية، وطارق بن زياد وصلاح الدين الأيوبي(يوسف بن أسد الدين شركوه) بطلان عربيان، لأنهما خدما الإسلام. الفارابي وابن سينا فيلسوفان عربيان، لأنهما كتبا فلسفتهما باللغة العربية، ولا يشفع لهم كتابة بلغة أخرى مثلا.ومسلم وبخاري ..وغيرهما. كل من تكلم العربية فهو عربي، وكل من عاش في أرض اعتبروها عربية فهو عربي، وكل أرض مر بها عربي فهي عربية، ولغة أهل الجنة عربية..وفي المقابل: أينما ذهب العربي فيجب أن يبقى ولاؤه للعروبة- كارلوس منعم عربي وإن كان أرجنتينيا منذ أجيال، وأصبح رئيسا لها، (وفيليب) أحد قياصرة الروم عربي ولا ادري لم لا يقال بأن الروم عرب بما أن عربيا قد حكمهم..!
من عاش بين العروبيين يجب أن يبقى عربيا وإن لم يكن عربيا في أصله، ومن عاش من العرب بين الغير وإن مضى عليه زمن طويل، فيجب أن يظل عربيا، ويجب أن يتسمى باسم عربي، ويتكلم بلغة العرب.. ويجب أن تغير ديموغرافية أية منطقة لصالح العروبية، ويصبح التذويب والصهر عملية مشروعة إذا كانت في خدمة الأيدولوجيا العروبية(سلوك صدام في منطقة كردستان وتأييد العروبيون له حتى هذه الحظة، وسلوك نظام البعث في تطبيق توجيهات الملازم الأول محمد طلب هلال بسحب الجنسية من الكرد في سوريا، وتطبيق الحزام العربي لتغيير ديموغرافية المنطقة التي يسكنها الكرد، حتى يقال عنها عربية،وتوطين عرب الرقة وحلب في أراضي الكرد في الجزيرة، والاستيلاء على أراضي الكرد تحت أمسميات مختلفة….!
وهكذا فالمعايير تفقد موضوعيتها لتصبح مجرد أداة ذاتية مزاجية تحددها أهواء بعض المتنفذين في الأنظمة والدوائر..! ولا يعيبهم الاستخدام السيئ للعمل ألاستخباراتي، بتوجيهه نحو من يخالفهم من مواطني بلدانهم، بدلا من توجيهه إلى أعداء الوطن والشعب. وبفضل النظم التربوية المعتمدة لديهم، فكل فرد يصبح حالة استخباراتية ضد الآخرين.. الطالب ضد زميله. وكلاهما ضد مدرسيهما، وهؤلاء ضد بعضهم. والمدير يصبح منظما لمجموعة هذه الإخباريات والتقارير والتي تعتمد في المحاسبة والتقييم، ولا بد من نسخ على جهات مختلفة لا صلة لها بهذا العمل شيئا سوى تحقيق هيمنة غير مشروعة أخلاقيا ولا قانونيا …وهكذا في كل مواطن العمل ومهما كانت، وتصبح العملية برمتها مصدرا للابتزاز ..!
……………….
ibneljezire@maktoob.com
………………
حيوية الثقافة الإيجابية محور للتطور، و تحسين الحياة
محمد قاسم
يبدو لي ان القوة المبدعة والمنتجة في الإنسان تتفاعل في دواخله فتدفعه الى عمل ما، يكون جديدا..!
ربما يكون هذا العمل الجديد،ناتج فكرة تتحول الى قصيدة شعر..أوالى مقال أدبي أو فكري أو ..أو تتحول الى عرض لاكتشاف علمي..أو نظرية طموح..
وربما يكون هذا العمل الجديد،ناتج فكرة تتحول الى عمل في الواقع..كالتأسيس لحديقة خميلة.. أو عمارة جميلة..أو شركة تجارية..أو اختراع جهاز ما..الخ.
