الشخصية
محمد قاسم
في حديثنا عن (المعرفة في حياة الناس) عبرنا عن طموحنا في متابعة الحديث بمحاولة التعريف بالشخصية عبر مسار تحليلي نفسي.وها نحن نفعل الآن..
فالشخصية لها عدة أوجه: *- الوجه الفردي(النفسي- العاطفي الانفعالي- العقلي- الوجداني..). *- الوجه الاجتماعي(القومي- الديني- الفكري-الأيديولوجي-الأخلاقي- الحزبي- القبلي (تعدد الانتماء).
*- الوجه الإنساني (النزوع العالمي والكوني- والتفاعل الاجتماعي على المستوى الأعلى من الشعور بالانتماء البشري …والشعور بالمسؤولية تجاه القضايا ذات البعد الإنساني..الخ.)
كيف يمكن لهذه الأوجه المتعددة(الانتماءات المتعددة..) أن تتجانس في إطار الشخصية الواحدة المتكاملة(كما هو مفترض)..؟
في البدء دعونا نحاول أن نحدد السمات الأساسية لمكونات الشخصية مستعينين بعالم في ميدان النفس هو الدكتور يوسف مراد(1) والذي يقول عن ذلك:
((ومن العسير وضع قائمة تشمل جميع السمات التي تجسم لنا باجتماعها وتكاملها هيئة الشخصية بكليتها،وإذا أردنا أن تكون القائمة وافية فلا بد من مراعاة النواحي الآتية:
1- المميزات الجسمانية: القامة – القوة- الصحة- الجمال..
2- المميزات الحركية : سرعة الحركة أو بطئها- الاندفاع أو القدرة على الكف- الجلد والمثابرة- المهارة والحذق- أسلوب الحركة وجمالها.
3- المميزات العقلية : القدرة على حل المسائل – القدرة على التذكر- القدرة على التخيل الإبداعي- حصافة الرأي وسلامة الحكم- المقدرة العامة على التكيف.
4- المميزات المزاجية : تواتر الحالات الانفعالية ودرجة تغيرها- مدى الانفعال وشدته- الحالة المزاجية المتغلبة-الاتجاه الانفعالي العام.
5- أساليب التعبير عن ألذات: النزعات المتغلبة-التعويض- الانبساط أو الانطواء- السيطرة أم الخضوع- البسط أو القبض-الرجولة الخلقية أو الأنوثة.
6- المميزات الاجتماعية : القابلية للتأثر بالعوامل الاجتماعية-القابلية للاندماج الاجتماعي- التعدي على الغير-الاشتراك الفعال في النشاط الاجتماعي-الاتجاه العام في تقديم القيم- الصفات الخلقية كالصدق والكذب والأمانة والخداع..الخ)).
وبنوع من التدقيق في هذه البنود يمكننا أن نلخصها بشكل عام،في صفتين أساسيتين:
أ- صفة الذاتية. ب- صفة :الموضوعية .
أو (الوجه الذاتي للشخصية،والوجه الموضوعي للشخصية).
وإنني ألاحظ : في نفسي، وفي نمط الحياة لدى آخرين، نوعا من التجاهل(أو النزوع إلى التجاهل..) لهذه القضية الهامة جدا على صعيد تكوين الشخصية. فالإنسان يعيش نمطا عفويا من الحياة(ولا أقول السلوك لأن الحياة تشمل كل القوى الكائنة ضمن الشخصية،أما السلوك فقد يفهم منه تجاوز بعض القوى فيها).
فالمعلوم أن الطفل يولد وهو يحمل معه عددا كبيرا من المكونات التي تولد معه بتأثير الوراثة- خاصة على مستوى الجسد- وأما على مستوى النفس فيميل الكثيرون من علماء النفس إلى وجود حالة وراثة فيها، ولكن على شكل استعدادات، وليس على شكل موروثات واقعية،مثال ذلك الأب المدمن على الخمر-مثلا- لا يورث إدمان الخمر لأولاده، ولكنه يورثهم الاستعداد للإدمان على الخمر- إذا توفرت ظروف تعاطيهم للخمر- أكثر ممن يولدون لوالد غير مدمن. ولعل هذا هو المغزى من الكلام القائل:((الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون)).
ترى مدرسة التحليل النفسي-والتي أسسها فرويد وتلامذته.. بان الإنسان يرث مكونات لا شعورية تمتد إلى الأسلاف البعيدين(جماع انتقالات هذه المكونات عبر أجيال طويلة من الآباء والأجداد القريبين والبعيدين..!) ويسمونه “اللاشعور الجمعي”..
هذا من ناحية الوراثة. (ما ينتقل إلى الشخصية عبر الجينات) سواء فيما يتعلق بالجسد أو النفس.
أما من ناحية المجتمع فبكل بساطة: – يولد الطفل وله أسرة(تنتمي إلى عشيرة أو قبيلة) والقبيلة تنتمي إلى قومية، ومن المفروض أن لكل قومية وطن يسكن فيه سواء عبر حالة استقرار مستمرة، أو عبر حالة هجرة.. أدى إليها ضنك العيش، أو خوف الحرب، أو غير ذلك.. أو تهجير قسري لدوافع سياسية أو دينية أو اقتصادية..!
المهم انه استقر في الموطن الجديد؛واستمر خلفاؤه، على مدى أجيال طويلة – مئات السنين أو آلافها-(وهذه أيضا تتجه نحو دور الوراثة في تكوينها وفق نظرية التحليل النفسي) ويسمى عادة،صلة الدم في التعبير الشعبي، وخاصة التفكير القبلي..وهي تسمية ليست خاطئة تماما؛ وإنما الخطأ في وضع دورها بحسب التطورات الاجتماعية. فمثلا التمسك بالعصيبة القبلية تأتي على حساب الوحدة القومية -الأكثر سعة، والمقوم الأساسي لبناء دولة القانون- التي يتعايش فيها الجميع وفق القانون.وهذا ما لا يتيحه الانتماء المتعصب للقبيلة(انتماء يمت إلى نوع من الايدولوجيا الأعرافية”من العرف”-إذا جاز التعبير) . ومن المعروف -في هذه الأحوال- أن غياب الاستقرار في نمط التعايش، والقلق، وعدم الانضباط بقيم واضحة الدلالة ،تجعل القيم مرتكزة إلى المشاعر المترجرجة، والمتغيرة بتأثيرات مختلفة-وهذا في بنيتها طبيعيا-
ومن ناحية المؤثرات الآتية من المجتمع فهي ببساطة:
– الانتماء الديني..المذهبي.. الطائفي.. الخ.
