1- أهلا بك صديقي الكوليرا دمشق 8/9/1977
أهلا بك ضيفا نحفظ له من التقدير الكثير. ولكني آمل ألا تطيل الإقامة. فإن إطالة الضيف عادة مملة.
بين الحين والحين طلّ علينا بنفحة من أنفاسك المنبهة. أوخز أفهام أبناء بلدي لتستيقظ على متطلبات الحياة ومستلزماتها الإنسانية.
أوخز أفهام المسؤولين ليدركوا أنهم مسؤولون قبل أن يكونوا ذوي امتيازات يعيشونها على حساب مسؤوليتهم.
أوخز أفهامهم بان تطوير البلد وتيسير أحوال الناس(الشعب) وتحسين مستوى العلاقات الاجتماعية بأشكالها المختلفة… تَبعٌ لسلوكياتهم ولرعايتهم لواجباتهم.
أوخز أفهام الكسالى من أبناء بلدي لينتبهوا إلى أن النظافة واجبة لحياتهم. وليس للجمال والمظهر فقط…!
عزيزي أيها الضيف(الكوليرا)
إننا نحمد لك إطلالتك هذه. لقد نشط الناس إلى العمل.
– المسؤولون إلى تنظيم الخدمات.
– مجلس الشعب يستجوب الوزراء، بل ويسجل الملاحظات عليهم.
– ربات البيوت نشطن إلى الاهتمام بنظافة بيوتهن من الداخل والخارج
– ونشطت الصحافة إلى متابعة التقصير
– كما عاد الأطباء إلى الشعور بمسؤوليتهم العظيمة.
بوركت أيها الضيف العزيز.
لي طلب منك آمل أن لا تتأفف منه، لما له من مساس بتغيير جزء من سلوكك، ولكنك لن تعدم الاستفادة والافادة.
ابق أسبوعا آخر…فقط أسبوعا آخر وحيدا. لكن…!
دقّ أبواب بعض الأغنياء، غازل من خلال النوافذ أطفال بعض المسؤولين، أو غن ّ موالا تحت طوابقهم الشامخة. فلعل غناءك يدخل إلى قلوبهم، وتهتز لأنغامك ضمائرهم التي لا زالت ” رقود وتحسبها أيقاظا”.
لقد أيقظت عقولهم. ولكن لا زالت في نصف صحوة.!
ابق أسبوعا واحدا فقط. هزّ كيان بعضهم ليشعروا بأن الفقراء أيضا لهم مشاعر مثل ما لهم من مشاعر، ويتألمون مثل ألمهم، ويحزنون لفراق ذويهم وأطفالهم مثلما هم يفعلون. وليعلموا أيضا، بان الكوليرا ضيف غير متعصب لطبقة الفقراء. فهو لن يألوَ جهدا في زيارة الطبقة الغنية أيضا، على الأقل ليخبرهم بانه حل ضيفا لدى الفقراء. وسيزورهم ما لم يحسنوا إلى هؤلاء الفقراء.
أهلا بك أيها الضيف.
ووداعا بعد أسبوع، لا تنس أن تتصل بنا، فترات متباعدة، لئلا تعود أفهام الناس وضمائرهم والمسؤولين-بخاصة-إلى الكسل والنوم المقيت…!
ابن الجزيرة
……………………………………………………………………….
2-(خواطر من عمر الشباب الأول)
(ربما يبدو في الخواطر هذه بعض عبارات تحتاج الى نوع من الصقل، أو أن بعضها قد لا تكون مناسبة لمدلولها كما ينبغي. ولكني لم أشأ أن أتدخل في صياغتها لتعبر عن مرحلتها. كما هي).
1- المركز الثقافي
السبت 24/1/1976
هذا الميل نحو المركز الثقافي والمطالعة فيه وممارسة النشاطات فيه هل هو ميل حقيقي…؟!
أم انه ترديد لما سمعته من أساتذتي. وما قرأته في الكتب والمجلات…؟!
أية مدينة نزلتها، كنت أشعر بالميل الى زيارة المركز الثقافي فيه، والاستعلام عن المؤسسات الثقافية الأخرى.فيها…
عندما أجلس الى طاولة المطالعة أشعر باطمئنان يسري في نفسي. وأحس بنشوة ينبض بها قلبي، فتسري في عروقي دفئا، وفي أنفاسي عطرا.
عندما أنظر حولي. وتطالعني الرؤوس المحنية على الكتب يلفها الصمت. وتزين الجو الهادئ وشوشة خافتة، لكأنها موسيقى تلطف الأعصاب، وتستثير الهمة في النفس، للتوغل في المطالعة والبحث.
