حيوية الثقافة الإيجابية محور للتطور، و تحسين الحياة
محمد قاسم
يبدو لي ان القوة المبدعة والمنتجة في الإنسان تتفاعل في دواخله فتدفعه الى عمل ما، يكون جديدا..!
ربما يكون هذا العمل الجديد،ناتج فكرة تتحول الى قصيدة شعر..أوالى مقال أدبي أو فكري أو ..أو تتحول الى عرض لاكتشاف علمي..أو نظرية طموح..
وربما يكون هذا العمل الجديد،ناتج فكرة تتحول الى عمل في الواقع..كالتأسيس لحديقة خميلة.. أو عمارة جميلة..أو شركة تجارية..أو اختراع جهاز ما..الخ.
المهم ان الفكرة تكون متحركة حيوية..-في حال فاعليتها- وتسعى دوما الى التحقق عبر شيء ما، كما أسلفنا..
ولعل هذه الحركة والحيوية في الفكر،هي الدافع الى ان يسعى الشباب الى التعبير عن ذواتهم، عبر أداء عمل؛ يشعرهم بالمساهمة في الحياة- بناء.. وتعميرا.. وإنتاجا.. وإبداعا…- ومن ذلك سعي بعض الشباب الكرد في المهجر الى تأسيس موقع الكتروني يتواصلون عبره مع الكتاب والمثقفين والمبدعين والمفكرين…- الكرد خاصة- للمساهمة في تطوير الثقافة عموما،والثقافة الكردية بشكل خاص، بحفظ القديم منها،عبر إحيائها،ونشرها، وتوصيلها الى الغير، كنوع من التواصل في اتجاهاته المختلفة :
بين القديم والحاضر..والتأسيس للمستقبل.
بين الأجيال الماضية والأجيال اللاحقة..طولا .
بين الناس في أماكن مختلفة عرضا..
وهكذا… يتم تواصل وفعالية بشرية؛لإضفاء معنى جميل على الحياة .. فيه السلام..وفيه البهجة..وفيه السعي للبناء والتعمير -مادة وروحا،وعلاقات…-
ولقد كنت محظوظا باتصالهم بي؛ معبرين عن رغبتهم لكي اكتب مقالا أساهم به في مشروعهم الوليد هذا..وبطبيعة الحال فانا سعيد جدا..وأتمنى أن أكون في مستوى حسن ظنهم بي.
ولعل خير بداية ان يكون البدء بالحديث عن الثقافة عموما، والثقافة الكردية خصوصا.
لا سيما ان المشروع ذاته يهدف الى ذلك.
فكما هو معلوم من الجميع..إن الثقافة في المجتمعات، هي المناخ الموفر لروح تسري في حياتها بتجليات مختلفة،وتعطيها خصائص تجعل لها معنى..!
هذا المعنى يتجلى في القيم الجمالية،وحسن التواصل، ودقتها،عبر تحديد الأفكار والقيم والمعايير والمصطلحات…و التي تؤطر المعاني..وتجعلها سهلة الاستخدام ..وموفية بالغايات منها، في وضوح يجلي الغموض ويجنب الناس سوء الفهم، فضلا عن الإضاءة ،والبهجة.. والتي يسعى الناس –دوما- للحصول عليها تحت عنوان السعادة –عادة-.
ولا يمكن الحديث عن الثقافة في كلمات قليلة، او صفحات قليلة ..بل إن المجلدات لا تسع التعبير الكافي عنها، بسبب التراكم الكبير لها منذ الماضي السحيق،وعبر التدفق المستمر لروافدها ..ولقد أحسن مقدم برنامج في قناة العربية– عندما أسماه (روافد) حيث يقدم كل مرة احد الأدباء، او المفكرين،أو الشعراء او العلماء… ليطلع الناس على تجاربهم الثرة، وإبداعهم الغزير والممتع ..وان كان آخرون يفعلون الأمر نفسه تحت عناوين أخرى:
(سيرة مبدع) مثلا في قناة العراقية، (قريب جدا) في قناة الحرة، (زيارة خاصة) في قناة الجزيرة..وغير ذلك..ولكن تسمية “روافد” أشعرتني بالحيوية التي تتميز بها الفعالية الثقافية ..ومن خلال الفعالية المستمرة التي يقوم بها المنتجون للأفكار، والمنظمون لها، و المبدعون فيها..!
فالثقافة –كما أسلفنا- تتجدد باستمرار؛ بما يرد بحرها من روافد، تجلب إليه كل جديد، في عالم الأدب، والمعرفة، والعلوم، والفلسفة، والفنون المختلفة..الخ. ليكون بحرا زاخرا بالألوان والأصداف والجواهر والدرر.او بتعبير أبو الطيب المتنبي:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
وكل ذلك يندرج تحت عنوان الثقافة وفق التعريف الذي يطلقه عليها المختصون..”الثقافة كل معقد يتكون من مختلف الفعاليات البشرية من علوم وفنون وآداب وفكر وعادات وتقاليد وقيم ومعتقدات…في عصر معين، ومكان معين. ولذلك يقال:
الثقافة الصينية ، الثقافة الأوروبية، و الثقافة العربية، الثقافة الكردية …
إلا ان اتجاه الشعوب نحو العولمة الثقافية-بتأثير من تقدم ثقافة الغرب التكنولوجية المتطورة- يقلل من الخصوصيات التي كانت ثقافة كل مجتمع تتميز بها..!
