المعرفة في حياة الإنسان
محمد قاسم……….
في العالم يوميا كم هائل من تدفق المعلومات، عبر الأحاديث.. والكتابات.. والتعبيرات المختلفة، وبأدوات مختلفة، للتعبير عن الوعي، والفهم- سواء في ما يواجهنا من معطيات، او ما نظن أننا نتوغل في أعماقها من المعطيات، تحليلا..واستنتاجا..وشعورا بحيازتها ..وامتلاكها.. فهل نحن نسير بشكل صحيح في التفاعل معها واستثمارها..؟!
منذ القديم شك البعض من الفلاسفة عرفوا بأسماء متعددة ولكن الدلالة واحدة :
الشكاك،السفسطائيون في اليونان، اللاأدرية عند فلاسفة المسلمين…
شك هؤلاء في الوصول الى المعرفة الحقيقية –الحقائق- عبروا عن بثلاث مقولات:
-لا يمكن نعرف الحقيقة..
-إذا أمكننا معرفتها، لا نصل إليها..
– إذا أمكننا الوصول إليها، لا نستطيع تطبيقها..
الحصيلة، كل شيء قابل للشك فيه، ولا ضمانة لوصولنا الى الحقيقة.لذا فالأحكام المطلقة ضرب من الخيال.
أحيانا يشعر المرء بقيمة هذه الفكرة على الرغم من إنكار المتدينين لها..
كما ان سقراط نفسه –والذي يعده بعضهم آخر السفسطائيين- قد دافع عن البحث عن الحقيقة، وفي سبيل ذلك جادل السوفسطائييين في فكرهم ، ودعا الى البحث عن معرفة الإنسان بدلا من البحث في الأفلاك والفضاء، كما كان سائدا في عصره.وأطلق عبارته-شعاره- المعروفة جدا: “اعرف نفسك بنفسك”.
ويقال أنه استوحاه من شعار مكتوب على واجهة معبد دلف في أثينا.
فنحن نلاحظ كما غزيرا وهائلا من المعلومات، تضخ في الكون بوسائل مختلفة، يبقى الإنسان هو مصدرها دائما، سواء بشكل مباشر او غير مباشر، عبر الأجهزة المختلفة وخاصة الالكترونية المتطورة..منها.
والإنسان كائن خطاء –كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:”كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون” .
كما حدد العلماء في القرن السادس عشر الميلادي أسباب الخطا في النتائج التي تنتهي إليها التجارب، بالآلة المستخدمة وأعطالها –مهما كانت الأسباب- والإنسان، ولأسباب مختلفة –ناقص المعرفة او الخبرة- ويخضع للتمذهب(أي القبول بالمعلومات المسبقة من أساتذته او بعض العلماء الذي يثق بهم..الخ.والمنهج العلمي لا يقبل ذلك بل على العالم أن يتأكد من النتيجة بنفسه بمراجعة النتائج السابقة للتجارب للتأكد منها، ولئلا يتسرب الخطا الى عمله.
بمعنى ان الإنسان دائما –تحت تأثير ما يمكن ان يؤثر على أحكامه..وبالتالي يمكن ان يتسرب الخطأ إليها -شعوريا او لا شعوريا- فعليه التأكد دوما قبل الإعلان عن نظريته وقوانينه التي نتجت عن التجارب.
من هنا ابتكر العلماء المسلمون عبارة -جد جميلة ومعبرة وذات مغزى قيّم- وهي:خاتمة يختتمون بها كل كتاباتهم-عادة- إذ يقولون: “والله أعلم” إيذانا باحتمال وجود الخطا ..وهذه منهجية محترمة في العلم، وحبذا لو اتبعها كل الكتاب، بدلا من التباري على اعتبار انه يملك الحقيقة.ومن الأقوال في الأدب الإسلامي حول هذا المعنى،قول ينسب الى الإمام الشافعي:
“رأي يحتمل الخطأ ورأي غيري يحتمل الصواب” مع انه يطلق أحكامه على أنها صحيحة،لأنه اقتنع بها وأعلنها..ولكنه يظل يتذكر ان العقل البشري قابل للخطأ لسبب ما قد لا ينتبه إليه المرء..وينبغي ان لا يغلق الباب أمام احتمال وجود خطا ينبغي التأكد من عدم وجوده دائما..وفي ذلك تتابع وتتكامل الجهود البشرية باستمرار، لتبقى الحقيقة هي الهدف دائما بدل الانتصار للنفس.