اللوحات على الجدار تشدني الى الاستمتاع حينا. والى التأمل حينا آخر…!
قد تكون حركة الرائحين والغادين ذات جانب إقلاق، ولكنها تظل مبعث نشاط وحيوية، ما لم يرافقها شذوذ في الحركة أو إصدار الصوت.
المركز الثقافي خير مكان يفيء الإنسان إليه للراحة والاستمتاع وتنمية العقول فيه. فهل نحن مدركون…؟!
………………………………………………………………………………
3- من أدب العقد الثاني والثالث من عمري جبران خليل جبران
*-إذا قرأت لجبران ماذا تحس…؟ بما ذا تشعر…؟
1- طبيعة خلابة فاتنة تتفتق عن عطر يملأ الفضاء وعبق يهب في الأجواء…!
2- أنغام عذبة تصدح بها الطيور، وألحان شجية تنبع من أعماق الكون الغافي في سحون تقطعه حركة الدائبين…!
3- أغان ورؤى بالصور والأخيلة، صاغها شاعر مبدع من نبضات قلب مفعم بالأسى والأمل.!
4- حلم صاغته تجارب الأجيال جيلا بعد جيل، وسبكتها في كلمات لألاءة بنور المعرفة، ونزّاعة لتصوير الحقيقة، وكشافة لأدران الحياة…!
*-اقرأ لجبران…!
تشعر بعظمة الإنسان في ذات شفافة جلوتها الحكمة، وقوامها العاطفة النبيلة، وحياتها ترجمة للحب بكل معناه…!
*-اقرأ لجبران…!
ترى في مرآته ذاتك الإنسانية، ترتعش لمواجهة السمو والنبل. وشعور بالتقصير عن بلوغها، فيهز كيانها، وينمو فيها النزوع إلى هجران الزيف في الحياة، والتي شابها ما شابها من أدران الرغبة الجسدية…!
*-اقرأ لجبران…!
تتفتح عيونك على جمال الحياة في الطبيعة، وينتعش سمعك بأنغام مستديمة تعزفها قيثارتها، وينمو في نفسك إحساس بالجمال، كل الجمال…!
*-اقرأ له…
تصحو نفسك من رقدتها الأثيمة بين أحضان الخطأ المسف، ويموج في قلبك حب الحياة، وحب الوجود، وحب الإنسانية، وحب الطبيعة، وحب الحب نفسه؛ كتجل من تجليات خالقه الواحد الأحد…!
*-اقرأ لجبران…
فينمو فيك النزوع الى حب الحياة ، والسعي لعيشها بصفاء وإخلاص..!
لبنان 1982
…………………………………………………………………………………
4-خاطرة تاريخها 21/2/1972
محمد قاسم
ملاحظة لا تزال تلح علي لتدوينها في مذكراتي، وأنا في ذلك راغب. بل لقد كنت اشعر ولا أزال بضرورة كتابتها لأحدى المجلات أو الجرائد، لعلي أستمتع بلذة من يكتب شيئا للإنسان. وكنت أنساها.
حتى كان هذا اليوم الذي جلست فيه الى المكتب للقيام بأمر ما، كتابة أو مطالعة …الخ. وأتناول صدفة، كتابا مدرسيا فيه مقال للسيد ميخائيل نعيمة يصف فيه موزع البريد …!
ولنسمعه يصف:
((موزع البريد، ومن منكم لا يعرف ذلك الرسول الأمين …؟ الودود مع السكوت …؟ البشوش الجلود
…؟! الذي يحمل إليكم كل يوم شتى الرسائل والأخبار ؟…)).
وهو يمضي في وصفه لهذا المخلوق بحماس وحرارة؛ وله في ذلك حق مادام تصوره قد حدا به إلى القول:
((…أما خطر لكم يوما ببال أن تتخيلوا حقيقة موزع البريد …؟!
حقا أنها لحقيقة عجيبة تهزأ حتى بالخيال.. وتتجاوز أقصى حدود التصور البشري..!)).
ويطالعنا في مقدمة هذا المقال؛ تعليق لإنسان مبتدؤه:
((…ولكل عامل مهما كان عمله؛ دور أساسي هام في بناء المجتمع …)).
وعلى الرغم من جلالة ما قاله كل منهما فلست قوليهما أريد…!
ولست في كتابتها انوي تشيعا لهذا أو ذاك…!
وإنما كانت كتابته تذكرة لي بموضوع هو بغيتي وإليكموها مختصرة.