المهم ان الفكرة تكون متحركة حيوية..-في حال فاعليتها- وتسعى دوما الى التحقق عبر شيء ما، كما أسلفنا..
ولعل هذه الحركة والحيوية في الفكر،هي الدافع الى ان يسعى الشباب الى التعبير عن ذواتهم، عبر أداء عمل؛ يشعرهم بالمساهمة في الحياة- بناء.. وتعميرا.. وإنتاجا.. وإبداعا…- ومن ذلك سعي بعض الشباب الكرد في المهجر الى تأسيس موقع الكتروني يتواصلون عبره مع الكتاب والمثقفين والمبدعين والمفكرين…- الكرد خاصة- للمساهمة في تطوير الثقافة عموما،والثقافة الكردية بشكل خاص، بحفظ القديم منها،عبر إحيائها،ونشرها، وتوصيلها الى الغير، كنوع من التواصل في اتجاهاته المختلفة :
بين القديم والحاضر..والتأسيس للمستقبل.
بين الأجيال الماضية والأجيال اللاحقة..طولا .
بين الناس في أماكن مختلفة عرضا..
وهكذا… يتم تواصل وفعالية بشرية؛لإضفاء معنى جميل على الحياة .. فيه السلام..وفيه البهجة..وفيه السعي للبناء والتعمير -مادة وروحا،وعلاقات…-
ولقد كنت محظوظا باتصالهم بي؛ معبرين عن رغبتهم لكي اكتب مقالا أساهم به في مشروعهم الوليد هذا..وبطبيعة الحال فانا سعيد جدا..وأتمنى أن أكون في مستوى حسن ظنهم بي.
ولعل خير بداية ان يكون البدء بالحديث عن الثقافة عموما، والثقافة الكردية خصوصا.
لا سيما ان المشروع ذاته يهدف الى ذلك.
فكما هو معلوم من الجميع..إن الثقافة في المجتمعات، هي المناخ الموفر لروح تسري في حياتها بتجليات مختلفة،وتعطيها خصائص تجعل لها معنى..!
هذا المعنى يتجلى في القيم الجمالية،وحسن التواصل، ودقتها،عبر تحديد الأفكار والقيم والمعايير والمصطلحات…و التي تؤطر المعاني..وتجعلها سهلة الاستخدام ..وموفية بالغايات منها، في وضوح يجلي الغموض ويجنب الناس سوء الفهم، فضلا عن الإضاءة ،والبهجة.. والتي يسعى الناس –دوما- للحصول عليها تحت عنوان السعادة –عادة-.
ولا يمكن الحديث عن الثقافة في كلمات قليلة، او صفحات قليلة ..بل إن المجلدات لا تسع التعبير الكافي عنها، بسبب التراكم الكبير لها منذ الماضي السحيق،وعبر التدفق المستمر لروافدها ..ولقد أحسن مقدم برنامج في قناة العربية– عندما أسماه (روافد) حيث يقدم كل مرة احد الأدباء، او المفكرين،أو الشعراء او العلماء… ليطلع الناس على تجاربهم الثرة، وإبداعهم الغزير والممتع ..وان كان آخرون يفعلون الأمر نفسه تحت عناوين أخرى:
(سيرة مبدع) مثلا في قناة العراقية، (قريب جدا) في قناة الحرة، (زيارة خاصة) في قناة الجزيرة..وغير ذلك..ولكن تسمية “روافد” أشعرتني بالحيوية التي تتميز بها الفعالية الثقافية ..ومن خلال الفعالية المستمرة التي يقوم بها المنتجون للأفكار، والمنظمون لها، و المبدعون فيها..!