– الانتماء السياسي.. الحزبي.. مع تسميتها المختلفة..
– الانتماء إلى الجمعيات، والأندية المختلفة(دينية.. ثقافية.. اجتماعية.. بيئية.. رياضية.. اقتصادية.. فنية..الخ.(ودون أن ننسى التفاعل مع الذاتي والموضوعي فيها).
وهنا ينبغي أن ننتبه(أو نذكر) إلى أن العوامل الموضوعية والعوامل الذاتية في تكوين الشخصية ، لا تنفصل عن بعضها تماما،فهي متداخلة، ومتكاملة، ومتفاعلة..والمفترض أنها متجانسة أيضا..!
والسؤال هو:
كيف يتم الانسجام بين هذه الانتماءات المختلفة التي يمكن درجها تحت عنوانين: (الذاتية والموضوعية)..؟!
وهل هذه الخصائص فطرية أم اكتساب..؟!
وكيف يمكننا التأثير فيها ..وتوجيهها إيجابيا لصالح نمط حياتي يوفر تفاعلا صحيحا، وسلاما واستقرارا..الخ؟
أين المشكلة..؟
لنأخذ نموذجا تاريخيا تتفق الاتجاهات المختلفة،حول شخصيته بخصائصها الواضحة في الجاهلية وفي الإسلام،وهو:
عمر بن الخطاب ..هذا الرجل الذي هابته قريش كلها..عندما هاجر علنا- وهو الوحيد الذي فعل ذلك- وقال قولته المشهورة لقريش في ناديهم- وهو يهاجر-:
((من أراد أن تثكله أمه فليلقني خلف الوادي..!)).
عمر بن الخطاب ..الذي حل مشكلة الخلافة، وقد كادت أن تبلغ حد الفتنة والقتال،فتدارك الأمر بحكمة وشجاعة عندما مد يده إلى أبي بكر مبايعا فتبعه الآخرون. -وانفضت سيرة كما يقال شعبيا-
هذا الرجل الذي كان الرسول دوما يدعو ربه قائلا فيه: أللهم اعز الإسلام بأحد العمرين، وكان هذا احدهما، وكان الثاني أبو جهل.
و بعمر ابن الخطاب هذا،اعز الله الإسلام في قريش.. وهو القائل ((نحن امة أعزنا الله بالإسلام)).
عمر هذا- قبل إسلامه- اخذ طفلته ليدفنها في الصحراء حية (وأدها). وفي الموؤودة- بشكل عام- نزلت الآية :وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت؟
ولكنه-بعد ذلك- أسلم..وقصة إسلامه مشهورة، ذهب إلى بيت أخته..التي أسلمت خفية ، هي وزوجها، ولكن عمر فاجأهما في هذه الزيارة. وسأل عن صحف من القرآن لم يتمكنوا من إخفائها، ووقعت عيناه عليها.. وحاول أن يمد يده إليها، ولكنهما منعاها عنه قائلين : لا يجوز لمسها بدون وضوء..ومع تساؤل.. وشد.. وجذب، كانت سوْرة الغضب خلاله آخذا بمجامع عمر؛ يشرح الله صدره للإسلام،فهو صاحب معدن أصيل.
وهو نفسه الذي كان يجوب الأحياء تفقدا لأحوال الفقراء،وينفخ النار حتى تتغلغل الدخان في ثناياها ليطعم عجوزا لا سند لها..
وهو الوحيد من بين المسلمين الذي راجع الرسول في صلح الحديبية متسائلا عن مدى صواب البنود..فيما أحجم عنه أبو بكر وعلي بن أبي طالب..كرم الله وجهه.ففيه شجاعة الحرب،وجرأة الأدب،وتواضع المتصوف، وزهد الزاهد،وحكمة الحكيم…الخ.
و(( الرجال معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام)).كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم.
وحول هذا المعنى نميل قليلا نحو علم النفس الذي يؤكد هذا المعنى، فمكونات الشخصية تجمع بين:البعد الوراثي، والبعد البيئي الاجتماعي- إذا جاز التعبير- ومن هذا البعد البيئي الاجتماعي نشخص:
*التحصيل المعرفي..
* التأثير التربوي (البيت- المدرسة- المجتمع..الخ).
* الخصائص الفردية(الشخصية) والبعض من علماء النفس يؤكد دور الوراثة في(الشكل الخارجي بدون خلاف، وكاستعدادات نفسية بدون خلاف غالبا، ولكن كخصائص نفسية موروثة فالخلاف حولها قائم) ولكن المرجح عموما هو أهمية كبيرة لدور الوراثة.
يروى ان أبا خليل الفراهيدي قال لأولاده يوما:
أنا ذو فضل عليكم. فقالوا بلا شك، فأنت والدنا ومصدر وجودنا..فقال: بل غير ذلك.فقالوا وما هو؟ قال: كنت شابا جميلا وذكيا واخترت لكم أما جميلة وذكية فكنتم كذلك.
يشير هذا القول إلى أهمية الوراثة في تحسين النسل، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((تخيروا لنطفكم)).أو قوله: ((العرق دساس)).
فالوراثة لها أهمية في تشكيل الشخصية، والبيئة لها أهمية في تشكيل الشخصية.وكلاهما متفاعلان بدرجة أو أخرى ..
وقد حاولت الدراسات النفسية تحديد دور كل منهما، ولكنها لم تعط نتائج حاسمة.. يقول احدهم:
أعطني عشرة أطفال وسأشكلهم كما أريد،باعتبار الطفل صفحة بيضاء – لا تأثير للوراثة عليه بهذا المعنى. ويقول غيره ما معناه((الديك الفصيح من البيضة يصيح)) لا تأثير للبيئة بهذا المعنى.وهناك من جمع بين تأثير الجهتين-الوراثة والبيئة- وإن تفاوتت النظرة إلى نسبة التأثير وخاصة في الذكاء –القوة الأكثر تأثيرا في وعي وإبداع الإنسان .