المعرفة في حياة الناس”2 من 2″
والمشكلة أن البعض –حتى في ميادين خلافية كالسياسة – يزعمون بأنهم يمتلكون الصواب أكثر من غيرهم بدوافع نفسية مصلحية..!ومن هؤلاء أصحاب الأيديولوجيات – ومنها الماركسية خاصة، وبعضها الدينية أحيانا..
ربما من المشكلات الأهم –معرفيا- هي هذا الجانب- أي التعامل مع المعلومات والمعارف وكأنها حقائق مطلقة -.
وبالتالي يعتقد صاحبها أنه الأحق بالصواب –كما يظن- والآخر هو الخاطئ..ويتخذ من هذه القناعة مبررا لسلوك قد يكون متجاوزا بكل معنى الكلمة..ومنحرفا.
والمشكلة الأكبر هي ان هؤلاء يظنون في أنفسهم الصواب دائما،فيتخذ هذا الظن-الاعتقاد- منحى دائما وهو ما يسميه البعض –وأنا منهم- “الفكر السكوني”.
ولعل ذلك من أسباب ما نحن فيه –كبشر- من معاناة تجرنا الى مواقف ومواقع وسلوكيات.. تنعكس سلبا على رؤانا.. وعلى مواقفنا.. وعلى علاقاتنا.. وعلى سلوكياتنا..الخ.
فكل فريق يزعم انه على حق والآخر على باطل، وهذه مصيبة أصحاب الفكر السكوني باستمرار.
هذه القناعة، تشكل المنطلق لكل المماحكة المؤدية الى آثار سيئة..!
فتعطيل طاقات،وهدر أموال، وتحطيم البنى المختلفة –الإنسانية والاقتصادية…والبيئية..-والتهديد الدائم بالحروب وإيقاد نيرانها فعليا ..والتلويح بالسلاح النووي..والاستناد الى القوة –غير العقلانية- في السيطرة، والاستغلال، وضرب الأمور ببعضها –كأسلوب سياسي – لتحقيق مكاسب مادية على حساب الحالة الإنسانية- في العموم- وبذلك كرست نظرية تجعل الإنسان خادما للمادة -واقعيا- بدل أن يكون العكس هو الصحيح.
فالإنسان في الشرائع السماوية -او الأصح الدينية –لأن بعض الأديان لا تعتبر سماوية- وفي الفكر الفلسفي.. وفي الأخلاق.. وفي كل فروع المعرفة البشرية ..هو الكائن الأثمن والمقدس.
لماذا يتناسى البعض هذه الحقيقة تحت تأثير مغريات حسية- يمكن التحكم بها، وتهذيبها بدون ان يخسرها ..؟
بالطبع السبب يعود –دوما- الى النقص في المعرفة للحقائق أساسا،إضافة إلى المؤثرات التربوية الأهم –أحيانا- فالاختلاف في مستوى المعرفة ؛يؤدي إلى الاختلاف في الرؤى ..والفهم.. ومن ثم السلوك بشكل خاص ..!
إن السلوك تعبير عن مجموعة قوى في كيان الإنسان كالفكر والعاطفة والغرائز…الخ- ينبغي أن تتناسق، وتتكامل، حتى يأتي السلوك منسجما مع نفسه، ومؤديا الى الصواب في الممارسة ..
هنا المشكلة الجديدة والأكبر..مشكلة تكوين الشخصية.ولعلنا سنعالجها في وقت آخر.
……………………………..
قضية تحت النظر
(أو تحت المجهر)
محمد قاسم
تداعيات الأفكار تكون غزيرة عندما يكون المرء في حالة استماع لما تفرزه الأحاديث والحوارات والجدالات والقراءات …!
ومنها مثلا أن الحوار (بل الجدل) ساخن بين الناس حول قضايا معينة. لنأخذ منها -مثلا -الكتابة باللغة الأم، أو لغة أخرى.
(هل ينبغي أن يحصر الكاتب الكردي نفسه ضمن الكتابة فقط باللغة الكردية. أم يكتب باللغة العربية أو التركية أو الفارسية وغيرها -كل بحسب المنطقة التي يكون فيها؟).