فالثقافة –كما أسلفنا- تتجدد باستمرار؛ بما يرد بحرها من روافد، تجلب إليه كل جديد، في عالم الأدب، والمعرفة، والعلوم، والفلسفة، والفنون المختلفة..الخ. ليكون بحرا زاخرا بالألوان والأصداف والجواهر والدرر.او بتعبير أبو الطيب المتنبي:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
وكل ذلك يندرج تحت عنوان الثقافة وفق التعريف الذي يطلقه عليها المختصون..”الثقافة كل معقد يتكون من مختلف الفعاليات البشرية من علوم وفنون وآداب وفكر وعادات وتقاليد وقيم ومعتقدات…في عصر معين، ومكان معين. ولذلك يقال:
الثقافة الصينية ، الثقافة الأوروبية، و الثقافة العربية، الثقافة الكردية …
إلا ان اتجاه الشعوب نحو العولمة الثقافية-بتأثير من تقدم ثقافة الغرب التكنولوجية المتطورة- يقلل من الخصوصيات التي كانت ثقافة كل مجتمع تتميز بها..!
وفي هذه الحالة، فإن الثقافة ذات القوة الأكبر -تراكميا وتنوعا وتكاملا وحيوية وإنتاجا وإبداعا …- هي التي ستنال الحظوة الأكبر في سياق العولمة وخاصة إذا كانت اللغة التي تعبر بها عن نفسها تستجيب لها بمرونة وجلاء.
وهذا ما تخشاه الشعوب الصغيرة او ذات الثقافة الضحلة ..أو تلك المتزمة في قيمها الثقافية.
وتظهر نتيجة لذلك صيحات في قرب مقطوعة ،عنوانها المحافظة على القديم باسم التراث وكأنهم بذلك يستطيعون رد السيل الجارف القادم عبر العولمة..! وهذه الصيحات في واقعها تسعى للمحافظة على أنظمة سياسية متهرئة وفاسدة..عبر الحفاظ على مفهوم قداسة القديم –التراث في الوسائل والسلوكيات وضوابط الحركة الاجتماعية..! ولكنها تتخذ الثقافة لذلك عنوانا ..لعل القبول بها يكون أكثر.وفي كل الأحوال فهي حركة “لا تغني ولا تسمن من جوع” فهي كمن يحاول حجب الشمس بالغربال.
هل نريد بذلك الدعوة للعولمة وتكريسها..؟.
لا بالطبع..ولكننا فقط نحاول أن نتفهم الواقع ونتكيف معه. بدلا من طمر الرأس بالرمل كما تفعل النعامة.لئلا يراها الصياد.
من هنا تأتي أهمية ودور القائمين على الثقافة، او المتعاملين بها، لبذل الجهد الممكن لخدمة الثقافة، بخصائصها الأصيلة من جهة..وبخصائص تتوافق مع التطور الحاصل في سياق العولمة من جهة أخرى..
وليس هذا صعبا كثيرا إذا وعى أصحابها أسرار الثقافة على طبيعتها..ولم يقدموها كجثة محنطة كما يفعل بعض عبدة الماضي بتأثيرات أهوائية –من الهوى-وليس لضرورات تطويرية وتخليد..
أو تجميدها في فريزر الأيديولوجيات المشوهة تكوينا وصياغة وتنفيذا لقيمها..!
وفيما يخص الثقافة الكردية فالكل يعلم ما تعاني هذه الثقافة من المشكلات..بدءا من:
– حرمانها من الخدمة والرعاية طوال قرون، بسبب ظلم الحكام الذين كانوا يسيطرون على كردستان وشعبها..والذين حولوا الاحتلال والاستعمار الى فلسفة مكرسة في أذهان شعوبهم ايضا، فأسسوا لفلسفة منحرفة ضد الثقافة الكردستانية،والشعب الكردي،تجذرت في الأذهان والنفوس إلا من رحم ربك من بعض ذوي الضمير الحر والوعي الثاقب.
– ومرورا بنتائج الحالة من تمزيق أواصر اللغة الموحدة التي تجمع الكرد على فهم واحد..بل إن البعض ينساقون مع أهوائهم المنحرفة أو قلة وعيهم المستقبلي-من الكرد- ..ويحاولون ممارسة استبداد لغوي على بني جلدتهم كما كان يفعل الغرباء من الفرس والترك والعرب..
