الاستشارة

الاستشارة
محمد قاسم
كمسلمين قد يكون الأفضل ان نبدأ بقول الله عزوجل:
“وشاورهم في الأمر”
أو قوله تعالى:
“وأمرهم شورى بينهم”
في هذه الآيات تظهر القيمة التي تكتسبها الشورى..في حياة المسلمين.. هنا الشورى يقوم بها الرسول صلى الله عليه وسلم..كما يقوم به المسلمون بين بعضهم.. فالشورى إذا ركن مهم في الحياة من جهة النظرة الإسلامية..وقد اعتمدت دول هذه الفكرة كالملكة العربية السعودية إذ تبنت نظام”مجلس الشورى” كجهة مهمة توفر الاستشارة للملك وحكومته مثلا.
وعندما نطالع برامج الإدارات بشكل عام -أي إدارة،ولأي مهمة عمل- نجد ان المستشارين يحيطون بالإدارة بحسب التخصص..وبأجور واضحة الأهمية.
لهذا فإن أهمية الاستشارة لم تعد ترفا..أو تميزا خاصا..بل أصبحت جزءا ضروريا من كل عمل نريد له نجاحا..
ولعل القول المأثور –ربما حديث- يكثف قيمة الاستشارة عندما يقول:
“ما خاب من استخار ولا ندم من استشار”
والاستخارة نوع من الاستشارة الروحية..والتي نأمل فيها عونا إلهيا بإلهام يهدينا إلى أفضل صيغة لاتخاذ القرارات..أو المساعدة في الاختيار بين القرارات..!
ومما يروى في هذا الشأن القول” إذا شاورت العاقل صار عقله لك”.
كل ما سبق من التراث الديني والاجتماعي.. والواقع الممارس في المؤسسات، يوضح أهمية الاستشارة..
فهل الاستشارة تختص بأمر معين،أم أنها تكون عامة ولكل أمر؟
لنحاول ان نفصل قليلا..
الأمور عموما إما مادية أو معنوية..ومن المعنويات، الأمور الإنسانية والتي نسميها كذلك، إشارة إلى أنها تتناول الإنسان موضوعا..كما في العلوم المسماة “إنسانية”. .ومنها مثلا علوم النفس..وعلوم التاريخ..وعلوم الاجتماع…وقد قصدت إيراد كلمة “علوم” بالجمع لأن كل علم أصبح له فروع عديدة تندرج تحت تسميتها..وإن كان لكل علم فرعي تسميته الخاصة أيضا..
المهم..فإن الاستشارة نحتاجها في المسائل المادية..المعامل والمصانع… التكنولوجيا بشكل عام.كما نحتاجها في المسائل الاجتماعية عموما.كالسياسة..والحياة المجتمعية بمشكلاتها المختلفة..وجوانبها المختلفة..وفي الإدارات..وفي العملية التربوية..ومن هنا نجد أصبح المرشد النفسي والاجتماعي يحتل مكانة مهمة في مختلف المؤسسات .. بما فيها السجون.!
وأصبحت عبارة “استشارة طبية” و”استشارة قانونية” و”استشارة تربوية” و…الخ من العبارات التي أصبحت مألوفة في حياتنا..ولا نتوقع ان نجد مؤسسة –مهما كان نوعها..- تمارس أنشطتها بلا مستشارين..
بل لقد بدأت الاستشارة تغزو جانب التنمية البشرية أيضا.. ومنذ بدأت التقنية الكترونية تبرز بقوة في مجال الحياة عموما..ومجال العمل خصوصا..
فقد أصبح النت “الكمبيوتر” يسهل على المؤسسات عملية الاستشارة فضلا عن عمليات الاتصال الأخرى ما لم يكن عملا مباشرا يتطلب الحضور..
في المنتديات، مثلا نلاحظ ان الذين يديرونها ليسوا مضطرين للتواجد في بلد معين. فالمنتديات –ومثلها معظم الأعمال التي تعتمد على الانترنت..- نجد ان هناك مستشارون فنيون..ومستشارون للموضوعات وتقسيمها والتعامل معها..الخ.وكل واحد جالس في بيته..وأحيانا لا تكون المعرفة مباشرة بين الشركات والمستشارين.. الانترنيتيين..فالاستشارة تقتصر فيها على الأفكار فحسب..وعبر الانترنيت.. المسينجر ..وربما الاتصالات الإلكترونية الأخرى كالموبايل والفاكس..وغيرها..
المهم ان الاستشارة أصبحت مسألة مهمة في حياة الناس –وفي جميع جوانبها- وبأشكال مختلفة وميسورة..ولكنها ذات جدوى اجتماعيا وسياسيا وثقافيا وتكنولوجيا..وطبيا وحقوقيا..الخ.
قد تتخذ الاستشارة أشكالا مختلفة منها:
-النصيحة..بالقول: أنصحك ان تفعل كذا وكذا..
