لماذا يكون الأديب خياليا؟

لماذا يكون الأديب خياليا..؟
إن الفعل ورد الفعل قضية يصوغها العلم قانونا لا ريب فيه..في مجال الماديات..
وهو قانون لا يعترض عليه علماء النفس والاجتماع والأدباء أيضا..
فالإنسان لا يتخذ موقفا ما إلا من موضوع ما لم يكن مادة فهو فعل ما..
وهذا الموقف هو رد ذلك الفعل.. وبمقدار فهم المرء للفعل ومتعلقاته الأولية والمتأخرة،فإنه يكيف الرد عليه، ويعطيه المدى والإطار..
ولعل المتأدبون والمفكرون هم أكثر الناس رهافة في الحس..ورقة في الشعور..وهم بالتالي أكثرهم سرعة على الإحساس والشعور، بل والتصور أيضا، مما يجعلهم سريعين في الاستجابة أيضا..هم –بحكم ذلك- ينجذبون إلى الجمال والخلاق والتدين أيضا..وتنمو ملكة الذوق والحس من خلال الانجذاب ذاك..ويميزن الجوانب الجميلة من القبيحة..والجوانب الأخلاقية الإيجابية من تلك السلبية..
وينفرون من القبيحة واللاأخلاقية..وتنمو هذه النفرة وذلك الانشداد وينعكس في سلوكياتهم..فلا يشعرون إلا وقد أصبحوا خارج الواقع الاجتماعي المليء بالقبح واللاأخلاقية فيدعون المجتمع إليهم..ولكن المجتمع يستهزئ بهم لأنهم أصبحوا خياليين في نظرهم..!
هذه التهمة التي يسرع بعضهم إلى إلصاقها بهم..وإذا كانت التهمة تصح على المعتزلين منهم والذين اتخذوا مواقف سلبية في تعاملهم مع الواقع. غير أنها لا تصدق قط على من توافق السلوك لديه مع أسس دعوته..والذي يسعى لترجمة ذلك في المجتمع بمواقفه الاجتماعية الفاعلة.
ابن الجزيرة 10/11/1980
…………………………………………….
(خواطر من عمر الشباب الأول)
محمد قاسم
(ربما يبدو في الخواطر هذه بعض عبارات تحتاج الى نوع من الصقل، أو أن بعضها قد لا تكون مناسبة لمدلولها كما ينبغي ..ولكني لم أشأ أن أتدخل في صياغتها لتعبر عن مرحلتها.. كما هي)
في لبنان-25/12/1981
يحلو لي أن أسير لحظات أسرّح ببصري نحو الآفاق الممتدة أمامي، في انحناءات .. وتعرجات، ترسمها الوديان المتلاقية .. والمرتفعات المتقابلة .. والمتعانقة في لبنان ..!
فأرى الأشجار المتنوعة في خضرة كثيفة ،..
تدخل السرور الى النفس الكئيبة، المضطرمة أشواقا الى ديار الطفولة..!
ويزداد المشهد فتنة..!
عندما أقف على حافة الوادي المتجه جنوبا –أو الأصح- نحو الجنوب الغربي.. !
حيث ينتهي بالبحر الذي تشتد نحوه خيوط خافتة من شعاع الشمس المحتجب خلف الغيوم المتماوجة.. تحركها نسائم خفيفة نحو الشمال -وهي ملأى ببخار الماء- فتسقط قطرات خفيفة من المطر.. يسمع لوقعها نغم موسيقي جميل..
يهدئ النفس..
يوجهها نحو تسبيحة إلهية عميقة..
! ينبثق عنها نور داخلي..!
تتسع دائرة انبثاقه حتى يشمل الإحساس والشعور جميعا..!!
فتنسجم الروح مع هذه المنحة الإلهية..!
وتخلد الى خلوة تأملية تكون جلوة للجمال الكامن..!
ان الخفوت الذي يطبع الكون المحيط بمعطياته جميعها ..
الرؤية..!
الأصوات..!
التأمل..!
الحركة بأنواعها..
مياه دافقة.. سحب متراكضة.. طيور طائفة في الأجواء والأجواز..
الكائنات البشرية..الحيوانية..الرياح والنسائم…الخ.
فيدخل الى عالم جديد خالص من منغصات الحياة العادية.