تقول سوزان ايزيكس
((إن مسألة الذكاء لتبدو -في صميمها- مسألة وراثية بيولوجية.فمن أراد أن يكون ذكيا حقا فإن اختيار أبويه اختيارا حسنا أهم لهذا الغرض من اختيار معلميه!)).
((ولقد ثبت أن الذكاء الفطري هو أثبت الفروق واد ومها وأعظمها خطرا في بلوغ النجاح في المدرسة وفي الحياة)).
((إن المظهر الخارجي قلما يصلح لأن يكون دليلا على المستوى العقلي)).
((ولكن لباقة الطفل في الحديث لا تعني الذكاء دائما شأنها في ذلك شأن المنظر الجذاب.والحق أن اللباقة لتكون أحيانا ستارا يخفي وراءه الغباء)).
((وقد يعتور الطفل من سنة لأخرى نقص ضئيل أو زيادة ضئيلة في ذكائه ولكنه قل ان يسقط أو يرتفع عن فئته سواء أكانت متسمة بضعف العقل أم الغباء أم الذكاء المتوسط أم الممتاز))
كل هذه الأقوال تدلل على أهمية الداخل لا الخارج في قيمة الشخصية العقلية والذكائية، ونذكر أيضا:((إن اختلاف الأمزجة لا يقل عن حقيقته وخطره عن الاختلافات العقلية))
ويلاحظ أن هناك تفريقا بين (العقل) وبين (الذكاء) ولسنا هنا في مجال التفصيل.
هذه الأقوال التي أطلقتها الخبيرة ايزيكس استنتجتها من معايشة للأطفال طويلا،ومتابعة النمو في حياتهم.
ونحن نذكر أن ما سبق كله لا ينبغي ينسينا أمرين:
– دور التجربة في تصقيل الشخصية
– أن الدراسات التي قام بها علماء مختلفون تؤكد أن الخاصة البشرية في جميع الأقوام واحدة ولكن التربية والبيئة هي التي تجعل التمايز يبدو وكان قوما أذكى.
……………………………………………………………………..
(1) كتاب مبادئ علم النفس العام- الدكتور يوسف مراد (دكتوراه الدولة في الآداب من السوربون-أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة) طبعة 2 القاهرة يناير 1954.وهو كتاب شامل لأهم مباحث علم النفس خاصة فيما يتعلق بتكوين الشخصية وفاعليتها الميدانية..
– -الطفل في المدرسة الابتدائية-سوزان إيزيكس،ترجمة محمد مختار المتولي،مراجعة د.عبد العزيز المجيد.ط 1932
و(سوزان إيزيكس رئيسة شعبة نمو الأطفال بمعهد التربية في جامعة لندن ..وأخصائية في علم النفس بعيادة التحليل النفسي….
أخرجت سنة 1930 كتابها((النمو العقلي للأطفال))intellectual growth in young children . كما أخرجت في سنة (1933) كتابا آخر بعنوان((الترقي الاجتماعي عند الأطفال)) social development in young children-وهذا الكتاب سنة 1932).
……………………………………………………………………………………………………………….
……………………………………………………………………………………………………………….
المركز والشخصية
ابن الجزيرة/م.قاسم
Thursday 16-11 -2006
في كل عمل يريد الإنسان أن يقوم به ، يحتاج إلى مخطط نظري –في خياله على الأقل – إذا لم ينقله إلى الورق أو (الواقع).وبقدر ما يكون هذا الخيال قوياً ، مبدعاً بمعطياته الذاتية (بخصائص نفسية تتصل بذكاء صاحب الخيال….) أو بمعطياته الواقعية ( العناصر التي يحتاجها لتحقيق العمل ، سواء أكانت أدوات أو مادة للعمل هذا )..
بقدر ما يكون هذا الخيال قوياً ومبدعاً،بوساطة المعطيات المذكورة، يمكن له أن يتوصل إلى أفضل الصيغ (المستوى) التي ينبغي للعمل أن يكون وفقها ، في مخططه وإنجازه النهائي . يتعلق هذا أيضاً ، بالمناخ الذي ينمو فيه الخيال !!
بعبارة أخرى 🙁 البيئة التي يتربى فيها الإنسان).
فإن كانت البيئة تعتمد على تحريك الطاقة الفكرية عند أفرادها ، وتتوفر فيها أساليب حياتية مرتكزها: الصيغة المنطقية، والموضوعية المتناغمة مع القوى النفسية الأخرى ، التي لا مجال لعزل الإنسان عنها ( عواطف-معتقدات- ميول…الخ).
عندما تتوفر هذه البيئة ، فإن الممارسة الحياتية ، وبالوسائل المقبولة والمنتجة ، تصبح في متناول اليد ، وعلى أي صعيد كان . وذلك لأن الانخراط في معمعة الحياة بسلاح قوي هو (الوعي) يسهل على المرء حسن الدخول ،وحسن الإنجاز أيضاً.
أما المدخل السيئ إلى المعالجات – أياً كان المشكلة – فإنه يعقد المشكلة أكثر.
ولا ريب أن لكل مدخل أدواته (وسائله ) التي تتناسب معه.
والمدخل إلى العمل… والمدخل إلى ممارسة الفعالية الاجتماعية (السياسية خاصة ) يحتاج إلى أدوات لعل أهمها:
فهم الواقع ، والتعامل معه بتوفر الخيال القوي المبدع في رسم الطريق للبداية، ولما ستكون عليه النتائج (بتصور صحيح لها).
من هذه الحقيقة انطلق الفلاسفة وعلماء النفس وعلماء الاجتماع …الخ في تصنيف السياسيين الناجحين(القادة خاصة ) باعتبارهم في :الدرجة الأعلى من الذكاء. يقول الفيلسوف الأماني “إمانويل كانط” المشهور:(إن أصعب المهن على الإطلاق هي السياسة والتربية).
