التعبير عن الرأي
م.قاسم
بلاشك إن التعبير عن الرأي هو حق مقدس وضروري في حياة البشر المتحضرين..بل حتى في حياة الناس العاديين ..
فالتعبير عن الرأي يعني الحاجة الى التفاعل مع الآخرين فكريا ونفسيا..
والتعبير عن الرأي يعني الرغبة في التفاعل مع الآخرين.
والتعبير عن الرأي يعني شعورا بالحرية ومن ثم المسؤولية عن الرأي تجاه حدث ما من أحداث الحياة .وهو احتجاج على ما لا يريده، أو على ما يراه مؤثرا سلبا في الحياة الفردية أو الاجتماعية.
والتعبير عن الرأي يعني تنمية للفكر عبر استخدامه وسيلة تعبير وتفاعل.
والتعبير عن الرأي يعني ممارسة البعد الاجتماعي في الشخصية الإنسانية، وهو يعني المشاركة الجماعية في تحمل التخطيط والتصوير والبناء والتنفيذ …
ومن ثم فإن التعبير عن الرأي يعني حياة ديمقراطية تستنهض فيها قوى التفكير عموما، والتفكير المبدع خصوصا، لتفاعل منتج خلاصته:
اكتشاف عوامل التطور ووضعها في التداول والاستثمار كما هو حاصل واقعيا في المجتمعات المتقدمة.
ليس التعبير عن الرأي متعة فحسب –اللهم إلا في المستويات الفنية والأدبية الخاصة –بل هو مساهمة في إغناء الحياة الاجتماعية بالتنوع والحيوية والتفاعل بأشكاله المختلفة والمتباينة والمتضادة أيضا.
إنه تفجير للطاقات المختلفة الكامنة في الإنسان لتأخذ مداها الحيوي في تطوير الحياة البشرية على كل صعيد وخاصة تلك الجوانب المتعلقة بالنمو الاجتماعي في أشكاله المختلفة وعلى رأسها الجانب السياسي.
هذا الجانب الذي بدا تربويا بسيطا –كما يبدو-في حياة الناس، ثم تطور حتى وصل الى الدولة العصرية التي امتدت أطرافها الى مسافات بعيدة تنوع فيها الجغرافيا والطبيعة والمكونات البشرية اجتماعيا وثقافيا، والتنوع القومي والديني والطائفي وغير ذلك..
وقد عانى التعبير عن الذات عبر التاريخ البشري من كبت وقمع بشكل أو بآخر ،مباشرة أو غير مباشر.وكانت القوة دوما هي القامعة له عبر استبداد الحاكم –أو الأب في الأسرة- أو الكبار للصغار،أو الرجل للمراة –واحيانا العكس أيضا على المستوى الفردي على الأقل-
وتبلور الاستبداد في أشكال مختلفة ومبتكرة وقاسية في ميدان السياسة خاصة،فنيرون مثلا يحرق روما لمتعة نفسه،ولا يملك شعبه التعبير عن استيائه أو احتجاجه أو رفضه حتى ومنعه.
وكان التعبير عن الرأي منحة من الحاكم بحسب تركيبته الأخلاقية ،فقد يكون رجلا –أو امرأة – عادلا ويستمع المشورة ،وقد يكون مستهترا بحياة الناس ومسفها لرأيهم-وهذه هي سمة الاستبداد في كل عصر- الحاكم المستبد يرى في الآخرين دوما قاصرين عن التفكير السليم والرؤية الصحيحة،فلا يستمع إليهم ولا يقيم لرؤاهم وزنا، ولا يعطيهم فرصة تنفيس حتى أنفسهم..
حصل هذا في الماضي ،ويحصل هذا في اليوم خاصة في المجتمعات الشرقية التي غلب فيها العقلية (الذهنية)القبائلية التي لم تعد تناسب المرحلة الحاضرة في تطور المجتمع-وان كانت مطلوبة في مرحلة ما من تاريخها-
في الشرق تكونت سيكولوجية الحكم على أساس السكونية،
فالحاكم-شيخ القبيلة،آغا،أمير ،ملك،إمبراطور-خليفة…الخ- لا ينبغي ان يحكم بعد ان كان حاكما، والأنكى من هذا هو ولاية العهد في الحكم الملكي –وحكم الخلفاء- مستغلين-دينيا-فتاوى رجال دين(علماء)ليس لهم في العمل السياسي دراية،وإنما تعامل نظري تصوري حاولوا استنتاجه من نصوص لم يتفقوا جميعا عليها،ولكن الحاكم (الخليفة)تلقفها ليجعلها مستندا لشرعية سلوكه في تولية أبنائه الذين كانوا من أسباب المشاكل والحروب أحيانا والتسبب في قتل المئات والألوف من البشر في سبيل أطماعهم الشخصية باسم الدولة والشرعية، كما يفعل اليوم طغاة ومستبدون بشعوبهم الذين يجوعونهم،ويجندونهم على أمزجتهم بعد اذ قضوا على التعبير عن الرأي، ووضعوا أصحابه في سجون مظلمة..وهذه الجريمة التي لا تغتفر.
