المناسبات طيبة ما لم تصبح غاية في ذاتها
الحياة الكونية تتجلى وعيا في إدراك الإنسان لها..
ودون الدخول في تفاصيل فلسفية تحتمل الاختلاف،فإن الإنسان-حتى هذه اللحظة- هو الكائن الأكرم..بين الكائنات المعروفة -الحية منها والجامدة.
هذه الحقيقة تقر بها الأديان عموما،ولنأخذ الإسلام تمثيلا لها باعتباره آخر الأديان–خاتمة الأديان- فالآية الكريمة تقول: “ولقد كرمنا بني آدم”.
ومن المؤسف أن هذا الكائن المكرّم في نظر الأديان، وفي الوثائق الدولية، قد فقد الكثير من قيمة هذا التكريم؛نتيجة لسوء فهم بشري، مرده عوامل عدة لعل أهمها.. بعض خلل في نضج الحالة العقلية.
ومرة أخرى دون الدخول في تفاصيل فلسفية؛ فإن المفترض أن العقل الناضج يتوافق مع ما نسميه الفطرة البشرية التي خلق الله الناس عليها..وبالتالي فإن التصرف يكون وفق هذه متماشيا مع ما يفترض من سلوك بشري خلق الإنسان عليه أصلا،وهو: غلبة الخير في التفكير والنية والسلوك في الإنسان.
صحيح هناك ثغرة ما في طبيعة تكوين الإنسان تتجلى في “النفس الأمارة بالسوء”
كمخلوق أصيل في التكوين النفسي البشري..استنادا إلى هذه الآية القرآنية..
إلا أن العقل الناضج-ونركز هنا على نضج العقل- يحسن تقدير ما تريده النفس وتتحاشاه – مادام ناضجا مستوعبا للنتائج المؤسفة للسوء الذي تأمر به النفس– مهما كانت طبيعتها – فالعقل –عادة- يقترن بقوة فعل تحقق ما يختاره.وتعرف هذه القوة ب”الإرادة” كما هو معلوم. لذا فرق علماء النفس بين الرغبة-النفسية-والإرادة العقلية..فرق بين أن نقول:نريد أو نرغب..
إذا لنؤمن بإمكانية إدارة العقل لشؤون النفس بطريقة سوية إذا كان ناضجا..
وتبدأ المشكلة –في هذه الحال- من هنا..!
من ضرورة القيام بما يجعل العقل ينمو ناضجا،أي بالتربية التي تتعهد نمو الإنسان. فالعقل جزء من هذا النمو (الجسدي والنفسي)كما هو معلوم.. فالطفل ليس ناضج العقل إلا عندما يبلغ- أي ينضج- فتكتمل الجملة العصبية-المادية –نموا..ثم يكون الدماغ –حينئذ –مستعدا لفاعلية العقل –كيفما فسرنا علاقة العقل بالدماغ..فليس الآن محل ذلك. وحينئذ يحمّل المسؤولية عن ذاته في كل ما يخصه..ويحاسب عليه.
بعد المقدمة..
أردت أن أقول أن النضج العقلي في الإنسان- البشرية- يعينه على فهم كل ما يحيط به،والتفاعل ايجابيا معه لما يخدم الغاية من وجوده في هذا الكون..وفق ما يتبناه من معتقد”الإيمان”..وهنا نريد الحديث عن الإسلام بمناسبة حلول شهر رمضان.
وهذه المناسبة هي التي اوحت إلي بالعنوان:
” المناسبات طيبة ما لم تصبح غاية في ذاتها”
في هذه المناسبة- حلول شهر رمضان الكريم- تنشط المؤسسات والجماعات والأفراد.. للترحيب بها بأساليب تختلف ولكنها جميعا تؤكد أهميتها الروحية. والبعض يستثمرها لغايات ما اقتصادية،أو نفسية،سياسية.. وقد يتعامل البعض مها بقلة وعي لطبيعتها ومتطلبات ذلك..الخ.
وقد قصدت بالعنوان هذا الأمر..
الغاية من رمضان –كما هو معروف- أن يكون محطة سنوية يتوقف فيها الإنسان المسلم لأداء:
– فرض تعبدي، يعتقد بان الله فرضه وهو الصيام-احد أركان الإسلام الخمسة.
– تحقيق الغاية من هذا الفرض- بالترافق مع الفروض الأخرى- وهذه قضية مهمة.. الترافق مع الفروض الأخرى..لأن الإسلام وحدة متكاملة كمنظومة مبادئ و قيم اعتقاديه وأدائية تعبدا-سلوكا- فبدون ذلك لا يحقق الصوم الغاية من تشريعه..وهذا يعني أن يكون شهر رمضان محطة..تأمل وعبادة و تجديد علاقات في إطار المعتقد والغاية منه..بحيث ينعكس ذلك أداء متجددا مصححا للسلوك اليومي سواء مع النفس..أو مع الناس القريبين والبعيدين..في رمضان وامتدادا لما بعده..والمهم تطهير النفس..فالتقصير في العبادة يمكن استدراكه،ولكن النفس الأمارة بالسوء تقود إلى الهلاك الدنيوي والأخروي.
لذا لا فائدة من صوم وعبادة..لا يكون السلوك-القول والفعل والنية..منسجما معه. كما نلاحظ لدى الكثيرين..كان يصوموا نهارا ويشربوا الخمر مساء..أو يصوموا -ويصلوا طبعا- ولكن لسانهم لا يخلو من البذاءة و قلوبهم لا تخلو من الضغينة وأخواتها.. وتجلياتها كالشتيمة والإساءة إلى الناس ..مهما كانت المبررات..فلسنا نحن نعطي المبررات..إنما الضوابط الشرعية هي التي تحدد الممكن من المبررات والأفعال والأقوال..
واختم بكلمة أخيرة..يقول الله سبحانه وتعالى: “إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا”.
فكل ما نقوله –في أي ميدان- وكل ما نفعله- في أي ميدان- وكل ما نفكر به-في أي ميدان- وكل ما ننويه-في أي ميدان..الخ. هو مسؤولية،سيحاسبنا الله عليها-لا غيره-
“فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره”
ولا يحاول البعض –بظن انه مسلم أو داعية أو عالم أو واعظ أو ..الخ. .فيعطي لنفسه الحق في الممارسة الخاطئة والمخالفة للإسلام..وعندما يُنصح “تأخذه العزة بالإثم”.
اللهم اهدنا لما في الصواب والحق وارزقنا إتباعه،واهدنا لما فيه الخطأ والباطل وارزقنا اجتنابه.. وأذكر أخيرا بأخلاق الإسلام-القانون- كما لخصها الرسول في قوله:
“ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء” الحديث.
ولله الحمد والأمر. من قبل ومن بعد.