كانت نظرتي، إلى الحياة والمجتمعات فيها -ولا تزال-إنها متكاملة-وإن بدت متفرعة، ومتشعبة -وما تفرعها وتشعبها إلا تسهيل لتكاملها، وتحقيق معنى التكامل فيها. من هنا، كانت الأمم والشعوب، وكلها تنزع منزع التكامل هذا …!
حتى أن بعض علماء الاجتماع يشبهون المجتمع البشري ككل فيها، بكائن هائل عضوي هائل. وتختلف المجتمعات، لكنها تشكل وحدات لها أسس تنظيمية تبنى عليها، هذه الأسس قد تختلف من وحدة لأخرى، ولكنها لا تتحقق صحيحة، ما لم يتوفر لها أناس يحسنون فهمها وإدارتها ويحققون مضامينها. أو هم يطبقون المضامين .
فكل أمر يحتاج الى رأس يشرف، وأيد تعمل تحت إشرافه، بتسلسل يحقق معنى التنظيم –أساس النجاح في هذه الأمور-وهكذا.
فالدولة رئيس ووزارات، ومن الوزارات مديريات، تتبع كل وزارة. ولكل مديرية فروع. إلخ.
لسنا نبغي هنا، تعداد هذه الأمور، إنما نبغي معرفة أنها تدار من أناس من المجتمع أتيح لهم إدارتها لتوفر كفاءة فيهم، أو حظ أوصلهم إليها، وهو -على كل حال-سائل ومسؤول:
سائل من مرؤوسيه، ومسؤول عند رؤسائه…! أي حالة تفاعلية في اتجاهين–وهذه النقطة ذاتها وما بعدها أريد فيما كتبت وأكتب-.
فما مدى ما نظر إلى هذا العمل كمرؤوس؟ وما هو فهمه للعلاقة بمن تحت إمرته؟ وما هو فهمه للعلاقة بمن هو تحت إمرتهم؟
لكل أن يجيب وفق إدراكه ورغباته، وأنا كطارح للسؤال، أود أن أجيب وفق إدراكي، فلأسرد حادثة جرت أمامي لنعاين الوجه السيئ لهذا الفهم عمليا. ولنعاين التناقض المسيء إلى مجمل علاقاتنا أكثر من إساءات نراها كبيرة.
عدد من العمال هلكوا مما يلقونه من قسوته ومعاملته السيئة. سمعته ذات مرة يملأ الجو سبابا وتذمرا…!
–لأنه تلقى عنتا من أحد رؤسائه-
ضحكت، وشعرت بالأسف … فهذا الرجل لم يتعظ من معاناته ممن هو أعلى منه، ليرأف بمن هو أدنى منه عملا…!
وهذا الذي قسا عليه لن يعدم قسوة ممن هو أعلى منه…! بل إن الأعلى سيلقى عنتا أشد ممن يدير أمره…!
وكل منهم ينسى أن يستفيد مما يقاسيه في معاملته من مرؤوسيه…!
إنها حقيقة مؤلمة يعيشها الإنسان غالبا…!
نتبجح رؤساء، ونبطر ونظلم…، وننسى أننا مرؤوسين معرضين للظلم والاستخفاف والإساءة…
نتزمت في معاملة الناس، عندما نكون رؤساء. وننسى، أننا نُعامل بمثل ذلك أو اشد، ولا نرعوي…!
ألم يبدع من قال: ((كما تدين تدان)).
لقد أبدع ولكن إدراكه على حقيقته وفي عمق معناه هذا يحتاج إلى صبر طويل لا يملكه كل احد…!
فما أتفه الإنسان ما لم يتجاوز التفاهة في سلوكه في الحياة.!
……………………………………………………………………………………………………………………….
5-خاطرة ………………. الثلاثاء 18/6/1980
هذا الرأس البشري كم هو غريب أمره. !!
تدور فيه أفكار شتى. وتعبره خواطر عجيبة، وتتلاقى في ساحته المتناقضات والمتناغمات… حتى يكاد أن يكون مصنعا كيميائيا معقدا بكل ما يمكن أن يُتصور التعقيد…!
ففي لحظات قليلة لا تتجاوز خمسة عشر دقيقة مرت به خواطر لا أحصيها عدا. ولكن ما يحضرني منها فقط الآن:
الرجل والمرأة، تكوين المرأة النفسي، الحب، الكره، الحقد، البطولة، التاريخ، الكتاب وعواملها، تنازع الأديان، الإنسان في الماضي وفي الحاضر. السعادة، المال وعلاقته بتوجهات الإنسان، الشك، التركيب الاجتماعي. الفرد في المجتمع… إضافة إلى خواطر أخرى خاصة لا أستحسن ذكرها. فمنها ما يظهرني خياليا جدا. ومنها ما يتصل بالشر أكثر من الخير. ومنها ما لا طعم لها ولا لون – إذا جاز التعبير…!
