من نتائج الفكر القومي (المعنوي)
ابن الجزيرة
بمراجعة تاريخ البشرية سواء في الشرق أو في الغرب, يلاحظ المرء بعض القضايا الموجعة في حياة البشرية, بل وكوارث ومآسي يعجز التعبير عن وصفها، ولكنها تنتهي بعد تسوية نتائجها، فمثلا: الحربان الكونيتان وما شابههما من الحروب وإن كانت بوتيرة أقل… تبقى جميعا مجرد ذكريات مؤلمة في الأذهان، أو صور وآثار تدل عليها وتجدد ألم الذكرى، بينما وفر إصلاح نتائجها في بعض الشعوب الفرصة الصحيحة لتجاوز آلامها، من خلال تكوين واع للذات الفردية والجماعية (المجتمعية) تحسن استلهام العظة والعبرة، وتحسن – عبر ذلك – استشرافا مستقبليا لما ينبغي أن تكون عليه الحياة في مختلف جوانبها, الاجتماعية ومنها الجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي…الخ.
ومما لاشك فيه أن اعتماد الواقعية – غير الأنانية- في الحركة سواء في الاتجاه السياسي أو الفكري أو الاقتصادي… هو الذي يوفر المعطيات العملية لأداء ذي بعد مستقبلي مأمول ومفيد!
ولعل ما نشهده اليوم في المجتمعات الغربية واليابان وبعض دول شرق آسيا وخاصة (ماليزيا) من الأمثلة الحية الدالة على صحة المنهج الواقعي الذي انتهجته هذه المجتمعات.
ومن مفاهيم هذا المنهج الأساسية: الوطن، المواطن، سيادة القانون، الأمر الواقع المدروس، التطور المستمر في الفهم المتصل بهذا المنهج، والذي أسس له انفصال الدين المسيحي (الكنيسة) عن إدارة الدولة، وسيادة مقولة “الدين لله والوطن للجميع” أو المقولة القائلة “ما لله لله وما لقيصر لقيصر” إذا كان القيصر هنا هو الترجمة للحياة المدنية.
من هنا يعرف الإنسان بالوطن الذي يعيش فيه مع التمتع بكامل الحرية فيما يعتقده أو يمارسه من الشعور بالانتماءات القبلية أو الدينية أو القومية…الخ. شرطه الوحيد الالتزام بالقوانين المرعية. وطبيعي أن هذا الوضع، أو الحالة، لم يكن مثاليا وفق ما نرسمه في أذهاننا عادة، وكأن خرقا ما لن يوجد في الواقع!! فالخروقات والاختراقات طبيعة بشرية، إلاّ أن وجود آلية للمعالجة – ولا أقول المحاسبة – يجعل الخروقات والاختراقات تحت مشرحة المعالجة، كما أن تنامي الوعي والانضباط بقيم تربوية وطنية، يقلل من الوقوع في هذه التجاوزات. ومع ذلك فالآلية دوما موجودة للمتابعة والمعالجة.- كما شخص مرة الدكتور أحمد البغدادي في إحدى الفضائيات عندما سئل فيما إذا كل الماركسية خاطئة وكل الإمبريالية صائبة؟
هذا الأسلوب مع العوامل الأخرى المتكاملة معه هو الذي أوصل الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن تصبح أعظم دولة في العالم خلال فترة تقل عن أربعة قرون من عمرها، على الرغم من البداية الغريبة لها، حيث بدأت بمجموعة مهاجرين من بلدان شتى، ومن القارات الخمس، وبدأت بالبحث عن الذهب والغنى، وما رافق ذلك من السلوكيات المستهجنة – الطمع و الكاوبوي وقتل الهنود الحمر…الخ إلاّ أن هذه البداية لم تمنعهم من أن يصبحوا الدولة التي تقود العالم اليوم -وبغض النظر عن رأينا في طبيعة النظام فيها-.