هذه القضية تشغل مساحة غير قليلة، من التفكير. ومن الزمن أيضا؛ من بعض الكتاب الكرد. -لنقل في سوريا بشكل خاص-ونقرأ دوما مقالات تتناول هذه القضية. وهذا أمر طبيعي لولا أن بعض هذه المقالات تأخذ-أحيانا – صيغا فيها هجوم، أو إساءة أو تشدد…الخ. بل أحيانا يصل الهجوم على الكتاب باللغة العربية من الكتاب الكرد؛ منحى تقويميا سياسيا عليهم، وقد يوجد فيه بعض مزايدات أيضا لدى البعض. من جهة كونه منسجما مع مفهوم القومية الكردية أو كونه يخدم الأغيار – العرب والترك وفارس…الخ-
وقد شعرت أن فتح حوار هادئ حول هذا الموضوع قد يفيد. وإن كنت أخشى –دائما –من بعض الكتابات الناشزة؛ سواء بسبب قلة وعي كتابها أو قلة الخبرة لديهم، أو حتى افتقار بعضهم إلى توازن نفسي في التعامل مع الآخرين المختلفين عنهم في الرؤية، إضافة إلى الذين يصيدون في الماء العكر دوما.
يرد في الإنجيل القول: (في البدء كانت الكلمة).
والكلمة هنا تعني المعنى(الفكرة).
من الطبيعي أن الفكرة تتجسد في كلمات منطوقة أو مكتوبة، والتي تشكل العلاقات بينها منظومة لغوية نسميها –عادة-اللغة. وقد حاول أرسطو أن يعالج هذه القضية من الزاوية المنطقية (“العلاقة” بين “المعنى” وبين “الكلمة” أو “اللفظة” التي تعبر عن المعنى منطوقا به.” و”المعايير” التي ينبغي أن تتبع؛ لتحصل حالة تطابق أو توافق –على الأقل – بين “المعنى”أو “الفكرة” وبين “الكلمة” أو “اللفظة”. ومن ثم، بين “العبارة” أو “الجملة” وبين “مدلولها” باعتبار أن “العبارة” أو “الجملة” هي تشكيل من الكلمات (منظومة كلمات) تشتمل على معنى محدد وتعطي فكرة محددة.
ولذا فقد ابتكر-ربما الأصح أن نقول: اكتشف مصطلحات سميت “مفاهيم” مفردها “مفهوم”. في التحديد المنطقي لها. فمثلا: “المفهوم” قد يشمل كلمة واحدة، أو كلمتين، أو ثلاثة، أو أكثر.
للتوضيح نورد أمثلة.
الكتاب مفتوح. كل منها “مفهوم” =”كلمة”.
والـ “الكتاب المفتوح” كلمتان تشكلان معا “مفهوما” واحدا أي “معنى” واحدا، أو “فكرة” واحدة.
و”الكتاب الأخضر المفتوح” عدة كلمات تمثل مفهوما” أي =”معنى” واحدا، أو “فكرة” واحدة.
فالمفهوم “معنى” واحد، أو “فكرة” واحدة نعبر عنه بكلمة واحدة (جميل-انسان-درب-ليل…)
او بكلمتين (الورد الجوري-الانسان الجميل-الدرب الطويل-الليل الحالك…) أو أكثر. عدة كلمات (الورد الجوري الأكبر-الانسان الجميل الأشقر-الدرب الطويل الملتوي-الليل الحالك الطويل…). نلاحظ أننا اضطررنا أن نعرف الأمثلة في حالة الكلمتين وثلاثة كلمات بأل التعريف لتصبح الكلمات التالية وصفا –أي صفة -. فلو اوردناها في صيغة نكرة (ورد جوري) -انسان جميل-درب طويل-… فيصبح هنا مبتدأ وخبر (او موضوع ومحمول بلغة المنطق) وفي هذه الحال فإننا نحكم على الكلمة(المفهوم) الأولى والتي تسمى (موضوع) في المنطق؛ بمضمون الكلمة(المفهوم) الثانية والتي تسمى (محمول) في المنطق. أي أننا نحكم على (ورد) وهو (موضوع) بأنه (جوري) لا نوعا آخر من الورد وهو (محمول). والمر نفسه بالنسبة للأمثلة الأخرى لذا ينبغي هنا ان يتألف الحكطم من مفهومين فقط” ورد جوري –انسان جميل- درب طويل-0ليل حالك…) وفي هذه الحال لا مشكلة اذا كان الموضوع معرفا بال التعريف(الورد جوري-
فلا تطابق منطقيا–إذا- بين “الكلمة” وبين “المفهوم. فالمفهوم قد يكون عدة كلمات، وليس العكس.