أحيانا تمر الأسماء أمام عيني من خلال قراءتي:
هذا عظيم تاريخ. وذاك عظيم علم. وذاك عظيم ورع. وآخر عظيم العقل. أو عظيم زعامة، وغيره عظيم الكتابة. وأتذكر نفسي فجأة(خاطرة) فأقارن بينها وبين هؤلاء العظماء. فأشعر بدائرة الاحتقار تتسع حتى تضمني جسدا وفكرا.
وأتلاشى حتى أكاد لا أحس بوجودي إلا إحساسا فقط. إحساسا يصب عليّ الألم صبا.
وفي يقظة من ذلك الإحساس الأليم أتذكر إمكانية الإنسان-وأنا إنسان –(خاطرة) فتتوقد في الذهن فكرة مشعة إلى الأمام يهمس بها خاطري:
اعمل، تصل، تنل، تحقق ذلك.
ولكن المرء ابن لما اعتاده في حياته. فإن الوقدة في ذهنه وروحه … لا تلبث أن تخبو عندما تواجه التنفيذ غالبا…!
الجسد الكسول، الفكر الخامل، بل الفكر الأسير. أسير الجسد الكسول…!
لماذا. ؟! لماذا. ؟! لماذا. ؟!.
………………………………………………………………………………………………………………………………………
6- خاطرة………………..1994
مر بسيارته والبهجة ترتسم على هيئته. كان واضحا ما بذله من جهد ليظهر بهذا المظهر.
تذكرت سريعا ما يشاع عنه وهو، إنه رجل ذو صلات مع جهات غير مرغوب بها من جهة المشاعر الوطنية والقومية. وقبل أن يصدر عني ما يشينه من كلمات أو حتى خواطر في النفس. تزاحم في الذاكرة أسماء كثيرة لأفراد من عوائل تتيه فخارا نفسيا، وهي ليست أقل منه سوءا.
هؤلاء الذين تسلقوا نمط حياة مغايرة للخط المستقيم لما يجب أن تكون عليه حياتهم.
رحت في سياحة بين الرموز العشائرية بتسمياتها المختلفة، وبين الحزبيين في المراكز العليا من الإدارة، وبين مختلف الشرائح فاستنتجت بان المسألة ليست مسألة سمعة. بل مسألة علاقات برمتها.
العلاقة، وهي الإطار الذي يحدد التحرك الاجتماعي والسياسي. فكيف تنشأ هذه العلاقة…؟
ما هي أشكالها…؟
كيف نحافظ عليها…؟
وكيف ننميها ونوجهها لتكون في خدمة المجتمع-والأفراد من ضمنه-سواء في صيغتها الاجتماعية عموما، أو القومية والوطنية خصوصا…؟ باختصار، في نسارها المفترض.
هنا يبرز المفهوم الآتي وهو: مفهوم التفاعل الهام مع المفاهيم والقيم والعلاقات والمبادئ أيضا.
حيث إن العلاقة ترتكز أساسا إلى التفاعل الاجتماعي. لأن العلاقة في ارتكازها على التفاعل الاجتماعي الواعي هي خاصة بشرية فحسب، وتميز البشرية عن العوالم الأخرى الحيوانية والنباتية والمادية …
إن طرح هذه الصيغة يفرز -وبشكل طبيعي-مفهوم الدراسة التاريخية للعلاقة بين المجتمعات البشرية، على صعيد الأفراد والجماعات ليستبين لنا:
– منشؤها.
– تعدد أشكالها.
– تطورها.
ومن ثم فرز ها لمعرفة ما يمكن اعتبارها صالحة، وما يمكن اعتبارها غير صالحة.
وعلى الرغم من الإشكالية التي سيواجهنا في هذا المضمار، باعتبار أنها ستضطرنا إلى تفلسف يوسع المساحة، ويزيد التداخلات فيها. إلا أنها في النهاية، ستتيح لنا تأطير هذه المفاهيم، وتحديد اتجاهاتها-في عموميتها على الأقل-.
وهذا ما ينبغي السعي إليه، ويحقق الغاية إن تم بنجاح.
لسنا سباقين في هذا الطرح، ولسنا مجددين فيه أيضا.
ربما نكون من المنتبهين إلى الحاجة إليه في ظرف غفل الكثيرون عن أهميته، وإن كانت تطرح أحيانا في صيغ ما، غير منظمة ولا منتظمة، ونحن نبغي تنظيمه ليثبت الجدوى منه ونقطف ثمره.
……………..انتهى……………….