في الجانب الآخر نحن نزعم دوما بأننا أصحاب حضارة يزيد عمرها عن أربعة عشر قرنا عمر الإسلام ويصبح عمرنا عمر التاريخ، إذا اعتمدنا زعم عروبة السومريين ومن قبلهم ومن بعدهم من الفينيقيين والكلدانيين والحثيين وفراعنة مصر وفيليب العربي في اليونان والقيصر العربي والشيخ زبير (أو الشيخ أسبر) والأبطال التاريخيين من حمزة البهلوان إلى طارق بن زياد وسيبويه والكسائي وصلاح الدين الأيوبي…الخ.
وتصبح رسالتنا هي الأوحد إذا اعتمدنا الأدبيات الثوروية وفلسفة السادة الذين يمثلهم أمثال ميشيل عفلق وصدام حسين ومنظروا البعث في كل مكان -العروبيون بشكل عام- هكذا كان يقول هتاف يتردد على ألسنة البعثيين ” حزب البعث بعد الله بنعبده” وهكذا يتردد شعار لا يزال حيا في المؤسسات الرسمية، وخاصة المدارس والجيش “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”. ولكن ذلك كله لم يمنع أن نبقى في آخر ركب الحضارة، ولكن ذلك لم يمنع أن نبقى أمة ممزقة ودولاً مجزأة وشعوبا متخلفة، ولكن ذلك لم يمنع أن نبقى فقراء وأميين وقبليين في التفكير والسلوك، ولكن ذلك لم يمنع أن نبقى حائرين أمام أبسط مشاكلنا لا ندري كيف نعالجها, أو ندري ولكن لا نملك إرادة المعالجة، أو نملك الإرادة ولكننا لا نملك الرغبة بسبب التشوه الذي لحق بتكويننا عقليا ووجدانيا ونفسيا… أصبحنا في اتجاه مخالف لمسيرة التطور والحضارة، ولم يبق لنا سوى زعيق دائم: نحن… ونحن… ونحن… حتى يكاد يعتقد السامع بأنه لا يوجد في هذا الكون كله سوانا نحن، وعندما يلتفت إلى زعيقنا لا يرى فينا سوى زعيق فحسب!!.
وتنطبق علينا المقولة التي مضمونها “أسمع جعجعة ولا أرى طحنا” نحن أصحاب صخب بلا مفعول مفيد سوى لبعض أهدروا دم الحقيقة والمعقولية، وباعوها بثمن بخس دراهم معدودة.
ألم يحن الوقت للتحرر من هذه العقد التي عقدناها بأنفسنا؟! ألم يحن الوقت للخروج من بواطننا إلى فضاء الواقع نستحم بحرارة الشمس، ونتنفس الهواء غير الفاسد، ونفتح عيوننا على واقع موجود، بدلا من العيش في وهم أنشأناه وصدقناه أيضا؟!
ألم يحن الوقت للتحرر من أنانيتنا الشخصية فنفكر في: كيف يمكننا أن نؤمن لأولادنا من بعدنا نمطا من العيش الآمن والكريم؟! ألا تكفينا عبرة وعظة هذه العروش التي تتهاوى؟! وهذه الرؤوس التي تداس؟! وهذه الأوطان التي تدمر؟!
متى هو الوقت إذن لنتعظ؟!!!
ibneljezire@maktoob.com
………………………………………
المجتمع
محمد قاسم
في خضم الحياة الاجتماعية المعاشة ترتبك الكثير من المفاهيم النظرية في تجل عملي لها..ويُنتج هذا وضعا اجتماعيا متخلخلا أحيانا.. فتضيع المعالم الواضحة للأشياء (مفاهيم..أفكار..تصورات..تطبيقات عملية لها…)
بمعنى أن الجانب النظري في الحياة، والتي ترسم الملامح الأساسية للمجتمع يصبح ضبابيا غير قابل للتطبيق ميدانيا.. فتحصل الفجوة بين “التفكير النظري” وبين “التطبيق العملي” لمعطياته.