وينمو التمني لدى المرء بدوام هذا المشهد واستمراره..!
ولكن الواقع –أبدا- يختطفه من هذا الاستمتاع الذي تهبه إياه الطبيعة-بل الخالق- لحظات ما في حياته..!
الواقع بكل أثقاله المقبولة والمرفوضة..؟!
………………………………………………………
قراءة في محتويات مسجلة على سيديه
“مناسبة فرح”
كأنما حياة المرء فيها حيوية تلامس الفكر بكل تشظياته ومتعلقاته وتداعياته كنتيجة لفعالياته…أو –على الأقل –هذا ما شعرت به اليوم.
منذ سبعة وعشرين عاما، هذا المحتوى يحفظه سيديه. وعلى الرغم من بعض ما ناله من تأثير عوامل الزمن. فإنه لا يزال يحتفظ بحالة جيدة عموما.
المناسبة هي يوم فرح (احتفال عرس) …في أواخر العام 1985…
لم أوفق في جعل المصور يتفرغ لتسجيل مناسبة فرحي، بسبب مواعيد مسبقة منه مع غيري. لذا ففقد استغل ما أمكن من اقتناص الفرص للحضور إلى تسجيل المناسبة. وقد سجل لقطات جميلة فيها وترك لقطات جميلة أخرى لم يستطع تصويرها… (كان المصور حسن عثمان أبو علي) وهو لم يكن مصورا محترفا ومتخصصا لكنه كان حيويا فانتبه إلى فائدة العمل وكان في بدايات وجوده كنهج متبع في المناسبات ولم يكن قد اخذ مداه بعد. فضلا عن كلفة لم يكن يستطيع البعض تحملها وعوامل أخرى دينية واجتماعية. …الخ.
العروس من ” قامشلي ” والعريس من “ديرك” كيف التقيا؟
هنا ما يسمى النصيب أو الحظ أو الصدفة أو مشيئة القدر أو غير ذلك من تسميات تعبر جميعا أن الزواج ليس بالضرورة نتيجة تخطيط دائما.
حسن رسول صديق عزيز…كان مهتما لمر زواجي كما كل الأهل والأصدقاء. وقد سعى أكثر من مرة لكي يجمعني بعروس يناسبني فلم يوفق في إحدى المرات ذهب بي –هو وصديق له وأصبح صديقا لي أيضا اسمه دخيل-إلى دار لرؤية إحدى الفتيات. وأذكر أنني لم أعرف أيها العروس التي يفترض بي أن أعرفها فقد كنت خجولا وهم لم يحضرا الأمر بوضوح كاف. وخرجت وأنا لا أدرى أي واحدة من فتاتين كانتا هناك وان كنت أرجح أن الصغيرة هي المقصودة وان الأخرى موجودة معها لاعتبار ما ولا أدرى إن كانت أختها أو كانت في البيت أو صديقتها المهم كانت أكبر ولم تكن توافق ما أريده لذا فالمرجح أن تلك الصغيرة الشقراء هي المقصودة أكيد. ولم أبح بهذا السر لأحد إلا اليوم.
ومرة أخرى ذهب بي إلى دار أخرى شعرت بأن والد الفتاة غير مقنع–مع أنني لم أعجب بها كما اذكر –لكن حسن ودخيل كانا يرونها جميلة ومستحقة. وكادا يقنعاني بها لولا أن حسن الحظ سبقني فطمع أبوها ماليا وترك انطباعا سيئا فضلا عن عدم قدرتي حينها على الوفاء بما يريد. وقد تزوجت تلك الصبية وسمعت أنها طلقت بعد سنين من المشكلات والخلافات العائلية تدخلت فيها مرة وساهمت في إلغاء فكرة طلاق كانت وشيكة لكن يبدو أن الطباع السيئة –أو المتنافرة-عندما تغلب قلما يحسن العقل التدبير.