ثم ابتكر أرسطو-أو اكتشف- أساليب أخرى لتحديد “المعايير” التي تساعد على معرفة صحة العبارة أو خطئها (بلغة المنطق: صدق الحكم أو كذبه) فعندما نقول –مثلا:
” الكتاب مفتوح” .فإننا نحكم على حال الكتاب بأنه: مفتوح.وهنا نحن نتعامل مع مفهومين =معنيين(فكرتين) هما:
الكتاب=معنى=”فكرة”=”مفهوم”.
مفتوح=معنى=”فكرة”=” مفهوم”.
ما الذي اختلف؟
في المثال الأول”الكتاب المفتوح” تصبح كلمة “المفتوح” صفة الكتاب، فكانت الكلمتان تعبران عن معنى واحد (صفة الفتح في الكتاب)= “مفهوم”
في حين في الحالة الثانية “الكتاب مفتوح” نستخدم معنيين”فكرتين” =”مفهومين”:
المفهوم الأول هو:الكتاب= معنى=”فكرة”
المفهوم الثاني هو: “حالة الكتاب”وهي:”الفتح”=معنى=”فكرة”.
وهكذا لئلا ندخل في دروس في المنطق، أردت أن أنبه إلى أن “المعايير” شرط أساسي ل”توافق المعاني مع الكلمات”،ول”توافق الفهم –بالتالي-بين الكاتب والقارئ” ،أو بين “المتحدث والسامع”..!
إن عدم التوافق هذا من المشكلات التي تؤدي إلى سوء فهم يخلط المعاني ببعضها،ومن ثم يصبح هناك فجوة –أحيانا تكون كبيرة- في الفهم المشترك بين الطرفين..!
بعبارة أخرى:ضرورة الوضوح في الأفكار بين المتحاورين ليتم الفهم المشترك ومن ثم اتخاذ الموقف الصحيح من أي قضية مطروحة للمناقشات.
وفي غياب هذه الحالة، إما أن تؤدي –كما قلنا –إلى سوء الفهم وغموض المعاني،أو يستغل ذلك بعض المتحذلقين- عن وعي ودراية- للتأثير على الخصم..بطريقة ما.
فلنأخذ السياسة –مثلا- هذه القضية في السياسة معروفة..ولمن لم يستوعب..فليراقب خطاب السياسيين بين بعضهم بعضا،كيف يستغلون أصغر الأشياء لخلق تأثير ما،أو للتهرب من استحقاق ما..!
ألم تبق –ولا تزال- عبارة (الانسحاب من أراض…) أو (الانسحاب من الأراضي…) مشكلة قائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.وانتم تلاحظون الفرق البسيط لغويا، ولكنه كبير في التفسير عندما يريد كل طرف أن يستغله لصالحه..وهذه في السياسة كثيرة..ولذا فالخلافات السياسية لا تحل بالسهولة..إلا إذا توفرت النية الصادقة (الإرادة السياسية).
المهم..
إن الكلام هو الوسيلة إلى التفاهم والتفاعل ..وأهميته فائقة..ولكن القليل من الناس ينتبهون إلى هذه الحقيقة..والكلام هو الحامل للمعاني والأفكار ..وعن طريقه يتم نقل الأفكار من شخص لآخر،أو من جماعة لأخرى-والبيانات السياسية مثل على ذلك.فغالبا ما، حزب سياسي يكتب بيانا ويوزعه ويخاطب –عبره –حزبا آخر أو نظاما حاكما ..أو مؤسسة كهيئة الأمم المتحدة أو احد فروعها..اليونسكو أو منظمة العفو الدولية..الخ.
أين تكمن أهمية الكلام؟
إنها في القدرة على نقل معاني(أفكار)محددة وواضحة الغرض إلى جهة ما..فبالمقدار الذي ينجح فيه الكلام في مهمته يكون مطلوبا وينبغي التعامل به ..