وفي هذه الحالة، فإن الثقافة ذات القوة الأكبر -تراكميا وتنوعا وتكاملا وحيوية وإنتاجا وإبداعا …- هي التي ستنال الحظوة الأكبر في سياق العولمة وخاصة إذا كانت اللغة التي تعبر بها عن نفسها تستجيب لها بمرونة وجلاء.
وهذا ما تخشاه الشعوب الصغيرة او ذات الثقافة الضحلة ..أو تلك المتزمة في قيمها الثقافية.
وتظهر نتيجة لذلك صيحات في قرب مقطوعة ،عنوانها المحافظة على القديم باسم التراث وكأنهم بذلك يستطيعون رد السيل الجارف القادم عبر العولمة..! وهذه الصيحات في واقعها تسعى للمحافظة على أنظمة سياسية متهرئة وفاسدة..عبر الحفاظ على مفهوم قداسة القديم –التراث في الوسائل والسلوكيات وضوابط الحركة الاجتماعية..! ولكنها تتخذ الثقافة لذلك عنوانا ..لعل القبول بها يكون أكثر.وفي كل الأحوال فهي حركة “لا تغني ولا تسمن من جوع” فهي كمن يحاول حجب الشمس بالغربال.
هل نريد بذلك الدعوة للعولمة وتكريسها..؟.
لا بالطبع..ولكننا فقط نحاول أن نتفهم الواقع ونتكيف معه. بدلا من طمر الرأس بالرمل كما تفعل النعامة.لئلا يراها الصياد.
من هنا تأتي أهمية ودور القائمين على الثقافة، او المتعاملين بها، لبذل الجهد الممكن لخدمة الثقافة، بخصائصها الأصيلة من جهة..وبخصائص تتوافق مع التطور الحاصل في سياق العولمة من جهة أخرى..
وليس هذا صعبا كثيرا إذا وعى أصحابها أسرار الثقافة على طبيعتها..ولم يقدموها كجثة محنطة كما يفعل بعض عبدة الماضي بتأثيرات أهوائية –من الهوى-وليس لضرورات تطويرية وتخليد..
أو تجميدها في فريزر الأيديولوجيات المشوهة تكوينا وصياغة وتنفيذا لقيمها..!
وفيما يخص الثقافة الكردية فالكل يعلم ما تعاني هذه الثقافة من المشكلات..بدءا من:
– حرمانها من الخدمة والرعاية طوال قرون، بسبب ظلم الحكام الذين كانوا يسيطرون على كردستان وشعبها..والذين حولوا الاحتلال والاستعمار الى فلسفة مكرسة في أذهان شعوبهم ايضا، فأسسوا لفلسفة منحرفة ضد الثقافة الكردستانية،والشعب الكردي،تجذرت في الأذهان والنفوس إلا من رحم ربك من بعض ذوي الضمير الحر والوعي الثاقب.
– ومرورا بنتائج الحالة من تمزيق أواصر اللغة الموحدة التي تجمع الكرد على فهم واحد..بل إن البعض ينساقون مع أهوائهم المنحرفة أو قلة وعيهم المستقبلي-من الكرد- ..ويحاولون ممارسة استبداد لغوي على بني جلدتهم كما كان يفعل الغرباء من الفرس والترك والعرب..
ولقد كتبت أكثر من مقال لمعالجة هذا الأمر،نشرت في مختلف المواقع الانترنيتية..منها:
(رسالة نقدية الى السيد رزكار عزيز)-( مشكلة ستتفاقم ما لم تعالج…)كما فعل غيري..ومن حسن الحظ ان السيد مسعود البارزاني-رئيس إقليم كردستان العراق- قد دعا الى ضرورة العمل لآيجاد لغة موحدة للكرد؛ تكون وسيلة التعبير المشتركة..على ساحة كردستان كلها.
– ثم ضعف وقلة المراجع التراثية التي تمد الباحثين والكتاب بمصادر تعينهم على ربط الماضي بالحاضر بسهولة..وهذا يرتب مسؤولية غاية في الأهمية على عاتق المثقفين والباحثين الكرد.
– وقلة المثقفين الكرد الذين يكتبون بلغتهم للأسباب المذكورة سابقا، فضلا عن عجز تعاني منه اللغة الكردية فيما يتعلق بالمصطلحات العلمية والفلسفية والأدبية ؛بسبب تعطيل طاقاتها من الأعداء طوال قرون ماضية..إضافة الى السيكولوجية المتأثرة بهذا الواقع وغيره..
وكلها عوامل تصبح حجر عثرة أمام تطوير الثقافة الكردية ..
ولكن –وكما كان موسى بن نصير – يقول: “لم يفت الأوان بعد”
وكما يقول الفرنسي رينيه ديكارت:
” أنا أفكر إذا انأ موجود..” فدعونا ننطلق من وجودنا الى ترميم ثقافتنا بروح إنسانية منفتحة تعيننا على التكيف مع الواقع ببعديه : الخاص(القومي) والعام(العولمي والإنساني).لينعكس على وجودنا وعيا متقدما مشحونا بقيم فعالة إيجابيا على كل صعيد.