إنهم يتعاملون (السياسيون والمربون)مع واقع حي متغير ( الحياة الاجتماعية)إضافة إلى تعقيدات معطياته وحوادثه…
وفي حالات كثيرة ، خاصة عندما تكون التعقيدات شديدة، ومستوى الجمهور مرتبك في الفهم…يتهرب بعض الأذكياء، مما يعطي الفرصة لفئة ذات إمكانيات متواضعة من الذكاء والخبرة، والمعطيات النفسية المختلفة، ليتبوؤا وظائف قيادية لدرجة ما في الحياة الاجتماعية ( والسياسية). أو وظائف إدارية بمستوى من الإمكانيات المتواضعة …. فكيف تقود هذه الفئة؟ ما هي المنعكسات ؟! بلا شك أن ارتباك القيادة في هذه الأحوال ، يتيح ارتباكا في حياة المقودين بشكل متزايد يوماً بعد يوم ، هذا إذا أحسنا الظن بها…؟
أما إذا أسيئ الظن بها – وهذا ممكن – فماذا يكون ؟
تكون الكوارث….ولكننا سنظل نفترض حسن الظن.
كل قائد لأية عملية ، ما لم يشعر بأنه أعلى مكانة (قيمة)مما يشغله من موقع (منصب). فسيسعى دوماً للاحتفاظ بموقعه ، لأنه يستمد قيمته الشخصية منها ، بخلاف الذي يرى نفسه أكبر من الموقع. يحضرني هنا قصة الوالي العباسي الذي سئل عن السبب في تغير الإنسان عندما يشغل مركزاً ما .فأجاب قائلاً الرجال نوعان:
الأول : رجل يرى نفسه أكبر من المركز.. فلا يغيره المركز في شيء ..
والثاني: يرى نفسه أصغر من المركز. فهو لا يشعر بشخصيته إلا من خلال هذا المركز. فيتصرف بأسلوب فيه تشويه لقيمته كإنسان .
ولعله يصلح معيارا جيدا لمسؤولي هذه الأيام، والذين – على ما يبدو- جلهم أصغر من المركز الذي يشغله…لذا لا يألو جهدا في استثمار سيئ لمركزه، ويحرص عليه كل الحرص، وقد يدفعه حرصه هذا إلى كوارث في حياة المجتمع الذي يقوده.
نقارن هذا بما مر به الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، حينما عرض عليه تولية ابنه عبد الله- وهو أعلم بني قريش- فقال : يكفي أن يحمل وزر هذه الأمة من آل الخطاب رجل واحد)) أو كما قال.
ترى ..ما معنى أن يتولى امرؤ ما ولاية أمر الأمة-أية أمة-..؟!
……………….
ibneljezire@maktoob.com
——————————-
مقالات اخرى لنفس الكاتب :-
تساؤلات…!
موائد الإفطار الجماعية
ما هي الحكمة من السجن السياسي..؟
الكرد وشهر الصيام
الإعلام العربي
القتل الحاقد
الجدب والنماء
لماذا يكون الإنسان لنفسه قدرا تعيسا
عودة إلى الذات في داخلها
من التراث الكردي 2
الحياة في تكامل أجزائها(مكوناتها)
محمد قاسم (ابن الجزيرة)
ibneljezire@maktoob.com
بتحليل طبيعة الحياة(تحديد عناصر تكوينها) نلاحظ أشياء هامة تعين على فهما، وبالتالي تعين على عيش متوازن فيها..وتعين على فتح الأبواب لتطويرها(تحسين صيغتها)..الخ.
ولا بد في أي عمل من خطوة أولية((خطوة الألف ميل تبدأ بخطوة))كما يقول مثل أوروبي.
ذلك لأن الحياة –بشكل عام- لها وجهان:
* وجه واقعي (موجود بمواصفاتها كما هي)
* وجه متصوَّر(متخيّل.. باحتمالات مختلفة لتحسينها).
كيف نتعامل مع الوجه الواقعي فيها(لها)..؟
كيف نتعامل مع الوجه المتصوَّر لها (المتخيَّل فيها) ..؟
من الطبيعي أن الوجه الأول(الواقعي) هو الذي يجب التعامل معه..كمنطلق.. فنحن موجودون أولا.. ثم نعيش ثانيا.. ونتصور ثالثا.. ونطبق رابعا..وهكذا.. ولكن ينبغي أن نلاحظ أن هذا الترتيب ليس متتاليا بشكل منفصل تماما عن بعضها.. بل هناك نوع من علاقة تداخل – أو إذا شئنا – علاقة جدلية(تأثير وتأثر) بينها. وربما تأتي صعوبة التحليل والتشخيص والفهم – بل والعيش أيضا- من هذه الطبيعة المعقدة للحياة.. ومن هذه الطبيعة المعقدة للحياة..تنبثق صعوبة فهم تكوينها، ومن ثم عيشها..!
أين المشكلة تماما..؟!
بتقديري ..إنها تكمن: أولا – في حالة الجهل (والجهل مناخه حالة الأمية..عدم القدرة على القراءة والكتابة كمرحلة أولى، وعدم الرغبة(أو عدم الصبر عليها) في المتابعة ( أي القراءة الحرة أو المطالعة)بل والتفاعل مع الحياة في واقعها لاكتساب التجربة التي تصقل المعرفة وتؤكد مصداقيتها من عدم المصداقية فيها. ثانيا- في عدم حيوية حركة الحياة (العمل،الاحتكاك بالناس في واقع حركتهم..عملهم..أفكارهم..السلبية منها والايجابية…الخ). لوعي واقعي لأفكار نظرية قابلة لتحويلها إلى تطبيق مستفاد منه بطريقة عملية ناجحة . باختصار..المشكلة هي في: عدم القابلية لاكتساب الخبرة والتجربة من الحياة في مختلف جوانبها(العملية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية. والواقعية المستجيبة لدوافع نفسية كالرفاهية المادية والترفيه النفسي..الخ). عبّر عن هذا المعنى شاعر بقوله وهو يمدح أحد الخلفاء:
الجِدُّ شيمته وفيه فكاهة …….سجح ولا جِدَّ لمن لم يلعب
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين احد إلا ّغلبه.
وكان يمزح صادقا وقصته مع المرأة التي سألت الرسول(ص) عن زوجها فقال: هل زوجك الذي في عينه بياض ..مشهورة. وكذلك مع المرأة العجوز عندما قال لها: لا يدخل الجنة عجوز أيضا معروفة..