المهم كان التعارف في حكاية طريفة…
أبو جابر أحد معارفي، التقينا أمام داري التي استأجرتها. سألني هل وفقت إلى خطبة إحداهن؟ قلت: لا …قال: أنت لا تريد لأنك لا زلت متعلقا بها-الأولى-قلت: انتهينا من ذلك لكن لم أتعرف بعد على من نتوافق معا ..فقال: وجدت لك عروسا بمواصفات كاملة ومن عادته انه يبالغ قليلا من باب التشجيع ..قلت لنرها. قال: يوم الجمعة نذهب إلى قامشلي وذهبنا ولم تكن ..كانت في القرية مع جدتها حيث موسم الحصاد…اتفقنا على العودة في الجمعة التالية…وتأخرنا بسبب السفر إلى طرطوس لتصحيح الوراق ويبدو خلال لك-وكنت قد عرفتهم على نفسي ووفرت لهم المعلومات الكافية في مثل هذه الحالة عني.. فسألوا وكأنهم أعجبوا –او لنقل ارتضوني صهرا لهم…
سألت عنهم –المرحوم الشيخ علي –ومعه كان طرفة…إذ قال:
لا أعرف نساء العائلة لكنني أعرف زكي وهو جيد…يمكنك أن تٍسأل النساء –عائلته-ناديت “ليلى” كنته، قال ولم ليلى أتظن أنها أدري من “فاطمة” زوجته…!
قلت خالتي فاطمة …قال: لا لتأتي كل واحدة بمفردها وتعطي بياناتها…ضحكت وقلت: أنتم المشايخ كم تفهمون أسرار الحياة…!
وكنت سألت صديقي حسن رسول، وغيرهم. وجاءت الأجوبة مرضية عموما…
واتفقنا على أن نقوم بالخطبة رسميا…كان الوفد-أو الجاهة – مؤلفا من كل من عمي محمد بشير، المرحوم رشيد حسو، المرحوم احمد عباس، عبد الله الجندي، …
وطبعا المرحوم الشيخ علي…ارتأى الشيخ أن أبقى في البيت وذهبوا …
وبعد بعض وقت عادوا وهم يقولون لم نتفق على النهر الذي افترضته وكان مبلغ –خمس وعشرين ألف ليرة سورية-..حينها كان المهر وسطيا حوالي ما بين الخمسة عشر والعشرين ألفا عموما…-
قلت لعل الله لم يقسم لنا أن نتفق…لكن عمي بادرني –ولول مرة في حياتي ربما-قائلا: دوما تحاول فرض قناعاتك الخاصة…انتم اتفقتم وارتضيتم بعضكم ..فهل تتخلون عن بعضكم من اجل المهر قل أو كثر؟ وهل تضمن أن الأخرى –المحتملة –التي قد تخطبها سيكون المهر أقل؟! فوجدت في كلماته منطقا حدا بي إلى القول: فافعلوا ما ترونه مناسبا. إذا. وذهبوا من جديد…وهناك اتفقوا بعد تدخل كل من الأستاذ يوسف والأستاذ نصر أيضا فتم الاتفاق على 36000ستة وثلاثين ألف ليرة.
وأرسلوا في طلبي لمصافحة عمي-حماي-المرحوم محمد زكي –والمعروف بالشيخ زكي-. لقد أضمرت في نفسي أن لا أنبسط في العلاقة معه مستقبلا مادام هذا طبعه في غلو المهر طمعا…لكنني اكتشفت انه لم يكن سوى رجل بسيط ومتواضع ولكن خشيته على مستقبل بناته –وكن يخطبن-ولا ذكور لديه من بين تسعة أولاد سوى طفل صغير …كانت تدفعه لهذا الموقف…
اتفقنا وخلال شهرين أو أكثر قليلا تمت الخطبة والعرس وبالضبط في 7/11/1985 وقد وثق هذا السيديه بعض مراحل الاحتفال …
وكما سبق القول فإن المصور –أبو علي-كان قد تواعد مع غيري قبلي ولكن ما بيننا من اعتبارات منها أنه صهر المرحوم الملا عمر-وكان بمثابة عم لي فهو صديق حميم ونقي للمرحوم الوالد-ومنها انه موظف بالبريد حيث يعمل أخي، ومنها أن معرفة تجمعنا منذ قديم…فجهد لكي يصور أكبر قدر ممكن مراحل العرس إضافة إلى العرس الثاني…لهذا فقد فاتتنا لقطات يفترض أن تصور لكنها لم تصور.

