أثر السياسة في المجتمع (مقدمة عامة)
ابن الجزيرة أثر السياسة في المجتمع(مقدمة عامة)-ولاتي مه
قيل: بين العبقرية والجنون شعرة..( وأقول:ودقيقة أيضا..).
– لا أدري ما هي المناسبة التي قيل فيها هذا القول.. ولكن الذي أدريه أنه قول يتكرر..! وخاصة عندما يوصف شخص متميز بقدرات ذكائية.. إذا صدر عنه سلوك ما،يلقاه الناس غريبا.. وربما مستهجنا أيضا.. من حيث أنه لا تسنده حالة منطقية مألوفة..! مما يجعل القبول بهذا المعنى غير معقول..و غير معتبر..!! R- والذكاء صفة تطلق – عادة- على من يحسن الفهم والتصرف بشكل عام، أو على من ينطبق عليه تعريف صاغه أحد علماء النفس بالقول:( الذكاء هو مرونة التكيف مع البيئة)*.
ولكن التدقيق في معنى الذكاء قد يفتح أمامنا أبوابا لا نحسن في النهاية إغلاقها..لكثرة تشعبانها.. وكثرة الاجتهادات فيها..باعتبارها صفة بشرية،لا ما دية.. ” يُتفق على تحديدها في العموم ويُختلف في تفاصيلها” وهذه خاصة مميزة لموضوعات العلوم الإنسانية عموما،ولا يعيبها ولكن ينبغي تفهمها.
لماذا هذه المقدمة..؟
– في أبحاث علم النفس يوضع السياسيون الناجحون في أولى درجات الذكاء عادة..
وذلك بسبب صعوبة التعامل مع الكائن البشري، العاقل، النامي، المتغير، والاجتماعي. . (ذي الجنسين المختلفين” المتكاملين أو المتضادين أيضا” .وذي الفئات العمُرية، والثقافية، والاختلافات الاثنية عموما..) فضلا عن التكوينات النفسية المتراوحة بين الكبت.. والتعقيد.. والأريحية..الخ.
فالتعامل مع كائن بهذه المواصفات..طابعه التمرد.. و الانزياح.. يقتضي قدرة ذكائية فائقة، تسمح بتأطير تلك الحالات البشرية المختلفة، وتوجيه طاقاتها المترجرجة.. نحو مجرى سياسي عام؛يقوده السياسي (الناجح) نحو بناء شامل لمكونات الحياة العامة في قطاعه الحزبي” القومي أو ألأممي..الخ”. والسؤال الذي يتوارد في الخواطر:
هل تمتع السياسيون – دوما – بهذه الخاصة..؟
من هنا نبدأ..ولكي نحسن الابتداء لا بد من تأطير بعض المفاهيم التي سنظل نتكئ إليها في البحث، ولتكون مسارا للتصورات لدينا(كاتبا وقارئا) منضبطا بهذه الأطر..
1- السياسة:
هي تعريفا (فعل الممكنات في إدارة الحياة الاجتماعية في شكلها الأعم والأرقى..)
وبغض النظر عن تفاصيل البحوث التي تناولت هذا المعنى . والتعريفات المتعددة ..والتي أخرجها المهتمون بالأمر مثل:
– العلاقة بين الجانب العلمي والفني في السياسة.
– أو بكون السياسة هي (الوظيفة العليا في إدارة المجتمع وقيادته..)…الخ.
بغض النظر عن ذلك، فإن التأطير المبين أعلاه قد يغني حاجة مسعانا في هذا البحث بشكل عام.
2- المجتمع: (مجموعة بشرية من الجنسين والفئات العمرية المختلفة، ذات ثقافة منوعة، تؤطره اتجاهات عامة، وعلاقات تفاعل شاملة اقتصادية.. سياسية.. اجتماعية..الخ. تعيش على ارض واحدة(ضمن جغرافية محددة) لها بعدها التاريخي..). وبالطبع فإن تعريفات كثيرة يمكن إيرادها..إلا أننا نرى أن يكون الإطار الذي أوضحناه هو المعتمد في تصورنا المشترك..