ليست الحياة فقط صرامة و جهامة وتشدد (على النفس وعلى الآخرين). يقول الرسول :
((رحم الله امرأ سمحا إذا باع وسمحا إذا اشترى وسمحا إذا اقتضى)). ويقول : ((هلك المتنطعون)).
ولن نستزيد من هذه الأقوال حتى لا ننصرف إلى بحث مختلف عن الذي وضعناه نصب أعيننا.
البحث الذي نريد أن نجول فيه لكي نقطف ثمرة من نتائجه هو:
الحياة في تكامل أجزائها(مكوناتها).
فالملاحظ أن الناس ينسون – في خضم زحمة الحياة بمعطياتها المختلفة- التباين بين المُعاش والمُتخيّل(كطموح أو تمنٍ أو غير ذلك..). أو أنهم يعرفون ذلك نظريا ويمارسونه أيضا نظريا بمعنى ما.!
وهذه الحال تنتج نوعا من الخلط الذي تضيع فيه المفاصل المحددة ،أو الحدود الفاصلة والمفصِّلة..
فإذا علمنا أن نسبة الأمية في المجتمعات المسلمة (والعربية منها) في مختلف أجزاء الدنيا(آسيا،أفريقية، شرق آسيا(الصين،الهند،باكستان..) ، الشرق الأوسط(البلدان العربية ،تركيا،فارس..)، بعض أجزاء من الغرب(أمريكا، أوروبا كندا، أستراليا..) … إذا علمنا أن نسبة الأمية تتراوح بين و 40و 70% فيها، أدركنا عناصر التخلف التي تنتعش في هذه الأجزاء من العالم- ولنسمه الإسلامي بنوع من التجاوز-..!
وإذا كنا نعرف بأن التخلف في هذه الأجزاء ينال غير المسلمين أيضا..أدركنا أهمية (المكان) في هذا التصنيف.
وإذا حللنا الأمور وفق قاعدة (تكامل الحياة) أدركنا الخلل الذي يعيشه أبناء هذه الأجزاء ..!
خلل ينتج عن ظروف المكان(من معطيات الحياة الطبيعية).
وخلل ينتج عن أسلوب اعتناق العقائد(من معطيات الحياة الاجتماعية).
وخلل ينتج عن مستوى الوعي الناقص بسبب تفشي الأمية المتسببة في بقاء حالة الجهل مؤثرة (سوء تقدير للأمور لغياب فعالية العقل التي شلتها الأمية بنقص في المدارك والفهم..).
وخلل ينتج عن تكالب (أو تهافت) العالم الاستعماري على خيراتها ، وما ينتج عن ذلك من خلل مركب ومنتعش ومستمر بشكل ما..
وخلل ينتج عن نظام الوصاية الذي ابتلي بها هذه الشعوب جميعا،فاستجر كل ما في التراث الديني منذ القديم ومرورا بالمراحل المختلفة لتغيراته ومنها الإسلام الذي أصبح عنوانا للتخلف- واقعيا- يدافع مؤيدوه عنه بالصوت العالي، والمقالات المدبجة، أو بعض مظاهر وشكليات..لا يهتم الآخرون بها جميعا..
– إما لعدم كفاءتها..
– وإما لعدم وصولها .
– وإما لأن الآخرين – أصلا – لا يريدونها – ومهما كانت الأسباب- **
ولعل الحالة المنطقية في البحث تفرض علينا أن نعترف بقصور شديد في الكفاءة(ومنها عدم الإيصال الجيد للرسالة)( وبرأيي هذه حالة مزمنة في جميع قوى الحركة السياسية والدينية والثقافية)..لماذا..؟
إن العودة إلى الأسلوب المتبع في هذه المناطق(الأجزاء) التي أشرنا إليها فيما سبق بقراءة متأنية، تبدأ من الواقع، وتتجه صعدا إلى الماضي(التاريخ) ستكشف لنا بعض معطيات – ما لم نخلط بينها- ربما تلعب دورا مهما في واقع الحال الذي يعيشونه..ومن هذه المعطيات – وربما أهمها-( سيكولوجية تكتلية) لعل التعبير الأفضل عنها سيكولوجية القبيلة(العشيرة) أو سيكولوجية التكتل وفق حالة عاطفية(نفسية عموما) ..الخ.
فهذه السيكولوجية هي التي تمنع حرية الفرد وتفتح طاقاتها..
وهي التي تمنع فهما صحيحا(موضوعيا) لما يرد من مفاهيم وتعاليم ومبادئ..الخ.
وهي التي تمنع المبادرات الفردية ، والتي بدونها لا مجال للتطور والإبداع ..
إذا تكمن (عقدة المنشار) في العلاقة بين الفرد والمجموع أساسا، وتصبح العقدة أكثر تأثيرا- سلبيا طبعا – عندما تحدد العلاقة بين الفرد والنظام في هذه الأجزاء(حيث يصبح النظام هو الممثل الأقوى للسيكولوجية التكتلية هذه.. بغطاء قانوني عصري، وخاصة لدى تلك التي اتخذت الاشتراكية شعارا لها، ووفقا لها صاغت ما شاءت من قوانين تصب جميعها في مصلحته باسم الجماعة والوطن وغير ذلك..).
ولذا فإننا إذا تفحصنا قاموس هذا النظام نجد تفسيرا خاصا لكل مفهوم، يعطي هذا التفسير حقوقا لها في عمل ما يريد، وتحت غطاء مصلحة المجموع والتي تعطيها تسميات – كما تشاء-.
من هنا نجد أن الحياة تمشي في أنظمة من هذا القبيل ،عرجاء أو عوراء، أو في اتجاه واحد لا يعطي الفرصة للمشاركة من الآخرين إلا وفق ما تحدده لهم من مسالك.(نوع من تزييف الحقائق وتشويهها بدافع مصلحي سلطوي..!).
منذ أكثر من ثلاثة قرون تغلبت المجتمعات الغربية على ظاهرة القبلية لديها(ربما منذ قيام الثورة الفرنسية )
بينما لا تزال مجتمعاتنا الإسلامية(والعربية منها) تحافظ على (التراث الغالي) إرث الفكر القبلي والذي يكون دوما بالمرصاد لكل محاولة مبتكرة، وتحت أسماء مختلفة..ويعطى لها من الخصال والأوصاف ما يرفعها إلى مستوى القداسة التي يتخذها المتنفذون وسيلة لترهيب الآخرين (ومن ثم تحقيق غايات ليست نبيلة في أي حال) فالحزب- في هذه المجتمعات المتخلفة- ليس سوى قبيلة من نمط آخر(جديد).