خيرة المفكرين والعلماء والحيويين في التفكير والعمل والسلوك..يوضعون في السجون –ليس فقط عزلا لهم عن التأثير،بل وعضلا لهم بمختلف أشكال التعذيب الذي يمارس بحق المجرمين عادة- فالرأي عند هؤلاء الحكام هو جريمة..
ومن هنا فقد ظلت الدول التي تمارس هذا النمط من السلوك أكثر الدول تخلفا-إذا جاز ان نسميها دولا بالمعنى العصري للدول-وعلى رأس هذه الدول بطبيعة الحال،الدول العربية،ولعل تسميتها بالأنظمة العربية أدق دلالة،فالدول مؤسسة اجتماعية سياسية ترتكز الى نظم وقوانين وأعراف وتقاليد استمدتها من خبرتها النظرية والعملية في الحياة بشكل تراكمي أنتج تصورا مشتركا لدى غالبية المفكرين والساسة الفلاسفة حول أسلوب إدارة الحكم،ومنه شكل ممارسته،والمساحة التي يتمتع المواطن فيها بحرية في التفكير والعمل بحيث ينتج تناغما بين الأداء الرسمي والأداء الشعبي في حالة حوارية لكل منها مساحتها التي لا تتجاوزها.عنها اللبرالية الاقتصادية والديمقراطية السياسية،وإدارة الدولة في القضايا الرئيسية المتعلقة بأمن ومصلحة الدولة..
………………………………………………………………………………………………………..
لقطات تلفت النظر
محمد قاسم
كنت أتابع مسلسلا في التلفزيون فوقعت عيني على منظر امرأة في المطبخ بلباس الطبخ، وفي المقابل منها زوجها في المطبخ بلباس الطبخ.
كانا يتحاوران حول قضايا مالية أثناء العمل في المطبخ…!
لست مستغربا للمنظر. فعون الرجل للمرأة في أي عمل كان أمر محمود، ويدخل في باب التشارك والتعاون في الحياة على السراء والضراء.
وكمسلم فلي من الرسول قدوة حسنة. وكان يقوم بمساعدة أزواجه في عمل البيت طبخا ونفخا وغسيلا للأطباق …الخ. وفي ذلك أحاديث.
أين القضية إذا؟
القضية هي في هذه الموجة التي ظهرت في المجتمعات الشرقية –تقليدا للغرب-بتطويع مزاج الرجل لمشتهيات بعض النساء في العمل-السلوكيات-–بدون ضرورة-في كل ما يشعرهن بأنهن أصبحن في مستوى الرجل مادام الرجل يمارس نفس ما يمارسن في البيت من جهة، وتطويع مزاجهن –ولو منظرا أو مظهرا-لأعمال-سلوكيات-ربما تكون أكثر مناسبة لفيزيولوجية الرجل كالأعمال الشاقة خاصة.
وهنا تحركت في نفسي تساؤلات:
ترى عندما خلق الله الرجل والمرأة (أو خلقت طفرة) ألم يكن قادرا على خلق الرجل بدون امرأة…؟ او كيف أن الطبيعة انتجت الخصائص المتمايزة بين الرجل والمرأة. وما الذي دفعها الى ذلك؟!
أو المرأة بدون رجل…؟
ويجد طريقة أخرى-مثلا-لأسلوب العيش والحياة والتناسل…الخ…؟!
ما الحكمة -إذا-من اختلاف الرجل والمرأة، مادامت المرأة تصرّ على أن تكون رجلا، أو كالرجل ..؟!
وما الحكمة –إذا-من اختلاف الرجل والمرأة، ما دامت المرأة تصر على ان يكون الرجل امرأة، أو كالمرأة…؟!
والعكس أيضا صحيح. فلا نعدم من الشباب من يتشبه بالمرأة في زينتها ودلعها وشكلها… وأيضا العكس صحيح.فلا نعدم امرأة تتخذ من مظهر يقربها من شبه الرجال، حلاقة شعر. لباس الجينز. وضع الكرافتة. لبس الطقم الذي اعتدنا على تسميته ب الرجالي…الخ.