3- القومية..(شعور أبناء المجتمع بانتمائهم إلى تاريخ مشترك في بناء حياتهم الاجتماعية وتطلعهم إلى الاستمرار في هذه الحياة المشتركة(وحدة المشاعر والعيش المشترك). بروح جامعة بينهم يسميها هيجل(روح الأمة)(1) ويتضمن هذا الشعور، اعتزازا بالانتماء هذا، واستعدادا للعمل من أجله حتى التضحية الكبرى
4- الوطنية: (حب الأرض، والتمسك بها، والاستعداد للدفاع عنها..باعتبارها المكان الذي يعيش فيه أبناء المجتمع الواحد(القومية الواحدة).ويمكن وصفها بعلاقة الإنسان مع الأرض، وهي علاقة تبنى على العواطف،والألفة والمصلحة(الشعور بالأمان،وتوفير عناصر المعيشة المباشرة..)أي عناصر مادية ومعنوية.
5- الأمة..مفهوم واسع الدلالة ويعني: (الإطار الأوسع لمعاني القومية، والشعب (أو الشعوب)، في مرحلة متطورة من الحياة الاجتماعية الشاملة للقومية والوطنية، في جوانبها الاقتصادية والثقافية..الخ أي في الحياة السياسية).
6- الشعب: ( مجموعة بشرية ذات خصائص مشتركة ..تاريخ..وإرادة..حياة مستقبلية..). أو هو( المجتمع في معناه الأكثر سياسية..).
ويلاحظ أن هذه المفاهيم جميعا متداخلة.. ومتفاعلة.. ومتطابقة أيضا في حالتها النموذجية. مع الانتباه إلى الأثر( أو الجانب) المادي والمعنوي فيها جميعا…
وهذه المفاهيم نفسها تتمايز، إذا وجدت ظروف غير طبيعية كتجزئة واستعمار وحالات التخلف الشديد..الخ.
وكما أسلفنا القول فإن هذا التأطير قد لا يكون دقيقا في الإطار ألاختصاصي..ولكنه يبقى صحيحا في السياق الذي نحن فيه.. هادفين إلى إلقاء الضوء على فكرة:
(القادة السياسيون في نمط التفكير ألذرائعي(النفعي)المباشر وانعكاس الأمر سلبيا على حياة الناس(المجتمعات) في جانبها التربوي خاصة، ومن ثم العملي لا سيما على المدى البعيد).
إن مقولة مكيا فيلي التي تلخص فلسفته السياسية في كتابه الشهير” الأمير ” وهي: (( الغاية تبرر الوسيلة))(2) ربما تصلح ضمن ظرف معين.. في زمن معين.. وفي حالات محدودة..ولكنها قطعا تفقد قيمتها تماما إذا تجاوزنا المحدودية في الظرف.. والمكان.. والزمان.. وخلافها. لأنها في هذه الحال – حقيقة- لا تخدم سوى حالات أنانية(في مستوى فردي أو جماعي..) أي استغلال من فرد لآخرين (فردا أو جماعة) أو استغلال من جماعة لآخرين(أفرادا أو جماعات.. كبيرة أو صغيرة) مهما كان شكل الاستغلال هذا..
وإذا كانت الحالة الاقتصادية هي الأبرز،إلا أن الحالة النفسية – بتقديري- تظل الأعمق والأخطر تأثيرا..!(3)
القادة السياسيون – على الرغم مما قد يتميزون به من الذكاء، فإنهم في الغالب الأعم، أسرى نزعاتهم الأنانية.. إلى درجة تبرير تسخير الآخرين لهذه النزعات.. (أفرادا ومجتمعات “شعبا أو امة..الخ)
ولكي ينجحوا في هذا المنحى.. فإنهم يوظفون ما لديهم من ذكاء وقدرة في غرس مفاهيم تخدم هذه النزعات الأنانية، حتى وإن اضطروا إلى اللجوء إلى سلوك يستنكرونه في الظاهر.. كالرشوة.. والكذب.. والنفاق.. والقتل..الخ.
بعبارة أخرى.. فإن( الفصل الحاد بين السياسة والأخلاق) من مصادر المشكلة التي نحن بصدد محاولة تشخيصها.. وتلمس السبل لمعالجتها.. على الصعيد النظري على الأقل.
