الباطن والظاهر
رؤية تحاول أن تتصفح الداخل
محمد قاسم
كثرة المترادفات في اللغة العربية –وربما في غيرها أيضا- من أسباب الإشكال أحيانا،في تحديد المفاهيم –أطرا ومضامين- ومن ثم في ترجمتها –أو تصوّرها- في علاقتها مع الواقع(التطبيق العملي لها اجتماعيا).
المشكلة في حالة القضايا المختلفة وتحديدها هي دوما ،قائمة.
وهي دوما تتمظهر في جانبين –الخارج والداخل- (أو الظاهر والباطن)ولقد اعتاد الناس أن يأخذوا من قصيرها –كما يقال- فيعتمدون ما يرونه أسهل تطبيقا،أو أفيد تحقيقا لما يريدون او يرغبون…
من هنا مشكلة الشكل والمضمون ..!
هذه المشكلة، والتي يحاول الناس دوما معالجتها على صعيد الأدب والعمل عموما، فمنهم من يركز على الشكل، ومنهم من يركز على المضمون، ومنهم من يجمع بين الاثنين ضرورة في حالة توازن بينهما، ومنهم من يرجح.. (يقر بالتوازن ولكن يرجح الميزان لصالح الشكل أو لصالح المضمون..,وهكذا…!).
فالرؤى البشرية مختلفة –دائما- وذلك طبيعي مادامت التربية مختلفة، ومادامت الظروف المحيطة بيئيا واجتماعيا مختلفة، وما دامت الأهداف والمرامي مختلفة، ومادام الجنس مختلفا –ذكورة وأنوثة – ومادامت الأعمار مختلفة – شيبا وشبابا وطفولة …الخ.
ما المطلوب إذا..؟!.
بتقديري،المطلوب -أو المقصود من هذه الأفكار وما حشد لها من كلمات ،( و لعلها تكون معبرة عنها وفق حالة التحديد المرجوة) المطلوب هو:
كيف نتعامل بشريا معها، في صيغة توافقية تيسر التكامل المطلوب ..؟.
وطبعا ليس الأمر بغاية السهولة كما قد يتبادر إلى الذهن سريعا ،فلو كان كذلك لما اختلف الناس، ولما تعددت المذاهب الأدبية والفكرية ،ولما كانت الصراعات المتدرجة بساطة وتعقيدا بين البشر.. ولا نزعم أننا سنعالج ما عجز الآخرون عنه أو قصروا فيه..!
قصارى الأمر؛ أننا نحاول أن ندلو بدلونا ،ربما للتذكير أكثر منه للمعالجة..وللدعوة إلى التشارك في البحث أكثر منه لممارسة قد لا نتوفق في علاجها بدون تكامل مع مهتمين ومختصين.
وأخيرا لإبداء رأي قد يصح وقد لا يصح.. ولكنها محاولة مساهمة على الأقل..!
فمنذ استطعت أن اقتني جهاز كمبيوتر–بالتقسيط الممل–فإنني أرتاد المواقع الإلكترونية أحاول الاستفادة مما فيها،وأحاول الكتابة آملا المساهمة مع المساهمين في رفدها ببعض الأفكار والخواطر والرؤى ..لعلها تكون رفدا مفيدا أو متفاعلا،من بين ما يرفدها..وما لفت انتباهي –أحيانا- هو أن التعبير يأتي غامضا أو مباشرا كثيرا، أو حتى مؤذيا ومسيئا…الخ.
ونتساءل لماذا؟
ببساطة الأسباب معدودة في الإشارة الى الاختلاف بين البشر في جوانب عديدة –كما سبق-
فكيف المعالجة إذا؟.
ايضا ببساطة يجب ان يرتقي المرء في مستواه لجهة الوعي،أو لجهة المهارة في الأداء-مهما كان الأداء- ومنه الكتابة..
فالكتابة –قبل كل شيء- فعل فكري ومهارة فيه .. والمهارة تحتاج الى مصداقية ايضا في أي مجال كان-تطابق الفكر مع الواقع منطقا وسلوكا.لكي تأتي أكلها بالتفاعل الإيجابي مع الآخرين.وحسن استقبالهم لنتائجها..
فعلينا-إذا – أن ندرك أن الكتابة خلاصة فهم وتمثل وتعبير ..وهذا يلقي على كواهلنا مسؤولية التنبه إلى أن ما نكتب سيترتب عليه أمر ما صغر او كبر..أو سيكون تعبيرا عن قضية ما عظمت او هانت..فالأحرى بنا إذا، أن نتفهم العلاقة بين الظاهر والباطن في حياتنا عموما، وفي السلوك خاصة باعتباره خلاصة فهم ووعي وتمثل وربة وإرادة…!