لو عدنا إلى الماضي البعيد البعيد. قبل قرون كثيرة …!
كيف كانت الحياة؟.
وما الذي أفرز هذا النمط من الحياة…؟
عندما كان الرجل يصيد ويعمل في الزراعة والقتال والتجارة على الأسفار البعيدة. بحسب قرءات استنتاجية للتاريخ والآثار فيها، وتبقى معلومات تحتاج دوما للتأكد منها والمتابعة!
وكانت المرأة تظل في البيت ترعى أولادها وأعمالها في البيت. وربما اضطرت الى بعض الأعمال الشاقة-كنتيجة للحاجة-ولكنها 0على العموم –تبقى ضمن ممارسة أعمال من نمط خاص اشتهرت بها المرأة على مر التاريخ، وهي كل الأعمال ضمن البيت. والرجل خارج البيت…؟
ماذا يمكن ان نسمي هذه المرحلة في تاريخ البشر؟.
هل هي مرحلة خاطئة.؟
بعد حوالي عشرين قرنا من الزمان ترتفع أصوات لتصحيح أخطاء عشرين قرنا –بظنهم-.
كيف يمكن تفسير ذلك. ؟!.
ويحشدون لذلك حججا اغلبها تستند إلى خلفية نفسية، بغض النظر عن المظاهر التي تظهر بها -غرائزية، أو نفسية، أو سياسية او اقتصادية…الخ.
قيل لعباس محمود العقاد.إن المرأة ظلت متخلفة عن الرجل –وأنا أتحفظ على هذه العبارة-لأن الرجل صادر حريتها خلال القرون الماضية.فقال ما معناه: لو ان المرأة مهيأة لما يقوم به الرجل لاستطاعت خلال هذه القرون ان تصل إلى ذلك..! وليس من باب تفضيل الرجل على المرأة فكلاهما إنسان بكل ما تعنيه الكلمة من معان وتداعيات ..وإنما المقصود بان كل امرئ خلق لما هو مهيأ له.
ربما إذا حاولنا ان نطرح الأمور بشكل آخر،كان نقول ينبغي أن تفتح مجالات العمل رضائيا أمام المرأة بعد إذ أصبح أسهل..كالعمل في المكاتب وبعض الأعمال التجارية بحسب ما تختار هي لنفسها،وبتنسيق بينها ومن يعنيهم الأمر من ذويها –أمها او أبيها او زوجها..الخ.-لا ان نسوقها إليه سوقا كما تفعل بعض الاتجاهات الزاعمة بتحرير المرأة..! وعملية التنسيق لا نقصد بها المرأة وحدها بل ايضا الرجل الذي يعمل يستشير أهله..زوجه،أولاده..أباه أو أمه..الخ. فهي قضية تشارك في المصير ..!
كما انه علينا ان نعترف بان ممارسات بحق المرأة، حكمتها ظروف استغلها بعض الرجال لنوع من السيطرة عليها-بدفع سيكولوجي مختل منهجيا لسبب او آخر-..!
وعلينا ان نعترف بان الظلم قد يكون على المرأة أكثر من الرجل- على الرغم من اشتراكهما كجنسين في الوقوع تحت الظلم بأشكال مختلفة..-
وعلينا ان نعترف بان العلاقة بين الزوج والزوجة أو الأب والابنة أو الأخ والأخت..كانت لمصلحة سيطرة الرجل أكثر أحيانا، وإن كانت الحالة المعاكسة ايضا موجودة في بعض الحالات،وأحيانا بصورة أكثر مرارة ..!
ولكن علينا ان نتساءل: لماذا كان يحدث هذا ؟.
ولماذا يحدث هذا الآن ايضا؟.
أليس السبب هو إما انتشار جهل..؟!.
أو نقص في التربية..؟!.
أو خلل فنهج التفكير ..؟!.
أو خواء من عقيدة ضابطة للسلوك..ظ أو ..أو ..الخ..؟!.
أي أن المشكلة في أمر آخر غير علاقة الرجل بالمرأة..أمر يتعلق بصيغة الحياة المعاشة ،والمنعكسة أسلوب حياة؛ يفرز أخطاء في السلوك الإنساني عموما-بين الأب وأولاده،بين الزوج وزوجه أو أزواجه،بين الإخوة والأقارب ..الخ لدواعي تتعلق بما ذكر من أسباب ..؟!
………….