لا نزعم أن هذه ظواهر فاتت انتباه السابقين إليها.. أو أنهم لم يحاولوا معالجتها.. وإنما نريد فقط إحياء محاولاتهم وتجديد نتائجها..
إن العودة إلى الأبحاث والدراسات القديمة في هذا المجال.. سواء تلك التي أنتجتها عقول شرقية ..أو غربية.. فإنها توضح تراكما هائلا من هذه الدراسات والأبحاث..
إذا ما هي المشكلة..؟
أين تكمن الأزمة..؟
في الواقع تكمن الأزمة (أو المشكلة) في خاصة بشرية قد لا ينتبه إليها البعض .. إنها تدخل في نسيج التكوين النفسي بمعناه العام..وتبدو جلية إذا تتبعنا المتمايزات بين المجتمعات من جهة.. وبين الجيلين (أو الأجيال) ضمن المجتمع الواحد..!! ذلك أن الإنسان كائن عاقل.. نام.. متغير.. ومتطور في إطار اجتماعي. ولكن العقل والنمو.. والتغير.. والتطور جميعا بحاجة – دوما- إلى توفير المناخ الملائم الذي يحقق هذه الخصائص، ويعطيها البعد الصحيح. أو بتعبير أفضل:
مناخ يصلح لأن تنمو فيه هذه الخصائص، وتتبلور في صيغها الأكثر جلاء، والأفضل تحققا، وبجهود مزدوجة: – بعضها يعود إلى ما يوفره المجتمع من حوافز، وتسهيلات، ومعطيات مختلفة لازمة.. عبر مؤسساته المختلفة(نظام الحكم، المجتمع المدني، الوحدات الاجتماعية..
– وبعضها يعود إلى الاستجابة الفردية من أبناء الجيل الجديد دوما..وقابلية استيعاب الواقع، والتفاعل الإيجابي معه،لتحقيق تلك الخصائص(البعد الشخصي في نمو الذات).
في هذه النقطة (أو المرحلة أو الحالة …) تطرح المشكلة نفسها: مشكلة الفصل الحاد بين السياسة والأخلاق.
……………………………..
للبحث صلة وموضوعها العلاقة بين السياسة والأخلاق تاريخيا ومردو ديتها.
………………
* للذكاء تعريفات عديدة يكن الإطلاع عليها في كتب علم النفس المختلفة.
(1) روح الأمة: مفهوم استخدمه الفيلسوف الألماني هيغل للدلالة على الروح التي تجمع أبناء الأمة الواحدة على فكرة جامعة وحيوية لوحدتها
(2) الأمير كتاب ألفه نيكولا ميكيافيلي لدعة الإيطاليين إلى الوحدة تحت راية أسرة ميدتشي
(3) العلاقة بين السياسة والاقتصاد طبيعية وضرورية ويسمي المركسيون السياسة البناء الفوقي أما الاقتصاد فيسمونه البنية التحتية للمجتع
………………………………………………………
أثر السياسة في المجتمع(مقدمة عامة)
ابن الجزيرة/م.قاسم Saturday 09-12 -2006
أثر السياسة في المجتمع(مقدمة عامة)قيل: بين العبقرية والجنون شعرة..( وأقول:ودقيقة أيضا..).
- لا أدري ما هي المناسبة التي قيل فيها هذا القول.. ولكن الذي أدريه أنه قول يتكرر..! وخاصة عندما يوصف شخص متميز بقدرات ذكائية.. إذا صدر عنه سلوك ما،يلقاه الناس غريبا.. وربما مستهجنا أيضا.. من حيث أنه لا تسنده حالة منطقية مألوفة..! مما يجعل القبول بهذا المعنى غير معقول..و غير معتبر..!! - والذكاء صفة تطلق – عادة- على من يحسن الفهم والتصرف بشكل عام، أو على من ينطبق عليه تعريف صاغه أحد علماء النفس بالقول:( الذكاء هو مرونة التكيف مع البيئة)*.