وتجديد الأفكار ليس سوى تغيير في الورق المكتوب عليه، أو نوع الخط، أو تبديل ألفاظ بألفاظ دون تبديل المعاني(المقدسة)، والعصية على العقل الإسلامي(والعربي منه) المتعالي على الإصلاح بحكم نظرته لنفسه على انه الكامل أو المتكامل. وخلف ذلك كله سيكولوجية متخلفة تنحصر في كيفية الوصول للحكم أو الإدارة ودون حساب أيضا لما يمكن أن يخلف ذلك من تأثير سلبي على الخلف من أبناء الحاكم أو أتباعه، أو أبناء الشعب ككل..وتنحصر في الشعور بأنها الوحيدة التي تملك الحق والحقيقة، ومن ثم فمن واجبها قمع كل من يخالفها وهذا ما هو حاصل في هذه المجتمعات الإسلامية (والعربية منها ).وهي قضية تاريخية مع اختلاف في النسبة..
فعندما ينفي الخليفة الأموي أبا ذر الغفاري كان يقصد إبعاد فكر لا يشعر بأنه في مصلحته، ويحجب صوتا كان ينادي بما هو مصلحة الأمة- بغض النظر عن مدى توفقه في ذلك أو لا..!
وعندما يتخذ من قميص عثمان حجة فإنه كان يستعيد مجد آبائه (أو أبيه أبا سفيان) قبل الإسلام(نوع من النكوص الذي حرم المسلمون بدوافع سياسية تناوله نقديا، ولكنه تحول إلى منع ديني على مر العصور،مما حرم العقل النقدي في الإسلام مذ ذاك، واستعارتها الأنظمة الدنيوية في البلاد الإسلامية (والبلاد العربية منها).
وعندما تسمى عمر بن الخطاب بامير المؤمنين،لم يكن يقصد التقديس،بل يقول بصريح العبارة :
(لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها) بل يقول:” أما بعد فقد ابتليت بكم وابتليتم بي وخلفت فيكم بعد صاحبيَّ فمن كان بحضرتنا باشرناه بأنفسنا. ومهما غاب عنا ولينا أهل القوة والأمانة فمن يحسن نزده حسنا، ومن يسئ نعاقبه ويغفر الله لنا ولكم”
ويقول: ” إني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم وليشتموا أعراضكم ويأخذوا أموالكم ولكني أستعملهم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم. فمن ظلمه عامله بمظلمة فلا إذن له علي ليرفعها إلي حتى أقصه منه، فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين إن أدب أمير رجلا في رعيته أتقصه منه؟ فقال عمر: ومالي لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه” وبقول في رسالة إلى أمراء عسكره: لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تحرموهم فتكفروهم ولا تجمروهم فتفتنوهم ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم”*
وهكذا لا نجد في حياة الإسلام مقدسات سوى ما تأكد في القرآن والسنة، وما سوى ذلك اجتهادات نحترمها ونقدر قيمتها، ولكنها لا تمنع القادر من اجتهاد مثله.
وباستعراض الإسلام وتعاليمه وقيمه ومعتقداته لا نجد فيه سوى حث على الفهم وترقية الوعي والاجتهاد فيما فيه الاجتهاد ممكن عموما.وهو يجمع بين دنيا معاشة وأخرى موعودة بأسلوب فيه تفكير ومنطق يضبطه ..
الحياة إذا في تكامل مكوناتها، لا في فرض أجزاء من هذه المكونات..
والحياة لا تتطور بمصادرة المبادرات بل بإنعاشها و إن بدت مخالفة لنا، ما لم تخالف المسار القانوني والواقعي لمصالح الأمة والتي يحددها أبناء الأمة أنفسهم بحرية كافية للتعبير عن آرائهم ورؤاهم وتصويتاتهم..
حينئذ فقط تتجه مكونات الحياة إلى التآلف وإلى التكامل وإلى الإنتاج والإبداع والتغير نحو الأفضل..ولا بأس إذا وقعت بعض ضحايا ..فالحياة الآن تكاد تكون في جميع مكوناتها ضحية..!
……………………………………………….
التفكير والعمل
(النظري والتطبيقي)
ابن الجزيرة
لا يمكن للمرء أن يفعل كما تفعل النعامة، فتطمر رأسها في الرمل لكي لا ترى الصياد ..ظنا منها بان الصياد أيضا لا يراها.
هكذا تقول الحكاية..(ولسنا مهتمون بصحتها، أو عدم صحتها) .. ولكننا مهتمون بالمغزى الذي ترمي إليه الحكاية..!
فكما هو معلوم، قيمة كل عمل يقوم به المرء تتجلى في النتائج التي يحققها في الواقع- سلبا أو إيجابا-ولئن حاول صاحب العمل- أي عمل- التغطية عليه(كتمانه) لأمد ما- في الحال السلبية- فإن النتيجة لا بد أن تظهر يوما ما بشكل ما(يظهر السر..!).
المراهنة على أن الفعل الخاطئ سيبقى سرا لا يطلع عليه الجماهير- وهذه واحدة من مراهنات بعض الناس في الأداء- هي مراهنة خاطئة،خاصة إن جماهير اليوم ليست جماهير الأمس من حيث الوعي والنباهة، وأدوات اليوم ليست أدوات الأمس من حيث معرفة الأسرار ونقلها..