– الحوار حول الموضوع: بيان الخلل واقتراح الحلول..
– التجربة والمعالجة: تناول الموضوع تجريبيا خاصة في الماديات كالمعامل والمصانع ..وتفحص موضع الخلل ومن ثم التوجيه إلى المعالجة..
وربما تكون هناك تجليات أخرى للاستشارة..جميعها يدل على أمر واحد هو :
أهمية الاستشارة..!
ولعل الاستشارة في القضايا الاجتماعية تتخذ أهمية قصوى..
فمثلا هناك مشكلات تتعلق بالزواج..وبالخلافات الزوجية..وبمشكلات حضانة الأطفال او تعهد تربيتهم بعد أن يتم الطلاق بين الزوجين..
او المشكلات التي تعاني الأسر منها في تربية أطفالها ..
او غير ذلك..
فالحياة الاجتماعية تتعقد يوما بعد يوم..نتيجة المستجدات التي تدخل فيها كثرة الأسفار..وسهولتها..نمو ميول غير مألوفة في الأزواج والزوجات والأولاد..بل والأقارب والجيران..والمتعاملين معا عموما.. بعد مشاهدة الكثير من مظاهر الحياة العصرية عبر الفضائيات والانترنت والنقال..الخ.
……………………………………………………………………….
……………………………………………………………………..ز
الانتماء الطبيعي والصناعي
منذ فتحت عيني على الحياة،ووعيت مكوناتها المادية والمعنوية في الحدود التي يتيحها لي مستوى وعيي في كل مرحلة من نموّي..والآن أنا في العقد السادس من عمري ..واحمل شهادة جامعية ،كما مارست عملية التعليم-أو الأصح عملية التربية- أكثر من ثلاثة عقود..وقد اكتسبت الخبرة من خلال امتداد عمري،وممارسة وظيفتي،والمعطيات المضافة عبر احتكاكي في الناس بمستوياتهم المختلفة وطبائعهم المختلفة،إضافة الى مئات الكتب التي طالعتها،والبرامج الثقافية المختلفة التي شاهدتها في التلفزيونات….الخ
ومع ذلك فلم استطع أن أستوعب بعض الأفكار والأيديولوجيات التي سوّدت المئات –بل الآلاف والملايين-من الصفحات.أو أرشيفات الكمبيوترات وغيرها…لم أستطع أن أستوعب طبيعة العلاقة بين الانتماءات المختلفة للإنسان..-كما تطرح من أصحاب الأيديولوجيات المختلفة وخاصة تلك القوموية ..!
ما أعرفه –ببساطة-أن الله خلق الناس جميعا من أصل واحد –سواء أكان هذا الأصل آدم،أو من نتاج لحظة صدفة أنتجت خلية حية تطورت مع الأيام والسنين الى الكائن البشري بحسب جماعة دارون …!
المهم إن الأصل -بهذا المعنى- هو واحد بين البشر، وبالتالي لا مبرر لمحاولة البعض أن يعتزوا بخصوصيتهم القومية –العرقية- على حساب القوميات الأخرى-أيا كانت-.
ومن الطبيعي أن التطور في أي جانب من الحياة يكون له آثاره التي تسبب تغيرا يتماشى مع هذا التطور..
ومن الطبيعي -أيضا- أن هذه الآثار تختلف بحسب الظروف الطبيعية –البيئية- والظروف البشرية المتفاعلة مع هذه الظروف البيئية..ومن هنا يظهر تفاوت في الأداء البشري في مكان عنه في المكان الآخر..ومن هنا يظهر التنوع في أٍساليب التفاعل مع المحيط البشري والبيئي ..وتبدأ الفروقات الفردية بين فرد وآخر من جهة،وبين جماعة وأخرى من جهة أخرى..
ربما هذه الخاصة –ظهور الفروقات الفردية- أصبحت –مع مرور الزمان- تحدد الإطار الذي يمكننا أن نرى فيه الناس –أفرادا وجماعات…-ومن ثم توصيف كل إطار اجتماعي نسبة الى إطار آخر.؟ ونطلق تسميات تكونت عبر الزمان لهذه الجماعة أو تلك :تسمية ربما تعود الى الأرض التي تعيش عليها،أو الى الجد الأول للجماعة،أو الى اختيارات لهذه التسميات استنادا الى خاصة مميزة-بطولة..كرم..وعي مميز..أو الى أساطير..أو غير ذلك.
الخلاصة –هنا –هو أن البشر يعودون الى أصل واحد –مهما كانت النظرية في الخلق-دينية أو طبيعية او…..الخ.-
هذا أولا..