ولكن التدقيق في معنى الذكاء قد يفتح أمامنا أبوابا لا نحسن في النهاية إغلاقها..لكثرة تشعبانها.. وكثرة الاجتهادات فيها..باعتبارها صفة بشرية،لا ما دية.. ” يُتفق على تحديدها في العموم ويُختلف في تفاصيلها” وهذه خاصة مميزة لموضوعات العلوم الإنسانية عموما،ولا يعيبها ولكن ينبغي تفهمها.
لماذا هذه المقدمة..؟
- في أبحاث علم النفس يوضع السياسيون الناجحون في أولى درجات الذكاء عادة..
وذلك بسبب صعوبة التعامل مع الكائن البشري، العاقل، النامي، المتغير، والاجتماعي. . (ذي الجنسين المختلفين” المتكاملين أو المتضادين أيضا” .وذي الفئات العمُرية، والثقافية، والاختلافات الاثنية عموما..) فضلا عن التكوينات النفسية المتراوحة بين الكبت.. والتعقيد.. والأريحية..الخ.
فالتعامل مع كائن بهذه المواصفات..طابعه التمرد.. و الانزياح.. يقتضي قدرة ذكائية فائقة، تسمح بتأطير تلك الحالات البشرية المختلفة، وتوجيه طاقاتها المترجرجة.. نحو مجرى سياسي عام؛يقوده السياسي (الناجح) نحو بناء شامل لمكونات الحياة العامة في قطاعه الحزبي” القومي أو ألأممي..الخ”. والسؤال الذي يتوارد في الخواطر:
هل تمتع السياسيون – دوما – بهذه الخاصة..؟
من هنا نبدأ..ولكي نحسن الابتداء لا بد من تأطير بعض المفاهيم التي سنظل نتكئ إليها في البحث، ولتكون مسارا للتصورات لدينا(كاتبا وقارئا) منضبطا بهذه الأطر..
1- السياسة:
هي تعريفا (فعل الممكنات في إدارة الحياة الاجتماعية في شكلها الأعم والأرقى..)
وبغض النظر عن تفاصيل البحوث التي تناولت هذا المعنى . والتعريفات المتعددة ..والتي أخرجها المهتمون بالأمر مثل: – العلاقة بين الجانب العلمي والفني في السياسة. – أو بكون السياسة هي (الوظيفة العليا في إدارة المجتمع وقيادته..)…الخ.
بغض النظر عن ذلك، فإن التأطير المبين أعلاه قد يغني حاجة مسعانا في هذا البحث بشكل عام.
2- المجتمع: (مجموعة بشرية من الجنسين والفئات العمرية المختلفة، ذات ثقافة منوعة، تؤطره اتجاهات عامة، وعلاقات تفاعل شاملة اقتصادية.. سياسية.. اجتماعية..الخ. تعيش على ارض واحدة(ضمن جغرافية محددة) لها بعدها التاريخي..). وبالطبع فإن تعريفات كثيرة يمكن إيرادها..إلا أننا نرى أن يكون الإطار الذي أوضحناه هو المعتمد في تصورنا المشترك..
3- القومية..(شعور أبناء المجتمع بانتمائهم إلى تاريخ مشترك في بناء حياتهم الاجتماعية وتطلعهم إلى الاستمرار في هذه الحياة المشتركة(وحدة المشاعر والعيش المشترك). بروح جامعة بينهم يسميها هيجل(روح الأمة)(1) ويتضمن هذا الشعور، اعتزازا بالانتماء هذا، واستعدادا للعمل من أجله حتى التضحية الكبرى
4- الوطنية: (حب الأرض، والتمسك بها، والاستعداد للدفاع عنها..باعتبارها المكان الذي يعيش فيه أبناء المجتمع الواحد(القومية الواحدة).ويمكن وصفها بعلاقة الإنسان مع الأرض، وهي علاقة تبنى على العواطف،والألفة والمصلحة(الشعور بالأمان،وتوفير عناصر المعيشة المباشرة..)أي عناصر مادية ومعنوية.
5- الأمة..مفهوم واسع الدلالة ويعني: (الإطار الأوسع لمعاني القومية، والشعب (أو الشعوب)، في مرحلة متطورة من الحياة الاجتماعية الشاملة للقومية والوطنية، في جوانبها الاقتصادية والثقافية..الخ أي في الحياة السياسية).