……………………………
قضايا ذات جذور نفسية
مؤثرة على الحياة الاجتماعية.
– اجتماعيا: في العلاقات الاجتماعية-خاصة في المجتمعات ذات الثقافة القبلية… هناك واجب..وهنا حق…الواجب ما يفترض بنا ان نقوم به تجاه الغير.والحق ما يفترض نقوم نحن بالمطالبة به، أو يفترض بالآخرين تحقيقه لنا-وهنا هي واجب الآخرين- مثلما حق الآخرين هو واجب علينا…
الحق والواجب كلاهما واحد لكن التسمية تختلف بحسب الحامل…وبحسب الموقف…
– سياسيا: في التعامل السياسي الذي يمثل حالة إدارية عليا للوظائف الرئيسة في الحياة الاجتماعية العامة –المفاصل العامة والهامة- كتنظيم الحياة الإدارية ووضع الخطط العامة لمختلف مسارات وسلوكيات المجتمع بتفويض له أشكال متعددة بحسب ظروف وطبيعة وعي هذا المجتمع أو ذاك…والعناصر الثقافية السائدة…لكنها لا تلغي جميعا الملامح الرئيسة للمهمة – الحدود التي توضح العلاقة بين المنظمة –الحاكمة- والحياة الشعبية العامة والعادية…هنا لي ملاحظات:
– في ظني أن الحكومة وجدت؛ لا لتوجه حياة الناس وسلوكهم اليومي…
-بتدخلات مباشرة وغير مباشرة- وإنما لتنظيم عناصر الثقافة الاجتماعية في ملامحها العامة- والمحافظة على التفاعل المألوف مع تحديد ما يفترض انه يخالف المصالح العامة بمرونة لا تتيح للسلطة التدخل المباشر والمؤثر على الحريات ..
………………………………………………………………………………………………..
للحياة أوجه واتجاهات وخيارات
لو بدأنا بأحداث مبسطة او بسيطة جدا داخل الدار ،بين أفراد العائلة الواحدة-بين الأشقاء – والشقيقات بعضهم بعضا..بينهم وبين والديهم..لتبين لنا مدى اختلاف وتباين الأمزجة والطبائع واتجاهات في التفكير والرؤى وحساسية المشاعر ..الخ.
فما بالك إذا توسعت دائرة العلاقات أكثر –كالقبيلة والمجتمع والشعب والأمة…الخ.
حيال ذلك لا بد من أسلوب إدارة يراعي طبيعة هذه الاختلافات والتباينات بحكمة تتطلب ابتلاع الرغبات والمشاعر الخاصة…والاعتماد على العقل والخبرة والبداهة والصبر والذكاء…الخ.
للحاجة إلى مثل هذه المواصفات والقدرة على إدارتها –أو استخدامها بشكل صائب ومنتج- كان التميّز بالنسبة للذين يمكنهم ان يحوزوها، ويعملوا بها لمعالجة المشكلات، والتي هي جزء من طبيعة العلاقات البشرية- سواء بسبب جهل وسوء تصرف،أو بسبب انحراف في السلوك وسوء التربية، او بسبب نهج ثقافي يفرز اتجاهات في الرؤى والتفكير والسلوك…الخ.
ويوصف الذين يتمتعون بتلك المواصفات بالحكمة والوعي والمهارة والحنكة..الخ. وكلها مواصفات تشير إلى مقدرة على فهم المشكلات وتجازها الى المعالجة بطرق ناجعة..
يحدث هذا في حالة المشكلات الصغيرة، وفي حالة المشكلات الكبيرة، وضمن التجمعات الصغيرة، كما ضمن التجمعات الكبيرة..الخ.
أوحى إلي بهذه الأفكار حدث صغير اليوم في الدار.
ابنة أخي وأبناؤها في ضيافتي، هاجروا من ظروف الحرب ،والزوج في السجن منذ زمن طال بلا معرفة لمصيره ولا إمكانية لزيارته، ولا حتى فهم أسباب اعتقاله…بيقين.
من سوء الحظ ان ابنها الصغير مر في ظروف صعبة لم يحسنوا تربيته بطريقة صائبة، فهو يعاني من مشكلات تجعل منه شقيا…وهو صغير لم يتجاوز العاشرة.
وابني يزيد ه ربما سنتين فحسب …فكيف يمكن معالجة تصرفات طفل شقي مع آخر في عمره، يحب الحركة لكنه ليس شقيا مثله…؟!