وثانيا :فإن الانتماء الطبيعي للإنسان هو حق له وواجب عليه في الوقت نفسه.ومن ثم لا يملك احد أن يرى ذاته متعاليا على الآخرين على أساس هذا الانتماء الطبيعي الذي يشترك الجميع فيه..كأمر خارج عن إرادته ولا خيار له فيها..فمثلا القصير لا يعير بقصره والطويل لا يعطى أفضلية في الخلق على غيره،والذي ينقصه الجمال لا ذنب له فيه،ولا يعيّر به،كما أن الجميل لا قيمة تعطى له طبيعيا مادام لم يخلق هو ذاته.أنها انتماءات طبيعية يتساوى فيها الجميع كقيمة طبيعية في الحياة. وقل الأمر نفسه بالنسبة لكل المعطيات الطبيعية في حياة البشر..!
أما الانتماء الصناعي –إذا جاز التعبير –فهو انتماء يقرره الإنسان لنفسه..كالانتماء الى أرض(وطن) طوعا-باختياره- أو كرها –تهجير ..أو هجرة اختيارية..أو ظروف العمل..الخ.
أو كالانتماء الى حزب سياسي،جمعية خيرية أو ثقافية …الخ،أو كاختيار العقيدة الدينية،والتي لها خصوصية -واقعيا-
يقول الرسول ما معناه: يولد الإنسان على الفطرة، فأبواه يهودانه ،او ينصرانه، أو يمجسانه-من المجوسية-
وفي البيئات التي تكون الحرية الفردية متاحة –كما في الغرب-فإن المرء يمكنه أن يختار اعتقاده بحرية –قد لا تكون مطلقة ولكنها غالبة-.
في حالة الانتماء الصناعي هذا –وهو حق على كل حال للفرد- يمكن ان تجري مناقشات حول مداها القانوني والأخلاقي،وتفاعل ذلك مع المعطيات الاجتماعية واقعيا،ومراعاة المناخ الفكري –بأوسع معانيه- ويكون ميدانا خصبا لتباري النظريات المختلفة ومنها الأيديولوجيات..!
أما الانتماء الطبيعي فكيف يمكن النظر إليه..؟
ما نشاهده ونسمعه،ونقرأ عنه..الخ.
أن أصحاب الأيديولوجيات القومية خاصة –والدينية والماركسية …-جميعا يحاولون تطويع هذه الانتماءات لنظرياتهم وإيديولوجياتهم بالقوة السياسية..ووفقا للفئة-الطبقة-الحاكمة والتي تعيث فسادا في المفاهيم –برؤى تخصهم- وتخدم موقعهم السلطوي..ومدة بقائهم في السلطة.. فيفلسفون الحالة وفقا لأمزجتهم السياسة،وخلافا للمجرى الطبيعي لعملية الانتماء هذه..فكم نقرا في المطبوعات،ونسمع -مع المشاهدة- تصريحات تتناول هذه القضية من منظور ذاتي أيديولوجي خدمة لما يريدونه من واقع؛ وان اضطرهم ذلك الى التعسف في شطب هذه الانتماءات الطبيعية –العرقية خاصة-.
فلا نستغرب من هؤلاء –مثلا- أن يقولوا- احد أهم المنظرين لحزب البعث ويشغل موقعا مهما في التكلم بلسانهم ولسان نظامهم -..أن يجمع بين النقيضين على أساس أيديولوجي –ودون خجل من هذا التهافت المخجل علميا-كان يقول(الأكراد العرب مثلا)..!
ولا ادري كيف تجاوز علمه ومعرفته باختلاف الأعراق في خصائص عديدة بعد مضي القرون الطوال على تمايز التكوينات القومية –العرقية- ويريد أن يفرض عليهم سياسيا مفاهيمه العرجاء..وفعل الأمر نفسه أتاتورك-هذا الرجل المأفون –برأيي-فالذي يتجاوز الحقائق –وهو عالم بها –يكون مأفونا، أو جبارا لا تتمثل في ذهنيته وسيكولوجيته أية قيم بشرية طبيعية،وإنما –ربما – تكوينات فكرية ونفسية مشوهة –إعاقة فكرية بمعنى ما ..!
أن تجاوز الحقائق بهذه الطرق المتجاوزة من المشكلات التي ابتلي بها بنوا البشر على أيدي هؤلاء،ولا يزال العالم يعاني من آثار نظرياتهم الخاطئة والخطرة أيضا..!
من حسن الحظ أن الغرب –رغم مساوئه على صعيد الاستعمار والاستغلال الاقتصادي الفج والمؤلم- فإنه –بتبنيه نظرية الفرد كتكوين للمجتمع-قد استطاع أن يكرس جملة هامة من القيم التي تميز هذه الأفكار عن بعضها على أساس فردية الإنسان والتي تتجه باستمرار نحو حالة اجتماعية –وطنية- بطريقة تراكمية متدرجة تجعل التفاعل الفردي والاجتماعي يكون تجانسا بدل التعسف الذي يتبناه الشرقيون عموما والعروبيون خاصة .