فإذا قاربنا بين هذه الفكرة النظرية وبين حال عملية في ميدان ما وليكن العمل السياسي – باعتباره الأخطر أثرا ومباشرة في حياة المجتمعات- تنفرد أمامنا صفحات لم تعد غامضة المضمون، فيصعب على الجماهير قراءته، ولا ممكنة الإخفاء لئلا يطلع الجماهير عليها..ونعني بالسياسة في مستوى الوطن أو في مستوى الحالة الكردية أو في مستويات أخرى تعلو أو تنحدر…!! بمعنى إن الحياة السياسية(العمل الحزبي خاصة) لم تعد تخفى على الناس بفضل الإعلام المتنوع والغزير – خارجيا على الأقل- بل وداخليا أيضا بفضل الانترنيت والفضائيات والهواتف النقالة(الموبايل) ، وبفضل روح التنافس بين الأطراف الحزبية(السياسية) ذاتها، فإنها تنشر كل ما تعرفه عن الآخرين إيجابا أو سلبا، وبفضل السيكولوجية التي تربى عليها المتعاملون بالسياسة ..فهم إما ينشرون المعلومات للتشهير بأصحابها، أو كـ (بالون اختبار) كما يسمونه في عالم الصحافة، أو لعمل دعائي – في الاتجاه السلبي أو الاتجاه الإيجابي- أو حتى للتخفيف عن ضغط الأخبار والمعلومات على النفس لدى البعض.. إضافة إلى عمليات بيع وشراء المعلومات..!
المهم من هذا القول أن لا شيء يبقى سرا لمدة طويلة، وإذا حصل أن حافظت الجهة صاحبة السر عليه فلن تعدم أفرادا يبيعونها لقاء مصلحة ما – مادية ..أو مركز.. أو غير ذلك.وبأسلوب لا تستطيع الجهات الأمنية أن تكشفها، كما حصل لذلك الوزير اليوغوسلافي في عهد المارشال جوزف بروز تيتو الشيوعي (الماركسي) والذي ورث الملك عنه (الرئيس الصربي المنتحر في سجن المحكمة الدولية في لاهاي سلوبودان ميلوزوفيتش) فكان وبالا عليه وعلى شعبه،بل وعلى بعض شعوب المنطقة أيضا. فقد لفت الروس (الاتحاد السوفييتي سابقا) انتباه المارشال تيتو إلى أن وزير الصناعة والتجارة الخارجية لديه؛ عميل أمريكي،فوضعه تحت مراقبة شديدة ولكنه لم يضبطه في أي موقف ملتبس، وعندما ألح الروس عليه، لم يجد سوى استدعاء وزيره قائلا له- وكان من رفاقه في النضال-:
أنا أعلم انك عميل لأمريكا فصدقني الخبر ولك الأمان. فقال: انا لست من يبيع نفسه رخيصا فيبيع المعلومات، وقد يكتشف ويتعرض لمواقف محرجة ..ولكني فقط موكل بـ: (وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب..). فسأله تيتو، وما هو المقابل..؟ فقال الوزير: لقاء راتب محترم يودع في بنك معروف، وبناية فخمة في مدينة لوس أنجلوس..!
فقال له تيتو: فاذهب إلى قصرك الفخم ورواتبك المحترمة..!
الأجهزة الأمنية- وعلى الرغم من قسوة سلوكها تجاه المواطنين- منشغلة بظروف فقرها وصعوبة معيشتها وتسعى لما يحسن الأحوال أكثر من انشغالها بعمل امني – غالبا ما- لا يبنى على مصلحة الوطن والمواطنين ، ورجل الأمن في النهاية مواطن، اللهم سوى حفنة من المنتفعين أو من الذين فقدوا قدرتهم على التفكير المتزن لسبب ما..
هذه حال السياسة في المجتمعات المتخلفة..لا تزال تبنى على فكرة أن السياسيين متميزون عن الغير ويجب على الجماهير أن تتذلل لها، وتحكم بتميزها القيادي كما كانت الملوك في الزمان الغابرة تفعل، وقد غير الأوربيون هذه الفكرة عن أسلوب إدارة الحكم منذ الثورة الفرنسية.. فاعتبروا الشعب مصدر السلطات عبر انتخابات أوجدوا لها آليات تقترب من الحيادية فسادت في حياة سياسييه؛ الأسلوب الديمقراطي في العمل – على ما للديمقراطية من عيوب ينبغي البحث عن مخارج لها-مما حفز هؤلاء السياسيين إلى أداء متميز يكتسبون عبره ثقة الناخبين. أما الأسلوب السياسي في المجتمعات الشرقية فهو الانقلاب والثورة والوراثة والتمسك بالكرسي..ومهما كانت النتائج وبالا على الشعب ومستقبل أجياله..! أي استعمال العنف – وتحت أي مسمى كان- للحفاظ على السلطة.
أما فيما يتعلق بتغيير أسلوب الحكم فحالهم أشبه بما في النكتة التالية من مغزى:
ذهب أحدهم إلى حديقة الحيوانات فوجد الحيوانات جميعا تضحك إلا الحمار، وعندما ذهب في اليوم الثاني إذ بالحمار وحده يضحك والحيوانات جميعا سكوت..! فسأل عن الحال..؟ فقيل له:
بالأمس أطلقت نكتة فهمتها الحيوانات جميعا فضحكت إلا الحمار واليوم فهم الحمار النكتة فهو يضحك من حيث انتهت الحيوانات من الضحك منها..!
سياسيوا المجتمعات الشرقية والمتخلفة عموما(ومنها العربية ومنها الكردية) لم يفهموا – بعد- معنى مفاهيم الثورة الفرنسية على الرغم من مرور ثلاثة قرون عليها وربما لن يفهموه بعد ثلاثة قرون أخرى- وليس فقط قرنا واحدا كما ينسب إلى هتلر انه حدده- ومن جهة أخرى أضاعوا معاني مفاهيم الإسلام في الحكم (باعتباره يمثل دين الدنيا والآخرة) والصالح لكل زمان ومكان فلا صلح – على يد هؤلاء السياسيين – للدنيا، ولا تركوا وسيلة لصلاحيته للآخرة بتدخلهم الفظ في توجيه وتفسير العلماء وقتلهم لكل من خالفهم منهم- وفي أحسن الأحوال تهميشهم والتضييق عليهم حتى في الرزق.. فأين موقع هذا النمط من السياسيين في خارطة الحياة السياسية العالمية..؟ لست أدري…! ولا أظن أنني سأدري في التاريخ المنظور..! ولكن يبقى النداء للجماهير الواعية: أيتها الجماهير..أين انتم من هذا الواقع السياسي (الحزبي) وخاصة الجماهير الكردية بالنسبة إلى ممارسات لم تعد تحترم عقلك ولا إرادتك..ولا يبدو أنها ستنفع في صياغة مستقبلك ومصيرك..!