وعندما يصطدمان، كيف يمكن معالجة الأمر بينهما…؟
ترك الشقي على هواه –وربما تطول إقامتهم- سيؤثر سلبا على ابني وقد يقهره نفسيا.والضغط على الشقي يحرجنا، وقد يشعر الأم بشعور خاطئ، وتفسير أكثر خطأ، كأن تظن أننا سئمنا منها، او أننا نفتعل أمورا للتعبير عن انزعاجنا او ما شابه..وهذه أصعب علينا، فهي امرأة عانت من مرارة اليتم في طفولتها، وتعاني الحرمان والأحزان والقلق …الآن…!
نقول لا حول ولا قوة إلا بالله.
اللهم أعنا على حسن إدارة الظروف .
…………………………………………
البعد السيكولوجي في الألقاب
إذا عدنا الى مراحل قديمة في الحياة الغربية –أوروبا خاصة-والشرقية –الهند والصين..وهي حضارات قديمة وعريقة..فإنا سنقع على ألقاب محددة في مستويات معينة،وظيفتها الإشارة إلى مكانة صاحبها اجتماعيا سياسيا دينيا..الخ.
فمثلا في الغرب..الدوق –الكونت-الدوقة –الكونتيسة –الأمير او الأميرة –الملك الملكة-الكاردينال-الأرشمندريت-البابا -الإمبراطورية..ولكل لقب ألفاظه الخاصة ..جلالة.. عظمة..نيافة.. عطوفة..سيادة…فخامة..الخ..
بالتمعن فيها نلاحظ أن الهدف منها تثبيت معانيها مع هالة نفسية مؤثرة تتغلغل في الأعماق لتنعكس هالة نفسية خاصة تجاه أصحاب هذه الألقاب.. وعندئذ يموت الشعور بالاعتزاز لدى الذين لا ألقاب لهم..ويصبح هدفهم فقط ان يحظون بنظرة عطف أو تساهل أو أي خطوة امتياز من هؤلاء يشعرهم ببعض قيمة إنسانية في إطار ما يرضى عنه أصحاب الألقاب..
لعبة فيها خبث وظلم ابتكره البعض ليمارسها خدمة لمصالحه غير المشروعة غالبا..وربما كان لطبيعة العلاقة القبلية بدءا، تأثير بدرجة أو أخرى..ذلك أن العلاقة الأولى اجتماعيا ..كانت خاضعة للجد الأول ثم تحورت العلاقة –كما أقدر–حول اكبر أبناء القبيلة فالمبايعة.والاختيارات بأساليب مختلفة ..
وظلت الأحوال كذلك على الرغم من الجهد المبذول من الديانات السماوية لتعطيل فعالية وأثر هذه الوظائف المستندة الى نوع اللقب..فقال الرسول –مثلا- لإعرابي هابه: هون عليك فما أنا إلا ابن امرأة كانت تأكل القديد..وعاش سلوكا متواضعا في لباسه وطعامه ومعيشته عموما.. حتى أن الزائر لا يعرفه من بين أصحابه فيسأل:أيكم محمد..؟
وهكذا كان الشأن مع عيسى عليه السلام،ومع موسى عليه السلام..ومع المفكرين وأصحاب فلسفة الحكمة في الصين-كونفوشيوس مثلا..وفي اليونان سقراط وأرسطو وأفلاطون..الخ.
وفي الهند كان المهاتما غاندي انعكاسا لفلسفة هندية قوامها التواضع والذوبان في المطلق عبر النيرفانا –وفق فكر بوذا..ولزرادشت تعاليم تصب في هذا الاتجاه..فعموم الحكماء والرسل والمفكرون ..حاولوا تكريس خصائص أخلاقية على أساس الأخوة البشرية والتساوي بينهم بخلاف السياسيين والقواد والأمراء والملوك…الذي ظلوا يمارسون لعبة التعالي على عموم أبناء الشعوب بأساليب شتى..!
هذه الألفاظ بدأت تتلاشى في الثقافة الغربية المعاصرة لصالح كلمة “السيد” تعبيرا عن التساوي بين البشر جميعا فالرئيس “سيد” وعامل القمامة “سيد” مع حفظ الصلاحيات والمستويات المتحققة نتيجة تميز ما.
في الشرق لا تزال هذه الألقاب في أوج قوتها :فخامة الرئيس…معالي الوزير..الخ.وهذا يعود الى ان الألقاب لها سيكولوجية تمد أصحابها بالزهو والتميز عن الآخرين،وربما هذا الشعور يراود الناس فعلا ..فتصبح ثقافة التمييز هي السائدة سيكولوجيا على الرغم من كل الذي يقال حول ذلك.
وان البدء بتوحيد الألقاب في كلمة معبرة عن تساوي البشر وهي كلمة “السيد” سيكون فاتحة تغييرات أخرى تعود بالفائدة على العلاقات الاجتماعية في مستوياتها المختلفة.