……………………………………………………………………………………………
الأربعاء 5 تشرين الثاني 1975/3 ذي القعدة 1395
هنالك رأي تربوي معترف به من مختلف الاتجاهات التربوية – يقول:
من الأفضل ان يبقى المعلم مع تلاميذه بدءاً من الصف الأول وحتى نهاية المرحلة الابتدائية لتتاح له كافة الفرص الممكنة لدراسة نفسيات تلاميذه، ومعالجة المقصر منهم ومعالجة الشذوذ فيهم –ان وجد – على ضوء خبرته الطويلة معهم، وتعرفه على مختلف الأمور المؤثرة في تربيتهم، إضافة الى تعودهم منه طبائع وعادات معينة توفر عيهم كثيراً من الجهد وربما الضياع الحادثين من تجدد المعلمين والحاجة الى التكيف معهم وتكيف المعلمين الجدد معهم.
الرأي من حيث المبدأ صحيح، بل وضروري إتباعه أذا أريد لأهداف التربية تحقيقاً. ويصبح هذا الرأي في الريف أكثر ومن جوانب أخرى تتعلق بالدراسة: كرعاية البناء المدرسي وتوفير الأثاث المدرسي اللازم والحفاظ عليه. وإن الملاحظة الأخيرة لتستأثر باهتمامي وآمل أن يشاركني هذا الاهتمام المعنيون بمثل هذه الشؤون.
فمنذ خمسة أعوام أنهي العام الدراسي بتقرير نهائي أؤكد فيه على أهمية البناء المدرسي قبل كل شيء في الأرياف. إذ ينشا في هذه الأبنية أفواج من الأطفال يتأثرون بها إما إيجابياً وإما سلبياً بحسب واقعها -:
1- فالبناء الصحي الفني يوفر للأطفال تربية جسمية تتوفر فيه المقومات الصحية من: إضاءة تتعلق بها صحة العيون، وتهوية تتعلق بها صحة الجسم كله، وشمس معلوم آثارها، ناهيك عن الأجواء النفسية الحسنة، التي يورها البناء الفني والصحي للأطفال والمعلمين على السواء فيجود لدى الجميع الإقبال على العمل.
2- والبناء الصحي والفني الذي روحي فيها مقدار احتياج المدرسة من الغرف الملحقة وغدارة – ومستودع – مكتبة …الخ، وان كانت غرف صغيرة فإنه يولد الحافز الى توفير مستلزماتها وحسن استخدامها. وفي ذلك ما فيه من المجال الرحب لتحقيق الجانب العملي من المبادئ التربوية التي تزخر بها أدمغتنا، وتفتح بها مقدمات جميع كتبنا المدرسية والتربوية عادةٍ.
ولقد قدمت قبل عامين اقتراحاً بهذا الخصوص مضمونه:
1- مدى الآثار السيئة التي يتركها بناؤها على صحة الأطفال الجسمية والنفسية – إن لم نقل المعلمين أيضاً.
2- مدى العطب والإتلاف في أثاث المدرسة ويعود السبب الرئيسي الى سوء البناء الذي لا يوفر لهذا الأثاث الحماية الكافية وخاصة في شهور الصيف.
وفي اعتقادي بأن إجراء موازنة بين النفقات التي يكون سببها الاستهلاك في الأثاث وبين النفقات التي تتطلبها الأبنية وفق الافتراض السابق – فإن نفقات الاستهلاك خلال سنوات قليلة جداً توفر تلك الأبنية مع ما في ذلك من اقتصاد على المستوى البعيد نوعاً .
ولابد من أن نشير هنا الى ان المعلم عنصر لا يجب إغفاله عندما نعالج هذه المشكلة فإن توفير الأثاث وحفظه منوطان بمقدار رغبته في الهمل الجيد، وتخليف الآثار الحميدة في مدارس سيظل تاريخها يدرج اسمه في سجله مقروناً بذكر الخير أو عكسه. وكما ذكرنا في بداية المقال فإن تأكد المعلم من بقائه في المدرسة نفسها لأعوام عدة سيخلق لديه الحافز على العمل بكل طاقاته لتحقيق التقدم في مدرسة عامة. ومن هذه الناحية خاصة. لا سيما إذا كان في مديريات التربية جهاز يستطيع ان بتجرد -الجزاء الأوفى هذا الجزاء الذي لا يوجد منه حالياً – سوى الجانب السلبي فقط. وهكذا نصطدم مكرهين بمسألة قيمة سنبحثها في حينها لما تستوجبه من دقة وانتباه خاصين في معالجتها. 22/3/1977.
%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%