ولقد كتبت أكثر من مقال لمعالجة هذا الأمر،نشرت في مختلف المواقع الانترنيتية..منها:
(رسالة نقدية الى السيد رزكار عزيز)-( مشكلة ستتفاقم ما لم تعالج…)كما فعل غيري..ومن حسن الحظ ان السيد مسعود البارزاني-رئيس إقليم كردستان العراق- قد دعا الى ضرورة العمل لآيجاد لغة موحدة للكرد؛ تكون وسيلة التعبير المشتركة..على ساحة كردستان كلها.
– ثم ضعف وقلة المراجع التراثية التي تمد الباحثين والكتاب بمصادر تعينهم على ربط الماضي بالحاضر بسهولة..وهذا يرتب مسؤولية غاية في الأهمية على عاتق المثقفين والباحثين الكرد.
– وقلة المثقفين الكرد الذين يكتبون بلغتهم للأسباب المذكورة سابقا، فضلا عن عجز تعاني منه اللغة الكردية فيما يتعلق بالمصطلحات العلمية والفلسفية والأدبية ؛بسبب تعطيل طاقاتها من الأعداء طوال قرون ماضية..إضافة الى السيكولوجية المتأثرة بهذا الواقع وغيره..
وكلها عوامل تصبح حجر عثرة أمام تطوير الثقافة الكردية ..
ولكن –وكما كان موسى بن نصير – يقول: “لم يفت الأوان بعد”
وكما يقول الفرنسي رينيه ديكارت:
” أنا أفكر إذا انأ موجود..” فدعونا ننطلق من وجودنا الى ترميم ثقافتنا بروح إنسانية منفتحة تعيننا على التكيف مع الواقع ببعديه : الخاص(القومي) والعام(العولمي والإنساني).لينعكس على وجودنا وعيا متقدما مشحونا بقيم فعالة إيجابيا على كل صعيد.
………………….
………………………………
الأحد 24 شباط 1991 /11 شعبان 1411
مع ساعات الفجر الأولى كانت الجيوش المتحالفة تزحف بقوة وبكل ثقلها نحو الحدود الكويتية العراقية لطرد القوات العراقية من الكويت بعد استنفاذ الموعد المحدد لانسحاب هذه القوات من تلقاء نفسها بناء على إنذار أمريكي أعلن الجمعة محددا الساعة السابعة مساء من يوم السبت 23/2/1991.
في هذه اللحظة تشير عقارب الساعة فيها إلى السادسة والنصف مساء تكون العملية قد تجاوزت أربع عشرة ساعة في ظل تعتيم إعلامي شديد بحجة أن تدخل الإعلام يسيء إلى سير العمليات العسكرية..!
الحرب البرية وقعت…!
وعلى الرغم من أن العراق كان قد وافق على الانسحاب من الكويت بموجب اتفاقية بينه وبين الاتحاد السوفيييتي-عرف بالاتفاق المعدل،وينص على انسحاب الجيش العراقي في اليوم التالي من وقف إطلاق النار ،على أن يتم الجلاء عن مدينة الكويت خلال أربعة أيام .وعن كامل الكويت خلال ثلاثة أسابيع على أن تلغى قرارات مجلس الأمن التي تتضمن حصار وعقوبة العراق. وهذا ما لم يوافق عليه الرئيس الأمريكي وحلفاؤه.فاستعاض عنه بإنذار يتضمن بدء الانسحاب في موعد أقصاه الساعة السابعة من يوم السبت مع الإعلان بالتزام القوات المتحالفة بعدم مهاجمة القوات المنسحبة وان يتم الجلاء عن مدينة الكويت خلال يومين فقط.في حين يتم الجلاء عن كامل الكويت خلال أسبوع واحد فقط.وهو إنذار لم يرد عليه العراق متجاهلا.ولعل ذلك مما أغاظ الحلفاء فسرّعت الهجوم البري.