6- الشعب: ( مجموعة بشرية ذات خصائص مشتركة ..تاريخ..وإرادة..حياة مستقبلية..). أو هو( المجتمع في معناه الأكثر سياسية..).
ويلاحظ أن هذه المفاهيم جميعا متداخلة.. ومتفاعلة.. ومتطابقة أيضا في حالتها النموذجية. مع الانتباه إلى الأثر( أو الجانب) المادي والمعنوي فيها جميعا…
وهذه المفاهيم نفسها تتمايز، إذا وجدت ظروف غير طبيعية كتجزئة واستعمار وحالات التخلف الشديد..الخ.
وكما أسلفنا القول فإن هذا التأطير قد لا يكون دقيقا في الإطار ألاختصاصي..ولكنه يبقى صحيحا في السياق الذي نحن فيه.. هادفين إلى إلقاء الضوء على فكرة:
(القادة السياسيون في نمط التفكير ألذرائعي(النفعي)المباشر وانعكاس الأمر سلبيا على حياة الناس(المجتمعات) في جانبها التربوي خاصة، ومن ثم العملي لا سيما على المدى البعيد).
إن مقولة مكيا فيلي التي تلخص فلسفته السياسية في كتابه الشهير” الأمير ” وهي: (( الغاية تبرر الوسيلة))(2) ربما تصلح ضمن ظرف معين.. في زمن معين.. وفي حالات محدودة..ولكنها قطعا تفقد قيمتها تماما إذا تجاوزنا المحدودية في الظرف.. والمكان.. والزمان.. وخلافها. لأنها في هذه الحال – حقيقة- لا تخدم سوى حالات أنانية(في مستوى فردي أو جماعي..) أي استغلال من فرد لآخرين (فردا أو جماعة) أو استغلال من جماعة لآخرين(أفرادا أو جماعات.. كبيرة أو صغيرة) مهما كان شكل الاستغلال هذا..
وإذا كانت الحالة الاقتصادية هي الأبرز،إلا أن الحالة النفسية – بتقديري- تظل الأعمق والأخطر تأثيرا..!(3)
القادة السياسيون – على الرغم مما قد يتميزون به من الذكاء، فإنهم في الغالب الأعم، أسرى نزعاتهم الأنانية.. إلى درجة تبرير تسخير الآخرين لهذه النزعات.. (أفرادا ومجتمعات “شعبا أو امة..الخ)
ولكي ينجحوا في هذا المنحى.. فإنهم يوظفون ما لديهم من ذكاء وقدرة في غرس مفاهيم تخدم هذه النزعات الأنانية، حتى وإن اضطروا إلى اللجوء إلى سلوك يستنكرونه في الظاهر.. كالرشوة.. والكذب.. والنفاق.. والقتل..الخ.
بعبارة أخرى.. فإن( الفصل الحاد بين السياسة والأخلاق) من مصادر المشكلة التي نحن بصدد محاولة تشخيصها.. وتلمس السبل لمعالجتها.. على الصعيد النظري على الأقل.
لا نزعم أن هذه ظواهر فاتت انتباه السابقين إليها.. أو أنهم لم يحاولوا معالجتها.. وإنما نريد فقط إحياء محاولاتهم وتجديد نتائجها..
إن العودة إلى الأبحاث والدراسات القديمة في هذا المجال.. سواء تلك التي أنتجتها عقول شرقية ..أو غربية.. فإنها توضح تراكما هائلا من هذه الدراسات والأبحاث..
إذا ما هي المشكلة..؟
أين تكمن الأزمة..؟
في الواقع تكمن الأزمة (أو المشكلة) في خاصة بشرية قد لا ينتبه إليها البعض .. إنها تدخل في نسيج التكوين النفسي بمعناه العام..وتبدو جلية إذا تتبعنا المتمايزات بين المجتمعات من جهة.. وبين الجيلين (أو الأجيال) ضمن المجتمع الواحد..!! ذلك أن الإنسان كائن عاقل.. نام.. متغير.. ومتطور في إطار اجتماعي. ولكن العقل والنمو.. والتغير.. والتطور جميعا بحاجة – دوما- إلى توفير المناخ الملائم الذي يحقق هذه الخصائص، ويعطيها البعد الصحيح. أو بتعبير أفضل:
مناخ يصلح لأن تنمو فيه هذه الخصائص، وتتبلور في صيغها الأكثر جلاء، والأفضل تحققا، وبجهود مزدوجة: – بعضها يعود إلى ما يوفره المجتمع من حوافز، وتسهيلات، ومعطيات مختلفة لازمة.. عبر مؤسساته المختلفة(نظام الحكم، المجتمع المدني، الوحدات الاجتماعية.. – وبعضها يعود إلى الاستجابة الفردية من أبناء الجيل الجديد دوما..وقابلية استيعاب الواقع، والتفاعل الإيجابي معه،لتحقيق تلك الخصائص(البعد الشخصي في نمو الذات).