التعلم والحياة
محمد قاسم ” ابن الجزيرة ”
m.qibnjezireHotmail.com
نتعلم أشياء أكاديميا –نظريا ثم نستفيد من هذه المعرفة-التعلم- في الحياة تطبيقيا، ونكتسب خبرة خلال هذه التطبيقات العملية من جهتين –على الأقل- الأولى أخطاؤنا والثانية احتكاكاتنا مع الآخرين من ذوي الخبرة والاكتساب منهم..وفي الحالات التي يكون المرء فيها من المتميزين ذكاء واهتماما واستعدادات وإمكانيات…فضلا عن توفر الظروف المساعدة فإن المعرفة والخبرة تزداد، وقد تبلغ حد الإبداع –لا مثيل سابق له- ولعل هذه الحالات هي التي تعمر الحركة البشرية في الحياة في كل جوانبها.
هذا يحدث في القضايا الصناعية التطبيقية، مثلما يحدث في القضايا النظرية وذات العلاقة بالحياة الاجتماعية؛ ومنها قضايا التاريخ وقضايا الواقع والأحداث فيهما؛ مع اختلاف في كون التاريخ ماضيا والواقع حاضرا ومشاهدا او معاصرا مباشرة… وهذا يعطيه مساحة أفضل، أو فرصة أفضل- للتأكد من حقائق نتعامل معها،بينما في التاريخ فنحن نبحث آثار الأحداث في تجليات مختلفة، منها الوثائق، ومنها الآثار التي خلفتها الأحداث عموما؛ كالتدمير في الحروب او بقايا العمار أو الأدوات المصنوعة ..وكل ذلك يحتاج خبرة خاصة تميّز بين الصحيح والمنتحل أو المقلد.
لكن المناخ الثقافي السائد في مرحلة ما يجعل الواقع أشبه بالأحداث الماضية لما يمكن البعض من التزوير بطريقة محترفة وفقدان حس المسؤولية الإنسانية وقيمه المفترضة.. فيضطر المرء أن يتعامل بوعي وخبرة ونهج مدروس لكي يستطيع التمييز بين الغث أو السمين أو الصائب والباطل.
يحدث هذا أكثر في عالم السياسة
هذا العالم الذي يشترك مع عالم التجارة في كونه مبني على المصالح.لكن التجارة يحكمها أكثر من ضابط، منه أخلاقي، ومنه عرفي-اجتماعي- ومنه قانونين ومنه الشرعي –الحلال والحرام،ومنه نمط التربية التي ربي عليها التاجر…الخ.
وحتى هذا يختلف من مجتمع لآخر بحسب الثقافة المهيمنة، والجواهر التي تحرك السلوك في هذه الثقافة.
وينفرد عن التجارة والمشترك المحتمة مع أي جانب من الحياة الاجتماعية-عالم اجتماعي آخر- ينفرد في انه عالم –فضلا عن محورية المصلحة فيه- يمتلك القوة غالبا –عند المتنفذين على الأقل ،الحكام خاصة.
من هنا تنبع المشكلة –ربما-
إن الذين تأقلموا مع فكرة المصلحة فقبلوها بكل مظاهرها وأنواعها دون الالتزام بالضوابط والقيم الاجتماعية –الأخلاقية او الدينية او العرفية – ايجابيا…يتحولون إلى كائنات مختلفة عن الكائن الإنساني المتعارف عليه على انه يختزن نزوعا إلى الشر ولكن النزوع إلى الخير كسمة عامة طاغ في الحياة الإنسانية..وبالتالي فإن مختلف القيم التي تراكمت خلال آجال طويلة تهدف إلى تكريس هذه القيم الايجابية سواء في المنظومة القيمية الدينية أو المنظومة القيمية الأخلاقية الاجتماعية أو في نتائج الجهود التي توصل إليها الفلاسفة والمفكرون ..الخ.
وتبدأ المعاناة ..معاناة البشرية…بل معاناة الكون في مختلف موجوداته ومظاهر الحياة فيه.
فالصراع العنيف، والقتل والدمار وزرع قيم تكون من نتاج ذلك او ترافقه…يصبح ظاهرة تتخذ تجليات مختلفة..ولعل الخطر في ذلك كله ما ينتج عنه من ثقافة جوهرها المصلحة بلا تحديدات أخلاقية ايجابية ومن ثم تتحول الحياة الى قلق وخوف وحرمان بالنسبة للغالبية..وتجارب ومغامرات وآثار مؤذية بالنسبة للقلة المتحكمة بالظروف العنيفة في شكل ما..خاصة التحكم بمفاصل الدول وشعوبها وإفرازات ثقافات ذاتية-أيديولوجية تخدم هذا الواقع المغلوط أساسا.