الحرب البرية –اذا- بدأت…!
وماذا يعني ذلك..؟
انتصار الحلفاء…؟
انتصار العراق…؟
الأمر في هذا الشأن قد يعني الأطراف المتحاربة ..!
أما الآخرون…أما الشعب العراقي…أما الشعب الكويتي…أما شعوب العالم الأخرى…أما أبناء الجنس البشري الآخرون..فهؤلاء جميعا لا يعنيهم سوى أمر واحد: الحرب البرية بدأت..!
الحرب الشاملة والتي تتعاون فيها قوات برية وبحرية وجوية وبكافة أصناف الأسلحة..!
قوام الجيش ومحوره: الجنود المشاة لاحتلال الأرض بعد طرد “العدو” منها،للانتقال إلى الخطوة التالية من التحرير والاحتلال..وهكذا..! ولكن..!
هل تجري الأمور بهذه السهولة؟
بالطبع لا ..!وألف لا..!
فالحرب الشاملة قد وقعت..!
وتحديد الأهداف أصبح أكثر صعوبة..
والجيوش السائرة لا تنتقي المواقع بدقة ،فذلك أمر عسير..!بل كل ما أمامهم عرضة للقصف والحرق والتدمير,,الخوف من المجهول والمفاجآت والروح العدوانية التي زرعت في نفوس أفراد الجيش ونميت عبر ظروف الحرب الخاصة،لا تترك مهلة للتفكير لديهم سوى أن ما يقابلهم عدو يجب تدميره قبل أن يقوم هو بتدميرهم.
الحرائق تشتعل في كل مكان وقعت فيه قذيفة..أو حصل فيه انفجار-إن لم يقم به الجند فهو حاصل بتأثيرات مختلفة..
الحرب إذا وقعت ولا مفر..!
فلا الجندي قادر على الفرار لما يتربص به من الموت في كل جانب..فوّهات المدافع والرشاشات وشظايا الانفجارات ونيران البنادق…من أسفل ومن أعلى ..من يمينه ومن شماله..وإذا اجتاز ساحة الحرب فلن يعدم من يتربص به من القوات المتخصصة في إعدام الفارين ..! الفرصة أمامه –إذا-جد ضئيلة ..ولا يبقى أمامه سوى أن يستمر في القتال حتى لو لم يكن يدري لماذا يقاتل؟
وبالضبط من يحارب؟
ولا المدني قادر على أن الفرار..
إنه تحت تأثير جملة ظروف ضاغطة..
عصارة عمره المصبوبة في لبنات داره وأملاكه التي لقي شقاء العمر في تكوينها..وحبات العرق الذائبة في كل ركن من أركانها..ذكريات حياة الطفولة المتنامية والمتعانقة مع كل بقعة من دياره..أهله..الأب العجوز..الم العاجزة..الأطفال الصغار والعاجزون..أيتركهم لينجو بنفسه؟! وهو ليس من خلاصه على يقين..! أينقذ هؤلاء..؟ وليس له الى ذلك سبيل!
إذا فليمت معهم..أو ليعش معهم في مواجهة الظروف الصعبة. يدور حول نفسه محتضنا صغاره،ومسندا أهله في الهرب من ركن إلى آخر اتقاء لظى جحيم الحرب..ويمتزج في أعماقه الخوف والقلق والألم والتعب…حتى تنهد قواه،وتخور عزيمته،فينعس لحظات ليصحو مرة أخرى يغلب لظى جحيم الحرب في هروب واختفاء جديدين..!
………………………………………………………………………………
* هذه المادة وغيرها ، المنقولة الى الموقع تحتاج اعادة نظر في التنسيق والتصحيح اللغوي وضبط الأفكار…لذا يرجى اخذ العلم.