في هذه النقطة (أو المرحلة أو الحالة …) تطرح المشكلة نفسها: مشكلة الفصل الحاد بين السياسة والأخلاق.
……………………………..
للبحث صلة وموضوعها العلاقة بين السياسة والأخلاق تاريخيا ومردو ديتها.
………………
أثر السياسة في المجتمع(2) (مشكلة الفصل الحاد بين السياسة والأخلاق)
ابن الجزيرة
…في المقال السابق توصلنا إلى أن المشكلة في بعض الخلل في العلاقة بين السياسة والمجتمع،ربما كان سببه الفصل الحاد بين السياسة والأخلاق.
وسنحاول أن نعالج هذه العلاقة بحسب ما يتاح لنا من المقدرة في فهمها وتحليلها- وتبسيطها أيضا- وهذا يقتضي منا أن نعود إلى تأطير لمفاهيم معينة مرة أخرى..ذلك لأن تأطير المفاهيم من ضرورات الفهم والتفهيم..فالتأطير.. يحدد لنا الفكرة في (مصطلح) يحدد المعنى ويوضحها..فتصبح مفهومة ممن يعبر عنها، وتصبح مفهومة ممن يسمعها (أو يقرأها). ولعل هذا هو المقصود بالتواصل والتفسير كإحدى وظائف اللغة(1)
سبق أن حددنا معنى السياسة أو (أطرناه) ونحن بحاجة إلى تأطير معنى جديد هو الأخلاق..فماذا تعني هذه الكلمة(أو المصطلح)..؟
الأخلاق موضوع دراسة الأطيقا: وشكل من الوعي الاجتماعي، ومؤسسة 1-((اجتماعية،تقوم بمهمة ضبط وتنظيم سلوك الناس.ففي أي مجتمع تنسق أفعال عدد غفير من الناس في نشاط جماعي إجمالي، وتخضع،على تنوعها، لقوانين اجتماعية معينة. وتأتي الأخلاق لتقوم بوظيفة التنسيق هذه، جنبا على جنب مع الأشكال الأخرى من الانضباط الاجتماعي….فالأخلاق تنظم سلوك الإنسان في كافة مجالات الحياة الاجتماعية بدون استثناء-في العمل، والمنزل، وفي السياسة، وفي العلم، في الأسرة، وفي الأمكنة العامة…))(2)
2-((..من بين الأنواع الكثيرة من البحوث التي أطلقت عليها كلمة((الأخلاق)) في فترة أو أخرى،يمكننا أن نتخير ثلاث مجموعات من المسائل باعتبارها أهم المسائل التي ينبغي تمييزها بعضها من بعض وهي: (أ) المسائل الخلقية، ومن أمثلتها ” هل ينبغي أن أفعل ذلك الفعل؟ ” و” هل تعدد الزوجات خطأ؟ ” و ” هل زيد من الناس خير؟ ” وفي هذا المعنى يكاد الجانب العملي والجانب النظري من معنى كلمة ” خلقي ” أن يتلاقيا في مدلول واحد تقريبا “.
(ب) مسائل عما هو واقع فيما يتصل بآراء الناس الخلقية، ومن أمثلتها: ” ماذا يعتقد(أو ماذا يقول) المسلم(أو ماذا تعتقد الطبقة المتوسطة البريطانية أو ماذا أعتقد أنا نفسي) في واقع المر فيما يتعلق بصواب تعدد الزوجات أو خطئه؟ “.