……………………………………………
عناوين ومضامين
ابن الجزيرة
عندما يريد المرء أن يطلق اسما على احد أبنائه فإنه – عادة—يختار اسما لأحد أجداده غالبا في شرقنا العاطفي جدا..وقد يختار اسم أحد القواد أو العلماء أو الشهداء أو..أو الخ. والتسمية – في بعض الأحوال،بل في غالبها- تمثل حال الثقافة في العصر الذي تمت التسمية فيه.
لنعد مثلا إلى مرحلة الجاهلية في العرب فقد كانت التسميات من نوع:
عبد مناف- هاشم- قتيبة- خنساء- صخر –حريقيص- جدعان- عبد اللات- جحش- خزيمة..خنيس- حذافة-السكران- صفوان- كنانة..الخ(إضافة إلى أسماء أخرى محمد-خديجة-حليمة-عائشة..الخ) (اغلب الأسماء من كتيب زوجات النبي الطاهرات.. -محمد محمود الصواف –دار الاعتصام 1399 ھ / 1979 م )
وعندما جاء الإسلام جعل التسمية حقا للمسمى بها، وأوجب على الآباء أن يختاروا أحسن الأسماء لأبنائهم،لئلا يشمئزوا منها أو يخجلوا منها أو يتألموا منها..على المستوى النفسي- ودوما للحال النفسية آثارها على صاحبها سلبا أو إيجاب- فقال الرسول(ص) خير الأسماء ما حمد وعبد(محمد احمد عبد الله عبد العزيز عبد الواحد..)
وفي مرحلة الحكم الأموي كانت الأسماء هي ذاتها في الغالب مع تأثير من توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم..وقد غير هو نفسه بعض الأسماء إلى ما هو أحسن.
في مرحلة الحكم العباسي كانت تأثيرات الثقافات الفارسية والرومانية والحبشية والسريانية والأرمنية والآشورية،والأمازيغية والكردية والمغولية والتترية والتركية ..الخ(1) قد وجدت طريقها إلى الثقافة الإسلامية عبر عدد كبير من الذين تركوا أثرا فاعلا على حال العصر..فتلاقحت الأسماء بين ما كانت عربية وما كانت من الثقافات الأخرى التي تفاعلت مع الإسلام عبر أبنائها الذين دخلوا الإسلام، وأغنوا مضمونه عبر التفسيرات الواعية..و الاجتهادات الذكية والمسؤولة..
كما قامت أمم بغزوات وحروب في المنطقة مثل التتار والمغول والصليبيين…الخ
فظهرت أسماء تنتسب إلى هذه الحقب ، وهي غالبا ما تكون مركبة أو محمولة بألقاب مثل أبو جعفر المنصور،أبو العباس السفاح، هارون الرشيد، المعتصم بالله والمستعصم بالله…الخ. على مستوى الخلفاء..وكان واضحا في هذه الحركة إيجاد نوع من الصلة بين حكم هؤلاء وبين التفويض الإلهي بشكل ما وهي حركة سياسية في قالب ديني- نوع من استغلال الدين –
ولكن الحروب أفرزت قادة جمعوا في أسمائهم بين الجذور وبين الإسلام الذي دخلوا فيه ومن هذه الأسماء مثلا :
ركن الدولة – المستجير بالله- عضد الدولة- أبو الشجاع-أبو الذواد محمد بن المسيب- ست الناس- نصر الدولة-ابن شبل- ابن عطير-أسد الدين شركوه- الملك الأفضل- العزيز- العادل..الخ
وفي عهد العثمانيين غلبت التسميات التركية والمملوكية …وجميعها متأثرة بحالة الحروب والغزوات والظروف المشابهة والناتجة عنها..
وإذا لاحظنا الكتب الرسمية التي تداولها العرب في مدارسهم وجامعاتهم ومنتدياتهم..الخ نجد أن اغلب هذه التسميات غيبت لأنها غير عربية الأصل أو أنها قدمت على أنها عربية – ممارسة زيف تاريخي معلوم ومقصود- وكان حظ الأكراد في هذا التغييب اكبر، وكذلك فعل الترك وفعلت فارس ..بل لقد حاربوا كل ما يمكن أن يشير إلى الخصوصية الكردية بكل الوسائل المتاحة – المخالفة للإسلام والمختلفة معه،المخالفة للقوانين الإنسانية والقيمية الأخلاقية ، والمخلفة للحس البشري السليم والعادات الاجتماعية في شكلها القبلي حتى…الخ.
وعلى الرغم من هذا السرد الطويل نسبيا فليس القصد هذا..
القصد هو العناوين التي تذيل المطبوعات والمنشورات السياسية أساسا ومهما كان مصدرها.. ولكني أحبذ الإشارة إلى الكردية منها كإنسان كردي يهمني أن لا ينساق أبناء أمتي إلى ما انساق إليه الغير فضيعوا وأضاعوا..
من هذه العناوين التي تكون طويلة ومهيبة في حالتها الو رقية، ولكنها عندما تقارن بواقع حالها في أرض الواقع تصبح سبة لأصحابها لا قيمة أو حالة تفاعلية واقعية في مستواها ..
كلمة سكرتير الحزب في..
السيد الأمين العام للحزب الديمقراطي ..التقدمي.. الليبرالي.. المنفتح على الجهات الأربعة.. الجماهير الشعبية الواعية ذات الحس السليم الذي لا يخيب..
المجلس المشترك بين جميع أعضاء وكوادر الحزبين …
الهيئة العامة للتجمعات القومية المشاركة في الحفل البهيج..الخ
ال….ال…..الخ.
وأتساءل ..؟
لماذا الأسماء ضخمة والمسميات أقل توافقا..؟
لماذا العناوين المبهرة، والأعمال الضئيلة..؟
لماذا الانسياق مع الانحراف والتزييف إلى حد يتعطل في الاسم والمسمى معا ما لم يكونا متوافقين واقعيا..؟
هل هي استجابة لشعور بالنقص فيعوض بهذه الألقاب…؟
هل هو انسياق مع ما هو دارج في ثقافة مهزومة في أغلب جوانبها بسبب حالة الانحراف والتزييف هذه..؟
الجواب لدى أصحاب هذه الأسماء والعناوين..!!!