ماذا يمكن فعله؟
بالطبع هنا، الضرورة تقتضي أن نقوم بجملة خطوات لنستطيع الإجابة..بشكل متوازن..وواضح المعالم..
فالناس يعيشون في تجمع متفاعل في كل جوانبه..:
1- العيش في أرض ..لها معالم مميزة من حيث الحدود..والتميز عن أرض أخرى تخص مجتمعا آخر.وقد تسمى هذه الأرض جغرافيا –ضمنا السكان- إقليما..أو منطقة..أو وطنا..الخ.
ولكل تسمية مدلولها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي…الخ.
2- أن تتوفر في “عملية التفاعل” بين أفراد المجتمع الذي يسكن هذه الأرض، إمكانية التزاوج والتكاثر ..(لاستمرار النوع الإنساني).
3- أن يتوفر فيهم “التعاون” على تامين المعيشة-الحياة الاقتصادية-ومقاومة الكوارث والأخطار –مهما كان شكلها..لتوفير الأمان حتى تنتعش الحركة الإنتاجية.. وهذا يتطلب نوعا من “التنظيم الاجتماعي”..
قد يكون هذا التنظيم، تنظيما نتج عن “التطور الطبيعي للإنسان” كالقبيلة مثلا..أو نتج عن “اتفاق بين المؤثرين الفاعلين” في المجتمع –القيادات الاجتماعية… بشكل أو بآخر كمجلس إدارة المدينة مثلا.. أو كالوزارة.الخ.
4- وجود” نشاط اقتصادي”…بدءا من الزراعة مرورا بالتجارة ووصولا للتصنيع..وكل ما يتعلق بذلك كله..ومنه النشاط الإبداعي (الاختراعات.. الاكتشافات…. الخ.
5- ومن الطبيعي أن مجتمعا كهذا لا بد أن تكون فيه:
“نظرية فكرية-فلسفية”..أو ” إيمانية”مثل (اعتقاد ديني..ربما اجتماعي..ربما سياسي.. الخ. توفر نوعا من “التماسك الاجتماعي، بالقبول الطوعي لها”.. أو استمرارا لما كان عليه الآباء والأجداد..ولكن المهم في ذلك أن “يتناسب” مع تطور المجتمع الثقافي..!
ولا يمكن ذلك ما لم تكن هناك “حرية..يمكن ممارسة التفكير والتعبير فيها”.. بل وممارسة الشعائر والمشاعر الدينية..والأنشطة المختلفة اجتماعيا بمعناها الأعم-أي السياسية ضمنا..
يضاف إلى ذلك “مجموعة الأنشطة الاجتماعية الأخرى” والتي تسمى –عادة –ثقافية..كاللغة والأدب..والعلم..والفن..والفولكلور…الخ.
كل هذه عندما تجتمع، يشكل ما نعرفه –عادة- بـ”المجتمع”
فإذا تفهمنا المكونات التي تشكل المجتمع وطبيعته أمكننا القيام بدراسة تسهل علينا فهم ما يجب أن نفعله لتحسين شروط الحياة ..والقيام بالتغييرات اللازمة بأدوات واضحة..وتصور نتائج واضحة ..
وهناك مفاهيم..تشكل صورة أخرى للمجتمع ..ولكنها تأخذ طابعا خاصا بحسب دلالتها..فهناك مثلا:”الشعب:..وهناك “الأمة”…وهناك “الجماعة” ..وهناك” التجمع”… الخ.وكلها مصطلحات تحتاج إلى أن نفهم دلالتها حتى نحسن التفاعل معها بطريقة صحيحة..وتتوضح المعاني في أذهاننا فنقلل من سوء الفهم في استخدامنا للمفاهيم..خلال الحوارات..وهذا أمر ضروري لتوحيد “الفهم المتقارب..كحد أدنى” ..للتأسيس لقاعدة صحيحة للحوار والفهم.
سنحاول أن نشرحها في وقت لاحق.
…………………………………………
كتبت خصيصا لمجلة بروان (كروب كركي لكي فيما اظن )