(ج) مسائل تتعلق بمعاني الكلمات الخلقية (ومنها على سبيل المثال ” ينبغي ” و ” صواب ” و ” خير ” و ” واجب ” ) أو تتعلق بطبيعة المدركات أو ” الأشياء ” التي ” تشير إليها ” هذه الألفاظ، ومثال ذلك ” ماذا يعني المسلم حينما يقول إن تعدد الزوجات ليس خطأ؟ “.ولما كانت هذه النواع الثلاثة من المسائل متميزة فيما بينها تمام التميز فغن استخدام كلمة ” الخلاق ” لتشمل بدلالتها المحاولات التي ترمي إلى الإجابة عن جميع هذه الأنواع الثلاثة، لا بد أن يكون مثارا للخلط ولذا يتجنبه من أقرب إلى تحري الدقة من الكتاب المعاصرين،على انه لم يظهر بعد مصطلح فني يصلح لاقامة التفرقات الأخلاقية الضرورية ويتفق على قبوله الباحثون جميعا…(3)
ولكي نتفق على تصور مشترك فدعونا نعرف الأخلاق- وعلى ضوء التعريفين السابقين- بأنها:
سلوك بشري (وفق مبادئ وقيم نظرية محددة، اجتماعيا،ذات بعد فلسفي وتطبيقها العملي) يكون هذا السلوك ترجمة لها .ويتمثل ذلك العادات والتقاليد والقيم المستندة إلى رؤية ضميرية.
……………………………………
Re: أثر السياسة في المجتمع (2) (مشكلة الفصل الحاد بين السياسة والأخلاق) (التقييم: 0)
بواسطة في السبت 23 ديسمبر 2006
موسى موسى
من خلال متابعتي لكتابات الاستاذ محمد قاسم بدقة لا متناهية، أحلل كل كلمة فيها ، فلسفياُ وسياسياً وقانونياً واجتماعياً . افكر في الكلمة – من خلال تطورها التاريخي – و أسيربها الى الحاضروالتأمل بما سيكون لها من تأثير من المستقبل. وافكر بما تعتورها من تطورات ليست على الكلمة المجردة والمؤلفة من عدة أحرف، بل بما تعنيها تلك الكلمة .
أرى في كتاباتك استاذي العزيز كما في كتابات الدكتور عبد الباسط سيدا،مدرسة علها تغير الأحوال المعرفية لمجتمعنا، أو على الأقل تكون لها التأثير الفعال في تقدم المجتمع فكرياً ومعرفياً إذا ما جعل من تلك الكتابات منهلاً ثقافياً له .
استاذي الكريم، قرأت مقالتكم،أثر السياسة في المجتمع (مقدمة عامة)، وها انذا أقرأ تكملتها المعنونة ب: اثر السياسة في المجتمع – الفصل الحاد بين السياسة والاخلاق –
وحسناً فعلت في عدم الاقتصار على مفهومٍ واحد لكل من، المجتمع، والقومية، والوطنية،والامة، والشعب، حيث لكل من تلك المصطلحات مفاهيم مختلفة بحسب العلوم المختلفة، دون أن تتعارض تلك العلوم في التفسير ، فلكل علم زاويته الذي ينظر اليها من خلالها، ولكن الذي أثار اهتمامي هو الرابط بين تلك المفاهيم التي أدرجتها في مقالتك، والحالة الكردية المتأزمة بشأن مفهومين، أوردتاه الحركة الكردية في رؤيتها السياسية، رؤية الجبهة والتحالف حيث الاعتراف الدستوري بالوجود القومي الكردي . ورؤية لجنة التنسيق الثلاثي في الاعتراف بوجود الشعب الكردي .
وهنا أتساءل، إذا كانت الحركة الكردية بشأن الاختلاف في التفسير دخلت حلبة الخلاف والنزاع فيما بينها، فما هي القواعد والاسس والنظم التي يمكن الرجوع اليها لتلافي ذلك النزاع، وحله من اجل التقارب، والالتفاف حول رؤية سياسية مشتركة لكافة فصائل الحركة الكردية ؟ علماً بانني على ثقة بان القصد من كتاباتك في أحد جوانبها ولو بطريقة غير مباشرة هو محاولة توجيه الحركة الكردية للسيرعلى الطريق، الواجب السيرعليه، للإلتقاء على رؤية سياسية واحدة .