من هنا السؤال –مثلا-عندما اكتب أفكارا تخدم القضية التي أريدها أن تعرض ويقرؤها الناس.. باللغة العربية ..هل يقرأها العدد الأكبر –عربا وغير عرب..أم لا ..؟
فإن كان الجواب نعم،فما الضير –إذا-أن اكتب باللغة العربية ككاتب كردي..؟!
طبعا هناك الفكرة المقابلة..والتي يقول أصحابها إن الكتابة باللغة العربية تكون على حساب اللغة الكردية ،ومن ثم فإن الكاتب الكردي عندما يكتب باللغة العربية،فإنه يضيف إلى الثقافة العربية ولا فائدة للكرد فيها خاصة في الجانب اللغوي..باعتبار اللغة هي التي تحدد هوية الأمة ..!
وعلى الرغم من رأي خاص أحتفظ به ،إلا إنني لا أختلف كثيرا بان اللغة الأم ضرورة، ولها الموقع الذي يشغله..شريطة أن لا أقع-كالعرب- في مشكلة الوجود باللغة كهوية..فالكثير من شعوب العالم تتحدث لغات غير لغتها الأصلية ولكنها لم تفقد هويتها كأمة متميزة..الهند مثلا،ودول من أفريقيا،بل الولايات المتحدة ذاتها مجموعات اثنيه مختلفة تتكلم الآن اللغة الانكليزية،ولقد وفرت فيها لكنة تسمى أمريكية..ولكنها بقيت لغة انكليزية في تركيبتها الأساسية…!
قد يقال إن ذلك بعض نقص في شخصية الثقافة لهذه الأمة..وأقول :نعم. ولكن النقص لا يعني الانعدام،أو العدمية…. وفي الحالة الكردية –بالذات – فإن الدعوة للاهتمام باللغة الكردية وتعهدها بالرعاية لإعادة هويتها إليها، ومن خلال ذلك استكمال الصيغة الثقافية الكردية ..أمر مطلوب بقوة..ولكنه لا يعني أن يتطاول بعض الذين لم يستكملوا –رغم التشبث بادعاء التخصص في اللغة الكردية – على كتاب قادرين على نقل القضية الكردية عبر لغة أخرى إلى شعوب مختلفة خاصة تلك التي نحن نعيش تحت حكمها..
في الحقيقة قد يكون هذا المسلك مجرد تقليد لا شعوري لما استقر في سيكولوجيتهم من عدوى السلوك العربي في هذا الجانب.وإنهم لا ينتبهون إلى أن العرب-او العروبيون بشكل أصح- قد صاغوا نظرية حول اللغة بقصد سياسي بحت،وهو استثمار كل الثقافات التي كتبت باللغة العربية بدوافع دينية إسلامية، لينتحلوها،ويقعوا في مشكلة الانتحال غير المرغوب،فضلا عن التأثير السلبي لسمعتهم في ميزان الحضارة البشرية..
وقد وضحت المعايير والقيم المختلفة،أن كل القوميات التي كانت تمارس اللغة العربية لغة خطاب رضائيا، بدأت تبحث عن مخرج لها لتعزيز خصوصيتها اللغوية ومن ثم الثقافية.وهذا ما يفعله الكرد الآن أيضا،وإن جاءت الخطوة متأخرة،
وتحت تأثير النظرية اللغوية التي اعتمدها العروبيون لصهر اللغات الأخرى في بودقة الثقافة العربية ،مخالفين لما خلقه الله في الأمم من اختلاف..
والآن يحاول بعض الشباب المتحمسين أو بعض محترفي السياسة أن يستثمروا هذه الحالة توطئة لاتهام الذين لم تتح لهم فرصة التعلم باللغة الكردية ولكنهم قطعوا أشواطا في ميدان اللغات الأخرى ومنها العربية..
ونحن-طبعا- نشجع مسعاهم بشرط أن تكون الخطا متوازنة،والصدق التاريخي والأنثروبولجي بكل مفاصله أساسا لهذا الاتجاه الجديد والذي يتطلب زمنا طويلا ريثما تصبح اللغة الكردية لغة يمكنها أن تخدم أبناءها بشكل صحيح،بعد أن تتجاوز اللهجات المتباعدة –أحيانا –في اللفظ والقواعد..ودون منطلق تعصبي كرد فعل او توظيف سياسي..فالثقافة ليست سلعة إلا لمن يقبل لنفسه أن يكون سلعة.