فاذا كانت القومية، هي شعور… وتطلع… ، شعور الانتماء، وتطلع الاستمرار(رغم اني لا اخالفك التفسير) فهل ما أوردتاه الجبهة والتحالف الكرديتين في رؤيتيهما المشتركة في الاعتراف الدستوري بالوجود القومي الكردي في سوريا يرادف وجود الشعب الكردي في سوريا على أرضه التاريخية ؟.
إن ما فهمته من رؤية الجبهة والتحالف، هو العمل على الاعتراف الدستوري بوجود ذلك الشعور الذي أوردته في مفهوم القومية ، وقد سبق لي وأن نشرت مقالاً بعنوان- مفهوم الشعب وتطوره التاريخي- حيث ثبت لي من خلال تلك الدراسة التي اختزلتها أخيراً في قالتي تلك، بان الوجود القومي الكردي لا يرادف وجود الشعب الكردي على أرضه التاريخية . فوجود الشعب هو وجود كائنات حية حقيقية تعيش في واقع الحال على تلك الأرض. أما الوجود القومي فهو وجود الشعور لدى تلك الكائنات من البشر، أي وجود الشعور لدى الشعب كمجموعة بشرية . وهل يصح العمل أو النضال من أجل الاعتراف بالشعور الموجود لدى جماعة من الناس- الشعب – ؟ رغماً ان الشعور هو حالة متغيرة ، أم الأصح هو النضال من أجل الحقائق والثوابت ؟ .
ولا أنكر بان ازمة الحركة الكردية في جانبها التفسيري لهكذا مصطلحات ومفاهيم. سيبقى مستمراً إذا لم يشاركهم المختصون في مختلف العلوم الانسانية، في البحث والدراسة والرأي والصياغة . ولذلك لابد من التواصل والعمل الجاد بين الجميع لإزالة تلك الخلافات التي أصبحت مرضاً تنتشرفي جسم الحركة السياسية الكردية وتنهكها، فيصبح الشعب ضحية نزاعات حركته نتيجة الإلهاء في مشكلة من السهل حلها إذا ما تم الاعتماد على الدراسات والبحوث التي بإمكان الكثير من أبناء شعبنا -على الاقل- القيام به .
ان النزعة الانانية التي يتميز بها الساسة هي نسبية،منهم من يسعى بكل ما أوتي وأنصاره من إمكانية العطاء،ليحصلوا على الاقل، الذي هوكثيرفي الحالات التي لم تكن فيها الساسة في مراكز النفوذ ،ومنهم في الطرف الاخر من البوصلة السياسية،كما في الحالة الكردية،أي الحالة التي لم يقدم فيها الساسة وأنصارهم شيئاً لمجتمعاتهم، ومع ذلك يخضعون لنزعة الاستفراد بكل شئ ، فالفكروالمعرفة تختزل عند أفكارهم – بحسب رؤاهم -، والوطنية تتجسد فيهم وحدهم، والنضال من أجل المجتمع والشعب تنتفي عند غيرهم،مع الشك بوجود الساسة في المجتمع الكردي في سوريا،والنزاع الكردي الكردي حول بعض المصطلحات يؤكد وجود الحركة الكردية في فلك ليس للعلم فيه أثر ووجود،فأية سياسة بمعزل عن العلم يكون له وجود ؟ إذ استثنينا المجتمعات البدائية.
ان نزعة التفرد بكل شيئ،حتى في العمل الحزبي ،والاكتفاء بالعيش في قوقعة تحميهم من التطور والتقدم،تلك القوقعة التي أريد لضعفاء الفكر والعمل والنضال في التقوقع فيه ،وترك المجتمع لأمواج البحاروالمحيطات للهلاك ،ما هي إلا شكل من أشكال تلك النزعة . نعم استاذي الكريم ،
الفصل الحاد بين السياسة والاخلاق وكذلك العلم .
…………………………………………………………
ملاحظة :
هذه المادة وغيرها ، المنقولة الى الموقع تحتاج اعادة نظر للعلم.